فعم البلاد خيرها ؛ وانتفع بها الجميع
وهذا الكتاب يُعنى بجانب من جوانب تاريخ هذه البلاد المباركة -
ولما في نشره من تيسير للباحثين بتوفير المصادر التاريخية الموثقة +
وربط للأجيال بماضي الآباء والأجداد ؛ فقد أمر خادم الحرمين
الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - حفظه الله - بطبع هذا الكتاب
ونشره بمناسبة الاحتفال بمرور ماثة عام على تأسيس المملكة .
الشاكرين بالمزيد ؛ فأدمها نعمةٌ؛ واحفظها من الزوال .
أجمعين .
أمير منطقة الرياض
رئيس اللجنة العليا ورئيس اللجنة التحضيرية
للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة
سلمان بن عبد العزيز
مقدمة المحقق
الحمد لله رب العالمين» والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد :
لقد تشرفت بتكليف اللجنة العلمية التابعة للأمانة العامة للاحتفال
بمرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية لي بدراسة
وتحقيق مخطوطة تاريخ ابن يوسف . وقد أتاح هذا التكليف لي تحقيق
أمرين مهمين ؛ الأول منهما : الإسهام - ولو بقدر ضئيل - في
خدمة تاريخ بلادنا الغالية بمناسبة الاحتفال بذكراها المنوية ؛ عن
طريق تحقيق ونشر أحد مصادر تاريخها . والثاني : تحقيق نص
بالرغم من صغر حجم تاريخ ابن يوسف وقصرَ الفترة الزمنية التي
الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) النجدية - في تجلية
الغموض الذي خيّم على أوضاع نجد خلال القرون التي سبقت ظهور
الدعوة الإصلاحية السلفية والدولة السعودية التي قامت على أساسها .
ومن هنا » فإنه يمكن أن يقدم لنا بعض الأسباب والتفسيرات لقيام تلك
تاريخي المنقور وابن ربيعة يعدان تاريخين لإقليمي سدير والعارض ٠
وقد ذكر ابن يوسف بعض الحوادث التي لم يشر إليها معاصروه
من مؤرخي القرن الثاني عشر الهجري ( الثامن عشر الميلادي ) +
السعودية .
قبل البدء في دراسة وتحقيق مخطوطة تاريخ ابن يوسف ؛
رأيت أنه من المناسب والمساعد على فهم الوقائع والحوادث التي
أوردها ذلك المؤرخ » التمهيد لها بوضع مبحئين يستعرض الأول
منهما أوضاع نجد المختلفة بشكل عام خلال الفترة الواقعة بين
القرن التاسع والقرن الثاني عشر الهجريين (الخامس عشر
والثامن عشر الميلاديين) التي دون المؤرخ ابن يوسف بعض حوادثها .
أما المبحث التمهيدي الثاني ؛ فقد تم التركيز فيه - من النواحي
الزمنية والجغرافية والموضوعية - على بلدة أشيقر » وطن المؤلف »
على الأوضاع العمرانية والعلمية في بلدة أشيقر خلال القرنين
الحادي عشر والثاني عشر الهجريين (السابع عشر والثامن عشر
ونظراً للأسلوب والطريقة الخاصة التي تميز بها التدوين التاريخي
في نجد خلال القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) عن
غيره من التدوينات التاريخية المعاصرة خارج نجد » واللاحقة في نجد
نفسهاء ونظراً لانتماء ابن يوسف لذلك القرن ؛ فقد استلزم ذلك
وضع مبحث آخر توضح فيه السمات العامة التي اتسم بها التدوين
التاريخي في نجد خلال القرن المذكور » مث ' : الفترات الزمشية التي
والموضوعات التي اهتم بها مؤرخو ذلك القرن ؛ واللغة والأسلوب
هو وضع تاريخ ابن يوسف في إطاره التاريخي والشقافي ؛ وإعطاء
القارئ فكرة عن طريقة وأسلوب ولغة التدوين التاريخي في نجد
لقد حتم الأسلوب والطريقة الخاصة التي سار عليها ابن يوسف
في تدوينه التاريخي - والتي اتسمت بالاقتضاب والغموض ؛ وعدم
الانتظام في تدوين الحوليات ؛ وعدم اكتمال بعض الأخبارء
واستخدام الكلمات والتعابير العامية في التدوين ؛ وفشو الأخطاء
قُصد بها توضيح الغموض ٠ وإكمال النقص + وشرح الكلمات
والعبارات العامة ٠ وتصويب الأخطاء اللغوية ؛ ومقارنة النصوص
الغامضة والمبتورة بما يوازيها من نصوص المصادر المعاصرةٍ؛ لتوضيح
الأحداث . وإكمال الأخبار » وتصويب النتصوص . وغني عن القول
أن كثرة الهوامش والتعليقات تتناسب دائماً تناسباً طردياً مع غموض
النص واقتضابه وكثرة الأخطاء فيه -
لقد تم تحقيق تاريخ ابن يوسف اعتماداً على مصورات لثلاث
نسخ خطية : الأولى منها (1) بخط الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن
السلمان ؛ نقلها عام 17014ه/ 1847م عن الشيخ القاضي عثمان بن
منصور الناصري المتوفى عام 87/؟1ه/ 1876م . وقد أدرك الشيخ
لهذه النسخة الدكتور عبد الله بن يوسف الشبل عام 48 7١ه .
