فى الانسان حين لفظ ببعض الكلمات وهو فى حال الوله
الغالب ب المستول على شعوره ؛ مثل قوله :
نحن ران حللينا دنا
وهكذا » يطيش نهم الحلاج » فيأن بكلمسة
( الحلول ) دون مورابة فتأخذ هذه الكلمة الطائشة بيده
الى مهايته ! وفى حالة أخرى يقول الحلاج وقد تملكه الوجد
عز وجل :
أت بين الشِْحَافٍ والقَلبٍ تجرى
و بثل جرى المع بِنْأَنمفَانٍ
ولهذه العبارات التى تفوه بها العاشق الموله فى حال نشوته ؛
شهد عليه معاصروه بالكفر وأخرجوه من زمرة المسلمين ؛
فيحكى عنه أبو اسحاق النبرجورى المتونى 307 هجرية ؛
أنه كان يجلس بالحرم الشريف فى أيام الحج والعمرة ؛ فلا
الواصل ؛ يترقى من حال إلى حال ؛ ومن حيرة إلى يقين ؛
الارتشاف من كأس المعرفة الإلحية آملاً فى قوله تعالى
وبلغ الجيلى قمة عالية من قمم الفكر الصوفى ؛ واصبح
عل مر الأيام واحدً من معام هذا الطريق الروحى » ولكته
مؤلفاته مخطوطة لا تمتد لها أيدى المطالعة فاختفى الرجل
أوكاد !
وعلى مدى سنوات طويلة » قضيتها فى صحبة عبد
الكريم الجيل » تكشفت الجوانب الخفية فى شخصية هذا
الصوفية الأشهر « ابن الفارض )؛ ومفكراً يجمع بين
للسفة والتصوف عل نحو ل ييسر إلا للقلائل من أثال
الشيخ الأكبر « محى الدين بن عرب » وشيخ الإشراق
« شهاب الدين السهروردى »
يبرح محله إلا للطهارة والطواف حول الكعبة ؛ غير محترز فى
جلسته من شمس حارقة أو مطر منهمر هذا الى جانب
الكثير من الروايات الواردة فى زهد الحلاج وقنوته وذهابه الى
ثغور الدولة الاسلامية مرابطاً مع المجاهدين فى سبيل الله
لكن مأساة الحلاج كانت تكمن فى أنه ل يستطع التعبير عن
احواله بشكل مناسب » بل استغرق فى حيرته من شدة انوار
القرب الالهى َ فصاح (يا أهل الاسلام:اغيشونى ! )
ولم يعرف غير الله تعالى » فتعجل الفرح به وغلب عليه
الفرح » فأسكرته نشوة التجلى فلم يجتمل قلبه ؛ فصرخ
( اعلموا أن الله قد اباح لكم دمى فاقتلونى ! ! ) وعندما
أفاق من السكر كان السيف يحجزعنقه
وبعد مقتل الحلاج ببغداد » سنة 04 هجرية ؛ كان
التصريح بما لديهم » حى لا يلقوا المصير المفجع الذى لقيه
شهيد بغداد بعبارة أخرى ؛ كان على الصوفية الخروج
من هذا المأزق ؛ بايجاد ذلك الشكل التعبيرى الملاءم الذى
الإصطدام بالفقهاء والعامة
وكانت لغة الرمز والاشارة التى تحدثدا عنها عند
الكلام عن اسلوب الجيلى فى الفصل السابق هى الطريق
الذى سلكه الصوفية وخرجوا به من إشكالية إباحة دمائهم
إن هم باحوا ممكنون احوالهم ومشاهدتهم الفائقة للعادة
وانتهت لغة الرمز الصوى فى تاريخ التصوف الإسلامى
الى ثلاثة اشكال رئيسية » أولها الكتابة ( النشرية ) بلغة موغلة
فى الاستغلاق والتعمية على نحو ما نجد فى مؤلفاته عبد
الكريم الجيل وغيرها من المؤلفات الى وضعها الصوفية ؛
مثل ابن سبعين الاندلسى فى كتابه ( بد العارف )
والسهروردى الاشراقى فى ( حكمة الإشراق ) وغير ذلك من
المؤلفات
والشكل الشانى من أشكال التعبير الرمزى عند
الصوفية » هو الأقاصيص الرمزية وضرب الامثال
ابن ثم ابن طفيل ورسالق ( اصوات اجنحة
ال و( الغربة الغربية ) للشهروردى ؛ وقصة
( يوسف وزُليخا ) لفريد الدين العطار وغير ذلك الكثير
