والضجر » وأن التظر السديد يقضي بإزاحة الستار عن وجهها وبتجريد
دلالاتها البعيدة .لا في إطارها العقيدي والتاريخي المعاصر لها فحسب»
وافا أيضاً في حدود بنية الفكر الدينيٌ والسياسي الذي بمد جذوره في
عصور الإسلام الاولى وينشر فروعه في أعصرنا العربية والإسلامية
الحديثة والمعاصرة . فكان من ذلك مشروع هذا البحث الذي عكفت عليه
منذ مطلع عام 16/85 وبلغت به غايته مع مطالع عام 1488
ومع أن الأسباب في إعداد هذا البحث وإنجازه قد تعددت » إلا أنه
يدين بفضل خاص للصديق العزيز الاستاذ يوسف فان إس » الذي أفرغٌ
الوسع في تيسير إقامتي وعملي بمدينة توبنجن وجامعتها ؛ حيث أمضيت
صيف عام 1687 بدعوة علمية كريمة من المؤسسة الاكاديية الألمانية
0ه » فاسهم ذلك إسهاماً بالغاً في تقدم المشروع بخطئّواثقة ثابتة .
وقد كان لملاحظات الصديق فان إس » ولما زوّدني به من مصادر ونصوص +
الجميلة على الدراسات الإسلامية بعامة . فحق علي أن أسدي إليه أوفر
آبات الشكر ء وأن أعبر له في هذا للقام عن أصدق مشاعر المودة والعرفان
وحق عليٌ » في المقام نفسه » أن أخص (المؤسسة الأكادمية الألمانية)
بعظيم الشكر وخالص الإمتنان .
وأثثاء ذلك كرمتني الدولة الفرنسية وقلدتني (وسام سعف النخيل
الأكاديمية) . ثم شفعت ذلك بدعوة للبحث في مكتبات باريس الوطنية
والعامة ؛ فأفدت من ذلك + أشهر من عام /1881 في استكمال
بعض جوائب هذا البحث . وحق علي لذلك أن أعبر عن أبلغْ شكري
ولست أغفل عن ذكر فضل مكتبة الجامعة الاردنية ومكتبة كلية
الآداب بجامعة الكويت على هذا الكتاب . فقد أفدت من الأولى في
مف مضل البحث ؛ وأفدت من الثانية في المرحلة الأخيرة منه » ولم
ألق من العاملين فيهما ؛ على كشرة تردادي وإلفي ؛ إلا العون الحثيث
واللقاية بالوجه البشير . فلهم جميعاً أوفر الشكر وأجمله ٠
وأذكر أصدقاء كراماً وضعوا بين يدي ؛ في بعض أشواط البحث +
نصوصاً ومواد جليلة أفدت منها فائدة جمة » وأخص منهم بهذا الذكر
الدكتور إحسان عباس » والدكتور رضوان السيد الذي أشكر له بخاصة
تزويدي بمصوّرة من مخطوط تُعَيْم بن حماد المروزي الموسوم ب (كتاب
وثمة أشخاص آخرون أعرّاء تابعوا وجوهاً من إنجاز هذا الكتاب في
بعض الأماكن التي عرفت ميلاد فصوله » فكان لمؤازرتهم القو؛ ولكلمهم
الطيب ولعطفهم الذي لا يعرف المرا: أبلغ الأثر في بلغ الغاية منه ٠
وجه التخصيص » وأقف عند حدود حفظ الود الميل والوفاء الدائم لهم
في النفس +
لما هو خير وأبقى . وهو ء في كل الأحوال » من وراء القصد » في الأول وفي
الكويت ؛ أيار ١484
فهمي جدعان
يقضي واقع الحال أن يكون أول ما ألقى به القارى+ تسويغ عمل يبدو
أن القول قد حسم فيه حسماً لا رجعة عنه منذ زمن بعيد » وبيانذ معنى
النظر في قفسية ظاهرها أنها غير ذات جدوى أو نفع لأحد ؛ وتعزيز
الاعتقاد بان هذه المسألة «الصدئة» تحمل من الدلالات فوق ما يوحي به
بادىء الظن وعاجل الوهم والخاطر »
وليس يخفى على أحد أن مسألة محنة خلق , قرآن قد احتلت مكاناً
فسيحاً في مصادرنا العربية وفي حياتنا الثقافية الاتباعية . والحقيقة أن
الذي يتابع الوقائع الدقيقة لهذه المحنة يأخذه الذهول والانبهار. أما الذي
لحالة من الإعياء الشديد .