أما النسخة الثانية (ب) فقد تفضل بإهدائي صورةً منها الأخ عبدالله
ابن بسام البسيمي ؛ الذي أكد أن أصلها بخط الشيخ محمد بن عبد الله
آل ناصر المتوفى عام 1778ه/ 1470م . كما أهداني الأخ البسيمي
أيضاً صورة لنسخة نقلها الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن ناصر عن
نسخة أبيه المذكورة سابقاً . وقد جعلت النسختين هنا نسخة واحدة .
أما النسخة الثالثة (ج) فتوجد ضمن ديوان أوقاف الصوام بأشيقر»
الذي جدد وثائقه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن عامر المتوفى عام
07 1ه/ 1478م . وقد تفضل بإهدائي صورة لنسخة من ذلك
الديوان المهندس عبد الرحمن بن عثمان الحصيني . كما أهداني صوزة
لنسخة أخرى مختلفة الاستاذ إسماعيل بن إبراهيم السماعيل . وقد
وصفت هذه النسخ الثلاث وصفا شاملا في قسم الدراسة .
وبطيب لي هنا تقديم وافر الشكر والامتنان لكل من أسهم في
تسهيل تحقيق ودراسة تاريخ ابن يوسف وعلى رأسهم الأشخاص
المذكورون سابقاً » بالإضافة إلى الأستاذ سعود بن عبد الرحمن
اليحبى ؛ وغيرهم من أهل أشيقر الذين تفضلوا بمساعدتي في تحديد
المواضع الواردة في هذا التاريخ . كما يسرني إسداء الشكر والعرفان
للأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية
السعودية » واللجنة العلمية المنبشقة عنها ؛ اللتين أدت جهودهما إلى
نشر هذا التاريخ ٠
القسم الأول
المبحث الأول : أو ضاع نجد بين القرنين التاسع والثاني عشر الهجريين
(الخامس عشر والثامن عشر الميلاديين) ٠
المبحث الثاني : أو ضاع بلدة أشيقر العمرانية والعلمية خلال القرنين الحادي
عشر والثاني عشر الهجريين (السابع عشر والثامن عشر
المبحث الثالث: كتابة التاريخ في نجد خلال القرن الثاني عشر الهجري
(الثامن عشر الميلادي).
المبحث الأول
أو ضاع نجد بين القرنين التاسع والثاني عشر الهجريين
( الخامس عشر والثامن عشر الميلاديين)
لم يحظ وسط الجزيرة العربية (نجد) بحكومة مركزية محلية منذ
العصر العباسي الأول ؛ وحتى إمارة بني الأخيضر التي ظهرت في
جنوب وادي حنيفة منذ منتصف القرن الثالث الهجري ؛ وبقيت هناك
حتى بعد متتصف القرن الخامس الهجري (من منتصف القرن التاسع
حتى بعد منتصف القرن الحادي عشر الميلادي) ؛ لم يتجاوز نفوذها
أطراف ذلك الوادي والمناطق المجاورة له(" .
