والبراهين +
لهذا ينبغى اعادة بحث الفكرة القائلة بعداء مدرسة ابن
المدرسة السلفية ؛ للتصوف ٠ والشواهد أمامنا كثيرة تفرض علينا أن
نلك هذا السبيل ٠ فقد أنجبت المدرسة السلفية قبل ابن تيمية وبعدمف
شيوخا يدخلون فى عداد كبار الصوغية والزهاد ؛ كالهروى الانصارى
( اهو ج خدءام ) وعبد القادر الجيلانى ( جم 1158م ) وابن
القيم ( ١دلام 66م ) وأبن رجب ( فلم ح ضام ) +
وقبل أن نتعرض لمظاهر الحياة الروحية عند السلف بعامة ؛ فانه
ينبغى أن نعرض لتعريف السلف أولا ؛ ثم نتكلم عن ابن تيمية والتصوف -
لكى نتناول رآيه فى منهج بحث التصوف ؛ مع مقارنة بمنهج المستشرقين فى
موضوعنا +
جولد تسهير فى كتابه ( العقيدة والشريمة ) ؛ وماسينيون فى دائرة الملعارف
الاسلامية ( تصوف ) ولكن لاوست أصاب الحقيقة عندما قال ( ان التصسوف
الذى هاجمه هو تصوف الحلولية والاتحادية ) ص 811 من مجلد ( اسبوع
الفقه الاسلامى ومهرجان الامام ابن تيمية ) +
أولا : المدرسة السلفية
تعريف :
السلف الصالح من الصحابة والتابعين فى الصدر الاول للاسلام ؛ وقد
يتسع قليلا غيشمل العصور الثلاثة الاولى : أى الصحابة والتابعين
وتابعيهم + ثم أصبح مع التطور التاريخى لظهور الفرق الاسلامية متحصرا
فى المدرسة السلفية التى حافظت على العقيدة والمنهج الاسلامى طبقا لفهم
الاوائل الذى تلقفوه جيلا بعد جيل » وأبرز سماتهم هو التسك بمنمج
انسلخ من الشيعة والمعتزلة والخوارج وغيرهم » كما يعرفون أيضا بأنهم
ويذكر الشهرستانى ( ممم جح ؟١٠ام ) أن السلف من أصحاب الحديث
لما شاهدوا تعمق المعتزلة فى علم الله ومخالفتهم للسنة المنقولة من الائمة
الراشدين تمسكوا بمنهج السابقين عليهم وهم أصحاب حديث أيضا
منهم مالك بن أنس ( 1179م ج مكلام ) وسفيا
وأحمد ابن حنيل ( 41؟م < ددهم ) وكثيرين غيرهم(ه) +
بأنهم أهل الحديث للتمييز بينهم وبين من
ولو أخذنا بقول السمعانى (:09م < 1158م ) لعرغنا أن لفظ
( السنى ) وهو نسبة الى السنة أى خد البدعة « ولا كثر أهل البدع
خصوا جماعة بهذا الانتساب »(10) + ولكنه سرعان ما يخصص له معنى
(8) السمعانى الانسلب ورقة 14 +
)٠١( السمعانى الانسلب ورقة 716 .+
أضيق حين يطلقه مقابل المعتزلة فحسب » اذ يصف أحد الشيوخ بأنه
( السنى ) حتى يفرق الناس بينه وبين آخر معتزلى فيقول ان ذلك الشيخ
كما عرفوا فى أحد الادوار باسم أهل السنة والجماعة » استنادا الى
والفرقة +
صاحبة الطريق القويم والسبيل الصحيح » وأنها المقصودة بأحاديث
الرسول صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية فى الحديث الملشهور »
وأنها الجماعة التى يحض الرسول على الالتفاف حولها ؛ غما هو التفسير
الصحيح للحديث؟
يجيب الشاطبى ( *لاه < هه؟1م ) على هذا السؤال فيسرد لنا