وكان (باتون) قد عرض لجانب من المسألة منذ عام 1841م عرضاً
بات كلاسيكياًً!) . ثم عني بها من بعده كثيرون » بالذات أو بالعرض »
حتى استقرت الأمور عند تفسير أصبح «فكرة ثابتة» .وعلى الرغم من
أنني عالجت من قبل هذه القضية من زاوية كلامية خالصة عند معتزلي
مت أخ ره القاضي عبد الجبار بن أحمد الاسدابادي (ت 416
واليوم تبدولي الأمور مختلفة كل الاختلاف عن كل ما قيل في هذه
المسألة . إذ يت أزعم أن مجموعة من الأخطاء قد وقعت » وأن النظر ينبغيى ٍس
أن يُرجع من جديد في دلالة الواقعة برمتها وفي دور المعتزلة في
(الامتحان) التاريخي الذي شهره المأمون وخلفاؤه الأقربون » وفي 3
المحنة برمتها ٠
وأنا » إذ أعاود النظر في هذه القضية المعقدة » أدرك منذ البداية أنتي
الاتجاه المعاكس لمجرى التيار . وذلك عند أمرين ن اثنين على الأقل :
الأول : : أنني أ, أرى أن أنأى بالمعتزلة نأياً يشبه أن يكون تاماً عن عملية
لحساب التاريخ» +
الثاني : وهو الأخطر والاجل » أنني أريد أن أنظر في مسألة المحنة لا
عما يمكن أن تكون عليه صيغة العلاقة بين السلطة أو الأمر من وجه »
)١( 4 0قستمتوام
(؟) لم تصدر باللغة العربية بحوث قيمة عن مشكلة خلق القرآن والصفات ١!
الأورربية فتجدر الإشارة على الأقل » بالإضافة إلى رسائشي المذكورة فا .إلى ؛
أما أعمال يوسف فان إس فإنها زاخرة بقضايا علم الكلام - ومأئة الكلام منها- وهي عمادة
في أصالتها وتقاذها
وبين الطاعة أو «الإجابة؛ من وجه آخر ؛ في دولة هي «دولة الخلافة» ؛ لا
شيء يحول دون اعتبارها أكمل ممثل تاريخي لما وصل إليه «الك» في
الإسلام . بتعبير آخر أريد أن أرفع الغطاء عن المعقولية السياسية لما يسمى
ب « محنة خلق القرآن +
إن من شأن النظر الأول أن يهدينا إلى حقيقة أساسية غابت عن
الفهوم وجار عليها جوراً عظيماً السكون إلى معتقد بثه في النفوس وأقره
في الأذهان هوى أيديولوجي شكله للتاريخ وفي التاريخ تيار من تيارات
الصراع السياسي في دولة الخلافة الإسلامية » وهي أن المعتزلة قد ليسوا
ثوب الدولة فبدت الدولة دولتهم » وجعلوا من ثلاثة خلفاء كبار أدوات
طيّعة في أيديهم تنفذ سياستهم وتفرض ملحبهم بقوة الع والسيف .
