ونحن نرى أن المقياس هنا ليس بعدد المقاتلين فقط » ولكن لأبد أن يكونوا
فعليك حينئذ أن تصابره؛ أى إن صبر قليلاً؛ تصبر أنت كثيراً» وإن تحمل مشقة
القتال» تتحمل أنت أكثر إذن فالقوة القتالية لكى يتحقق بها ولها النصر لابد
أن تكون قوة صابرة قوية فى إيمانها قادرة على تحمل شدة القتال وعنفه
ثم يعطينا الحق سبحانه وتعالى تعليل هذا الحكم الإيمانى الذى أبلغنا به
فيقول عز من قائل :
( من الآية 16 سورة الأنفال )
إذن فالسبب فى أن المؤمن يغلب عشرة من الكفار» هو أن الكفار قوم لا
وهنا نقارن بين المؤمنين الذين يفقهونء والكفار الذين لا يفقهون ونقول: إن
الكافر حين يقاتل لا يعتقد فى الآخرة؛ وليس له إلا الدنيا ويخاف أن يفقدماء
ولذلك حين يوجد الكافر فى ساحة الحرب فهو يريد أن يحافظ على حياته ولو
بالفرار» ولكن الدنيا بالنسبة للمؤمن رحلة قصيرة والشهادة هى الفوز برضوان
الله ودخول الجنة بلا حسابء ولذلك فإنه يقبل على القتال بشجاعة من يريد
الاستشهاد ونجد خالد بن الوليد يقول للفرس : أتيتكم برجال يحبون الملوت
كما تحبون أنتم الحياة
فلو أن الكفار فقهوا أى فهموا أن الدنيا دار ممر ومعبر للآخرة؛ وأن الآخرة
الحياة لأنها بالنسبة لهم هى كل شىء ولذلك يعلمنا القرآن الكريم فيقول :
2 ( من الآية 57 سورة النوية )
ونغنم أموالكم» وإما أن تُنْتَشْهَدَ فندخل الجنة وكلاهما حسن ويكمل الحق
( من الآية 87 سورة التوبة )
أى أنكم أيها الكفار لن يصيبكم إلا السوء والخزى إما عذاب شديد من عند
الله بغير أسباب» وَإما عذاب بأيدينا أى بالأسباب إذن فالكافر حين يدخل
المعركة لا ينتظر إلا السوءء إما أن يقتل ويذهب إلى جهنم - والعياذ بالله - ؛
وإما أن يصيبه الله بعذاب يدفع الخوف فى قلبه أثناء المعركة والكفار فى القتال
لا يعتمدون إلا على قوتهم وعددهم وعدتهم ؛ أما المؤمنون فيعتمدون أولاً
على الله القوى العزيز ويثقون فى نصره ولذلك يقبلون على القتال ومعهم
رصيد كبير من طاقة الإيمان وهى طاقة تفوق العدد والعدة؛ ويكون المقاتل منهم
قويا فى قثاله متحمساً له ؛ لأنه يشعر أنه مؤيد بنصر الله ونعلم أن كل إنسان
يحرص على الغاية من وجوده؛ وغاية الكفار متاع الحياة الدنيا المحدود؛ أما
غاية المؤمنين فممتدة إلى الآخرة ولذلك فالكافر يحارب بقوته فقط وهو مجرد
من الإيمان
درك رز د ]2 مط
سورة الأتفال )
موز امئان
والنصوص الخبرية ليس فيها طلب» ؛ وإن كان الطلب يخرج مخرج الخبر
ليوهمك أن هذا أمر ثابت وعندما قام بعض الشمردين من سنوات ودخلوا
الحرم بأسلحتهم وحاصروا الناس فيه قال بعض السطحيين: إن القرآن يقول:
( من الآية 41 سورة آل عمران )
وأن هذا خبر كوتى معناه أن كل من دخل الحرم كان آمناً؛ وقلنا: إن قول
الحق تبارك وتعالى : # ومن دخله كان آمناً * هذا كلام الله؛ فمن أطاع الله
فليؤمن من يدخل الحرم وقد تطيعون فتؤمنون من يدخل الحرم وقد تعصون فلا
تؤمنونهم إذن فالمسألة هى حكم تطيعونه أو لا تطيعونه؛ كذلك قول الحق
سبحانه وتعالى :
( من الآية 778 سورة البقرة )
( من !الآية 17 سورة النور )
وقد نرى فى الكون زيجات عكس ذلك ؛ تجد رجلاً لثيماً يتزوج بامرأة
مصداقاً لقول الحق؛ ولماذا لم يتزوج الخبيث خبيثة ؟
موجوداً حتى فى القبح ولكن الشقاء فى الكون إنما يأتى من زواج الطيب
ويقول سبحانه وتعالى بعد ذلك :
ا دارا 0 َ 2 حير حر ار 0 ِ ِ(
وفى هذا الحكم تخفيف عن الحكم السابق» الذى جاء فيه أن عشرين
صابرين يغلبوا مائتين» وتعلم أن هناك شروطا للقتال» أولها أن يكون المقاتل
قوى البدن وقوى الإيمان وعلى دراية بحيل الحرب وفنونها بحيث يستظيع أن
يناور ويغير مكانه فى المعركة ويخدع عدوه؛ لأن نتيجة المعركة لا تحسمها
معركة واحدة؛ بل لابد من كر وقر وإقبال وإدبار وخداع للقتال ومناورات
مثلما فعل خالد بن الوليد فى كثير من المعارك
إذن فلكى تضمن أن عشرين صابرين يغلبون مائتين لابد أن يتحقق فى
هؤلاء جميعاً قوة بدن وصبر وجلد؛ ولكن قد لا تكون قوة البدن متوافرة
رحمته سبحانه وتعالى بالمؤمنين أنه خفف عنهم ؛ لأنه يعلم أن هناك فترات
الآخر: المسيح ابن اللهء إذن فهم لم يؤمنوا بالله حق الإيمان تسبيحاً وتنزيهاً
لذاته الكريمة عَم لا يليق بها ٠ وكذلك يختلف إمانهم باليوم الآخر عن الإيمان
الحق به» إنه إيمان لايتفق مع مرادات الله تغالى + فهم يقولون مثلاً: إن النعيم
الآخرة فلابد أن نعرف هذا النعيم حتى نفهم المعنى» ونتساءل : ما هو النعيم
أيكون هذا هو نعيم الآخرة؟
الناس باليوم الآخر ليس إيماناً كما يريده الله
فسبحانه حين يحدثنا عن الجنة إنما يحدثنا عن أشياء من جنس ما نعرف
وليس من جنس ما لا نعرف وصحيح أن الله سبحانه وتعالى قد بين لنا بعض
إذن : فالله عز وجل يعطى مثلاً فقط ومعلوم أن اللفظ فى اللغة لابد أن
بكلام نعرف معانيه ورسول الله 4# قال عن الجنة:
إذن : فلا توجد فى اللغة ألفاظ تعبر عن نعيم الجنة؛ لأن المعنى غير
الأولى أنها تغتال العقول !"؟ والثانية : أنها لا تشرب بقصد اللذة؛ والذى
يشرب الخمر لايشربها مثلما يشرب كوب عصير المانجو أو عصير الليمون الذى
طعمها غير مستساغ وليقلل زمن مرور الخمر على الحس الذائق» ومعنى هذا
أن طعمها غير مستطاب؛ ثم إنها تذهب بوعى الشارب لها فيفقد السيطرة
«لم أدر موقع رأسى من موقع قدمى » هذه خمر الدنياء ولكن الخمر فى الجنة
سبحائهة وتعالى بقوله :
الحكمة فى معتى الاستطعام قى قول رسول الله تل :
«ثلاث من كن فيه وجد بهن طعم الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه
)١( عن سهل بن سعد الساعذى قال : «شهدت من رسول الله ##مجلساً وصف فيه الجن حتى انتهى + ثم
قال َه فى آخر حديثه : فيها ما لا عين رأت ولا أذأن سمعت ولا خطر على قلب بشر » ثم قرأ هام
الآية اوري اط ار نهم خوفاً وطمعاً ومما رزفتاهُم ينففُون قلا تعلم نف
ما أخفى لهم من فر أعين جَزَاءً نوا يعملُون > أخرجه مسلم فى صحيحه (1870) وأجمد
(0/ 4 17) من طريق ابن وهب عن أبى صخر به إلى سهل بن سعد : وأخرجه الحاكم فى مستذركه
/١( )من ن طريق عبد الله بن سوبد عن أبى صخر به - رقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاءء + وأقره
(؟) تفال السقول : تتكرتها تغب بها ٠
بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى فى الثار »00
ومن رحمة الله تعالى بخلقه أنه لم يجعل الطعام وقوداً للطاقة فقط » بل
يغرى الناس على وقود الطاقة لاستبقاء الحياة بأن يستلذ الإنسان الطعام»
ويطيل أمد اللذة ساعة تناوله» لا أن ينتظر النفع بعد أن يهضم الطعام فكأن
الإيمان لا يستمر إلا لمن يحب فى الله ويكره فى الله؛ فذلك يعطيه الطاقة التى
تستبقى إيمانه؛ كما تستبقى طاقة الطعام حياة الإنسان وشاء الله سبحانه
وتعالى أن يعطينا فى تصوير الجنة الخل لما فى الجنة ؛ لا بتشخيص وتحديد لما
فى الجنة فعلاً ؛ ويقول سبحانه وتعالى :
فلا فم نس ا أي لهم بن فر أخر جر با وا بود 65 4
وإذا كانت النفس لا تعلم شيثاً ؛ فهى لا تملك ألفاظاً تضع فيها ما لا
تعلمه فإذا خاطبها الله تعالى بواقع الجنة فهى لن تفهم» لذلك شاء الحق تبارك
وتعالى أن يخاطبها بواقع المثل» فيقول عز وجل:
عا له الخال ا ا 2 اتا خلا اا 2
متشابها ولّهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون (05 4 [البقرة]
إذن : فهو رزق يشبه الرززق الموجود فى الدنيا ولكن ليس هو ! أما أن
(7) قال القرطبى فى تفسيره (1/ 184) : من قبل يعنى فى الدنيا : رفيه وجهان » أحدعما : أنهم
وقال ابن عباس : «( وأتوا به مَُشَابِهاآ* : هذا على وجه التعجب ١ وليس فى الدنيا شىء مما فى الجنة
سوى الأسماء » فكأنهم تعجبوا لما رأوه من حسن الثمرة وعظم خلقها َ
ااام كا ااا ًا س إ[إ[50 بسحت ميت
يقال : إن نعيم الجنة هو النعيم الروحى أو نعيم الخواطر أو ما نسميه آمال
النفسء كأن يتخيل إنسان جائع أنه أكل كمية كبيرة من اللحم أو السمك؛
تصور لعذاب سهل؛ لأنهم يخافون عذاب النار فيريدونه عذاباً روحياً
ولكن الإحساس بالنعيم والعذاب لا بد أن يكون له واقع يشبهه فى الدنيا؛
وإلا ما وجد فى أنفسنا ما يجعلنا نرغب فى نعيم الجنة ونخاف من عذاب
التار لذلك فإن نعيم الجنة حق» وعذاب النار حى وشاء الله سبحانه أن
يصفى النعيم من كل الشوائب؛ فقال عز وجل عن أنهار الجنة:
ى : ليس فيه كل الشوائب الموجودة فى عسل الدنيا وكذلك قال عن لبن
رأنهار من لبن أم يَََْر طَعْمهُ محمد ]٠١
وكلمة # لم يَتعْيِّرْ طَعْمهُ لها عنذ العرب أيام رسول الله مه معنى ؛ لأن
العربى كان يحلب الجمال ويضع ألبانها فى الأوانى؛ وكان اللبن يتغير طعمه
التى تفسد طعم اللبن فى الحياة الدئيا
الإيمان الواجب بعظمة الله وتتزيهه واليهود يؤمنون إيمانا إجمالياً بالله؛
الزمرذ ثم استنكف الله أن يمد يده لبنى إسرائيل» وهذا تصوير لا يليق بكمال
ولهذا جاء قول الحق: ولا باليوم الآخر» وهم لم يقفوا فقط ضد الإسلام
وتعالى :
وهم كأهل كتاب حرفوا وبدلوا فى دينهم فأحلوا ما حرم الله ولذلك يقول
سبحانه : ( ولا يَدينون دين الحق »
والحق كما تعلم هو الشىء الثابت الذى لا يتغير وإذا نظرنا إلى كل
بالعقائد الثابتة وبالأحكام التى تناسب الزمان إلى أن بعث الله محمداً مه ؛
فكان النبى الخاتم إلى أن تقوم الساعة؛ ولابد أن يكون الحى الذى جاء به هو
الحق الغابت الذى لا يتغير؛ لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين فلا رسول بعده؛ إذن
فقوله: أولا يَدينُونَ دين الحق من الذينٌ أوثرا الكتّاب» أى: أنهم لايؤمنون
معهم أنهم لم يصدقوا بلاغ رسول الله 4# عن الله و أنه مرسل إليهم؛ ووس
رسول الله له فى معاملتهم ما شرعه الله تعالى وذلك أن يعاملوا معاملة
مختلفة عن المشركين؛ فمعاملة المشركين كانت براءة من العهد» وإبعاداً عن
المسجد الحرام؛ وقتالاً إن وجدناهم» أو أن يسلموا أما معاملة رسول الله تل
مع أهل الكتاب فكانت: إما أن يسلمواء وإما أن يعطوا الجزية مع استبقاء
الحياة: ولذلك قال الحق تبارك وتعالى: