والله يرزق مَن يشاء بغير حساب [ البقرة: 1717
فالواجب على المسلم أن لا يغتر بزخارف الدنيا ؛ وأن تكون
الآخرة نيته والشهادة فى سبيل الله أمنيته ؛ ودَلّ على هذا المعنى
أيضا قوله #قة : « إذا تبايحم بالعينة , وأخذتم أذناب البقر ورضيتم
بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذل لا ييزعه عنكم حتي
ترجعوا إلى دينكم ؛ ٠ فقوله : « أخدتم أذناب البقر ؛ ورضيتم
بالزرع » أى أن كُلّ إنسان يكون حريصاً على دنياه ؛ فهو يسير
خلف بقرته ؛ يرضى بالدنيا ؛ ويطمثن بها ؛ فلا يجاهد فى
سبيل الله ؛ ولا ييذل لإعزاز الدين » فالناس اليوم أكثرهم يشترون
الدولة للإسلام أو لأعداء لملك العلام ؛ ولم يكن هذا من هدى
يثلم دينه فهذا خبيب بن عدى رضى الله عنه لما أسره المشركون
١ رواه أبو داود (7448) البيوع وقال الألبانى: صحيح لمجموع طرقه وانظر طرق
فى الصحيحة رقم (11).
وقال الألبانى: فذكر أن تسليط الذل ليس هو مجرد الزرع والحرث بل لما اقترن به من
الإخلاد إليه والإنشغال به عن الجهاد فى سبيل الله فهذا هو المراد بالحديث وأما الزرع
الذى لا يقترن به شئٌ من ذلك فهو المراد بالأحاديث ار فى الحرث فلا تعارض بينهما
ولا إشكال ٠
معافاً فى أهلك ومالك ؟ فقال : والله ما أحبُ أنى معافاً فى
أهلى ومالى ويشاك محمد له بشوكة. وفى ذلك قيل :
فأجاب كلاً لا سمت من الردى 2 ياب أ تُحَّمدٍ راف
ولست أبالى حينٌ تل مسُلما .". على أ جنب كان فى الله مَصرعى
فهكذا كان حال سلفنا الصالح رضى الله عنهم ؛ فانظر
كم بين حالنا اليوم وحالهم . ومن بديهيات الإسلام التى غفل
عنها أكثر الناس أن المسلم لا ينبغى له أن يقدم محبة أحد أو
عرض من الأعراض على محبته لله عز وجل » أو لرسوله قة أو
للجهاد فى سبيل الله كما أشار إليه قوله تعالى : * قل إن كان
إليكُم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتريّصوا حتى يأنى
الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين > [ التوبة: 74 ] .
فهذه بديهيات الإسلام صارت اليوم لغربة الإسلام وأهله من
الغرائب غابت عن المسلمين المفاهيم الإسلامية الصحيحة وغربت
شمس الإسلام لما فَقَّد الرجال الذين يقومون به ويضحون من
أجله ؛ وصارت الدنيا أكبر هم الناس ومبلغ علمهم ؛ فأين فى
المسلمين اليوم خبيب بن عدى ؛ وخالد بن الوليد وجعفر بن
أبى طالب ؛ ومصعب بن عمير وغيرهم كثير ممن رباهم رسول
الله جه فصاروا ببركة تربيته ودعوته قمما شامخة فى سماء المجد
والرفعة قاموا بدين الإسلام فقام بهم دين الإسلام + وأعزوا دين
الله فأعزهم الله عز وجل من مُّتل منهم فى الصراع بين
الإسلام والكفر أفضى إلى موعود الله عز وجل له » ومن عاش
منهم صار أميراً على مصر من الأمصار ؛ وهكذا المسلمون إذا
فى الآخرة الباقية ٠
ومن أجل إحياء هذه المعانى الإسلامية ؛ والقيم الصحيحة
أَجَلّ الكتب المصنفة فى الزهد وهر ( زهد الإمام المبارك
عبد الله بن المبارك ) فخدمناه خدمة علمية متميزة وذلك
بالتقديم له بمقدمة ضافية حافلة بالخير » وإعادة ترقيمه مع
حذف زيادات تلامذته من غير طريقه ؛ وإلقاء الضوء على معانى
الأخبار النبوية ؛ والآثار السلفية » وشرح ما يحتاج إلى شرح من
الآيات القرآنية والمعانى الزهدية ؛ والحكم على أسانيد مروياته
والترجمة لرجاله بما سنفصح عنه فى خطة البحث غير بعيد فى
المقدمة وسيقف عليه القارئ الكريم إذا خاض غمار هذا الكتاب
ونسأل الله عز وجل أن يعظم لنا الأجر والشواب على ما فيه
صواب » وأن يعاملنا بالعفو والغفران لما فيه خطأ أو نسيان .
ولا أنسى أن أشكر فى مقدمة هذا الكتاب لأخوين كريمين
بالعلم النافع والعمل الصالح .
والأخ الحبيب / جمال عبد الواافغ حيث ساعدنى فى
صناعة المعجم وفهارس الآيات والأحاديث والآثار ولم ييخل بوقت
أو جهد والله عز وجل يُعظم لهما المثوبة ويجمعننا وإخواننا
الطيبين مع السلف الصالحين فى أعلى عليين مع النبيين
والشهداء والصالحين وحسن أولفك رفيقاً.