كذلك كانت دولة المأمون والمعتصم والواثق . أما دولة المشوكل ؛ وفقاً
للتشكيل الذي صاغه هذا الهوى الإيديولوجي ؛ فقد أفلتت من أيدي
المعتزلة إذ صحا هذا الخليفة «الناصر للسنّة» على خطر المعتزلة على الدين
فارتد عليهم ولاحق رؤوسهم ونصر خصومهم » ورفع ا محنة وأعاد للسئّة
أعلامها الخفاقة ولإمامها أحمد بن حنبل وأصحابه «الاعتبار» والمقام
والسؤدد . لم استمر الإسلام والمسلمون بعد ذلك بمنأى عن خطر الجهمية
تحل بالإسلام والمسلمين لو أن «دولة المعتزلة» لم كَدُلَ! إن من شأن رجع
أما النظر الثاني فإن من شأنه أن يفضي بنا إلى فهم أعمق لطبيعة
النظام الدينيّ - السياسيّ الذي تشكل في الإسلام تاريخياً » وهو النظام
حيث يتقابل حد السلطة ؛ من طرف أول » وحد الطاعة ؛ من طرف ثان +
والحكم الأمر من وجه ؛ والرعية الخاضعة للأمر » المدعوة للطاعة من وجه
ين الإسلام ؛ ومسّغها الشرعي هوه نظراً» الإسلام نفسه . لكن كيف
لصبح الأحوال حين يكون «المملك» هو «منطق» هذه الدولة وعصب
قوامها ؛ وحين ينهض لهذه الدولة من يتازعها «الأمر» باسم الله وباسم
الصراع أطراف الصراع؟ إن الامتحان بالقرآن المخلوق يبين بوضوح عن
طبيعة «دولة الخلافة» وماهيتها » وعن الجدل الذي يحكم السياسي
الديني" في هذه الدولة التي يمكن الزعم » مرة أخرى » بأنها قد تكون خير
مجسّد للتجربة التاريخية للمسلمين مع الدولة ٠
بيد أنه لا بد لي - وقد أفصحت مرة واحدة تقريباً عن المقاصد
البعيدة لهذا النظر «الابتداعي» في خلق القرآن - من أن أبين
للقارى» » في هذا الدخل » عن العطيات النظرية لهذا القول : القرآن
مخلوق ؛ الذي يعزى ؛ بتعميم غير دقيق » إلى المعتزلة +
لا شك في أن أول ما يتبادر إلى الفهم عند هذا القول يرتد إلى حالة
من «التسوية» بين القرآن » بما هو كلام الله تعالى » وبين مخلوقات الله
واحداً من خلق الله ومبدعاته » أو أن يكون آتياً من عند واحد من البشر
التاريخي والفكري يبدولي أن استطراداً ضيّاً في الدائرة «الفرّقية» ؛ التي
يمكن أن يفهم هذا القول في حدودها ؛ هو أمرله ما يسوّغه ٠
إن مؤرخي الإسلام القدامى يذهبون - وهم في ذلك على حق - إلى
أن الخلاف السياسي الذي نشب بين الصحابة أنفسهم بسبب مسألة
نجوم الفرق والأحزاب الإسلامية الأولى . ويتابع المؤرخون المحدثون هؤلاء
المؤرخين القدامى في تأكيد القول إن البؤرة السياسية هي التي فجرت
مسائل ذات طابيع عقيديّ كمأل الصفات الإلهية ومسألة خلق الأفعال
ومسألة الأسماء والصفات . ولا يخرج يوم (الإرجاء) عن الارتداد إلى
هؤلاء المؤرخون من القدامى والمحدثين بأن يخرج المعتزلة - وهم الفرقة
الرابعة الرئيسة من الفرق الكبرى - عن إطار هذا الفهم والتفسير . وصواءٌ
لمعتزلة الصراعات السياسية الأولى(') ؛ هي الصحيحة ؛ أم أن الصحيح هو
مجلس الحسن البصري أقدم عليها واصل بن عطاء ؛ إذ اعتبر مرتكب
الكبيرة في «منزلة بين المنزلتين»") لا مجرد فاسق لا يعرى من الإيمان +
الفرشر في الممنزلة (متشور في : التراث اليوناني في الحضارة
راسات لكبار الستشرقين قلف بينها وترجمها عبد الرحمن بدوي » ل » مكتبة
النهضة الصرية 6 1447) ص 177 ج148
)١( الشهرستاني الملل والتحل + ط1 ؛ تحقيق محمد بن فتح الله بدران 6141٠6 ج ١ ص