الاقوال الخمسة التى غسرت الجماعة » أولها : انها السواد الاعظم من
المسلمين وبشرط أن يدخل فى الجماعة بهذا المعنى المجتهدون والعلماء
« ومن سواهم داخلون فى حكمهم لانهم تابعون لهم ومقتدون »(19) +
والثانى : هم جماعة العلماء المجتهدين وهم أثمة المسلمين الذين ينبغى
الاقتداء بهم ٠ والعلماء الحقيقيون لا ببتدعون ( وانما يبتدع من آدعى
لنفسه العلم وليس كذلك )(19) ٠ ويقصد أيضا بالجماعة - فى رأى
ثالث انهم الصحابة على وجه التحديد لانهم أرسوا قواعد الدين © وهم
+ نفس المصدر والصفحة )١(
171 الاعتصام ج اص ىبطاشلا )١(
من غيرهم بمعرغة مواطن التشريع وقرائن الاحوال ولانهم تلقوا الدين
أما التفسير الرابع للجماعة فهو جماعة آهل الاسلام اذا ما أجمعوا
استبعاد الففلة عن الجماعة التى يشترط فيها وجود المجتهدين ومن
ثم غهى القادرة على استخلاص معنى كتاب الله والسنة ( واتما الغفلة
فى الفرقة )١٠() +
بقى المعنى الخامس والاخير ؛ ويقصد به جماعة المسلمين الذين
اجتمعوا على امام موافق للكتاب والسنة(١1) +
ويستخلص الشاطبى من هذه الاقوال انها تدور كلها حول ضرورة
توفر العلماء المجتهدين سواء انضم اليهم باقى العوام آم لا لانهم
رؤوس الامتوقادتهاوعليهم مسئوليةحفظ الشريعة»أماعلاقةباقى المسلمينمن
عامتهم خهى علاقة تبعية ( فالعلماء هم السواد الاعظم وان قلوا » والعوام
كما تلاحظ من هذه التفسيرات الحرص على الارتباط بالكتاب والسنة؛
والتنويه بمكانة أهل العلم فى الاسلام ؛ وعلى رأسهم الصحابة بوجه
خاص ٠ ونجد ابن تيمية يؤكد مرارا أن الصحابة بعد الرسول صلوات
الله عليه هم الممثلون الحقيقيون للمنهج السلفى » ( وآنهم أفضل من
الخلف فى كل فضيلة : من علم وايمان وعقل ودين ؛ وبيان وعبادة ؛ وآنهم
أولى بالبيان لكل مشكل )١4() *
ولكن » كيف نفرق بين السلفيين وغيرهم والجميع ينادون بأنهم
ينبعون نفس المنهج ؟
هنا ؛ يجب علينا تتبع ظهور الفرق تاريخيا :
لظهور السلف ؛ يبدا بالكلام عن الصحابة أيضا + فيذكر أن أحدا منهم لم
يعرف شيئًا من الطرق الكلامية ولا مسائل الفلسفة ؛ غلما ظهر معبد الجهنى
القائل بالقدر أنكروا دعوته ( وصلبه الحجاج عام .هم بناء على أمر عبد
الله بن مروان ) ؛ كذلك ظهر فى آيام الصحابة » الخوارج والشيعة » وقبيل
المائة من سنى الهجرة نفى جهم بن صفوان صفات الله تعالى وحدث أيضا
فى أثناء ذلك أو بعده بقليل مذهب الاعتزال ٠ وبعده ظهر مذهب التسيم
بواسطة محمد بن كرام « 5ه ؟م - حدهم »(ذا) + 7#
واستمرت الفرق والمذاهب فى تعددها مع ظهور الغلو عند أتباعها +
ولكن ظل أهل الحديث وهم يمثلون الغالبية من المسلمين مخلصين
للاسلام الذى تلقوه وغهموه زمن الرسول صلى الله عليه وسلم
وجه الخوارج ؛ وذموا الاعتزال *
