بدأته بأن شكرت له فضله الذى اعتبرته ثلاثة أفضال فى آن معا : فضل أنه
قرأ ما كتبت ؛ وفضل أنه بادر إلى الاتصال بى ؛ وفضل أنه أهدانى عمله الضخم
عن العروب الصليهية
نك تكرمت فنسبت ما أكتبه إلى ؛ علم التاريخ ؛ وهذا شرف
همومه كلها فى الحاضر والمستقبل ؛ وليست فى الأمس وما قبله ومن
وأنت تعرف أكثر منى ألف مرة أن التاريخ حى فى الحاضر ومؤثر
فى المستقبل .
وفى نفس الوقت فإن الماضى نفسه مفتوح - رغم مرور الحقب
والقرون لرؤى الحاضر والمستقبل . فأنتم فى الغرب مثلا رجعتم إلى
إعادة تفسير الماضى_ بل وإعادة بنائه مرات متكررة على ضوء
منظورات لاحقة ومستجدة .
أعدتم تفسير الماضى وبناءه مرة بالمنظور الدينى . ومرة أخرى
بإعادة التفسير والبناء مرة رابعة بالمنظور النفسى . . . إلى آخره .
وهكذا عاش هذا الماضى مرة أخرى فى الحاضر والمستقبل -
بمقدار ما أن الحاضر والمستقبل كانا يعيشان دائما فى الماضى !
إن العودة إلى التاريخ من منظور جديد تجربة جرت عندكم +
للتاريخ حكاية مختلفة :
تاريخنا القديم منقوش على الأحجار تشهد به الآثار . ومواريثه
وأما تاريخنا الحديث فهو صراع ضد قوى السيطرة والتخلف -
مازال محتدما .
إن دورنا فى تقرير مصائرنا بالكاد بدأ . وخطواتنا فيه قرب
المداخل . وحوافظ التاريخ لم تقم بعد بضم واحتضان وقائعه ووثائقه
لأن تاريخ أى شعب أو أمة هو المؤثر الأكبر على ضميره أو ضميرها +
وعندما يصبح الضمير عاريا فالأعصاب كلها عارية . والأعصاب هى
مكمن الإرادات .
ولأن الصراع على الشرق الأوسط وفيه مازال مستمرا ٠ فإن
قصته مفتوحة . هى بعد نوع من التاريخ السائل لم يتماسك ٠ وبالتالى
يمكن التعرض له بتحويل أو تعطيل مجراه ؛ أو تغيير مادته وشكله
وهنا تدور معركة الضمائر . معركة الأعصاب . معركة الإرادات ٠
ولا أبالغ إذا قلت لك إن قوى السيطرة والتخلف تتمنى طردنا من الزمن +
ولو استطاعت لفعلت . ولأن ذلك مستحيل فى هذا العصر الذى أصبحت
فيه الدنيا قرية عالمية واحدة ( كما يقولون ) ٠ فإن بديل الطرد من
الزمن هو التلاعب بهذا الزمن ومسخه إلى فراغ .. إلى ضياع ٠
وهنا تشتد الحاجة ل محاولة قراءة التاريخ . أكثر مما تشتد
الحاجة إلى محاولة كتابته ٠
ثم قلت للسير ؛ ستيفن رانسيمان ١
سنة ؛ . الحرب المستمرة إلى الآن - هو المشاركة مع كثيرين غيرى فى
تنشيط ذاكرة أمة . ونحن جميعا نفعل ذلك عن اعتقاد بأن الذاكرة هى
أكبر محرض على الفعل ٠
إن لدينا هنا صراعا من نوع مثير . فهو صراع على ذاكرة أمة
قاصدة عندما بدأت رحلتها إلى المستقبل ؟ - ويريد لها آخرون أن تتذكر
نفسها وطريقها ٠ والمستقبل !
هى أشبه ما تكون بإنسان تعرض لحادثة فى الطريق وجاءته
ضربة فوق رأسه على غير استعداد فأصابته بجرح جسمانى وصدمة
منهم من يريد ؛ الضربة على الرأس ؛ غيبوبة دائمة ؛ ومنهم من
يتفهم ؛ الضربة على الرأس ؛ وقعة مؤلمة تؤدى مع الألم إلى حالة دوار
أو لحظة غياب لا ينبغى أن يطول -
هذه هى القضية فى صورة إنسانية مختصرة .
ولك كل التقدير وموفور الاحترام ١
حتى هذه اللحظة لا يزال توجهى فى كتابة قصة حرب الثلاثين سنة على النحو
الذى شرحته فى ردى على ؛ السير ستيفن رانسيمان + :
«قراءة التاريخ .... وليست كتابته . وتنشيط الذاكرة ... وليس إصدار الأحكام ؛ !
سنة ؛ وقد ظهر بالفعل منها جزءان ( ؛ ملفات السويس ؛ و؛ سنوات الغليان » ) +
وهذا هو الجزء الثالث بعدهما بعنوان ؛ الانفجار ؛ ؛ ينصب على المرحلة
الدقيقة والحساسة من معركة سنة ١9317 - وهو أصعب فصول القصة وأشدها تعقيدا
ولعله أكثرها استحقاقا واستدعاءٌ لتنشيط الذاكرة . فهذه بالضبط هى لحظة ؛ الخبطة
على الرأس ؛ التى يجرى التركيز عليها فى المحاولة المستميتة الجارية لتحويل
عارض دوار مؤقت إلى حالة غيبوبة دائمة ؛ وانتهازها فرصة لضرب قوى التغيير
والتقدم فى العالم العربى المعاصر ؛ وإرغام الأمة على الركوع فكرا بعد أن جرى
إرغامها على القعود عملا ؛ وهذه حالة يصعب قبولها أو الاستسلام لها !