فإن الذي يتفق عنده الجميع هو أ؛ ترتب على الصراع
السياسي من مواقف حول اسم المؤمن والكافر وصفتهما تظل في مبدأ نجوم
هذه الفرقة » تماماً مثلما هو الحال في أمر باقي الفرق الأخرى +
ومع ذلك فإن التعليل العقيدي - السياسي إن صح لتفسير ظهور
الخوارج والشيعة والمرجشة ؛ والأشاعرة من بعد ؛ فإنه لا يكفي وحده
لتفسير تشكل الاعتزال من حيث هو صيغة عقيدية أرادت أن تستجيب
الحاجات ثقافية محددة . فالواقع أننا حين نتدير بروية أمر المبادىء التي
يقوم عليها الاعتزال والقضايا التي انفرد بها المعتزلة عن سواهم من
أصحاب الفرق تلاحظ أن المعتزلة يمثلون روحاً جديدة لمعطيات ثقافية
وجودهم التاريخي . فالمعتزلة لم يحاولوا أن يؤسسوا ابتداءً حركة كلامية
تنشد الجدل شغفاً بالجدل ؛ كما يحلو لكثير من خحصومهم أن يقرروا »
إن أردنا الشحكم قد تستطيع تبيّن معالم المذهب في موسوعة ضخمة
ككتاب (الغني في أبواب التوحيد والعدل) للقاضي عبد الجبار ين
أحمد » لكن أنى لنا أن جد مثل هذا للذهب إِنْ نحن نظرنا في كتاب لا
يعدو أن يكون شذرات ومقطعات من أفكار رجال الاعتزال ككتاب
(الانتصار) لأبي الحسين الخياط (ت 300 ه)! وأَنَى لنا أن نجد المذهب أو
ما يقرب منه في «دقيق الكلام» المأثور عن فرق الاعتزال المختلفة أو في
العروض الشاملة التي يقدمها أمثال الأشعري أو الإسفراييني أو ابن حزم
أو الحاكم الجشمي أو الشهرستاني أو البغدادي وغيرهم! إننا في الحقيقة
+ عبد القاهر البغدادي )١(
رق ؛تحقيق محبي الدين عبد الحميد ؛ مطبعة ا مدني +
الفور أنهما لا يمثلان مذهباً حقيقياً أو منظومة تصورية لعقيدة كاملة تمثل
جميع الأصول التي يقوم عليها التصور الإسلامي . والباحث المدفق يتبين
أن مبدأي العدل والتوحيد كليهما قد جاءا لا من أجل تأسيس منظومة
عقيدية شاملة تعبر عن دين الإسلام ذاته » وإنماجاءا ارتكاسة أو ردة فعل
الجدال مشخص تحكمه علاقات المسلمين بغيرهم من أتباع الديانات.
والفلسفات الأخرى . فنظرية العتزلة في التوحيد الخالص المنزه تريد أن
تبعد عن الإسلام شبهة الك التي يمكن أن يوهم بها القول بذات إلهية
أما مبدا العدل وثبات الخلق للعبد فقدٌ الج إليه النقد الخارجي وبخاصة
النقد اللاهوتي السيحي الذي يصلح أن يعبر عنه أمثال يوحنا الامشقي
(ت . قبل عام 64لام) إذ أخذ على الديانة المحمدية تناقضها المنطقي
بإقرارها ؛ في الآن نفسه ومن الجهة نفسها » بالجبر وبالتكليف الخاضع
المعتزلة » بدا العدل الإلهي . وليس يخفى على الباحث المدقق أن مسألة
خلق القرآن - وهي عند المعنزلة فرع بدأ العدل لا مبدا التوحيد - قد
جاءت لتدفع الإحراج المسيحي الذي يريد أن يلجىء المسلمين إلى القول
بالوهية المسيح . ويمكن أن نزيد من هذا الضرب من الأمثلة الي تدلر
صراحة على أن الاعتزال لم يكن في حقيقته إلا استجابة عملية
الإسلام قد راهن منذ البداية على مبدأ الحرية » فأقر مخالفيه ؛ وبخاصة
لأهل الكتاب منهم ؛ حرية الاعتقاد والتعبير عنه والدفاع عنه ؛ وفهم
المسلمون أن هذه الحرية هي بلا قيد أو شرط ؛ فكان عليهم أن يناظروا
قديمة
مخالفيهم هؤلاء في أخطر القضايا وأكثرها دقة وحرجاً وحساسية : قضايا
الصنفات والفعل والتوحيد والتثليث وألوهية المسيح ونبوة محمد بن