سود
معني الزهد
والأخبار في الحت عليه والأمربه
قال فى متا رالصحاج : الزهد ضد الرغبة. تقول د
بالفتح لغة فيه والتزهد التعبد . 19
وقال فى لسان العرب : والزهد ضد الرغبة والحرص على الدنيا
والزهادة فى الأشياء كلها ضد الرغبة ؛ وزهد وزهد » وهى أعلىٍ
أيضاء
والتزهيد فى الشئ وعن الشئ خلاف الترغيب فيه ؛ وزهده
فى الأمر رغبةٌ عنه وقوله عز وجل : وكانوا فيه من الزاهدين >
قال ثعلب : اشتروه على زهد فيه .©
وقال أحمدين قدامة : إعلم أن الزهد فى الدنيا مقام شريف
من مقامات السالكين ؛ والزهد عبارة عن انصراف الرغبة عن
مطلوبا فى نفسه لم يسم زاهداً كمن ترك التراب لا يسمى
+ )176( مختار الصحاح )١(
() باختصار من لسان العرب (18175/1) +
وقد جرت العادة بتخصيص اسم الزاهد بمن ترك الدنيا ؛ ومن
زهد فى كل شئ سوى الله تعالى فهو الزاهد الكامل.
واعلم أنه ليس من الزهد ترك المال وبذله على سبيل السخاء
والقوة واستمالة القلوب ؛ وإنما الزهد أن يترك الدنيا للعلم
بحقارتها بالنسبة إلى نفاسة الآخرة .19
فالزهد هو خلو القلب من الدنيا وانصرافه عن محبتها إلى
محبة الدار الآخرة ؛ فلا تكون الدنيا أكبر همه ؛ ولا مبلغ علمه
بل يرمخل بقلبه من الدنيا إلى الآخرة ؛ فلا يكون فرحه بالدنيا
همه ونيته ؛ والعلم المورث لهذه الحال هو اليقين يقول الله
عز وجل :بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة حير وابقَى >
فالدنيا كقطعة الثلج ؛ رخيصة الثمن سريعة الذوبان والآخرة
كالجوهرة غالية الثمن ولا تذوب ؛ وبمقدار العلم بالتفاوت بين
الدنيا والآخرة يزداد الزهد فى الدنيا والرغبة فى الأخرة ؛ ولذلك
كان النبى مه أزهد الأمة ؛ فقوة اليقين بالآخرة ومعرفة خطرها
"يزهد ولابد فى الدنيا ويرغب فى الآخرة ؛ وقد أنت النصوص
القرآنية : قوله عز وجل : وما هذه الحياة الدُنيا إلا لهو عب
+ منهاج القاصدين (374) باختصار )١(
الآخرة إلا ماع 6 1 الرعد: + ] ؛ وقوله تعالى : ل كلا بل
1 الأنفال: ] + وقوله عز وجل :ين للناس حب
الشهوات من السساء وبين والقناطيرٍ لطر من اذهب
والفضّة وخ المسومة والأنعام والح أث ذلك مَمَاعُ الحيَاة
فيها وازواج مر ران من الله وله َصير بعاد » 7 آل
عمرات 1 » وقوله تعالى ٠ قل مَمَاع ادي قليلَ
عن مؤمن آل فرعون :يا قوم ما هه الححاةٌ الي ماع ون
الآخرة هى داز القرار 4 غافر: 79 ] . وقوله عز وجل :
وأبقى 14 الأعلى 16 ١7 ] .
الكريمات من التزهيد فى الدنيا والترغيب فى الأخرة :
* عن المستورد بن شداد رضى الله عنه قال : قال رسول الله
قن ٠: ما الدنيا فى الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه
فى اليّمْ فلبنظريم يرجع ؛ !"
* وعن سهل بن سعد رضى الله عنه قال : قال رسول الله
٠: َْ لو كانت الدنيا تعدل عد الله جناح بعوضة ؛ ما
سقى كافرا منها شربة ماء » .
* وعن جابر رضى الله عنه أن رسول الله #ه مر بالسوق
والناس كنفتيه ؛ فمر بجدى أسك ميت ؛ فتناوله فأخذ بأذنه ثم
نحب أنه لنا بشوع وما نصنع به . ثم قال : « أتحبون أنه لكم ؟ ©
وهو ميت ؟ فقال : 3 والله للدنيا أهون على الله من هذا
-١ رواه مسلم 447/170 الجنة وصفة نعيمها ؛ والترمذى (144/4) الزهد » واين
ماجة 41١7 )الزهاء ٠
- روا الترمذى (19//4) الزهد وقال: هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه +
وقال الألبانى: والصواب أن الحديث صحيح لغيره ؛ فإن له شواهد تقويه. وانظر شواهده فى
الصحيحة رقم (447).
<-رواه مسلم (/47/1) الزهد وأبو داود (184) الطهارة وقوله: 3 والناى كتفتيه
أى حوله وقوله ١ أسك » أى صغير الأذنين»
*# وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله نه
يقول : ١ الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما
وأصح من ذلك تصريح النبى يه بالأمر بالزهد فى الدنها
فقال نك : ١ ازهد في الدنيا يحبك الله . وازهد فيما عند الداس
يحبك الناس ») 0 .
فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء » 7 ,
-١ رواه الترمذى )١98/4( الزهد وقال حسن غريب وابن ماجة (4117) الزهد
"- رواه ابن ماجة (4107) الزهد وابن حبان فى روضة العقلاء (اص١4١1)
والقضاعى فى مسند الشهاب (147) والحاكم (717/4) وفيه خالد بن عمرو لكن له
7- رواه مسلم 170 ,88) الرقاق وقال النووى : ومعنى الدنيا خضرة يحتمل أن المراد