لها : نكسة ؛ هزيمة ؛ أو أى وصف آخر .
وإن كنت شخصيا لا أميل إلى وصف الهزيمة . ذلك لأن الهزيمة
تعنى تسليم طرف - بالكامل - لطرف آخر . فإذا رفض هذا الطرف أن
يسلم وهو مالك لإرادته - فهو إذن غير مهزوم . وأكثر من هذا فإن هذا
الطرف إذا صمم على المقاومة وأعطى نفسه امكانية العودة باقتدار إلى
ميدان الصراع ٠ فهو إذن لم ينهزم ؛ بل هو - أكثر من ذلك . استعاد
لقوته فرصتها من جديد حتى فى إحراز النصر .
وهذا هو منطق الصراع وقانونه ٠
بما يرضيهم !
الأهم بعد ذلك أن التاريخ لم يتوقف عند © يونيو 1957 كما أن الأمة فى
وجود هذا الرجل وبعد غيابه استعادت كامل وعيها وإرادتها ٠ وواصلت القتال حتى
استطاعت بجهد خارق سنة ١977 أن تعبر محنتها وسط عاصفة من النار والدم +
لكن المحاولة المستميتة لضرب قوى التغيير والتقدم فى العالم العربى لم
تتوقف ؛ والسبب واضح وهو أن القصد المقصود ليس معركة ضمن معارك +
وليس رجلا ضمن رجال - ولكنها فكرة ؛ مستقبل ؛ يخشاه الذين يحاولون إرغام
الأمة على الركوع والقعود !
ولعلنا نتذكر أن أساتذة الحرب ابتداء من ه ماكيافيللى ؛ وحتى ؛ فوللر ؛ يقولون
إن أى حرب لها هدفان ٠ .
© أما الهدف الابتدائى فهو ؛ تحطيم القوة المسلحة للعدو » ٠
المسلحة ؛ ؛ وكان هذا هو الهدف الابتدائى . ولكنهم لم ينجحوا فى تحقيق هدفهم
النهائى رهو ؛ تحطيم (رادتها ١
وهم الآن يريدون منها أن تنسى ذلك ؛ رغم أن هذا الهدف النهائى لم يتحقق
حتى فى سنة 1479 ؛ كما أن الهدف الابتدائى بدوره أفلت منهم أيضا فى نفس
إرادة الأمة دفعتها إلى إعادة بناء قوتّها المسلحة ؛ والعودة بسرعة إلى
الميدان نقاتل حتى وصلت من © يونيو ١5797 إلى ١ أكتوبر 14179
قبلنا صادفت أمم كثيرة وشعوب ؛ محنة الهزيمة فى السلاح ؛ ولم تتحول هذه
الهزيمة إلى حملات تمزق ضميرها وتعرى أعصابها وتنهش إرادتها ١ وإنما تحولت
المحن إلى دروس وهمم متنبهة وقادرة . كذلك حدث للولايات المتحدة الأمريكيةً
فى حروب ومعارك كثيرة - من ؛ بيرل هاربور ؛ حيث فقدت كل أسطولها فى المحيط
ونفس الشىء حدث لبريطانيا الهظمى - وهى أشهر الامبراطوريات التقليدية
ونفس الشىء وأكثر حدث لفرنسا : فقد وقع نصفها تحت الاحتلال الألمانى
حكومة متواطئة مستسلمة إلا رجل واحد فى المنفى هوه شارل ديجول 6
واعتبر التاريخ وقفته رمزا لمقاومة وكبرياء فرنسا .
تلك كلها جرى اعتبارها هزائم للسلاح ٠ وليس هزائم للإرادة -
وظلت عجلة التاريخ تدور +
أكثر من ذلك فقد صادفت أمم كثيرة وشعوب + محنة الهزيمة فى السلاح وفى
وشوء من القوانين التفليدبة نموازين القوى ( فى طاقات الإندج - وفى معدلاب
التسنيح - وفى نمط التحالفات ) تمسك بحركة المواجهة كى لا يفلت زمامه ون
وبقع انصداء وهكذا كان التوازن بين كتلة غرب وكتلة شرق
عند مننصف الستينات وحوله - وبعد انقضاء عفدين من الزمان على انتهاء لحرت
العالمية الثانبة ؛ والنظام اتجديد الدى قام فى اعقابها وهو الأمم انمتحدة .؛ وتوارن انقوى
الذى .مسك بالسلام القلق الذى جاء فى ظلال السلاح النووى - تحقق بحلاء أن كليهم .
النظام الجديد ( الأمم المتحدة ) - وتوازن القوى انجديد ١ غرب - وشرق ) - غير قادر على
الفعل فى أرمنة متغيرة تختلف عم سبقها على طول التاريخ الإتسانى وعرضه
© كان المتغير الاول فى هذه الازمنة هو استحالة الحرب بين الكبار -
مهما كان أو يكون - نسبب طبائع الاسنحة النووية التى كانت أسزاره واهواني
تتكشف يوم بعد يوم - ونريح يوم بعد يوم من اى خيال - مهما شط وغلا - إمكائبة
تكن بدايته كذلك وكانت تلك تورة فى وسأئل استعمال القوة لتحقيق الأهداف
© وكان المتغير الثائى فى هذه الأزمنة هو اتساع آفاق التكنولوجيا شكل
لم يسبق له مثيل ؛ وقد اعتمدت فى قفزتها الأولى عنى المخترعات
ى لا يمكن أن تبدا - وكانت افاق هذه التكنولوجبا واسعة على
انحوالم يتطلع إلبه عقل ولا تطاول إليه فكر . وقد 'متدت هذه الآفاق مس مجالات
إنتاج السلع وتوريعها ٠ إلى مجالات المواصلات والاتصالات ؛ إلى مج
والمعلومات ؛ إلى مجالات الإعلام والثقافة ؛ وحنى إلى محال
التسلية والترفيه -
وكانت هذه ثورة أخرى فى وسائل حياة السلام حتى وإن
هو حدة المنافسة تحسبا لخطر الحرب !