عبدالله ؛ وغير ذلك . ولم يتحرج المخالفون من صياغة الاحتجاجات
والاعتراضات الجذرية أحياناً من أجل دفع القضايا الدينية الإسلامية
وبان وهنها وضعفها . وتقبل الشقفون المسلمون من جانبهم - وكان
أو حلول أو مواقف لم يكن يخطر في بالهم » وأكثر من ذلك لم يكن يخطر
كان هذا على وجه التحديد هو حال المعتزلة الذين مثلوا أول فريق جماعي
يشبه أن يكون منظماً جعل من مهمته نية الجدلية استجابة مشخصة
لهذه الاوضاع الجديدة . ولأن المعتزلة قبلوا الرهان والتحدي فقد لحق بهم
مالم يلحق بأولئك الذين كرهوا الرأي والجدل وادعوا لأنفسهم الانتساب
وامْحْدئات . أما المعتزلة فقد نالهم أن يوصموا بالبدعة والابتداع » بل
إثبات خلق الفعل للعباد » ومن قول بخلى القرآن » وغير ذلك كثير ؛ كله
الجا إليه في حقيقة الأمر التحدي والصدام والرهان على صدق دين
الإسلام لا عشق الجدال والشغف به . والواقع أنه لم يكن على المعتزلة
ضير في أن يراهنوا هذا الرهان » فلولاهم - هم وغيرهم ممن طرق هذا الباب
وأوغل فيه - لأصاب الإسلام في القرنين الثاني والثالث حالة «تشمع؛
ثقافية نكدة قد لا تدل إلا على عجزه عن التجدد والتكيف والتوافق مع
الأوضاع التي كان هو طرفاً رئيساً في إخراجها إلى ساحة الوجود . ذلك أن
إنكار الجدال والمناظرة لم يكن الموقف المناسب لصد الهجمة ١ نقيقية لا
المشخيّلة أو المتوهمة » التي كان الإسلام يتعرض لها فعلاً . ومن المؤكد أن
وصمة «البدعة والابتداع» ليست هي الكلمة المناسبة التي يستحقها
هؤلاء المثقفون الذين اختاروا طريق الجهاد والاجتهاد والمجهول +
لقدرد البحث المعاصر إلى المعتزلة قدراً عظيماً من «الاعتبار» الذي
أسرفوا في إسباغ الثناء والمديح عليهم حتى لقد تصور بعضهم أن النكبة
كانت نكبة للإسلام نفسه آذنت بأفول العصر الذهبي له . وهم في
تصورهم هذا لم يبعدوا كشيراً عن موقف «السلفية» المعاصرة التي تبعل
مشروعهم على رأس الاسباب التي آذنت بالانحطاط والتدهور في العالم
الإسلامي وليس ثمة شك في أن كلا الموقفين محض وهم . فالقضية
أعمق من ذلك بكثير . وليس يتسع المقام ههنا للخوض فيها . لكن ما
0 صراحة إن الاعتزال يمثل أولاً وقبل كل شيء عملية ارتكاسية في
وجه الأوضاع الشقافية التي كان الإسلام يمر بها في القرنين الثاني
الرئيسي من المذاهب الاعتقادية الإسلامية . ومن بين هذه القضايا ؛ وعلى
رأسها ؛ تلك القضية التي تشوى » وفقاً للنفسير الساذج الساثر» وراء أزمة
المعتزلة ؛ قضية محنة خاق القرآن » وهي القضية التي جرى القول على
أنها هي التي آذنت بأفول الاعتزال وانقراضه ٠
لقد انعقد ما يشبه الإجماع على أن هذه المسألة » + مسألة خلق القرآن »
مسألة اعتزالية . وجرى المؤرخون والباحثون جرياً عاماً على نسبة القول
بخلق القرآن إلى المعتزلة قبل غيرهم ؛ حتى لقد عرف بهم وعرفوا به . ومع
ذلك فنحن على يقين تام من أن المعتزلة ليسوا أول من أطلق هذا القول أو
اخترعه ورؤج له . لكن قد يكون صحيحاً أن نقول إنهم في فترة متأخرة
ينظر في بعض أقسام ( الغني في أبواب التوحيد والعدل) للقاضي عبد
الجبار يلمس الدليل على ذلك . وقبل عبد الجبار نفسه جرد بعض
المعتزلة مصنفات في الانتصار للقول بخلق القرآن أو للكلام فيه( .
