بنوايا حسنة, فكيف لا يذم من ابتدع طريق التصوف
الأعجمي في الفناء والرهبانية وذكر الله بالرقص والدف "
ومن يعتقد أن لأحد طريقا إلى الله من غير متابعة محمد
صلى الله عليه وسلم فهو كافر من أولياء الشيطان"”.
ثم إن هناك من العلماء الذين كتبوا في موضوع (الفرق)
المسلمين والمشركين ) قال: " اعلم أن أكثر من قص فرق
اا "", ثم ذكر طبقاتهم
وفرقهم. وقد جعل ابن النديم في كتابه (الفهرست) المقالة
الخامسة ( في السياح والزهاد والعباد والمتصوفة المتكلمين
وعقد ابن حزم في كتابه ( الفصل في الملل والنحل )
فصلا لذكر ( شنع قوم لا تعرف فرقهم ) ثم قال: " وادعت
طائف من الصوفية أن في أولياء الله من هو أفضل من جميع
وجاء في كتاب ( البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان )
لعباس بن منصور الحنبلي: " ولم يشذ أحد منهم - أي عن
أهل السنة والجماعة سوى فرقة واحدة تسمت بالصوفية
يتقربون لأهل السنة وليسوا منهم وقد خالفوهم في الاعتقاد
والأفعال " ' والظاهر أن المؤلف يتكلم عن غلاة الصوفية.
فخر الدين الرازي: اعتفادات فرق المسلمين /؟ 1
* ابن حز: الفصل في الملل والنحل 119/4
*مقدمة كتاب اعتفادات فرق المسامين .1١/
والقصد أننا لا نعني بكلمة فرقة إلا التفرق المذموم في
الشرع وهو الابتعاد عن أصالة الإسلام الذي يمثله جيل
الصحابة ومن تبع أثرهم. ونحن نعلم أن هناك أفاضل
ينتسبون إلى التصوف ولكن هذا لا يمنع من الكلام عن
الصوفية بشكل عام, وهؤلاء العلماء أخذوا بجانب الصوفية
لظنهم أنها الطريق الوحيد لتربية النفس, وهذا خطأً منهم,
ومع ذلك فهم لا يتعمتون في التصوف المنحرف المؤدي إلى
البطالة أو الكفر, والمرجئة كذلك تصنف مع الفرق ومع ذلك
فقد ابتلي بها بعض العلماء فإذا اعتبرنا الصوفية فرقة ابتعدت
قيلا أو كثيرآً عن منهج السلف فلا يعني هذا أن كل من
انتسب إليها ضال منحرف, فقد يكون من أعظم العباد ولكن
فيه نقصاً في جانب من جوانب الإسلام الشامل المتكامل
والمسلم يكون فيه من النقص بمقدار ابتعاده عن السنة.
5 ونحن لا ننكر أن أوائل الصوفية أثروا الجانب
الروحي - إذا صح التعبير - بكلامهم عن أعمال القلوب و
خطراتها والتركيز على الإخلاص والتوكل والإنابة والخشية
عليه من هو أفضل منهم, كما أننا لا ننكر أن البعض في
الطرف المقابل قد يكون عنده قسوة قلب وهذا مرفوض
أيضاً , بل هذا فيه شبه باليهود الذي وصفهم الله سبحانه في
دون علم فيه شبه بالنصارى والتوسط المعتدل هو المطلوب,
" صراط الذين أنعمت عليهم " فلا نكون كالمغضوب عليهم
١ إن التقصوف بالمعنى الاصطلاحي الذي قررناه
مستمر إلى الآن وله أثر سلبي واضح في تربية الأجيال
المسلمة, تربية الإذلال والعبودية للشيخ, وتصديق كل ما هو
غير معقول؟! إنها مأساة حقيقة أن يظهر بين الفينة والأخرى
دجال كذاب يمشي وراءه شباب من طلبة الكليات العلمية
وغير العلمية, عدا العوام وأنصاف العوام. هذه التربية جعلت
من هؤلاء الشباب أصفارا بلهاء ينتظرون كلمة من الشيخ أو
معجزة خارقة على يديه.