وقد انتشرت قبائل بني عامر بن صعصعة منذ القرن الثالث
الهجري (التاسع الميلادي) في وسط جزيرة العرب وشرقها ؛ وسيطرت
فروعها مثل : بني عقيل وبني كعب وبني نير وبني كلاب وبني هلال
وبني سليم على عالية نجد و أقاليم اليمامة . كما هيمنت فروع قبيلة
طي على شمال الجزيرة العربية خلال القرون التالية'"" .ولم تخقف
الهجرة الواسعة التي نقلت عدداً كبيرا من تلك القبائل إلى بلاد الهلال
الخصيب خلال القرنين الرابع والخامس الهجريين (العاشر والحادي
+ لمعرفة مدى قوة بني الأخيضر في اليمامة انظر : عبد الله بن يوسف الشبل )١(
+ الدولة الأخيضرية ؛ مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية ؛ عذد 66 1143ه
(1) علي بن محمد بن الأثير الكامل في التاريخ » بيروت 1456م جلا ص 17-١١
070-١4 14-77 . عبد الرحمن بن خلدون » تاريخ ابن خلدون » دار الفكر +
بيروت 10٠: لماج ص 118
عشر الميلاديين) من هيمنة الرحّل على وسط جزيرة العرب""» فضلّت
قبائل بني عامر تسيطر على براري جنوب نجد والبحرين ؛ وفروع طي
تتجول في شمال جزيرة العرب خلال القرنين السادس والسابع
الهجريين (الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين) ٠
قبيل منتصف القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) تمكَن
بنو عصفور » شيوخ بني عامر ء من تكوين إمارة قبلية سيطرت على
شرق الجزيرة العربية واليمامة . وكان من أبرز مظاهر تلك السيطرة
فرض الإناوات على قبائل وبلدان المنطقة ؛ وحماية قوافل الحج
والتجارة العابرة من شرق الجزيرة إلى الحجاز عبر نجدا" .
وفي بداية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) برزت
أسرة أخرى من بني عامر هي أسرة بني جبر » التي كونت إمارة جديدة
سيطرت على شرق الجزيرة العربية واليمامة خلال النصف الثاني من
القرن التاسع الهجري والثلث الأول من القرن التالي . وكان نفوذ بني
جبر أوسع وأقوى من نفوذ أسلافهم العصفوريين في تلك المناطق .
وقد اشتهر أبرز زعمائهم أجود بن زامل الجبري (47/8- 407 ه
)١( ابن خلدون » ج4 + 176 وما بعدها
(؟) لمعرفة مدى نفوذ بني عضفور في شرق الجزيرة العربية ووسطها ؛ انظر : عبد اللظيف
الحميدان ؛ إمارة العصفوزيين ودورها السياسي في تاربخ شرق الجزيرة العربية +
مجلة كلية الآداب بجامعة البصرة ؛ العدد 16 1574م +
(©) لمعرفة مدى قوة نفوذ بني جبر في شرق الجزيرة العربية واليمامة ؛ انظر : عبد اللطيف
الحميدان » التاريخ السياسي لإمارة الجبور في نجد وشرفي الجزيرة ؛ مجلة كلية
الآداب - البصرة ؛ عدد 1١ 0 1480م . وحمد الجاسر » الدولة الجبرية في الأحساء +
العرب جلا 747 أه.
تقريباً) بحمايته ورعايته لقوافل الحج والتجارة العابرة من شرق الجزيرة
إلى الحجاز عبر نجد ؛ واهتمامه بالعلم والعلماء" ؛ كما حرص على
تعيين قضاة الشرع في البلدان النجدية" .
وبالرغم من محاولة الجبريين التحكم في مراعي وبلدان وقبائل
التجول والتصارع على أفضل المراعي والمشاهل في نجد ؛ والضغط
على سكانها المستقرين . فخلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين
(الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين) امتد تجوال فروع بني لام
جنوب عالية نجد واليمامة . وخلال القرنين العاشر والحادي عشر
وعنزة ثم مطير في توسيع تجوالها من شرق الحجاز إلى وسط نج .
هذا في الوقت الذي هيمنت فيه قبيلة بني خالد على براري شرق
جزيرة العرب بعد أفول الإمارة الجبرية في عام 477ه/ 1675م
)١( انظر ترجمته في : محمد السخاوي ؛ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ؛ دار مكتبة
الحياة ؛ بيروت د-ت ؛ ج١ » ص ١4١ . وأيضاً : علي بن أحمد السمسهودي ؛ وفاء
الوفا بأخبار دار المصطفى ؛ دار إحياء التراث العربي بيروت ؛ 14101 ص 1٠١47 +
)١( أشار الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام في كتابه : علماء نجد خلال ستة قرون
(مكتية ومطبعة النهضة الحديشة ؛ مكة المكرمة 1748 ه) إلى بعض قضساة ملك
الأحساء والقطيف ونجد » أجود بن زامل العامري » ص :4476707 +
(©) محمد بن عبد الله آل عبد القادر الأحسائي ؛ تحقة المستفيد بتاريخ الأحساء في القديم
والجديد » الرياض ؛ ١407 هاء ص 17١