وفي مذهب المعتزلة يقع القول بخلى القرآن » أو كلام الله » فرعاً بدا
العدل » وذلك خلافاً لوقوعه في باب التوحيد عند أصحاب الحديث
والسنة » أو من سيطلق عليهم في الاصطلاح المتأخر اسم (أهل السنة
والجماعة) . ومن التكرار الذي يشبه أن يكون لغواً إعادة قول صاحب
من أخذ بمبادىء المعنزلة الخمسة جميعاً : التوحيد » والعدل » والمنزلة بين
لنزلتين ؛ والوعد والوعيد ؛ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . لكن رد
الذهب إلى مبدأين رئيسين اثنين ؛ هما مبدا التوحيد والعدل » هو بكل
تأكيد الأكثر تعبيراً عنه وتثيلاأله .
والواقع أن المعتزلة ليسوا هم الطرف الأول والأهم بين أطراف الخلاف
والشقاق حول المسألة ؛ مسألة خلق القرآن . فعن السؤال : هل القرآن +
كلام الله تعالى ؛ مخلوق أم غير مخلوق؟ تعددت الإجابات «الموقفية»
مترافعان بإطلاق » وباقيها مواقف متوسطة .
أما الطرفان القصيّان المترافعان : فقد قال أصحاب الأول منهما : القرآن
)١( أثبت ابن الندم كنبا موسومة ب (خلق القران) للممتزلة : أبي موسى الردار» وابي جعفر
الإسكاني ؛ رأبي بكر الا ام الفرطي [الفهرست : طبعة طهران + ص :271717017
الك لمكي القران» تتسع لقائمة أكبر من هذه القائمة بكثير .
كلام الله مخلوق ؛ وهو قول جعد بن درهم والجهم بن صفوان وكثير من
الخوارج والشيعة ؛ وبعض المرجئة ؛ والمعتزلة جميعاً . وأما أصحاب الطرف
الثاني فقد قالوا : القرآن كلام الله قدم غير مخلوق «يوهو قول (أصحاب
الحديث والسنة) بإطلاق
والمواقف المتوسطة الأساسية أربعة ؛
الأءل » قال أصحابه : القرآن كلام الله المقروء صفة قائمة به قديمة +
الثاني ؛ قال أصحابه : القرآن كلام الله : الكلام النفسي منه قدم +
والعبارة عنه مخلوقة » وهو قول الأشاعرة
الثالث ؛ قال أصحابه : نقف ؛ لا نقول : القرآن مخلوق » ولا نقول :
غير مخلوق ؛ وهم الواقفة ٠
الرابع » قال أصحابه : لفظنا بالقرآن مخلوق » وهم اللفظية ٠
والقائلون بالخلق هم مبتدعو هذا القول وأقدم الذاهبين إليه عهداً .
والمعتزلة من متأخريهم . ويرى ابن تيمية أن جعد بن درهم كان » في
الإسلام أول من عطل الصفات الإلهية » وأن الجهم بن صفوان قاد قابعه
في ذلك . ويؤكد مؤرخون كر من الطبري إلى ابن الأثير » أن جعداً
كان أول من قال بخلق القرآن في الإسلام . ويرى بعض هؤلاء المؤرخين أن
جعداً قد أخذ بدعته عن رجل يدعى أبان بن سمعان » أخذها بدوره عن
رجل يدعى طالوت ؛ قيل إنه كان ذا قربى للبيد بن الأعصم الذي كان
معاصراً للنبّ » وأحد أعدائه الأشداء . ويقول هؤلاء المؤرخون إن لبيداً هذا
كان يارس السحر ويقول بخلق القرآن » وإنه قد استقى بدعته في القرآن
:؟14ء ١ موافقة صحيح النقرل لصريح المعقول
المخلوق من يهودي يمني!! . ومعروف أن جعد بن درهم قد قتل على يد
خالد القسري ؛ والي العراق في السنوات الأخيرة من خلافة هشام بن
عبد الملك (ت ١7# عاهم) . ويقول أبو سعيد الدارمي (ت 187 ه/
43هم) وأبو بكر الخلال (ت 71١ ه/133م) إن خالد القسري قد
«ضحى» بجعد بن درهم وذبحه أمام امل في عيد الأضحى لبدعثه ؛ إذ
زعم أن اللهلم ذ ابراهيم خليلاً؛ ولم يكلم موسى تكليماً . أما الجهم
ابن صفوان فقد ناصر الحارث بن سريج في ثورته بخراسان على مروان بن
محمد خليفة يني أمية ؛ إذ وثب داعياً إلى «الكتاب والسنّة» » فقتل في
سنة 174 ه/49لام » وقتل في السنة نفسها الحارث بن سريج أيضاً؟) .
