مقدمة المترجم
كنت أتمنى أن يتصدى لترجة هذا الكتاب من هو أكثر اختصاصاً مني في
هذا الموضوع الام ومن هو أكثر قدرة على نقله الى اللغة العربية بجلاء وبيان
أوضح » ومن تمرس في ميدان الترجمة ولا سيا في مثل هذه البحوث التي تحفل
, الصادر حديثا (1487) شعرت بفراغ المكتبة العربية من مثل هذه الدراسة
الشمولية في تاريخ الأفكار والمعتقدات الدينية كيا تخيلت مدى الفائدة من نقل هذا
الكتاب ليطلع القارىء العربي الذي لم يقيض له أن يقراه في اللغة التي كتب بها
عل آفاق من المعرفة حجبتها عنه أنواع قدمة جدا من الاضطهاد وكبت حرية الفكر
التي ضربت جذورها العميقة في وحياة مجتمعنا . وبحيث غدا الفكر
العربي منذ زمن طويل فكرا لا تاريخيا يفتقد الحد الأدنى من الموضوعية ويجمد على
أفكار سلفية منسلخة عن عصرها تقدس الماضي وتستخدمه حلولا جاهزة لمشاكل
الحاضر والمستقبل ولا سيا في نطاق البحث المتعلق بالمقدس والمحرم كما رسمت
خيوطهها خاصة في عصور الانحطاط وبالقطيعة مع كل موضوعية أو منهجية
منذ أكثر من ألف سنة أدرك شيخ المعرة أبو العلاء بثاقب بصيرته ما في
بعض الأمور والمارسات الدينية لدى الشعوب من أوهام وأباطيا
موجزة ضمن أبيات قليلة من الشعر وبنظرة شمولية عن ارتيابه في بعض الافكار
والطقوس » ولكن هذا بقي في نطاقه المؤثم حسب منطق الفكر السائد وبقي
القارىء العربي مؤطراً بترائه المصبوب في قوالب وتفسيرات خاصة » أغلق باب
الاجتهاد فيها وفقد الفكر ضمتها كل استقلاله وحريته » وهكذا منذ المهد الى
اللحد يتلقى كلمات ومفاهيم » وحكايات وأساطير وخيالات وطرق تعامل مع
الاشياء وكأنها حقائق أزلية لا مجال فيها لاستعمال العقل أو التفكير » لأن مهمة
المنطق والعقل حصرت في التذكير وليس في الاستكشاف أو محاولة الفهم ٠ .
فعبر بكلمات
ما هو الا تراكم للماضي ؛ ولكن اللجوء الى المثل الأعلى القديم وفي كل مجالات
الحياة ان هو الا محاولة للتعويض الخيالي عن بؤس الحاضر وايثار للبعد عن منطق
الحياة المتجددة وعن رسالة الفكر التي تعلوعن كونها مجرد اشادة بالماضي السحيق
كنموذج متفرد وعن المديح لكل موروث بأشخاصه ورموزه مهما كانت تلك الرموز
بعيدة عن الواقع ومنطق العصر ومهما كانت الاستحالة قائمة في توافق أفكار
أولئك الأشخاص مع منبج العصر ومقوماته .