يقول ابن عقيل محذراً من الصوفية والمتكلمين:
فهؤلاء ( المتكلمون ) يفسدون عقائد الناس بتوهمات شبهات
العقول, وهؤلاء ( المتصوفة ) يفسدون الأعمال ويهدمون
قوانين الأديان. فالذي يقول: حدثني قلبي عن ربي فقد
استغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد خبرت
طريقة الفريقين فغاية هؤلاء ( المتكلمين ) الشك, وغاية
لهذه الأسباب ولاستمرار المتصوفة في تخريب الأجيال
شاء الله لا نبخس الناس أقدارهم ولكن كل طائفة أو فرقة
فهم يظنون أنهم أفضل الخلق, وأنهم صفوة أوليانه,
النفس, وكأنه لم يسمع بشيء اسمه أهل الستة والجماعة أو
؟! تيس إيلين /5/.
!! أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الطوسي الغزالي نققه على إمام الحرمين ومهر في الكلام والجدال وت بكتب ابن سيئاه وإخوان
الصفا ذم ترك ذلك ومال إلى الصوفية. وكان
الشرع ودين الخوض في الفلسفة والكاتم والصوذيا
والقصوف والزد على الفلايخة. افظل: مي أعلام ال
اماد
4 وما فظه من أقوال الللماء فيه, مبااعة مق في الأنصاف. توفي أنق
أهل الحديث, أهل العلم والعمل أمثال أحمد بن حنبل وعبد الله
بن المبارك وأئمة أهل الفقه والحديث وهم كثيرون جدا”'
والذي يقرأ في أول شدوه للعلم كتب الغزالي أو الحارث
الحقيقة وراء كل ذلك قائمة كالشمس في رابعة النهار, تلوح
وأخيرا نرجو من الله سبحانه وتعالى أن نوفق لعرض
نشأة الصوفية وتطورها بدون تعصب أو تحامل والله من
5 كتف الزالي: المنقذ من الضلال, فد قسم فيه الطرق الموصلة لأحق إلى أريعة: اللسفة, الكاتم, الإمام الممصوم الشف ثم
ل ادي والأوزاعي صنفوا في الخطرات والوساوس ) توفي المحاسني
سنة ١4 ه انظر: صفة الصفوة 3711/7 سير أعاتم النبلاء 10/7
الفسل الأول
يمكن للباحث تتبع تطورها طورا طورا عبر السنين وزائمئا
أفكارها مَنّ هم من الفقهاء, أو تجدهم متميزين ببدعهم مدعين
الانتساب لأهل السنة, وهذا الأمر مما يُصتعب مهمة الباحث
في أطوار الصوفية عندما يقصد إلى التحديد الدقيق ق لمراحلها
ومن ثم سنحاول بيان هذه الأطوار بذكر المعالم الرئيسية
التي مرت بها الفرق عبر القرون, وما قد يكون من ظهور
أفكار كبرى تصلح أن يعتبرها الباحث مرحلة من المراحل,
فهو تطور امتزج فيه التاريخ بالفكر, فما أصعب أن تتفصل
عرى الارتباط الذي دام من منشاً هذا التفرق حتى يوم الناس
وقد قسمنا مراحل تطور الصوفية إلى ثلاثة مراحل
مسبوقة بتمهيد لها وهو ظهور طبقة العباد والزهاد في
المجتمع الإسلامي.
ثم أول المراحل وهم أوائل الصوفية الذين يصح أن يقال
استقلت بها الفرقة, ثم ظهور فكرة وحدة الوجود وتداخلها في
فكر الصوفية مع امتزاجها بالفلسفة الغنوصية اليونانية .