© وكان المتغير الثالث فى هذه الأزمتة ناشئا عن تلاقى وتفاعل هاتين
الثورتين : ثورة القيود على استعمال وسائل القوة ؛ وثورة الانطلاق إلى
استعمال وسائل التكنولوجيا - ومن مؤدى هذا التلاقى تفجرت ثورة ثالثة أعم
وأشمل ٠ وهى ثورة اثفجار الأحلام والآمال والتطلعات . ثورة بدا معها أن
الأمل بالجسارة .
عالمية محم لسع الا
سيل متدافع الموجات يتدفق إلى
والواقع أنه نتيجة للثورات الثلاث ( استحالة الحرب - وإمكانيات التكنولوجيا -
وانفجار الآمال والتطلعات ) - تسارع إيقاع التطورات فى النصف الثانى من الخمسينات
على نحو يخطف الأبصار ويقطع الأنقاس :
نتيجة لتأثير الثورات الثلاث فإن خطوط المواجهة العسكرية
والعقائدية - بين الغرب والشرق . بدأت تتداخل وتختلط رغم حواجز الجليد
الذى راكمته الحرب الباردة !
كانت أوروبا الغربية قد استفادت من مظلة الحماية الأمريكية ومن مشروع
مارشال الذى استهدف إنعاش اقتصادها بعد خراب الحرب ؛ وراحت على الفور تفكر فى
لأمريكا فى حلف الأطلنطى ؛ ولكن الحوادث أظهرت لها أنها فى وضع التابع وليس فى
وضع الشريك ؛ وكانت معركة السويس هى الدليل الحى الذى اقتنعت بعده بأن عليها أن
الأول .
؛ شارل ديجول ؛ بدأت فرنسا تبنى رادعها النووى المستقل . وبتوجيه ؛ ويلى برانت
ألمانيا الغربية تتطلع إلى الشرق وتقيم جسورا مع موسكو على أمل استعادة وحدة ألمانيا
فى يوم من الأيام لكى تعود موحدة - أو شبه موحدة - إلى دورها التاريخى الذى تطمح إليه
باعتبارها وسط وقلب أوروبا !
ولم تكن الولايات المتحدة راضية ؛ لكن أوروبا الغربية باستعادة نهوضها
وبالمعجزة الاقتصادية الألمانية وبطول قامة الجنرال ؛ ديجول ؛ - كانت قادرة على تحمل
عدم الرضا بالملايئة تارة ؛ وبالعناد تارة أخرى !
- وعلى ناحية الشرق كان هناك شىء ممائل بحدث فى الصين - وبدوره كان
نيجة ضرورية لتأثير الثورات الثلاث - ذلك أن الصين بحجمها لم تكن تريد دور التابع
للاتحاد السوفيتى فى المعسكر الشيوعى . وكان منطقها فى البداي
شركة التقدم ٠ وحين أحس الاتحاد السوفيتى أنه مطالب بدفع ضرائب التنمية فى الصين +
بدرجة حجمها وواقع تخلفها - توقف لإجراء حساب ؛ ولم تكن أرقام الحساب هى الأساس
ما بين الصين والاتحاد السوفيتى - داخل إطار الشرق - أكثر حساسية وتوترا مما هو قائم
بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة عبر خطوط المواجهة بين الشرق والغرب 1
وإنى جائب ذلك فإن شعوب بلدان أوروبا الشرقية التى انتظمت فى سلك حلف
وارسو كالعقد المرصوص - لم تكن فى صميم قلبها متحمسة لقبول سيطرة جحافل جيوش
الشرق التى جاءت تطرد الألمان ثم لم تخرج بعد أن طردتهم ؛ وتوالت حركات التمرد +
وكانت الإجابة هى القمع بالسلاح أو التلويح به رغم وحدة العقائد .
* - وما بين الشرق والغرب كان هناك عالم ثالث واتته الفرصة ليطالب بالمكبوت
من آماله فى الاستقلال والتنمية ٠ ففى ظل استحالة الحرب ؛ وفى ظل كبرياء الاستقلال
فى هذا العالم الثالث أكثر جموحا مما كانت فى غيره من مناطق الدنيا ٠ ولقد ساعد على
إحساس هذا العالم بفرصته أن كلا من المعسكرين راح يعرض عليه نموذجه بإلحاح شديد +
أن شركة العقيدة تستوجب
وفى سنوات قليلة هبت عاصفة من الأحلام على آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية +
وكانت ؛ باندونج ؛ ( مؤتمر الدول المستقلة فى آسيا وأفريقيا سنة ١552© ) نقطة تحول +
ثم جاءت معركة السويس تأكيدا لكل من يطلب الدليل على أن الأمل مصحوبا بالجسارة
قادر على تحدى الأشباح القديمة جميعها ابتداء من تحدى سلاح الامبراطورية كما فعل
شعب مصر ؛ إلى تحدى قيد التخلف كما فعل شعب مصر أيضا بنجاحه فى إدارة وتسيير
حركة الملاحة فى اه السويس +
؛ - وفى النصف الأول من الستينات كان عدد الدول الأعضاء فى الأمم ا
بالموازين الدقيقة التى تحكمه .
وحدث تغيير كبير فى طبيعة الأمم المتحدة : تحولت فى فترة من الفترات
إلى منبر كلام ٠ فقد كان ذلك أقصى ما تملكه الدول المستفلة حديثا للتعبير عن
تحولت بعد ذلك إلى جهاز بيروقراطى ثقيل ؛ فقد ألقت هذه الدول على
المنظمة الدولية أعباء طارئة كما أنها اتخذتها بابا إلى كل ميدان لا تستطيع أن
تدخله وحدها ؛ وهكذا شهدت الأمم المتحدة إنشاء أكثر من ألفى جهاز للتنسيق
الرسمى بين الدول الأعضاء فيها ٠ وعلاوة على ذلك فإنها أضافت إلى الإطار
المحيط بهذه المنظمة حوالى ثمانية عشر ألف جهاز آخر للتنسيق غير الحكومى
< - ولم يلبث الكبار الذين أنشأوا الأمم المتحدة أن أدركو! أن النظام الدولى الذى
وأن خلل الموازين سوف يؤثر عليهم أكثر مما يؤثر على الآخرين . وهكذا - فى عصر
؛ كنيدى ؛ و؛ خروشوف ؛ - هاجر الكبار من هذا النظام بقضاياهم الحيوية وأولها مشاكل
السلاح النووى والسباق نحو الفضاء + وفى نفس الوقت.احتفظوا بصلاتهم معه قائمة كمجال
للتأثير السياسى والنفسى + وانعكس هذا الاتجاه على الفور فى شخصية السكرتير العام للأمم
تريجفى لى ؛ - من الترويج - أول سكرتير عام للأمم المتحدة ؛ وقد أحرج
وكان ؛ داج همرشولد ؛ من السويد هو ثانى سكرتير عام للأمم المتحدة ؛ وقد
أزمة الكونجو +
وحين قتل ؛ همرشولد ؛ فى حادث طائرة غامض فوق إقليم كاتانجا بالكونجو +
الكبار على رجل يصنح للمرحلة الجديدة من حيا الأمم المتحدة وهو
يو ثانت ؛ ١ وكان شبه راهب بوذى من بورما ٠ وقد أدرك منذ البداية أن عليه قبل أى
اعتبار آخر أن يضمن رصا القوتين الأعظم وأن يظل دائما فى دائرة التوافق بينهما مهما
على أن تترك بجوار السكرتير العام الجديد رجلا من رعاياها مقبولا من القادمين الجدد
نوبل ؛ للسلام بسبب دوره فى اتفاقيات ؛ رودس ٠ التى انتهت بها المعركة الأولى من
معارك الصراع العربى - الإسرائيلى بعد حرب فلسطين سنة ١548 . وكان الدكتور
الخارجية ٠ وضالعا فى عمليات التنسيق بينها وبين وكالة المخابرات المركزية الأمريكيه
فى سنوائها المبكرة
بكل ما تحقق أو لم يتحقق فى العقدين التاليين للحرب العالمية الثانية : لا يكفيها قيام
المعسكرات والمواجهة بينها ثم التوترات والتقلصات الجارية وراء الخطوط فى كل
معسكر . ثم أنها أيضًا لا تستطيع أن تكتفى بقيام تنظيم للأمم المتحدة مع الأخذ فى الحسبان
أن التطورات اللاحقة كلها أثرت على فاعليته حين أصبحت الساحة زحاما بين كثيرين من
ميق سق تتوافر لهم بعد الفرصة للتحقق مما جرى ويجرى فى عالمهم ؛ يزونه
إن هذه الاتصالات على مستوى القمة ربما كانت كافية لمواجهة ضرورات استحالة
الحرب . لكن بقية الثورات : التكنولوجيا والتطلعات ؛ كانت تبحث عن مسالك جديدة
للحركة على اتساع العالم .
وكانت تجربة تنظيم العالم بالأمم المتحدة قد أعطت لهذه الضغوط الهائلة للثورات
الثلاث نماذج جديرة بالتأمل والدرس . فقد ظهرت على سبيل المثال منظمة الصحة
العالمية ٠ ومنظمة التربية والعلوم والثقافة ( اليونسكو ) . وإلى جانب ذلك فقد كانت هناك
نظم أخرى أنشأتها الاحتياجات الطارئة وقد فاعليتها بالتجربة مثل النظام العالمى
للأرصاد الجوية!”! ؛ والنظام العالمى للطيران المدنى ٠ والنظام العالمى للإذاعات الذى
يوزع موجات الأثير على الدول المختلفة حتى لا تختلط ونتداخل أصواتها © ثم حدث نفس
الشىء بعد ذلك بالنسبة للنظام. العالمى للأقما
إن هذه المنظمات والنظم وضعت سوابق فى العمل على مستوى العالم وعبر كل
الحدود بضغوط الثورات الئلات - وكان السؤال الهائم الذى يبحث لنفسه عن إجابة فى بداية
التنظيمات والنظم نجحت فى العالم بإرادات الدول وفى إطار الأمم
المتحدة أو بالقرب منها - فهل يمكن أن يكون نموذجها صالحا للتطبيق فى مجالات أخرى
لا تشترط فيها إرادات الدول ولا الالتصاق أو القرب من الأمم المتحدة خصوصا وأن بعض
الثورات الضاغطة بقوى العصر الجديد تستطيع بالفعل أن تتجاوز هذا الشرط ٠ بل إن
المصالح القادرة على الاستجابة للضرورات الجديدا "ئمها أكثر أن تتحرك على مستوى
العالم بدون شرط إرادات الدول منفردة أو مجتمعة . فهذه الإرادات تخضعها لقيود السيادة
فى حين أن أوضاع العالم الجديدة تسمح لها بتخطى هذا كله وتجاوزه
كانت الرأسمالية قد تعلمت فى مرحلة سابقة درس ؛ الاحتكار » ؛ والآن كان أمامها
فى مرحلة لاحقة أن تتعلم درس ؛ الانتشار ؛ !
وعند منتصف الستينات وحولها ظهر فى العالم مخلوق جديد اخر هو المؤسسة
العابرة للحدود وللقاراتأ وسرعان ما تحول هذا المخلوق إلى دولة لا تحتاج إلى
وطن ؛ ثم إلى امبراطورية لا تحتاج إلى أقاليم -
السلاح . ثم امبراطورية البنوك . ثم امبراطورية التأمين . ثم امبراطورية
الطيران .ثم امبراطورية_الالكترونيات .ثم امبراطورية الفضاء . ثم
امبراطورية الأقمار الصناعية . ثم امبراطورية التليفزيون . وهكذا ..
محسوسة ولكنها لا تقاوم على ساحة أو فى شارع أو من على منبر فى الأمم المتحدة . وفى
بعض الأحيان تتجلى هذه الامبراطوريات من بعيد مثل ظواهر الطبيعة ؛ لكن أحدا
لا يستطيع أن يستوقفها وإلاآ فهى محاولة أشبه ما تكون بدق المسامير فى سحابة حتى يتيسر
١ ** ) يصطلح على تسميتها عادة بوصف الشركات ٠ عبر القومية ٠ 00518:ت»7000» تارة أو ؛ متعددة
ولقد كان أقصى ما أمكن الوصول إليه فى ترتيب الأمور وتنسيقها آمو التوصل إلى
دوع من الربط بين الامبراطورية بالصورة القديمة والامبراطور :
جمعت بين الاثنتين تحالفات من نوع غريب ٠ وربما كان أبرز التحالفات التى بدأت فى
البروز مع منتصف الستيئات ثلاثة هى : التحالف الامبراطورى للدولار وكان الأكبر
والأقوى . ثم التحالف الامبراطورى للمارك الألمانى وقد أصبح عماد النظام النقدى
للسوق الأوروبية المشتركة . وكان التحالف الامبراطورى للين اليابانى يتأهب للبروز
على شواطىء المحيط الباسيفيكى مرتكزا على جنوب شرق آسيا .
وكانت الثورات الثلاث مازالت تغير وجه الأرض - والفضاء أيضا - وتتدافع بموجات
بعد موجات من المستجدات !
عند منتصف الستينات وحولها كانت المستجدات الزاحفة على حياة العالم
بتأثير الثورات الثلاث ( استحالة الحرب العالمية - والوعد العظيم للتكنولوجيا +
وجموح التطلعات الزائدة ) - تسوق عواصف للتغيير لا يقف أمامها حاجز
أو قيد .
ومن اللحظة الأولى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عاد الجنود من
ميادين القتال المختلفة من كل بقاع الأرض وصيحتهم المدوية هى أن ما قاسوه
لا يجب أن يتكرر مرة أخرى . وكانت حقائق السلاح النووى أمامهم وأمام غيرهم
وربما من هنا أن أول ما فعله المقاتلون ؛ ومعظمهم مازال بعد فى ميادين القتال لم
يبرحها ؛ أنهم أسقطوا أبطال النصر وفى مقدمتهم ؛ ونستون تشرشل ؛ القائد الأسطورى
٠ داوننج ستريت ؛ - ؛ كليمنت آتلى ؛ رئيس حزب العمال الذى كان وعده للناخبين
مجتمعا جديدا للرفاهية بد
إليها بسبب ؛ فقد كانت تجربته كلها فى تجارة الخردوات وفى السياسة الأمريكية لمحلية
بعيدا عن المسارح المهيبة للعمل الدولئ وأضوائها الساطعة وصيها الملون ١
٠ ولم يكن حلم مجتمعات الرفاهية - بعيدا عن أحلام البطولة المستحيلة - ونما أوسريا
لان وعد التكنولوجيا الذى نقل حرارته إلى ثورة التطلعات جعل جماهير النامرفى كل مكان
يتصورون أن تحقيق الأحلام على الأرض وفى هذه الحياة ممكن دون انتظار لما بدها!
وحين جرى ما جرى على الساحة الدولية ؛ وعند القمة ؛ من صراع القائد وظهور
المواجهات وبروز الكتل العسكرية والسياسية والاقتصادية ؛ ثم بزوغ عصر لنظم لدولية
الحاكمة على غير أرض وغير حدود - راح ذلك كله يطرح أسئلة كبيرة وعقدة ( عهد
للإنسان بها ٠ ولم تكن المؤسسات التقليدية أعلم بحقائق ما يجرى من الرجل لعادى» ولى
العادى حيث كان من أقطار الدنيا !
كانت مؤسسة الدين - مثلا - قادرة على التبشير والوعظ ٠ وكن جاهير
الناس كانت تريد السلع والخدمات 'تريد شيئا تراه بصرف النظر نما ينتظرها
وراء الغيب . تطلب الفردوس الآن ولا تقبله مرجأً إلى حين أو مشروط
بسلوك_معين_ فى الدنيا خطر لها أنه ملزم للفقراء وحدهم (غير بلزم
للأغنياء .
وكان صراع العقائد يلقى بثقله كله فى كفة الدنيا ولين فى كة الآخرة ,
وحاولت الكنيسة فى وقت من الأوقات أن تساير إلى درجة التسليم بالكثير من
مقدساتها حتى أن أحد الأساقفة فى انجلتراا"؟ أصدر كتابا يقول فيه ل المسبحية
كفكرة تستطيع بمبادئها الأخلاة أن تستغنى عن الأساطير بما فيا أسلورة
الميلاد المعجزة للمسيح + بل إن ذلك كان عنوان كتابه : ؛ كنيسة بلامسيع , :
وكانت مؤسسة الدولة هى الأخرى فى أزمة ٠ ذلك أن صراع ال راح يهز
كيانها ٠ ففى بريطانيا - مثلا - جاء حزب العمال إلى السلطة بنداء الاشتراكية منة 1140 _
لكنه فى سنة ١8٠٠ فقد السلطة لصالح حزب المحافظين - بزعامة ه تشرشل » مرة أخرى
البطولة !
١١ ) أسفف مقاطعة ٠ ليستر ء
كانت نقابات العمال المتحالفة فى انجادها 7.10.77" هى قاعدة زب
لعمال ٠ وفى نفس الوقت كان اتحاد الصناعات البريطانية "8.1.©"' هو قاعدة
حزب المحافظين ٠ وفى صراع _العقائد بين الأحزاب + بين الاشتراكية
والرأسمالية ؛ أصبحت البيروقراطية ( الإدارة المكتبية الحكومية بالدرجة
الأولى ) هى عنصر الاستمرار المتواجد دائما ؛ وانتقلت السلطة الحقيقية إليها
بصرف النظر عن نتائج الانتخابات . وما حدث فى بريطانيا حدث فى غيرها +
فقد أصبح جهاز الدولة ٠ خصوصا بالقضايا المعقدة التى دخلت فى اختصاصه
وأولها قضايا التكنولوجيا - أكبر وأعقد من أن يبت فيها أو حتى يناقشها نائب
منتخب من جماهير الشعب . وبمقتضى هذا الانتقال فإن أجهزة الدولة أخذت
لنفسها سلطات تجعل من أحكام الدساتير نتصوصا معطلة على أوراق فى ملفات
والملفات محبوسة فى أدراج معتمة . وكانت الظلال تلف كل القضايا والخطط
لأن البيروقراطية لم تعتبر نفسها مسؤولة أمام أحد ؛ وإنما علقت مسؤوليتها
بتقديراتها هى ؛ فمقاعد الحكم لعبة كراسى مود ٠ وأما مواقع الإدارة
فهى فى مكانها بعد هؤلاء وهؤلاء : ثم توهمت عناصر البيروقراطية . تبعا
لذلك - أن معلوماتها ملك لها وليست حقا لفيرها يعرف ما لا تجوز معرفته
لعامة الناس خصوصا فى ظل صراع دولى تحتدم معاركه . وهكذا أصبح أكبر
قدر من الحقائق ومن السياسات - موكول إلى أقل عدد من الناس لدرجة أن
لسياسات ال
لا تتسرب عن طريقهم إلى الروس - ! - ١ بل إن بعضهم راودته فكرة الانقلاب العسكرى
لخلع حزب العمال من السلطة التى أعطتها له أصوات الناخبين بالعملية الديمقراطية ؛ وكان
ذلك بدعوى الحرص على الأمن القومى وضروراته بصرف النظر عن الدساتير +
ولم يعد القانون سيدا ٠ ففى زحام التطورات تعالت الأصوات تتساءل عن حقيقة
وكانت مقولة ؛ ماركس ؛ إن ؛ الدولة ليست محايدة وإنما هى أداة فى يد الطبقة
الأقوى ؛ . ثم جاء مفكر ضخم من وزن ؛ هارولد لاسكى ؛ نجم مدرسة لندن للاقتصاد وأحد
مصادر الإلهام فى الحركة الاشتراكية البريطانية بعد الحرب ليضيف إلى مقولة ؛ ماركس +
عن الدولة - مقولة جديدة عن القانون مؤداها أن ؛ القانون هو الآخر ليس محايدا وإنما
هو تعبير طبقى ؛ فحزب الأغلبية - رأسماليين أو عمالا ٠ هو الذى يتولى التشريع
للقوانين برؤاه الاجتماعية وما على القضاء بعد ذلك غير تطبيقها ؛ وإذن فأين حياد
القانون ؛؟!
ولقد استحكمت أزمة القانون بالتطورات التى توالت بعد الحرب ؛ ومن بينها
محاكمات مجرمى الحرب النازيين فى ؛ نورمبرج ؛ . كان دفاع كبار المسؤولين الألمان
فى قاعات المحاكمة أنهم ليسوا مسؤولين ؛ فهم لم يفعلوا غير إطاعة الأوامر الصادرة
إليهم من رئاساتهم العليا بحكم القانون , وكان منطق القضاة الذين حكموا على كثيرين
منهم بالإعدام هو أنهم كانوا مطالبين بعصيان القانون وتحكيم ضمائرهم بصرف النظر
عن القوانين . وكان ذلك مبدأ له عواقبه - فالقانون قاعدة عامة ؛ والضمير اختيار
فردى ؛ فإذا كان على كل مسؤول أن يحتكم إلى ضميره بصرف النظر عن حكم القانون
إذن فهى شريعة جديدة تقلب الثابت والمستقر يقينا من عصور سابقة .
ولم تكن مؤسسة القانون وحدها هى التو "ثرت بظروف الحرب وما بعدها بمنطق
نبذ القواعد العامة لصالح التقدير الشخصى نكل إنسان ؛ وإنما امتد التأثير إلى مؤسسات
تاريخية عريقة مثل ؛ الفاتيكان ؛ ( مقر الكنيسة الكاثوليكية فى روما ) - فقد شن اليهود حملة
أبدعوى أنه كان شاهدا على اضطهاد ؛ هتلر ؛ و؛ موسوئينى ؛ لليهود فى أوروبا طوال سنى
الحرب ولم يحرك ساكنا لمقاومة هذا الاضطهاد . وحين دافع ؛ بيوس ؛ عن نفسه بأنه لم
يكن للكنيسة تقليديا الحق فى أن تتدخل فى السياسة ؛ فقد كان الصراخ فى وجهه بأن
الإسنية كان يجب أن تكون أقوى من التقاليد . ومرة أخرى فإن الاعتبار الإنسانى
ابناد واسع ؛ والتقاليد سوابق محددة لها احترام القانون .
وكان لها جميعا سند حقيقى من عواصف المستجدات على العالم . لكن المشكلة
الحقيقية فى العواصف حين تهب لأسباب طبيعية أنها لا تعرف الحد الذى تتوقف
عنده وليس ذلك من طبائعها ؛ والنتيجة أن الهجوم على الماضى أصبح فى جزء
الثقافة . والهجوم على الثقافة أصبح فى جزء منه هجوما عنى الهوية
وهكذا فإن ما هز الرواسى القديمة للدين والدولة والقانون والتقاليد راح
يمد أثره إلى الوطنية أيضا ٠ وفى وقت من الأوقات كان الشعار القائل ٠ وطنى
مخطىء أو مصيب ؛ هو القاعدة الذهبية التى تحكم الولاءات . ولم تصمد هذه
والتكنولوجيا والتطلعات . وكان التبرير السهل لتغير الولاءات مقولة أن
الوطنية هى البيئة التى يجد كل فرد فيها أمنه ودوره ومستقبله ٠ وفى وقت
من الأوقات كان الوطن وحده هو الذى يوفر هذه البينة ٠ وفى الأزمنة
المتغيرة اختلفت الأحوال ٠ فأصبح وطن أى فرد هو حيث يجد الظروف ملائمة
لأمنه ودوره ومستقبله دون أن يرتبط ذلك ببقعة بعي
من الشك والقلق . كانت البشرية تحاول بوسائل غير واضحة أن تبحث فى أرض غير
مطروقة عن معالم غير محددة !
كل هذا واختراقات المجهول لا تنوقف : من الاستعداد لنزول أول إنسان على سطح
القمر بعد أن أعلن الرئيس الأمريكى ٠ جون كنيدى ؛ أن ذلك هدفه قبل انتهاء حقبة
الستينات . إلى حل رموز الخلايا ( الجينات ) وهى سر الحياة ٠ إلى جراحات زرع
الأعضاء . إلى حبوب منع الحمل التى كانت على وشك أن تنزل إلى الأسواق . وكانت
العقول الالكترونية تتحول بسرعة إلى جهاز متاح لكل بيت كالراديو والثلاجة إلى آخره !
العلماء والمفكرين والمثففين هم عادة مراجع الهداية الطبيعية فى ظروف التغيير +
السحر والكهانة والفلسفة أحيانا ٠ لكن سحرة وكهنة وفلاسفة العصر الحديث لم يكونوا
حازمين مثل أسلافهم السابقين . كانت مستجدات العصر أمامهم رموزا وطلاسم وأسرارا
غير قابلة للحل ٠ وتفرقت بهم السبل وتبعثرت من خلفهم وتشتتت جموع الناس
© عالم نووى شهير مثل العالم البريطانى ٠ فوخس ٠ قرر إعطاء ما لديه
من أسرار القنبلة الذرية للسوفيت لأن احتكار أمريكا لهذا السلاح بدا له خطرا
على السلام الذى لا يتحقق فى ظنه إلا بالتوازن الثووى بين العملاقين -
© ومفكر عظيم مثل ؛ برترائد راسل ؛ خرج بنفسه يقود المظاهرات
والاعتصامات ضد مخاطر الحرب النووية تحث شعار . أن نكون حمرا ( أى
شيوعيين ) خير من أن نكون موتى ؟ «فوة4 فقطا 260 :8116ظ».
© وفيلسوف ضخم من حجم ؛ جان بول سارتر ؛ فى فرنسا اندفع إلى دعوة
أن الإنسان سيد مقاديره بصرف النظر عن المواريث والتقاليد والقوائين - وأى
رباط آخر مما صنعه التطور الإنسانى سابقا !
كانت مراجع الهداية كما هو واضح مما سبق تميل قليلا ناحية الشرق وساعدها على
!*) السناتور ٠ مكارثى ٠ أحد أعضاء مجلس الشيوخ وقد رأس لجنة خاصة سميت ؛ لجئة النشاط المعادىق
لأمريكا - وكانت دعوته هى مقاومة تسلل الشيوعيين إلى المواقع الحساسة فى الولايات المتحدة ؛ وقد تماد
فى حملته إلى حد أفزع كل أنصار الحرية ليس فى أمريكا وحدها وإنما فى العالم كله ٠ وقد اعتبر
مكارثى .. والمكارثية نسية إليه بعد ذلك - رمزا للرجعية والتخلف بدعوى مقاومة الشيوعية
مرحلة معادية للعلم والفكر والثقافة - لكن الرأسمالية استعادت مرونتها بسرعة واستطاعت
القوى المالية الكبرى أن تأخذ لحسابها مولدات الفكر القادرة على النقد والتقييم والمراجعة +
فإذا مؤسسة ١ روكفللر ؛ مثلا تجذب إلى فلكها أكبر المجتهدين وفقهاء السياسة والتاريخ
؛ الاقتصاد فى المجتمع الأمريكى مثل ماك جورج باندى © و ١ آرثر شليزنجر 6+
'وفى نفس الوقت فإنه على المعسكر الآخر وقعت لمولدات الفكر ظاهرة مختلفة +
فكاتب عظيم مثل ؛ باسترناك ؛ ٠ وعالم كبير مثل ؛ سخاروف ١ ومؤلف موسيقى ممتاز
منل ٠ بيروفكيف + راحوا يمدون أبصارهم عبر خطوط التقسيم العسكرى والعقائدى
٠ هاجسهم : أن مناخ الحرية هناك أصح وأصلح !
وعند منتصف الستينات وحولها كان عالم الفكر ( الكتاب ) قد تنازل عن دوره
بحكم التكنولوجيا - لعالم الإعلام ( الإذاعة والتليفزيون والصحافة الشعبية ) +
كان التليفزيون بالظلال والألوان قد حول الدنيا كلها إلى شريط من الصور الحية
سحرك من خلاله كوكبة نجوم على مسرح العالم الواسع +
وكان ذلك عصر الزعامات الجذابة القادرة على إيقاظ خيال الجماهير وإثارته ٠ وحين
بلاقت جاذبية النجوم مع حيوية الصور كانت النتيجة س
لمتحدة
قد تضاعف ثلاث مرات عما كان عليه ؛ وتغيرت مراكز الثقل فى المنظمة الدولية التى
كان مقدرا لها أن تكون إطار النظام العالمى الجديد ٠ وفى البداية كان مركز الثقل يميل
تاحية الغرب ٠ وبالزحام الجديد فى الأمم المتحدة مال الميزان ناحية الشرق الذى شجع
حركات_الاستقلال لأنها كانت موجهة بالدرجة الأولى ضد امبراطوريات الغرب
التقليدية ٠ ولكن المشكلة أن القادمين الجدد - وإن حققوا ديمقراطية الأمم المتحدة -
ر الصناعية
| * ) كانت هناك من قبل ترتيبات لتبادل معلومات الأرصاد ولكن ذلك كان أبعد عن أن يكون نظاما عالميا للأرصاد
يتمكن من رسم خريطة جوية واحدة للعالم كله متغيرة كل ثانية
لا من عناء الحرب وعذابها ٠ وكان ؛ فرانكلين روزفلت ؛ بطل
النصر الأمريكى قد أعفى من السقوط لأن الموت أخذه قبل يوم الاحتفال ؛ ودخل إلى البيت
اقتصادية لأغنى الدول فى العالم تركزت فى يد سبعة من محافظى
.ك المركزية فى أمريكا وأوروبا واليابان يجتمعون سرا مرة كل شهر فى
مدينة سويسرية معزولة (» بال ) ويقررون كل شىء فى اقتصاديات بلادهم
واولها علاقات المال ٠ والعالم كله يتأثر دون أن يعرف لأن الأقوياء هم الذين
يضعون القانون والضعفاء يطيعون بغير مساءلة ؛ وتلك من سنن ١
كامبردج ؛ وممن وصلوا إلى أعلى المناصب فى حكومات بلدهم (؛ فيلبى ؛ و؛ بيرجيس +
و ١ ماكلين ٠ و ١ بلنت ؛ من المخابرات والخارجية والقصر الملكى على التوالى ) وتعاونوا
الانحياز إلى مجتمع الطبقة العاملة هناك وضد مجتمع الطبقة الرأسمالية عندهم ٠ وفى
المقابل فإن طائفة من كبار المنفذين فى الدولة البريطانية وصل بهم الشك فى وطنية رؤساء
الوزارات والوزراء من حزب العمال إلى درجة أنهم حجبوا عنهم أهم أسرار الدولة حتى
نها من الأرض ٠
كانت تلك هى المقولة التى أدت إلى أكبر هجرة للعقول عرفتها الإتسائية +
,يهاس أوروبا وفى اتجاه أمريكا . ثم زادت حدة النزيف وتنوعت مصاد
نويه معظم الأحيان فى ذات الاتجاه .. عبر المحيط إلى أمريكا أيضا !
«كانت مؤسسة الأسرة هى المعفل الوحيد الباقى للمقاومة ؛ لكن الضغوط النازلة على
كل سات والقيم التقليدية من تأثير عواصف المستجدات لم تلبث أن مدت أثرها إلى
الأمربدورها ؛ وكان الادعاء - وهو حق فى جوانب كثيرة منه - أنها ؛ دنيا متغيرة
الأمرأ؛ وحتى إذا لم تخرج بالفعل فإنها خرجت بالفكر . متواجدة فى الإطار أو بقربه
لكن لزونها وشجونها أشرعة مفرودة لاستقبال الرياح تدقعها إلى بحار واسعة
رشوافىء غريبة !
,هكذا اهتزت وتداعت كل ركائز الثبات واليقين ٠ وازدحمت الأجواء بسحابات
نوات من البريق بدا وهاجا وفوارا
بالأمل
كان ؛ كنيدى ؛ فى الولايات المتحدة يدعو إلى ؛ حدود جديدة ؛ للإنسانية +
بعد عتمة عصر ؛ ستالين ؛ . وكان البابا ؛ يوحنا الثالث والعشرون ؛ فى روما
يجازد أن يجعل من الكنيسة الكاثوليكية مؤسسة متجاوبة مع قيم إنسانية أكثر
؛ نهرواء فى _الهند يبشر بعالم يسود فيه السلام والعلم ٠ وكان ؛ جمال
عبد الناصر ؛ فى مصر يتصدر حركة تحرر تندفع كموجة عاتية من الخليج الثائر
إلى المحيط الهادر . وكان ؛ تيتو ؛ فى يوجوسلافيا يمارس تجربة فى الشيوعية
الدولية. فى معقل امتيازات هذه الاحتكارات فى أمريكا اللاتينية ٠ وكان