3 خطبة الكتاب
وقد أرخ كل منهم إلى زمانه وجاء بعده مَنْذَُلّ عليه. واضاف المتجددات بعد
تاريخه إليه . والشرقيٌ © منهم قد أخل بذكر أخبار الغرب» والغربي قد أَهْملٌ أحوال
الشرق؛ فكان الطالبُ إذا أراد أن يطالع تاريخاً
مع ما فيها من الإخلال والإملال.
[ منهج التأليف ]
فلما رآيتُ الأمر كذلك شرعتُ في تأليفٍ تاريخ جامع لأخبار ملوك الشرق
والغرب وما بينهما ليكون تذكرة لي أراجِعةٌ خوفٌ النسيان. وآتي فيه بالحوادث
بلتوجل !0 لايد اليلة جد تانج رأف الت دقري ولكن أقول إني قد
بالتاريخ الكبير الذي صنفه الإمام أب جعفر الطبري © إذ هو الكتاب المعول عند الكافة
عليه» والمرجوع عند الاختلاف اليه فاخذت ما فيه من جميع تراجمه لم أخل بترجمة
)١( مراده بالشرقي من كان من أهل المشرق وعكسه «الغربي» الآتي في كلام المصنف وهو من كان من أهل
المغرب ويدخل في أهل المغرب الأندلسيون.
(1) السوْصِل : مدين بالعراق تقع على الجانب الغرمي من تهر دجلة بناها محمد بن مروان إذ ولي الجزيرة في
خلاقة عبد الملك بن مروان
وقد نسب إليها جملة من المحدثين + وكانت مدينة مشهورة عظيمة قليلة الي كير وجفلماً » وكثرة خلق +
إقامة المصلّف .
(©) هو الإمام محمد بن جرير بن يزيد الطبري:» أبو جعفر ( 174- 6710( 4774م )
المفسر + المقرىء » المحدّث» المؤرخ + الفقيه + الأصولي + المجتهد . ولد آمل طبرستان في آخر
سنة 174 ه أو أول سنة 75 وطوف الأقاليم واستوطن بغداد . واختار لنفسه مذعباً في الفقه
من تصانيفه : جامع البيان في تأويل القرآن ( وهو المعروف بتفسير الطيري ) + وتاريخ الام والملوك
( وهو المعروف بتاريخ اللطيري ) . وتهذيب الآثار ( طبع منه شلاث أسقار بتحقيق الإسشاذ محمود
شاكر ) . اختلاف الفقهاء, وآداب القضاء والمحاضر والسجلات
انظر : الخظيب البقدادي » تاريخ بغداد 117/1 : 114 ١ ابن خلكان : وفيات الأعيان 2017/1
هلاه » النووي : تهذيب الأسماء واللغات 78/1 :74 » ابن الجوزي : المنتظم 1170/6 : 177
خطبة الكتاب ب
واحدة منهاء وقد ذكر هو في أكثر الحوادث روايات ذوات عدد كل رواية منها مثل التي
قبلها أو أقل منهاء وربما زاد الشيء اليسير أو نقصه» فقصدت أتم الروايات فنقلتها
بين أصحاب رسول الله كل فإني لم أضف الى ما نقله أبو جعفر شيئاً الا ما فيه زيادة بيان
أو اسم انسان أو ما لا يطعن على أحد منهم في نقله. وإنما اعتمدت عليه من بين
وصحة ما دونوه. ولم أكن كالخابط في ظلماء الليالي ولا كمن يجمع الحصباء
فتأتي الحادثة مقطعَة لا يحصل منها على غرض ولا تفهم الا بعد إمعان النظر» فجمعت
أنا الحادثة في موضع واحد وذكرت كل شيء منها في أي شهر أو سنة كانت فأتت
متناسقة متتابعة قد أخذ بعضها برقاب بعض .
