فلم يبقى شيء سواه يحقق الصلة الحقيقية بين الإنسان ورب العالمين؛ تعَرّفا
ومضموناء بما يجعله أكمل كتاب وهو مكتوب في صورتين: الأولى عند الله
تعالى في سجل الغيب باللوح المحفوظ: (بَل هو قرآن مَحِيدٌ فِي لوح
مَحفُوظِ)(البروج: 22-21) والثانية هي التي عند الناس في المصاحف وهي
نسخة مطابقة للأصل على التمام والكمال! وهي مضمونة الحفظ في الأرض
تتزّلّ عليه في الزمان - بإذن الله - له قصة عجيبة جدآً! تجعل المؤمن يزداد
لقد ذهب بعض العلماء إلى أن الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام -
بُعِنُوا قبل سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - إنما أوتوا بعض الكتاب الذي في
الكتازا» الى مااللطائتة ته الحكمة الإلهية من إعطاء كل أمة من العلم والحكمة على
قدر حاجتهاء؛ إنسانا وزمانا ومكانا ولذلك لم يكن إكمال إنزال الكتاب من اللوح
المحفوظ إلى الأرض؛ إلا مع هذا النبي الخاتم محمد بن عبد الله - عليه الصلاة
والسلام - لتكون دعوثه بذلك عالمية إلى الناس كافة؛ ومستمرة إلى يوم الدين! مما
واستدلوا على ذلك بأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله بعضها ظاهر الدلالة
الشرس؛ ثم يغفل عن حمل السلاح الحق؛ سلاح القرآن! ويتدرع بأسلحة أخرى
فيا صاح! هذا رب العزة - جل جلاله - يتوجه إليك تكليفاً برسالة القران عبر
قضيتين اثنتين: نهي وأمر؛ ولا يتم لك أحدهما إلا بالدخول في الآخر وبيان ذلك
أولا: النهي؛ وهو متعلق برفض الطاعة الثقافية للكافرين» وإعلان التمرد
- ثانيا: مجاهدة الكفار وأذيالهم بحقائق القرآن ومفاهيمه جهاداً كبيراً! وذلك هو
كبيراً!) والسياق واضح في أن هذا الجهاد هن اجتهاد معنوؤي كنيز وهو - لمن
- الرسالة الرابعة:
في أن شرط غسل الثرآن يك العيد السجا هتئيه - بما هو سلاح فرقاني - هو
تحقيق اليقين في فرقانيته! يقين مشا هدة؛ تماما كما تشاهد عظمة الله - جل جلاله -
عيانا في معجزة البحار والأنساب! خلقا وتقديراً! وما يتضمن ذلك كله من قوة؛
وحكمة ومنفعة؛ وخيرء؛ وبركة! فمتى وجد المؤمن هذا اليقين اشتعل نور القرآن
4- مسلك التخلق:
وبيان مسلك الفوز بمقام هذه الكلمات والتحقق بأخلاقهاء متعلق ببيان كيفية
"الجهاد بالقرآن"؛ وبيان المدخل العملي للتخلق بمقام ذلك الجهاد! وهو كما يلي:
للجهاد المعنوي بالقرآن - أو "المفهومي" - خطان اثنان: عمودي وأفقي
يؤهلها لولاية الله! ودون ذلك صدق عزيمة وانطلاق مسيرة أي لا بد للمؤمن أن
يتخذ قراره الذاتي الباطن؛ بالرحيل إل | لل والهجرة إلسيع منازل الإاخلاص
- وأما الأفقي: فهو الدخول في بلاغ كلمات القرآن؛ عبر الإسهام الفعال في نشر
حقائقه الإيمانية في المجتمع؛ في سياق مجاهدة مفاهيم الباطل؛ ومدافعة برامجه
المخربة للدين ولا أبلغ في إنجاز ذلك من تأسيس مجالس القرآن في كل منطقة
وقطاع إن العامل لله حقاء؛ الخادم لكتاب الله صدقآء يحمل هم البلاغ القرآني دائما
أبدا يسأل عن أحوال المسلمين هنا وهناك؛ فإذا ما بلغه خبر موقع معلول بادر
بالرحيل إليه - كما رحل أصحاب رسول الله إلى كل الآفاق! - حاملاً معه الدواء
الرئيسء ألا وهو تأسيس مجلس قرآنيء بَدْرَةٌ تتناسل جذورها - بعد ذلك - لثثبت
مجالس قرآنية أخرى؛ تملا البيئة بنور اللء فتدفع بذلك المنكر الزاحف على البلاد
تصبح لذة روحية؛ لا تنتهي حلاوثها في حلق صاحبها إلى يوم القيامة!
المجلس الثاني عشر
في مقام التلقي لعزائم التوكل
وأن نجاح الدعوة والداعية لا يكون إلا بالتجرد الكامل لله
والتزود الدائم من أسرار اسم الله: "الرحمن"!