ومن الثابت أن القول بالقرآن لمخلوق يرجع إلى عهد بعيد جداً عن
مبدأ «الامتحان» الذي شهره الأمون في عام 118 ه » وأن القضية في
مبدئها قضية «جهمية» ؛ تجد أصداء قوية لها في بعض الأقوال المنسوبة
أجاب عن السؤال : القرآن خالق أم مخلوق ؟ بالقول : ليس خالقاً ولا
مخلوقا ؛ بل هو كلام الله . وكذلك يذكر أبو هلال العسكري إن أبا حنيفة
(ت 117/196) قد أخذ بقول: القران مون ) واستدل له وأزرد نه
الأشعري في كتاب (كتاب الإبانة) مثل ذلك!؟ . وسواء أتعلق أبو حنيفة
0 في الأوساط الكوفية في النصف الأول من القرن الثاني
+760 3 6 ابن نباته :سرح العيون ؛ ص : :183:18 + ابن الأثير : الكامل في الماريخ )١(
1 186: ١ الذهبي : ميزان الاعتدال
+ وانظر أيضاً :ع , ٠٠١ أب سعيد الدابي الرد على الجهمية » طبعة ج . فيتسام ؛ مى )(
دة: ابن درهم موريج فايدا ! وصاد : جهم بن صفوان لونتخمري وات ؛ وكذلك : خالد
1476 اجهم بن صفوان ومكاتته في الفكر الإسلامي » بغداد ؛
4 أبو الحسئ الاشعري : كتاب الإباقة ؛ حيدر آياد :1448 ؛ من )(
للهجرة!' . وفي وقت تال تلقف بشر بن غياث المريسي القول ودعا له في
خلافة هارون الرشيد فلاحقه هارون لذلك » أو لسبب آخر ء ثم ورثه
المعتزلة إجمالاً واقترن في مطلع القرن الثالث باسمهم وباسم حليفهم
المزعوم المأمون » وعزز هذا الاقتران الدور الذي أداه أحمد بن أبي دؤاد
قاضي قضاة المعتصم والوائق الذي نسبه أحمد بن حنيل إلى الجهمية
ونسبه غيره إلى الاعتزال . وقد ينبغي أن تلاحظ هنا في مسألة أصول هذه
«البدعة» وغيرها في الإسلام النزعة العامة عند كتاب (أهل السنة)
الأخرى أو إلى نحل غريبة عن الإسلام أو إلى الزنادقة » إذ قيل إن أصل
القول بخلق القرآن أحد يهود اليمن » مثلما قيل إن أصل نظرية معبد
الجهني في خلق الأفعال النصراني العراقي اللدعو سوسن الذي اعتثق
من أدوات «التشهير» في الصراع مع البتدعة والزنادقة . ومع ذلك فإننا
نلحظ عند التدقيق أن هذه النظرية ؛ نظرية رد أصول «البدع» إلى مصادر
«غريبة» أو «مشبوهة» هي ؛ باعتبار ما » ذات أساس ما . ذلك أنها تعني +
تلك من المقالات «المحدثة» إنما يعني تأثر الآخذ با لقيه من أفكار ومقالات
في مناظراته وخصوماته مع امخالفين من أتباع الديانات والنحل الأخرى +
أو لجاءه إلى الأخذ بهذه المقالة أو تلك دفعاً لإحراج صعب عر به جدله .