وذكرتُ في كل سنة لكل حادثة كبيرة مشهورة ترجمة تخصهاء فأما الحوادث
الصغار التي لا يحتمل منها كل شيء ترجمة فإنني أفردتُ لجميمهًا ترجمة واحدة في
آخر كل سنة فأقول : ( ذكر عدة حوادث ) وإذا ذكرتُ بعض من تبع وملك في قطر من
خبرهُ لم يعرف للجهل به؛ وذكرت في آخر كل سنة َي فيها من مشهوري العلماء»
والأعيان والفضلاء. وضبطتُ الأسماء ١ شتبهة المؤتلفة في الخط المختلفة في اللفظ
الواردة فيه بالحروف ضبطاً يزيل الإشكال» ويغني عن الانقاط والأشكال. -
8 خطبة الكتاب
المعازف والفضائل من غلاني» ممن أرى محادثتهم نهاية أوطاري واعدهم من أماثل
غلط وسهوء ولا اسقطت منها ما يحتاج إلى إسقاط ومحوء وطالت المراجعة مدة وهم
ونوائب تتابعث» فأنا ملازم الإهمال والتواني» فلا أقول: اني لأسير اليه سير
الشواني "١
أحيا المكارم وكانت أمواتاً.. وأعادها خلقاً جديداً بعد أن كانت رفاتاً.. من عم رعيته عدله
المنصور» المظفر بدر الدين» ركن الاسلام والمسلمين؛ محبي العدل في العالمين»
خلد الله دولته
(0) الشواني جمع شونة » والشونة مركب المعد للجهاد في البحر لغة مصرية . (انظر تاج العروس
وأراد المصنف أن يشب ما أصابه من تاق وتباطؤفي تصنيف كنابه بالمركب الذي يُحمل بالأسلحة فيكو
لقلا بطي» الحركة لما امتلا به من أثقال
(0) جمع على وهو النغيس من كل 2
(*) في اللسان : هو اسم ناقة أو فرس ؛ وهو يخاطبها يأمرها بالعدو- وحرف النداء محذوف . أه . لم صار
مثلاٌ يضرب للشدة والأمر الصعب , (م )
(1)يعني المؤلف بالفراغ هنا : إتمام الكتاب . (م)
خطبة الكتاب 9
السكيت يروم أن يجيء سابقاً. ونصبت نفسي غرضاً للسهام . وجعلتها مظنة
لأقوال اللوام . لأن المآخذ اذا كانت تتطرق الى التصنيف المهذب. والاستدراكات
تعلق بالمجموع المرتب. الذي تكررت مطالعته وتنقيحه. وأجيد تأليفه وتصحيحه.
فهي بغيره أولى . وبه أحرى على اني مقر بالتقصير» فلا أقول ان الغلط سهو جرى به
القلم . بل أعترف بأن ما أجهل اكثر مما أعلم.
وقد سميته: اسماً يناسب معناه وهو الكامل في التاريخ .