1- كلمات الابتلاء:
2- البيان العام:
هذه مدرسة التأهيل؛ وههنا فصلٌ التخرج منها! وإن مستقبل الداعية الصادق؛
والمؤمن الواثق؛ رهين بالنجاح في هذا الفصل! فإما أن يكون من "عباد الرحمن
فيكون من الأولياء الربانيين! دين ودعوة وذلك شرط القيادة والريادة وإمامة
المتقين! وإما أن يكون من سائر المسلمين والجنة - على كل حال - منازل
الداعية من بيان طبيعة الجهاد بالقرآن؛ ت تكليفا وأمانة ورسالةٌ وفرقانية؛ وما سيلقاه
من صدود وعناد وأذى من الكفارء تكرم عليه - صلى الله عليه وسلم - وعلى كل
السفر الشاق الطويل؛ وما وجب أن يتزود به من زاد؛ من أجل الوصول!
فبين له أولا أن طبيعة هذه الرسالة إنما هي بلاغ لحقيقة الدين؛ بشارة ونذارة!
هؤلاء وهؤلاء من الاعتراف بحقوق الله أو التمرد عليه! تلك هي خلاصة الدينء
وجوهر قضية سيد المرسلين والداعية لا يخرج عن هذا السنن القويم في بسط
دعوته للناس؛ ولا مشروعية لوسيلة لا تخدم هذا الأصل العظيم؛ بله أن تكون مما
أجميعن أن هذه الوظيفة الدعوية لا تقوم على قصد أي حظ دنيوي! من المكاسب
الدعوة تضحية كاملة تامة! والداعية عبد مؤمن متفرغ للدلالة على الله وبيان
وادخل منازل التوكل والتعرف الدائم إلى الله بالذكرء تسبيحا بحمده تعالى؛ بما هو
إن جُندَنا لَهُمْ الْعَالِبُونَ!)(الصافات: 173-171) فإن يظهر لك شيء من تخلف
هذه القاعدة فالخلل قطعا في صدق الجندية!
أما هوء فهو الله جل جلاله؛ له صفات الكمال متنزه عن النقص والمحال! هو
ربا خبيراً بذنوب عباده وخلق»؛ سواء منهم أعداؤه المجاهرون أو من هم
خوالج النفس الخفية من المقاصد المذمومة الباطنية؛ التي تهلك الأعمال وتحصد
يعلم حقيقة صفاته وعظمته جلاله و جماله ثم لا أحد من البشر - بعد ذلك - أعلم
بالله ولا أخبر به من رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك فإنما يُخْرَفٌ الل
بات ثم ببيان سيدنا محمد رسول الله
وهنا يمن الكريم سبحانه على عباده ببيان جمال اسمه العظيم: "الرحمن"! وما
يكتنزه من أنوار وأسرار! و"الرحمن" اسم من أعظم أسماء الله الحسنى وأجمعها!
فقد ورد في غير ما موطن في اله وسنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - وال
على سبيل الترادف في المحبة الإلهية! كما وردت به السنة النبوية الصحيحة! قال
عليه الصلاة والسلام: (أحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن!)(69)
ليس لسواه من الأسماء الحسنى منفرداآ؛ إلا اسم الجلال الأعظم: الله"! ولذلك قال
تعالى - على سبيل البيان والتعريف - في سياقنا هذا من سورة الفرقان: (الّذي خلق
ذلك من الجمال والجلال ما يجعل المؤمن بال يتقرب إلئ مولاه بهذا الاسم العظيم؛
يتعرف إليه تعالى من خلاله - أي من خلال هذا الاسم الكريم - ويسعى إليه بما
الإنكار والتجهيل والاستكبار: أنسجد لما تأمرنا بالسجود له؛ طاعة لأمرك أنت يا
أخرجه مسلم
هلاكا مكينا؛ إذ ضيعوا فرصة العمر في التعرف إلى الله باسمه العظيم جل جلاله:
بما جعل في السماء من النجوم الكبار الشامخة بمنازلهاء والدائرة في أفلاكها؛ وبما
جعل فيها من شمس مشتعلة تضيء النهار أبدآء؛ وقمر ينير ما قُذّرّ له من ليال
ومنازل سرمداً وبما جعل - بناء على ذلك - من ليل ونهار متعاقبّيْن؛ يلف
3- الهدى المنهاجي:
وينقسم إلى خمس رسالات هي كالتالي:
- الرسالة الأولى:
في ضرورة الحفاظ على الجوهر الأخروي للرسالة الإسلامية؛ في مجال العمل
وبرنامجاء؛ هو من أهم الموازين التي تصحح بها مسيرتها
ََ الرسالة الثانية:
في أن مقام الزهد هو من أول مقامات الإيمان؛ التي وجب على الداعية إلى الله
أن يتخلق بها ويدخل ابتلاءها وهو تحقيق التجرد من حظوظ الدنيا في العمل
الدعوي! وإفراد قصد التعبد الخالص بكل خطوة ينجزها في سبيل الله؛ خالصةلله
وحده دون سواه وما دام شيء من الحظوظ الدنيوية؛ المادية أو المعنوية؛ يخالط
- الرسالة الثالثة:
في أن مقام التوكل هو ثاني مقام وجب على الداعية أن يدخل عزيمته؛ بعد مقام
الزهد والتوكل: هو تحقيق الكفاية بالله! وذلك بالاستناد إلى أسمائه الحسنى على
كل حال؛ في الخوف والأمن؛ وفي الفقر والغنى؛ وفي الصحة والمرض؛ دون
مراعاة شيء آخر سواه ويكون ذلك بمداومة المشاهدة لتجليات ذِكُره تعالى على
النفس؛ بما يزيد القلب معرفة بالله فإن من عرف الله بما ينبغي لجلال وجهه
التوكل؛ لما تتضمنه من التوحيد الكامل والإخلاص في وقت الشدة؛ حيث تزل
الأقدام وتضطرم الأوهام! خاصة في السياق الدعوي؛ لِمَا فيه من تدافع! قال
ويجتمع كمال الأمان وجماله الدائم بهذا المقام» هنا في سورة الفرقان وذلك
بالتوكل على الحي الذي لا يموت! مما يبعث الثقة والحيوية والحياة في قلب العبد
أبدا! وهو من أعظم الزاد للمؤمن الرباني في سيره الدعوي إلى الله ذلك؛ وإنما
الموقق من وفقه الله !
- الرسالة الرابعة:
في أن النصرة والنجاح للداعية - في وظيفته الربانية - رهين بمداومة الذكر بشتى
- الرسالة الخامسة:
في أن التعرف إلى اسم الله: "الرحمن" والتزود من أسراره وأنواره؛» هو
المدخل التأهيلي للداعية؛ إذا أراد أن يتخلق بإمامة المتقين ويتحقق بها !
ذلك أن أمامنا مدرسة "عباد الرحمن"؛ تنتظرنا برامجها العالية وهي خاصة
بشهادة "الإمامة" في التقوى؛ لا بمجرد التقوى! كما سترى بحول الله إنها مدرسة
الحكماء الربانيين» والدعاة الرحمانيين لكن ليس كل الناس بمؤ هَل لولوج الدراسة
بها! ولذلك فالمؤمن في حاجة - قبل الولوج إلى مدارجها - أن يدخل مدرسة
تأهيلية قبلها! هذه المدرسة هي مدرسة التعريف بالاسم العظيم: "الرحمن"! حتى
والمدرسة: دراسة وبرامج وعملّ؛ ولذلك فلنجعل هذا التأهيل الدراسي
مخصوصا ب"مسلك التخلق" بهذا المجلس العظيم!
4- مسلك التخلق:
وأما مسلك التأهيل للدخول في مدرسة "عباد الرحمن" فإنما ابتلاؤه راجع إلى
ترويض النفس على التحلي بمقامين اثنين:
بامرين هما: التفكر والتدبر ٍ
فالتفكر: متعلق بسياحة الفكر في ملكوت السماوات والأارض؛ مشاهدة لدلائل
وأما التدبر: فهو متعلق بسياحة القلب في مَشنَاهِدِ القرآن ومَعَاررضِه؛ والورود
أققالهَا؟!)(محمد: 24) فإذا فعل انفتح له باب التعرف على اسم الله "الرحمن"؛
والتلقي من جمال نوره العظيم؛ إذ القرآن هو كتاب التعريف بالرحمن؛ قال تعالى:
ورد التفكر وورد التدبر فهما خلوتان: الأولى في ملكوت الله؛ والثانية في كتاب
شاء الله
- والثاني: مقام الشكرء وهو يحصل بكثرة السجود وقد أمِر الكفار أنفسهم في
الكلمات المتدارسة بالسجود للرحمن! لكن المقصود التربوي بالنسبة للداعية ههنا
(أفلا أكون عَبْدا تتكُورا؟!)(*)
فهذان مقاما نيل شرف التعرف إلى اسم الله "الرحمن"؛ والتزود من بركاته
متفق عليه
بإذن الله - مؤ هلا لولوج مدرسة "عباد الرحمن" بما أبرق لعينيه - في تذكره
وتشكره - من اسرار هذا الاسم العظيم!
المجلس الثالث عشر
في مقام الانتساب إلى مدرسة "عباد الرحمن"
٠ وهو في ثلاثة فصول 0
الفصل الأول: في تحقيق الأخوة الملائكية وتعميق المعرفة بالله
1- كلمات الابتلاء:
2- البيان العام: في التعريف بمدرسة "عباد الرحمن"
"حباد الرحمن”ء إنه تعبير خاص؛ وسمة خاصة! فيها من التقريب الرباني
الأسماء الحسنى! فهو لم يرد في القرآن إلا مرتين اثنتين فقط! الأولى في وصف
هؤلاء السادة العظام! والثانية في وصف الملائكة الكرام! قال جل جلاله: (وَجَعَلُوا
ويُتألون!)(الزخرف: 19) وعبادة الملائكة لله - كما سيأتي في كلام ثمين لابن
القيم رحمه الله عبادةٌ متذللة تلقائية مسترسلة؛ مستمرة بلا انقطاع ول فتورء
الدخول في ابتلاء هذا المقام الملائكي العالي؟ إنهم "عباد الرحمن"! هؤلاء هم