أصول الإسلام
ولا الانتقام من مخالفيه؛ ولهذا لا تسمع في تاريخ الفتوح الإسلامية ما تسمعه في
الحروب المسيحية؛ عندما اقتدر أصحاب «شريعة المسالمة» على محاربة غيرهم من
قتل الشيوخ والنساء والأطفال*
لم تقع حرب إسلامية بقصد الإبادة كما وقع كثير من الحروب بهذا القصد
بأيدي المسيحيين وإنما كان الصبر والمسالمة دينا عندما كانت القدرة والقوة تعوزان
الدين وغاية ما يقال إن العناية الإلهية منحت الإسلام في الزمن القصير من القوة
على مدافعة أعدائه ما لم تمنحه لغيره في الزمن الطويل فتيسر له في شبيبته ما
* لعل ما يحدث اليوم في الجزائر من الفرنسيين وفي كينيا من الإنجليز خير شاهد على ذاك
في الحرب والسلم
الإسلام الحربى كان يكتفى من الفتح بإدخال الأرض المفتوحة تحت سلطانه ثم
ذلك الاعتقاد وإنما يكلفهم بجزية يدفعونها لتكون عونا على صيانتهم والمحافظة
على أمنهم في ديارهم؛ وهم في عقائدهم ومعابدهم وعاداتهم بعد ذلك أحرار لا
يضايقون في عمل: ولا يضامون في معاملة وكان خلفاء المسلمين يوصون قوادهم
باحترام العباد الذين انقطعوا عن العامة في الصوامع والأديار لمجرد العبادة كما
كانوا يوصونهم باحترام دماء النساء والأطفال وكل من لم يعن على القتال جاءت
السنة المتواترة بالنهي عن إيذاء أهل الذمة وبتقرير ما لهم من الحقوق على
على ذلك ما استمرت قوة الإسلام ولست أبالي إذا اتحرف بعض المسلمين عن هذه
الأحكام عندما بدا الضعف في الإسلام؛ -- وضيق الصدر من طبع الضعيف -
فذلك مما لا يلصق بطبيعتهة؛ ويخلط بطينتة
تراقب أعمال أهله وتخصهم دون الناس بضروب من المعاملة لا يحتملها الصير
مهما عظم حتى إذا تمت لها القدرة على طردهم؛ بعد العجز عن إخراجهم
١ ورد بهذا المعنى أحاديث في الصحاح والسئن وإيذاء الذمى والمعاهد محرم بالإجماع وروى
الخطيب من حديث ابن مسعود (من آذى ذميا فأنا خصمه ومن كنت خصمه؛ خاصمته يوم
الإسلام بين العلم والمدنية
ويحصل في كل أرض استولت عليها أمة مسيحية استيلاء حقيقيا
لا يمنع غير المسيحي من تعدي المسيحي إلا كثرة العدد أو شدة العضد؛ء
سيفاء ولأنه جاء ليفرق بين البنت وأمها والابن وأبيه" والإسلام يقول كتابه في
على المهدّدين لأمته لا يقضي بالفرقة بين أب وابن ولا بين أم وبنت؛ بل يأمر الأولاد
المؤمنين أن يصحبوا الوالدين المشركين بالمعروف في الدنيا مع محافظتهم على دينهم
فأنت ترى الإسلام من جهة يكتفي من الأمم والطوائف التي يغلب على أرضها
لا يعكرون معه صفو الدولة ولا يخلون بنظام السلطة العامة ثم يرخي لهم بعد
ذلك عنان الاختيار في شئونهم الخاصة بهم؛ ولا رقيب عليهم فيها إلا ضمائرهم
أن يكون لي تلميذاء وفي الباب ٠4 من هذا الإنجيل ما نصه 70؟ أما أعداثى أولثك الذين لم
نحى ذلك من القسوة على الأملين المخالفين وعلى سائر المحاربين قال في 50:17 من سفر تثنية
وفي سفر التثنية أيضا 305: »11-٠١ ما نصه «حين تقرب من مدينة لتحاربها ادعها إلى
الصلح فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد
ذكورها بحد السيفء وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المديئة كلها غنيمتها فتغتنمها
تاي هم شاع عا
في الحرب والسلم
ومن جهة أخرى ينهى أفراد المؤمنين عن مقاطعة ذوي قرباهم من المشركين
وفي طبيعته أن يجير من لا يعتقد عقيدته ويحمي من لا يتبع سنته؛ وإن كان في
عمى من الجهالة وخبل من الضلالة
أُفترَى أنه يصعب عليه بعد ذلك أن يحتمل العلم والعلماء ويضيق به حلمه
عن صنع الجميل بالفضل والفضلاء؛ ممن ينفق عمره في تقرير حقيقة؛ أو كشف
غامض أو تبين طريقة؟ كلا ثم كلا فمن بحث ونقب؛ وسبر ونقرء أو شق الأرض
أو ارتقى إلى السماء فهو في أمن من أن يعرض الإسلام له في شيء من عمله إلا