)١( انظر بحث ماديا
وحول حقيقة معبد الجهني وشخصيته انظر : يوسف فان [س » معبد الجهني ؛ مجلة مجمع اللغة
العربية بدمشق ج1/م ١ه ٠2 حا
وبهذا المعنى يمكن أن يكون التأثير اليهودي أنياً من مقالة بعض اليهود أن
الدوراة مخلوقة ؛ وأن يكون التأثير النصراني آتياً من الجدال الذي أثاره
نصارى دمشق ؛ وبوجه خاص من المعارضة التي شهرها في وجه الإسلام
يوحنا الدمشقي (140 - قبل 4لم) » الذي أبى أن يرى في الإسلام غير
التسليم بأنها «لحظة» من لحظات تاريخ الخلاص البشري(') . وعند هذا
اللصدر بالذات » ومما يخص مقالة القرآن امخلوق ؛ لا مناص من استحضار
إلزام أتباع الديانة المحمدية بالقول بالوهية المسيح » أو عدم خلقه . والذي
تذهب إليه جمهرة الباحثين أن الجدل الإسلامي - اللسيحي يقبع وراء
هذه || في الإسلام » وأن مقالة : القرآن مخلوق ؛ قد أطلقها مثقفو
الإسلام الأزائل - وتابعهم فيها المعتزلة وغيرهم - لتفادي الإحراج
السيحي في التجسد . وقد نبه هنري كوربان إلى أن المعتزلة - والحقيقة
و كان ينبغي له أن يقول جعد والجهم ومن بدأ المقالة - أدركوا أن القول
اك الله قد وإنه قد تجسد في الزمان في صورةخطاب عربيٌ هو قول
مكافىء لقول النصارى في التجسد » وهو أن المسيح » كلمة الله القدمة
قد ظهر في الزمان في صورة كائن بشري أو ناسوت . ولا يتمثل ؛ يعد
ذلك الفرق بين عفد لخر القلع ربع عند كت التجسد » في طبيعة
الكلام الإلهي نفسه بقدر ما يتمشل في كي كيفية ظهوره وتجليه!") .
وأرجع جارديه وقنواتي القضية صراحة ومباشرة إلى النص الذي صاغه
«هرطقة مسيحية»
)١( ولد يوحنا الدسشقي » على وجه الاحتمال ؛ في عام 3148م ؛ بعد خمس ستوات من فت
السلمين دمشق . وقد خلف والده في منصب رفيع في إدارة لمال للخليفة عبد الملك بن مروت
الحراج . وقد توفي قبل عام 24م ؛ والأرجع أن بكرن فلك في عام *#لام . ويعتير يوحنا أحد
يوحنا الدمشقي ؛ في كتاب (تاريغ الهرطقات)! «من أجل إلجاء
المسلمين إلى القول بألوهية المسيح يدءاً من «كتابهم» المقدس نفسه :
«إن سألك المسلم : ما المسبح ؟ فاجبه بلا تودد : اللسيح كلمة الله ثم
أل عليه بدورك السؤال العالي : وماذا يقول كتابك المقدس أنت عن
الإقرار م الاعتراف : : المسيح » وفقاً لكتابي المقدسن » هو كلمة الله وروح
الله ؛ فتقول له : والكلمة » هل هي مخلوقة أم غير مخلوقة ؟ [فيجيبك] :
عليه السؤال : ومن خلى الكلمة
والروح ؟ [ فيجيب]: الله [فتقول] : كان الله إذن قبل هذا الخلق بدو
روح وبدون كلمة! وسترى أن خصمك سيلوذ بالخسران » لا يدري م
الخليفة المأمون في عام 718 ه إلى عامله على بغداد إسحاق بن إبراهيم +
كما نجدها » في وقت لاحق ؛ في النقد الذي وجهه أبو بكر ١ ني (ت
)٠١١7 /)07 إلى المقالة الاعتزالية » إذ يرى أن المعتزلة » بقولهم إن الله
(1) يعرض القسم الثاني من كتاب يوحنا الدمشغي (نع العرفة) ل «تاريخ الهرطقات؛ ؛ وهي
مائة مرطقة اخرها في تصور يوحنا ثلاث هي : الإسلام » والأيقونية ؛ وللنشقون . ومن اللرجح
أن القسم الخاص بهذه «الهرطقات» الثلاث الأخخيرة لم ب وضع يوحنا الدمشقي نفسه
يد أعرى أضائته إلى النص الأصلي من القسم الثاني من الكتاب + أنظر +
مما مجمويماه قاد تمطرا0 اه لاقم رو0ا700 افنفل 5.5511 150-1530015