ان هذه الحالة من الانقسام والاضطراب لدى الفرق ظلت طوال
نقض المنطق ص 134 +
يزى الخطط جٍ ؟ ص 391 ط. بولاق +
القرن الثانى كما يذكر الذهبى ( هلام - 147١م ) وكانت المهمة
مناطة بائمة الحديث واكمة القراء طوال عهد بنى أمية وخترة من حكم
العباسيين انتهت بخلافة الامين ٠ فلما استخلف المأمون على رأس الائتين»
بزغ خجر علم الكلام وترجمت علوم الاوائل واتحرف البعض عن علم
النبوة لان الخليفة المأمون رفع من شن الفلسفة وعلم الكلام ٠ وأزعج
هذا التحول الشيوخ السلفيين ايما ازعاج يصوره لنا الذهبى بكلمات
قدل على مدى احساسه بخطورة ظهور الفكر الفلسفى اليونانى فيقول
( غلا حول ولا قوة الا بالله من البلاء ؛ أن تعرف ما كنت تنكر وتنكر ما كنت
تعرف » وتقدم عقول الفلاسفة ؛ ويعزل منقول أتباع الرسل » ويمارى فى
القرآن » وينبرم بالسنن والاثار )(0») ٠ وهو تصوير لحالة الاخضطراب
الفكرى ؛ وتعدد الخلافات بين الفرق ؛ وانزلاق البعض الى خباب العقائد
الرسول صلوات الله عليه +
أو كما يقول المقريزى مبينا النتاج التى أحدثها تعريب كتب
الفلاسفة ( فانجر على الاسلام وأهله من علوم الفلاسفة مالا يوصف من
البلاء والمحنة فى الدين )(1؟) +
ومع هذا غلم تلن لشيوخ السلف قناة » ولم يجرفهم التيار + وائما
التى حرصوا على نقلها فى أناة وصبر ودقة » مهما حالت دونهم الصعاب +
ونجد فى محنة الامام أحمد بن حنبل برهانا صادقا على اخلاص القوم
(.؟) الذ ة الحفاظ ج 1١ ص 301 ط. حيدر آباد +
(١؟) المقريزى الخطط ج؟ ص 701 ط. بولاق +
ودفاعهم المستميت ٠ فقد كتب هذا الامام الجليل صصفحات ساطعة ف
الدفاع عن العقيدة وضرب مثالا غذا على التضحية وبذل النفس فى سبي
غيما بعد » وأكسبتها المناعة فى مواجهة خصوميا ؛ وحالت دون استفحال
الخطر الزاحف على التراث الاسلامى الاصيل ؛ فالتف حوله الاصحاب من
كل البلاد الاسلامية « ولعل ببغداد ونواحيها والجزيرة من أصحابه من
لا يدخل تحت الحصر والعد »(؟؟) +
وامتنع امامنا عن ابداء رأيه فى مشكلة خلق القرآن بالرغم مما عاثاه
من آلام تحت خربات السياط » وأصر على القول فى كل مرة « لست أتكلم
الا ما كان من كتاب أو سنة أو عن الصحابة والتابعين + وأما غير ذلك غالكلام
على الحق غرده الى الحق ليكون من أهل الحق »(8؟) +
واذا ما استطلعنا موقفه من الزهد ؛ رآيناه يرتبط بالسابقين يقول
ابن كثير « وقد صنف أحمد فى الزهد كتابا حاغلا عظيما لم يسبق الى مثله»
ولم يلحقه أحد فيه ٠ والمظنون بل المقطوع به أنه انما كان يأخذ بما
أمكنه منه » رحمه الله »(5») +
وكانت معارضته للحارث بن أسد المحاسبى ( ا#؟م جح مهم )
بسبب نزوعه نحو علم الكلام + أضف الى ذلك خروجه عن الزهد المآلوف
(؟1) السمعانى الانساب ورقة 178 +
(؟؟) الذهبى ترجمة الامام أحيد ص 71 +