أن يحدث شغباء أو يفسد أدبا فعند ذلك تمتد يد الملك لرد كيد الكائد وإصلاح
الفاسد بسماح من الدين
الأصل السابع: مودة المخالفين في العقيدة
المصاهرة: أباح الإسلام للمسلم أن يتزوج الكتابية تصرانية كانت أو يهودية
وجعل من حقوق الزوجة الكتابية على زوجها المسلم أن تتمتع بالبقاء على عقيدتهاء
والقيام بفروض عبادتهاء والذهاب إلى كنيستها أو بيعتهاء وهي منه بمنزلة البعض
فيه لم يفرق الدين في حقوق الزوجية؛ بين الزوجة المسلمة والزوجة الكتابية
ولم تخرج الزوجة الكتابية باختلافها في العقيدة مع زوجها من حكم قوله تعالى:
لباس له أين أنت من صلة المصاهرة التي تحدث بين أقارب الزوج وأقارب الزوجة
وما يكون بين الفريقين من الموالاة والمناصرة على ما عهد في طبيعة البشر؟ وما
أجلى ما يظهر من ذلك بين الأولاد وأخوالهم وذوي القربى لوالدتهم؛ أيغيب عنك
ما يستحكم من ربط الألفة بين المسلم وغير المسلم بأمثال هذا التسامح؛ الذي لم
يعهد عند من سبق ولا فيمن لحق من أهل الدينين السابقين عليه؟ ولا يخفى على
صحيح النظر أن تقرير التسامح على هذا الوجه في نشأة الدين مما يعود القلوب
الإسلام بين العلم والمدئية
على الشعور بأن الدين معاملة بين العبد وربه والعقيدة طور من أطوار القلوب
فلا تطول يده إليهاء وغاية ما يكون من العارف بالحق أن ينبه الغافل ويعلم
الجاهل وينصح الغاوي ويرشد الضال لا يكفر في ذلك نعمة العشيرء ولا يسلك
به مسالك التعسيرء ولا يقطع أمل النصيرء ولا يخالف سنة الوفاء؛ ولا يحيد عن
شرائع الصدق في الولاء
ماذا ترى في الزوجة الكتابية لو كانت من أهل النظر العقلي وذهبت مذهبا
يخالف مذهب زوجها؟ أفينقص ذلك من مودته لها؟ أو يضعف من شعور الرحمة
التى أفاض الله بينه ويينها؟ فإذا كان المسلم يتعود الاحتمال بل يتعود المحبة
منه إلى اكتشاف سر أو تقرير أصل في علم؛ أو قاعدة لصناعة؟ إن كان قد يخالف
لو ذهبت أعد ما في طبيعة الإسلام من عناصر وأركان كلها تؤلف مزاج الكرم؛
وتكون حقيقة المسامحة مع العلم لأطلت على القارئ أكثر مما أطلت ولهذا أرى
من الواجب على أن أختم القول بذكر أصل أشرت إليه ولا غنى لما نحن فيه عن
ذكره
الأصل الثامن: الجمع بين مصالح الدنيا والآخرة
الصحة: الحياة في الإسلام مقدمة على الدين أوامر الحنيفية السمحة إن كانت
لا تأخذه عن كسبه؛ ولا تحرمه من التمتع به؛ ولا توجب عليه تقشف الزهادة ولا
تجشمه في ترك اللذات ما فوق العادة
صاحب هذا الدين صلى الله عليه وسلم لم يقل «بع ما تملك واتبعني» ولكن
أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس)
الوضوء أو الغسل من شروط الصحة للصلاة إلا إذا خثي منه الضرر أو
عرضت مشقة في تحصيل الماء
ويصلي قاعدا
السعي إلى الجمعة واجب إلا إذا كان هناك وحل غزير أو مطر كثير,ء أو ما
على صحة الأديان» فترى الدين قد راعى في أحكامه سلامة البدن كما أوجب العناية
بسلامة الروح
الزينة والطيبات: أباح الإسلام لأهله التجمل بأنواع الزينة والتوسع في التمتع
بالمشتهيات على شريطة القصد والاعتدال وحسن النية والوقوف عند الحدود
ثم عد الله النعيم والجمال والزينة من نعمه علينا التي بذكرنا بها فضله؛
الاقتصاد: ووضع قانونا للإنفاق وحفظ المال في قوله تعالى: هَإِنَّ الْمُبَدْرِينَ
الإسلام بين العلم والمدئية
النهي عن الغلو في الدين: وخشي على المؤمن أن يغلو في طلب الآخرة فيهلك
دنياه وينسى نفسه منها فذكرنا بما قصه علينا أن الآخرة يمكن نيلها مع التمتع
فترى أن الإسلام لم يبخس الحواس حقهاء كما أنه هيا الروح لبلوغ كمالها
لتصل من رفه الحياة «مع القصد» إلى منتهاه؟ والنفوس مطبوعة على التنافس قد
وليس في الغريزة الإنسانية أن يقف بها الطلب عند حد محدود أو ينتهي بها