من القصص الرمزى الصوفى كسلامان وأبسال ورسالة
الطير
وكانه الشعر الصوفى » هوثالث هذه الأشكال فقد
من خلال قصائدهم المطولة » وابياتهم الشعرية القصيرة
وبالفعل ؛ كان الشعر الصوفى الرمزى من أنسب الاشكال
التعبيرية التى يمكن للصوفى أن يتحدث بها عن حاله ذلك
لأن الشعر فى حد ذاته هو نتاج لحالة شعورية ينطلق
لا تستوقفنا فى حياتنا اليومية » لكنه يقدم لنا ( رؤية ) خاصة
لهذه الاشياء من خلال الافق الرحب الفسيح الذى يحلق فيه
الشاعر ولهذا » فالشعر على هذا النحو قريب الصلة
بالتصوف » فالصوفى هو الآخر يسعى من خلال خلواته
للاشياء وهكذا ينطلق كل من الشعر والتصوف من نقطة
واحدة تقريباً هى التخلص من تراكمات العادة وسيطرة
المادة ؛ حتى ينتهى كل من الشعر والتصوف الى نقطة واحدة
أيضاً هى التى تسمى عند الصوفية بالكشف ؛ وعند
الشعراء بالإلخام
ونظراً لهذه الطبيعة المتقاربة بين التصوف والشعر ؛
ونظراً لإمكانية التعبير الرمزى عن المعانى الصوفية من خلال
الابيات الشعرية » لجا الجيل وغيره من شعراء الصوفية الى
هذا اللون من الادب للتعبير عن تنجربتهم الروحية
وأول ما يستوقنا فى شعر الجيل ؛ قصيدته المطولة ؛
من أطول قصائد الشعر الصوفى فى الاسلام » إذ تتألف من
ابياتها » إلا قصيدة ابن الفارض التائية المسماة ( نظم
السلوك ) والتى تتألف من 67 بيتا والنادرات قصيدة
عينية من بحر ( الطويل ) يقول مطلعها :
فؤادبهِ شمس الملحبة طالع
واحدة من أهم النصوص الشعرية التى عبرت عن فكر
الصوفية ني تاريخ 2 التصوف الممتد حتى يومنا هذا ولذلك
فقد عنى بها الصوفية عناية كبيرة واتخذت فى نفوسهم مكانة
خاصة فها هو واحد من كبار الصوفية المتأخرين ؛
المصونة » ويقول صاحب ( منظوم قلايد الدر النفيس )
اها قصيدة : « ل يؤت بمثلها فى الدهور والأعصار ؛ و
يسلك أحد مسلكها ولا يمكن وصفها بلسان العبارة ؛
ولا يقدر على نعتها ببيان الاشارة لما احتوت عليه من صنائع
لطائف كلمات ذوقية وبدايم غريب ترشحات شعرية ١ وفي
وصف القصيدة يقول :
فؤاد الصَُببِنْحْفهَا
() ابو الفتح السموجى : منظوم قلايد الدر ( مخطوط ) ورفة 7 ١ 4
عليه ى تخميسها ؛ فوضع للقصيدة هذا التخميس الذى
يقول فى البيتبن الأول والثانى منبا :
ويبلو لنا مها يدور كر
سق“ خمرة التُرحِيدٍ نَافَانَْحًا
(صحا الئاس مِنْ سُكرٍ الغرام وماصضخنا
)١( التخميس هو أحد فنون الشعر الملحقة بالبحور الستة عشر ؛ وهو أن يقدم الشاع رعل
الملجموع خمسة أشطر ولذلك سمى تخميسا وقد يقدم الشاعر شطرا واحدا على البيت
ولا يزال الصوفية يرددون أبياتا من ( النادرات ) ويتغنى
بها المنشدون فى حلقات الذكر الصوفى حتى اليوم فى نواحى
وجدان أهل التصوف حتى يومنا هذا ؛ فإن للنادرات مكانة
أدبية رفيعة ؛ فالجيلى يتميز بحس شعرى مرهف ؛ ولا يلجأ
والتعقيدات » وائما تنساب الفاظه فى سهولة ويسر ويميل فى
أغلب صوره الى ( التشبيه والاستعارة ) وهما من أبسط صور
قريب فى نسخ خطية » فإن ظهورها الى النور بعد تحقيقها
سيكون فرصة لأن يرى دارسو الأدب العربى : قطعة أدبية
عديدة ومتنوعة ؛ وقد بدأ الجيل قصيدته بالحديث عن الحب
)٠( حصلنا على درجة الماجستير فى الفلسفة ؛ عن رسالة تضمئت تحقيقا علميا لقصيدة