وللعقل الذي به وحده يمكن الاندماج الواعي الأاصيل في حضارة العصر الذي
نعيشه . ومنذ وقف باب الاجتهادوحصره بآراء قامت يدور باهر في عصرها
حصلت هوة كبرى حالت وتحول دون مواكبة العصر . ودون دراسة التراث
سبيل التطور المنشود من إفساح لمجال للفكر ليحقق رسالته ويعالج الأمور بنظرة
شمولية تحاول الافادة من معطيات العلم في العصر الحديث وتحاول أن تقيم ما
يمكن إقامة من الروابط بين عالم الفكر وعالم الواقع . والخروج من عالم الاسطورة
الى عالم العقل ومن ميدان الغموض والتبرير الى نطاق التمييز والوضوخ +
لقد قيض للغرب في حضارته الحديثة وبعد طول معاناة أن يخضع كل
شيء للبحث والاستقصاء والنقد . وأصبحنا نعيش عالة على هذه الحضارة التي
إخضاع كل شيء للبحث والاستقصاء والنقد والاصلاح . وعلى سبيل المثال ما
زلنا نخاف البحث في أمور الدين الذي نعتبره موضوعا مثاليا ؛ معطى من عند
الله يحوطه التقديس ولا يمكن دراسة معتقداته وتاريخه كعلم انساني حتى ولو تعلق
الأمر بأفكار وآراء أشخاص تا وفي فترات متقطعة ومتباعدة وكأن مجرد
التعرض لآراء هؤلاء ولو في شؤون الحياة من مأكل وملبس وزواج واقتصاد
الخ .. هو تقويض لبنيان المجتمع وخيانة عظمى توجب الاعدام ..
لقد رفض الفكر الغربي منذ بداية العصر الحديث كل منبج قبلي وكل
معطى سابق واكتشف زيف كثير من المسلمات السابقة . . وبذلك جعل طريق
معرفته الوحيد مبنيا على التجربة » مستبعداً كل معرفة ما ورائية ومؤمنا بالمعرفة
الانسانية وحدها » ول يثن هذا الفكر عن مسيرته محاولات الكثيرين للدفاع عن
المعرفة الالهية عن طريق الحدس او العقل البديهي . وبذلك جعل الطبيعة مصدر
معرفته والميدانالغصب لتقرير ما يعتبره الحقيقة وبهذا وحده بنى فكره الحضاري
ونشأ وتطور الى ما نشاهده الآن ؛ وبهذا أيضا كشف سطحية وزيف الكثير من
العطيات التي كانت تعتبر مقدسة في حياة الشعوب » وكل ذلك ضمن مناهج
علمية تستهدي بالحقيقة وحدها دون تهيب أو خوف من آراء وتيارات تستسلم
بدّعةٍ الى خرافات وأساطير وقيم قديمة عفى عليها الزمن » وبدون أن تترك ميدانا
من ميادين المعرفة الانسانية المترابطة بمعزل عن البحث والاستقضاء .
ومن هنا تأتي - في رأينا أهمية مثل هذا الكتاب الذي تصدينا لترجمته رغم
ما نشعر به من قصور في هذا الميدان ولانه الكتاب الأول الذي نمارس فيه
الترجة . وإذ تأمل لهذا المؤلف أن يصل الى أكبر عدد من القراء العرب نرجو أن
وخدمة المجتمع كان اقدامنا على هذه الترجمة التي بذلنا فيها الجهد لتأتي بقدر
المترجم
المحامي : عبد الهادي عباس
مقدمة المؤلف
إن كل مظهر للمقدس هو بالنسبة لمؤرخ الأديان ذو محصلة ؛ فكل طقس +
وكل اسطورة وكل معتقد أو صورة الهية يعكس تجربة المقدس © ومن ثم فهو
يدخل مفاهيم التكون ؛ والمعنى والحقيقة . وكيا أشرت في مناسبة أخرى » «من
الصعب أن نتصور كيف يمكن للنفس البشرية أن تتحرك دون الاقتناع بوجود
شيء حقيقي لا يمكن انقاصه في هذا العالم » ومن الصعب التصور كيف يمكن
للشعور أن يبدو بدون أن يضفي دلالة لاندفاعات ولتجارب الانسان . ان الشعور
بعالم حقيقي وذي معنى مرتبط صميمياً باكتشاف المقدس . وبتجربة المقدس +
أدركت النفس البشرية الفارق بين ما يتكشف كا لو أنه حقيقي + قوي وغني
وذي معنى ؛ وبين ما هو مجرد عن هذه الخصائص ؛ أي المد العمائي والخطير
الأصول + 1834 ص 7] . وباختصار » فإن «والمقدس» هو عنصر في بنية
» وليس مرحلة في تاريخ هذا الشعور . وعلى المستويات الأكثر قدماً من
العيش بصفة كائن بشري هو في ذاته عمل ديني ؛ لأن التغذية +
والحياة الجنسية والعمل لها جميعها قيمة مرتبطة بالأسرار . وبعبارة أخرى » ان
تكون - أو بالأحرى, أن تصبح - انسانا يعني أن تكون ممتديثا» .