()) ابن كثير البداية والنهاية ج 1٠١ ص 314 +
(5)) ابن كثير البداية والنهاية ج 1٠١ ص 314 +
فى عصره » ولهذا نهى عن الاجتماع بأصحاب الحارث « لان فى كلامهم من
التقشف وشدة السلوك التى لم يرد بها الشرع والتدقيق والمحاسبة الدقيقة
وسنستدل على معالم نظريات الزهد عند تناولنا لموضوع الزهاد
الرازى ( 4٠م < 7«هم ) وكان من أصحاب الامام أحمد تلفت
نظرنا الى تمسك السلفيين أيضا بنفس نظريات زهد السابقين ؛ قال أبو
زرعة فى وصفه لكتاب « الرعاية لحقوق الله » هذا بدعة ؛ ثم قال للرجل
وهكذا اتخذ شيوخ المدرسة السلفية مواقف محددة منذ البداية
اخلاصا منهم لمنهج المتابعة +
تجمع بين الفكر السلفى على مر العصور ؛ كما أن لمذاهبهم سمات خاصة
ومعالم بارزة : غهم فى العقائد يتسكون بفهم الصدر الاول المنقول
بواسطة أثمة المحدثين ؛ ومن أخص مميزاتهم حرصهم على نقل العلم
النبوى ؛ فهم المحدثون أصحاب علم الجرح والتعديل ؛ وتربطهم وشافج
قوية لنزعتهم الى التثبت فى نقل الاخبار وروايتها ٠ ولهذا السبب فان
الدارس لموضوع الحياة الروحية عندهم يلاحظ بسهولة أن منهجهم فى
قواعد السلوك والذوقيات بصفة عامة هو السير ق التيار السلفى +
7 . م والصفحة +
مستشهدين فى هذا المجال بالاحاديث الواردة فى الابواب المخصصة للرقائق
فى كتب الحديث السنة لاهل السسة والجماعة +
على أن أوجه الاختلاف بينهم ظلت منحصرة فى أضيق نطاق بسبب
آحوال العصور المتعاقبة التى انعكس أثرها على زهادهم وصوغييهم ٠ فقد
تكلم الهروى الاتصارى ( 4481م < هه١٠م ) مثلا فى موضوع الفناء » وكان
لابن تيمية صياغة جديدة لهذا الموضوع حيث أضاف الى الحياة الروحية
القرآنية والاحاديث النبوية ؛ وجاء بعده ابن القيم فكان منهجه الذوقىاكثر
اتساعا ؛ غسلك الطريق لابراز معالم المقومات الروحية للاسلام » وكان
أكثر تعمقا من شيخه غآثار بعض أصوات المعارضة من شيوخ المدرسة
وخشى شيوخ المدرسة السلفية فى العصر الحديث خطورة النزرعة
الصوفية عندما بدأت تتحلل الى أفكار وتيارات هادمة للاسلام ؛ ويتحول
التصوف فى صوره الاخيرة الى مظاهر كهنوتية وصيغ معقدة ؛ وتحول
الشعائر الدينية الى أناشيد وأهازيج وضرب بالدفوف وآنواع من التمايل
والرقص » فعندكذ صبوا جام غضبهم على أصحابها » بل ذهيبوا ف
معارضتهم للتصوف ان أنكروا كل اتجاه صو حتى لو نقل اليهم بواسطة
بعض شيوخ المذهب نفسه ٠ يقول الشيخ مصطفى عبد الرازق فى وصفه
لمظاهر انحطاط التصوف « ولابد أن نصرح قبل ذلك بأننا أهملنا عن عمد
دور الانحطاط الذى انتهى اليه التصوف فى عهوده المتاخرة ٠ وهو الدور
الذى لا نزال تشهده والذى جعل من طريقة الاخلاص والزهد والمرغان
(م؟) الشيخ محمد حامد الفقى فى تحقيته لكتاب « مدارج السالكين .. ©
لابن القيم +