المهمك الأول
تت لقاب قلف يا يو
نشأ المجتمع الإسلامي الأول نشأة طبيعية متكاملة غير
متكلفة , جمعت بين بقايا من الفطرة السليمة والوحي المنزل
من عد الله سيخانة وتعالى, كان العرب يومها وخاصة أهل
المدن كقريش و الأوس والخزرج أقرب إلى الفطرة من الأمم
الأخرى, فلا ريب أن الله اختار البيه أفضل الأجيال, رياهم
كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه
يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ... "؟٠. وعندما بيدر من
أحدهم أي اجتهاد يخالف الحنيفية السمحة كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصحح لهم الطريق ويعود بهم إلى
الجادة المستقيمة, وعندما همّ ثلاثة من الصحابة بترك الدنيا
من نساء وأموال بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بردهم
إلى الطريق الوسط قائلا لهم: " أما أنا فأصوم وأفطر وأصلي
وأنام وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني "19.
فالتوسط هو الأصل " وإذا نظرت في عمومات الشريعة,
فتأملها تجدها حاملة على الوسط, فطرف التشديد يؤتي به
في المقابلة من غلب عليه الانحلال , وطرف التخفيف في
*! جامع الأصول لابن الأذبو 718/1 باب الاقتصاد في الأعمال
مقابلة من غلب عليه الحرج الشديد فإذا لم يكن هذا ولا ذاك
رأيت التوسط لائحاً وهو الأصل الذي يرجع إليه "16.
كان الصحابة رضوان الله عليهم فيهم الفقير والغني,
وفيهم التاجر والمزارع والعامل وكان بعضهم يتتاوب
الحضور للتعلم من النبي صلى الله عليه وسام ويبلغه
للآخرين, وأما أهل الصفة فإنهم لم ينقطعوا للعبادة أو العلم
باختيارهم وإنما كان أحدهم إذا وجد عملا ترك حاله الأولى,
هكذا كانت حياة الصحابة حياة طبيعية تجمع بين العلم
والعمل والجهاد في سبيل الله, وبينما هو متعلم عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا هو بين أهله وولده وضيعة يمارس
حياته اليومية المعتادة. والتزام أحدهم بعبادة معينة أكثر من
الآخرين كفعل عبد الله بن عمرو بن العاص لا يغير من
الصورة شيئا, فهو شخصية متكاملة ولا تزال الفوارق
الفردية تمايز بين الناس في جانب دون آخر. فهم كما
وصفهم الإمام الجويني: " ولم يرهق وجوههم الكريمة وهج
البدع والأهواء ولم يقتحموا جراثيم اختلاف الآراء كالبيضة
وكان التابعون وكثير من تابعي التابعين على مثل ذلك,
يجمعون بين العلم والعمل, بين العبادة والبعد عن الناس مع
علمهم وفضلهم والتزامهم بآداب الشريعة, ولأسباب معينة قد
يغلب على أحدهم الخوف الشديد والبكاء المستمر, فهؤلاء
اقتفى أثرهم من التابعين أآفضل, ولذلك قال عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه لأصحابه: " أنتم أكثر صوماً وصلاة
9" الموافقات للشلطبى .١١377 ط . دار الفكر تليق الخضر حسينه
من أصحاب محمد وهم كانوا خيرآً منكم قالوا: لم يا أبا عبد
الرحمن؟ قال: لأنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في
الآخرة ٠8"
عامر بن عبد الله بن الزبير: كان يواصل في الصوم فيقول
صفوان بن سليم: من الثقات قال عنه أحمد بن حنبل: يستشفى
بحديثه وينزل القطر من السماء بذكره, وكان يصلي على
أن لا يضع جنبه على فراش حتى يلحق بربه, توفي سنة
قوله صلى الله عليه وسلم ( وأصلي وأنام ).
ومنهم في البصرة طلق بن حبيب العنزي, من كبار
ومنهم كرز بن وبر الحارثي نزيل جرجان: من العباد
والزهاد قال عنه الذهبي:" هكذا كان زهاد السلف وعبادهم
أصحاب خوف وخشوع وتعبد وقنوع لا يدخلون في الدنيا
© المصدر السايق 83/7