فائدة التصنيف في التاريخ ]
ولقد رأيت جماعة ممن يدعي المعرفة والدراية. ويظن بنفسه التبحر في العلم
هو القصص والأخبار ؛ ونهاية معرفتها الأحاديث والأسمار ؛ وهذه حال من اقتصر
غزيرة » وها نحن نذكر شيئاً مما ظهر لنا فيها ونكل إلى قريحة الناظر فيه معرفة
الكتب المتضمنة أخبار الماضين وحوادث المتقدمين؟ فإذا طالعها فكأنه عاصرهم؛ وإذا
ومنها أن الملوك ومن اليهم الأمر والنهي إذا وقفوا على ما فيها من سيرة أهل الجور
والعدوان ورأوها مدونة في الكتب يتناقلها الناس فيرويها خلف عن سلف ونظروا الى ما
)١( وهو خرزيتخذ منه حلي واحدته مخشلبة أعجمي سمي باسم امرأة اتخذته حليا.. المخصص لابن سيذه
1 خطية الكتاب
أعقبت من سوء الذكر وقبيح الأحدوثة وخراب البلاد. وهلاك العباد. وذهاب الأموال»
ومنها ما يحصل للانسان من التجارب والمعرفة بالحوادث وما تصير اليه عواقبها
فإنه لا يحدث أمر إلا قد تقدم هو أو نظيره» فيزداد بذلك عقلاً. ويصبح لأن يقتدى به
أهل. ولقد أحسن القائل حيث يقول:
رأيت العقل عقلين | فمطبوع ومسموع
فلايتفعمسموع لخالم يك مطبوع
كمالاتنفع الشمس وضوءالعين ممنوع
يعني بالمطبوع العقل الغريزي الذي خلقه الله تعالى للانسان. وبالمسموع ما
ومنها ما يتجمل به الانسان في المجالس والمحافل من ذكر شيء من معارفهاء
ونقل طريفة من طرائفهاء فترى الاسماع مصغية اليه. والوجوه مقبلة عليه: والقلوب
متأملة ما يورده ويصدره؛ مستحسنة ما يذكره.
الفوائد الأخروية ]
وأما الفوائد الأخروية: فمئها أن العاقل اللبيب إذا تفكر فيهاء ورأى تقلب الدنيا
زهد فيها وأعرض عنهاء وأقبل على التزود للآخرة منهاء ورغب في دار تنزهت عن هذه
خطبة الكتاب 7
القائل قارثاً للقرآن العزيز وهوسيد المواعظ وأفصح الكلام يطلب به اليسير من هذا
ومنها التخلق بالصبر والتأسي وهما من محاسن الأخلاق فإن العاقل إذا رأى أن
مصاب الدنيا لم يسلم منه نبي مكرم؛ ولا ملك معظم» بل ولا أحد من البشرعلم أنه
ولهذه الحكمة وردت القصص في القرآن المجيدؤان في ذلك لذكرى لمن كان
له قلب اوالقى السمع وهو شهيد» '). فإِنْ ظن هذا القائل أن الله سبحانه أراد بذكرها
الحكايات والأسمار فقد تمسك من أقوال الزيغ بمحكم سببهاء حيث قالوا: هذه
أساطير الأولين اكتتبها -
نسل الله تعالى أن يرزقنا قلباً عقولا ولساناً صادقاًء ويوفقنا للسداد في القول
والعمل وهو حسبنا ونعم الوكيل .
8 ذكر البده يعمل التاريخ والإسلام
ذكر الوقت الذي ابتدىء فيه بعمل التاريخ في الاسلام ©
قيل: ما قم رسولُ الله يي المدينة أمر بعمل التاريخ 9" . والصحيح المشهور
أنَّ عمربن الخطاب أمر يوضع التاريخ » وسبب ذلك أن أبا موسى الأشعري كتب الى
عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ فجمع عمر الناس للمشورة فقال بعضهم : أرخ
بمبعث النبي يله وقال بعضهم : بمهاجرة رسول الله . فقال عمر: بل نؤرخ
بمهاجرة رسول الله فإ مهاجرته ف بين الحق والباطل» قاله الشعبي .
وقال ميمون بن مهران !© : زفمَ '"* الى عسر صَكُمَحَلَُ شعبان فقال: أي
شعبان؟ أشعبان هوآت أم شعبان الذي نحن فيه؟ ثم قال لأصحاب رسول الله ل ضعوا
للناس يعرفونه» فقال بعضهم : اكتبوا على تاريخ الروم فإنهم يؤرخون من عهد ذي
أقام !© ملك طرح تاريخ من كان قبله. فأجتمع رايهم على أن ينظروا: كم أقام رسول
) انظر في ذلك تاريخ دمشق 33/1 : 88 ( تهذيب )١(
77/1 ( أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق الكبير )1
لله تعالى مرفوعاً وفيه إرسالٌ وانقطاع فيكون بهذا
» هرميمون بن مهران الجزري + أب أيوب » الرقي » الفقيه ( 113-17 ) نش بالكوفة + ثم نزل الوقة 0
ذكره أبوعروية في الطبقة الأولى من التابعين » وكان ثقة جلي
» قال له سعيد بن العسيب : « إنك تسأل مسألة رجل كأنه قد تبر ما هاهنا قبل اليوم
كذا في المنيرية بالراء والفاء الموحدة وما في تهذيب تاريخ دمشق ( وقع ) بالواوثم قاف مئناة )5(
) ١ ه ٠١ كذا في المنيرية بالهمزة في أولها وقال مصحح المثيرية وص )*(
؛ كذا بالأصل ولعله قام وزيدت الالف أثناء الخ سهراً + ويجوز أن يكون ه أقام » يمعنى دام وود
من الإقامة فيكون التاريخ خاصاً يمن طال أمد ملكه » أهى
وكذا تهذيب تاريخ دمشق 13/1 : ( قام ) بدون همزة
يب ) + وهومن رواية ابن شهاب الزهري + رحمه
ذكر البدء يعمل التاريخ والإسلام بن
الله بالمدينة؟ فوجدوه عشر سنين» فكتبوا للتاريخ من همجرة رسول الله كَيةٍ ! . وة
تفعله الأعاجم في شهر كذا من سنة كذا فقال عمر: حَسَنٌ . فأرخواء فاتفقوا على
الهجرة ثم قالوا: من أي الشهور؟ فقالوا: من رمضان؛ ثم قالوا: فالمحرم هومتصرف
الناس من حجهم وهو شهر حرام فأجمعوا عليه . وقال سعيد بن المسيب: جمع عمر
الناس فقال: من أي يوم نكتب التاريخ؟
فقال علي : مِنْ مهاجرة رسول الله ك8 وفراقه أرض الشرك ففعله عمر !". وقال
عمرو بن دينار: أول من أرخ يعلى بن أمية " وهو باليمن ©
تاريخ العرب قبل الإسلام ]
وأما قبل الاسلام فقد كان بنو ابراهيم» يؤرخون من نار إبراهيم إللى بنيان البيت
حين بناه ابراهيم وإسماعيل عليهما السلام» ثم أرخ بنو إسماعيل من ب ان البيت حتى
بني إسماعيل يؤرخون من خروج سعد ونهد وجهينة بني زيد من تهامة حتى مات
ثم كان التاريخ من الفيل حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة وذلك سنة سبع
) تهذيب ( 13/١ أورد ابن عساكر هذه الرواية في تاريخه )١(
(؟) أورد هذه الرواية ايضاً ابن عساكر في تاريخه 18/١ ( تهذيب )
()هويعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام بن الحارث بن بكر » أبوخلف » المكي + حليف قريش
شهد الطاتف » وحنيناً وتبوك مع النبي 8 ؛ وكان عامل عمر بن الخطاب على نجران . ومات سنة بضع
وأزيعين
(8) أورد المزي في تهذيب الكمال هذه الرواية ( انظر تهذيب التهذيب 800/11 )
() ها اسم أرض معروفة بجزيرة العرب قال الزبيدي في التاج ( 310/8 ) : وهي ما بين د ذات عرق »
وجدة » والمدينة لا تهامية ولا نجدية
(7) هو كعب بن لي بن غالب بن فهر ين مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مُذركة بن إلياس بن مضر
0 ذكر البدء بعمل التاريخ والإسلام
هاأناذا آمل الخلود وقد أدرك عقلي مولدي حجراً
وقال الجعدي :
فمن يك سائلاً عني فإني . من الشبان أيام الخخان
وقال آخر:
وسا هي إلا في إزار وعلقة . بغار ابن همام على حي ختثعما
وكل واحد أرخ بحادث مشهور عندهم فلو كان لهم تار
في التاريخ والله أعلم .