تاريخ الأديان (1444) حتى الكتاب الصغير المكرس لديانات الاستراليين
(1477) . والكتاب الحاضر قد بني واقيم على منظور مختلف . فمن اجهة +
حللت فيه مظاهر المقدس في نظام تسلسل تاريخي (ولكن يقتضي عدم الخلط بين
«عصر»ه المفهوم الديني مع تاريخ أول وثيقة تثبته) + ومن جهة أخرى وفي المعيار
الفترات الخلاقة لمختلف التقاليد وباختصار لقدحاولت أن أوضح الاسهامات
الرئيسية في تاريخ الأفكار والمعتقدات الدينية .
كل مظهر للمقدس هام بالنسبة لمؤرخ الأديان ؛ ولكن ليس أقل وضوحا
من ذلك » أن بنية الاله انو عه » على سبيل المثال ؛ أو نسب الآلحة والنشكونية
المنقولة في الاينوماإيلتش . أو ملحمة جلجامش » تكشف الابداعية والأصولية
الدينية لشعوب ميزوبوتاميا (ما بين النهرين) ولحسن الحظ أكثر من الطقوسص
أحيانا أهمية الابداع الديني بتقييماته الما
حول أسرار ايلوزيس وحول الاورفية الاكثر قدما ١ مع ذلك فان التخيل الذي
فرضته على النخبة الاوروبية منذ أكثر من عشرين قرناً يشكل واقعا دينيا ذي دلالة
عليا لم نتحقق من نتائجها بعد . وبالتأكيد . ان التلقين المساري الايلوزي
والطقوس الاورفية السرية ؛ الممجدة من قبل بعض المؤلفين المتأخرين ؛ تعكس
الفهوم للاسرار وللاروفية هو الذي اثر فعلا على هرمسية القرون الوسطى +
والنبضة الايطالية والتقاليد «المتسترة» للقرن الثامن عشر وللرومانسية + وان
ويمكن مناقشة صحة المعيار المختار لتاطير المساهمات الكبرى في تاريخ
الأفكار الدينية . ومع ذلك ؛ فان تطور العديد من الديانات يؤكده » لأنه بفضل
أزمات في الأساس وابداعات ناججة عنها توصلت التقاليد الدينية
نفسها . ويكفي تذكر حالة الهند » حيث أن التوتر واليأس المتفجران بانخفاض
القيمة الدينية للاضحية البراهمانية آثارا سلسلة من الابداعات المتألقة
(الاوباينشاد ؛ صيا: البوغا ؛ رسالة غوتا ما بوذا » الورع الصوفي +
لقد تأملت خلال سنوات في وضع مؤلف قصير ومفهوم » يمكن قراءته في
عدة أيام . غير أن تواصل القراءة يكشف بامتياز الوحدة الاساسية للمظاهر الدينية
الكتاب سيوضع بحضرة الاناشيد الفيدية للبراهمانين والاوبانيشاد » وخلال
ساعات بعد أن يكون قد ألقى نظرة على الأفكار والمعتقدات لأناس العصور
الحجرية الأولى » ولشعوب ما بين الرافدين ومصر ء سيكتشف ستقارا +
ية وميلاريبا ؛ والاسلام » وجواشيم دي فلور أو باراسيلز » وبعدان يتأمل
بزوغ زارادشت » وغوتامابوذا والتاوية ؛ وحول الاسرار الحيللنسية وانطلاقة
السيحية والغنوصية + والكيمياء أو ميثولوجيا الغرال » سيلتقي بالمتنورين
وبعد قيل من الوقت يكتشف كيت رالكوتل وفيراكوشا ؛ والاثني عشر الفارز
وغريغوار بالاماس ؛ والقبالين الأول » وابن سينا وعزاي .
ويا للعجب ! إن هذا الكتاب القصير والمفهوم لم يكتب بعد وفي هذه
الوهلة أقنعت نفسي بتقديم كتاب بثلاثة أجزاء ؛ وبأمل اختصاره حسب الظروف
بكتاب واحد بحوالي 408 صفحة ؛ وقد اخترت هذه العبارة التوة
فمن جهة , لقد بدا لي مناسبا ذكر عدد من النصوص المامة وغير
المعروفة مما فيه الكفاية » ومن جهة أخرى أردت أن أضع بتصرف الدارس المراجع
النقدية الجاهزة الى حد ما . وعليه اختصرت الملاحظات والحواشي الى أدنى حد
في أسفل الصفحات » وجمعت في القسم الأخير من كل جزء المراجع والتعليق
على بعض المظاهر التي وردت أو أشير اليها باختصار زائد . وبهذه الطريقة +
يمكن قراءة الكتاب بشكل متصل » متجنباً التوقف حيال مناقشة المصادر وعرض
المسائل . ١ هذا الكتاب (تاريخ المعتقدات والأفكار الدينية) تطلبت أداة
نقدية معقدة ؛ وبالنتيجة ؛ قسمت الفصول الى فقرات © مزودة برقم وعنوان
صغير . ويستطيع الدارس الرجوع اذا رغب الى المراجع المذكورة في القسم
الاخير من كل جزء . لقد حاولت وضع » الجوهري من المراجع ؛ تحت كل
عنوان صغير دون أن عني الأعمال التي لا أشارا في توجهها المبدثي . وما
عدا بعض الاستثناءات النادرة » لم أذكر المؤلفات ١
السكندينافية أو السلافية أو البلقانية . ولكي تسهل القراء
الاسماء والمصطلحات الشرعية .
وباستناء بعض الفصول ؛ فان هذا الكتاب يستجمع دروس تاريخ الآديان
التي أعطيتها » منذ 1477 الى 1478 في جامعة بوخارست » وفي مدرسة
أنفسهم لمتابعة النجاحات المحرزة في النطاقات المجاورة ولا يترددون عن تغذية
الدارسين حول ختلف المسائل المطروحة من قبل نظامهم وأمل + في الواقع » ان
بعض المؤالفة مع التاريخ الشامل ؛ وبال ن
أ؛ لا يسني العالم من الالتزام بإقامة بحوثه في منظور
ة » عابئة » واجمالا » قاحلة . أنه يتعلق ببساطة بعدم الغفلة عن
لتاريخ النفس البشريا
ان الشعور بهذه الوحدة للتاريخ الروحي للبشرية هو اكتشاف حديث » وما
زال غير متمثل بما فيه الكفاية . وسنتحقق من أهميته بة لمستقبل نظامنا في
الفصل الأخير من الجزء الثالث . وفي هذا الفصل الأخير » نناقش الأزمات المثارة
سالاد
من قبل الاناسة / الانتروبولوجيا/ وتاريخ الأديان » والفينومينولوجيا » والتأويلية
+ التي لن تحسب الابداع الديني والوحيد وان لما المام للعالم الغربي
. انه يتعلق بمرحلة كلية لالغاء صفة القداسة . وان العملية تقدم فائدة
ملحوظة بالنسبة لمؤرخ الاديان : انها توضح + في الواقع » التغطية الكاملة
«للمقدس» وبدقة أكثر تطابقه مع «المدنس» ..
انني خلال خمسين سنة من العمل ؛ تلقيت الكثير من معلمي » وزملائي
وطلابي ولكل هؤلاء » أموات واحياء احفظ أسمى اعتراف بالاخلاص .
بيدور بايو الذين تحملوا مشقة مراجعة النص ذا الجزء الأول . ككل كتاباتي
ومودة » وتفاني زوجتي . ومع السرور والتقدير » أسجل اسمها على أول صفحة
من ما سيكون على الأرجح آخر مساهمة مني في نظام عزيز علينا .