السعي إلى غاية لا مطلع للرغبة وراءماء بل خصها الله بالمكنة من الرقي في أطوار
الكمال من جميع وجوهه إلى ما شاء الله أن ترقى بدون حد معروف
فإذا جمع سائق الأنفس ومزجيها ومرشدها وهاديهاء بين شاحذين شاحذ
التمتع بمتاع الحياة الدنياء وشاحذ الرغبة في النعيم الدائم في الآخرة؛ فقد جمع لها
كل ما يسمو بها عن الرضاء في الدنيا بالدون وفي الآخرة بعذاب الهون؛ فترى كل
نفس تمضي مع استعدادها بشهامة فؤادها مضاء الزميع لا تخشى العثرة بالوعيد؛
ولا تقعد عن مطلبها قعدة الرعديد فتطلب منافعها من هذا الكون الذي وجدت
فيه ووجد لهاء فتسير في مناكب الأرض ولا تكتفي عن الكل بالبعض؛ وتبحث في
ما في جوفهاء ولا تجد ما يصدها عن النظر في الهواء والبحث في الماء والاهتداء
بنجوم السماء بعد معرفة مواقعها وحركاتها في مداراتها واستقامتها وانحرافها
وظهورها وخنوسهاء وبالجملة فكل مستعد لوجه من وجوه النظر أو الولوج في
باب من أبواب العلم ينطلق إلى حيث يبلغ به استعداده إما للنجاة من ضرورة
وإما لاستتمام منفعة أو استكمال لذة؛ لا يجد من نواهى الدين ما يصده عن
في الحرب والسلم
تخرق؛ تجول بينه وبين ملكوت السماوات
كيف يتسنى للمسلم أن يشكر الله حق شكره إذا لم يضع العالم بأسره تحت
ما يصلح لخدمته في توفير منافعه؟ كيف يشكر الله إذا توانى في ذلك وقد أرشده
الله في كتابه وبسنة نبيه إلى أن عالمه إنما خلق لأجله وقد وضعه الله تحت تصرف
عقله؟ انظر إلى لطف الإشارة في الآية المتقدمة «ِكُلْ مَنْ حَرَمَ زِينَةٌ الله إلخ حيث
نعم الله تعالى فيما يرفه به معيشتهم؛ ويجمل به هيئتهم؛ ويجلي به زينتهم
المسلمون مسوقون بنابل من دينهم إلى طلب ما يكسبهم الرفعة والسؤدد
والعزة والمجدء ولا يرضيهم من ذلك ما دون الغاية؛ ولا يتوفر شيء من وسائل
به أواصرهم وعقدوا عليه خناصرهم ولا يبالون ما تكون عقيدته؛ إذا نفعتهم
حكمته (الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها) ألم يأتهم عن ربهم:
ذلك شأن المسلم مع العلم إذا كان مسلما حقاء وذلك ما تنجر إليه طبيعة
عليه وسلم فقال قستد معتاه متواتز فإنهة ستد القرآن نفس فَإِنَ الله يفضل العلم
وأهل العلم بدون قيد ولا تخصيص: فالمسلم مطالب بطلب العلم ولو في الصين
ولو لم يكن في الصين مسلم على عهد النبي صل الله عليه وسلم
لا شيء ينقلب عند النفس الإنسانية لذة بنفسه؛ وإن كان في أول أمره مطلوبا
لغيره مثل العلم؛ تطلب العلم أولا لحاجتك إليه في تقويم معيشة؛ أو ترفيه حال؛
؟ رواه ابن عدي في الكامل والبيهقي في شعب الإيمان والمدخل وابن عبد البر في العلم والخطيب
في الرحلة والديلمي في مسند الفردوس» وغيرهم وله طرق كثيرة يقوي بعضها بعضاء
الإسلام بين العلم والمدئية
فتصير اللذة بتحصيله والوصول إلى دقائقه غاية تقصد بنفسها وتضمحل فيها
كل غاية سواهاء وعلة ذلك ظاهرة فإن العلم مسرح نظر العقل والعقل قوة
من أفضل القوى الإنسانية بل هي أفضلها على الحقيقة وقد وضع لها العليم
البصر أو السمع أو الشم أو الذوق أو اللمس فالحيوان يعرفها بله الإنسان وكلما
أن تستنتج من ذلك ألا شيء عند الإنسان ألذ من كشف المجهول وإحراز المعقول
وقد سمح الإسلام للمسلم أن يتمتع في هذه الحياة الدنيا بما يلذ له مع القصد
والاعتدال أفلا يكون من لذائذه ومتممات نعيمه أن يسيح في مملكة العلم ليمتع
عقله كما يسيح في بسيط الأرض ليكسب رزقه ويقيت أهله؟ على أن العلم كان من
ضرورات معيشة المسلم أو حاجياتها كما ذكر فإذا طفق يستنبط ماءه للضرورة؛
حسه حتى يدخل معه في رمسه؛ كما وقع لكثير من المسلمين قال إمام جليل من
أئمتهم «طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله»