الفصل
الجزء الثانى : حرب البترول الثالثة
الأول : نقطة اللاعودة
الثانى : على طريق اللاعودة !
الثالث : الأزمة عند الذروة
الرابع : ساعات فاصلة
الخامس : القطار الأمرييكى يتحرك
السادس : ضباب حول القمة
: دبلوماسية الإشارات ؟
ن : الأبواب المغلفة !
: خطة الحرب
: الدقيقة الأخيره
: عاصفة ال
: ما بعد الع
مقدمة
لم يكن كل شىء هادنا فى الخليج قبل منتصف ليلة ١ أغسطس 0٠ - حين
تحركت القوات العراقية إلى داخل حدود الكويت ؛ وفرغت من احتلالها قبل الفجر +
ولعلها لم تكن قد حسبت له حسايا أو توقعته !
كان السلام الظاهر على شواطىء المنطقة وهما ٠ والعمران المتزاحم على بعض
البقع من هذه الشواطىء سرابا ؛ والنشاط البادى داخل هذه البقع من العمران - وعلى
أطرافها - قلقا وخوفا أكثر منه طمأنينة وأملا +
يملكه ؛ ومطالب به يدعيه ؛ ومستفيد منه يعرف قيمته . ثم يجد الثلاثة معا - كل
لأغراضه - أن التظاهر أدعى لتحقيق الرجاء :
فصاحب الكنز يتظاهر بالأمان حتى لا يتجرأ عليه غيره إذا استشعر خوفه ٠
والمطالب بالكنز يتظاهر بالأناة والصبر يدارى بهما العجلة واللهفة -
والمستفيد من الكنز يتظاهر بأنه يعطى أكثر مما يأخذ ؛ ويحمى الكنز من
الطامعين فيه ؛ وهم محيطون به من كل ناحية -
وهكذا فإن الأجواء حول الجميع مشحونة بالتوتر ؛ مزدحمة بالشك ؛ معرضة.
طول الوقت للمفاجآت - رغم ما يتظاهر به الجميع مع اختلاف أسبايهم +
وواقع الحال أن الخليج تحول منذ حقب ممتدة ؛ بامتداد عصر النفط ٠ إلى منطقة
براكين مكتومة لا يوحى ظاهرها بما هو محبوس فى باظنها ٠ وتلك صورة تستعيد
أساطير قديمة تحكيها قصص ألف ليلة وليلة ٠ وتزعم أنها جرت فى يوم من الأيام ؛ فى
سالف العصر والأوان ؛ على سواحل الخليج ذاتها -
كل قمقم منها مختوم على مارد من نار ؛ وما أن
ينكسر الختم عن القمقم حتى يندفع خارجا منه عفريت من الجن يسد فضاء الأفق هولا
- وعلى عهدة الأساطير أيضا - فإن مردة الجن يتحولوّن إلى خير وبركة
وقصور من ذهب - إذا صادفوا من يعرف فضلة من علم النبى سليمان الذى دانت
وخضعت له مردة الجن !
وصباح يوم ؟ أغسطس ١١١ كان قمقم الكويت قد انكسر ختمه على غير معرفة
بسر طلسمه ؛ وانطلق المارد من محبسه دون فرصة حقيقية لتطويعه أو للسيطرة
عليه - ومن يومها إلى الآن ؛ والخليج سيول حمم ملتهبة ٠ وشلالات دم مهدور
وأكوام أشلاء آدمية ممزقة ومطحونة !
وأمام هذا الهول الشبيه بمشاهد يوم القيامة - وقف ؛ زبجنيو برجينسكى +
مستشار الأمن القومى للرئيس الأمريكى الأسبق ؛ جيمى كارتر ؛ - يقول ؛ وفى قوله
نبرة احتجاا
إن أزمة. الخليج أصبحت عاطفية بأكثر من اللازم ؛ وشخصية بأكثر من
اللازم ٠ وعسكرية بأكثر من اللازم ١ +
يتنبه له بالقدر الكافى ٠ ربما لآنه وقف ليقول كلمته وسط الجو المرعب الذى كان مارد
الجن فيه يزعق خارجا من قمقمه .
لم يتنبه ؛ برجينسكى ؛ لحظتها إلى أن العوامل التى أدت إلى التصعيد العاطفى
والشخصى والعسكرى كانت موجودة وقائمة على المستوى الدولى ؛ وعلى المستوى
الإقليمى ؛ وعلى المستوى الإنسانى - من قبل صيف 1440 2
ولذلك فإن التصعيد أصبح موحيا بنفسه ... دوامة عنف تواصل دورانها !
على المستوى الدولى - قبل صيف 1١50 - كانت الامبراطورية الأمريكية
الثانية ٠ وحاولت تأكيد سيادتها فيه كقوة أعظم لا ينازعها طرف آخر مهما كانت
كان الوعد الذى قطعه الرئيس ؛ جون كنيدى ؛ فى اليوم الأول من رئاسته ٠١
يناير ١١7١ قد تحقق كاملا ٠ ذلك أن ؛ كنيدى ؛ فى هذا الخطاب الذى ألقاه تحت الثلج
والمطر على شرفة الكونجرس - وعد بأن يجعل الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على
صد انتشار الشيوعية ٠ وعلى أن تجعل التجربة الأمريكية هاديا لشعوب العالم +
لا منافس له أو بديلا ومع انهيار الامبراطورية السوفيتية فى ٠444 . لاح أن وعد
بأسرها راحت تتهاوى مثل بناء تآكل أساسه وتضعضعت قوائمه + فنعا جات اللحفظة.
الحرجة تسارع تساقط الطوابق فىّ طرفة عين ٠ وإذا البقية أنقاض وأكوام حجر !
كان الرؤساء الأمريكيون ؛ قبل ؛ كنيدى © قد ترددوا وتعثروا فى اختيار
الأسلوب الأمثل الذى تستطيع به الرأسمالية الأمريكية أن تنافس وتقهر الشيوعية
واتجه ؛ ترومان ؛ ( ١١5١ - 1١45 ) إلى المواجهة العسكرية + فوقعت
الحروب المحلية فى البلقان ؛ وفى إيران ؛ وفى كوريا ( وكان التورط فى كوريا هو
الذى قاد فيما بعد إلى فيتنام ) +
وكان ؛ ماكنمارا ؛ وزير الدفاع فى عهد ؛ كنيدى ؛ - هو أصرح من عبر عن
سياسة > كنيدى ؛ فى محاضرة أمام أساتذة كلية الدفاع الوطنى فى واشنطن ( ٠6
سبشبر ١456 ) - بقوله :
- ءلينا أن نرغم الاتحاد السوفيتى على تغيير آولوياته ٠
ب تفى فيه التمايز الطبقى +
ولتحقيق هذه الأهداف فإن الاتحاد السوفيتى مطالب بأن يضع التنمية كأولوية
أولى قبل /7: . وعلينا أن نرغمه على أن يرفع أولوية الأمن ويضعها قبل التنمية +
وعلينا أن نشده إلى سباق سلاح يقطع أنفاسه ويرهق موارده ويتركه فى النهاية ترسانة
بدون _اغبف خبز أو قطعة لحم ؛ وكذلك فإن غلبة الأمن على الأولويات
.م - :كس من الخارج إلى الداخل ٠ فيزيد تركيز السلطة فى يد المسئولين.
وتدقق لنولابات المتحدة ما أرادت +
من المساواة
والمزاج الأمريكى تبدى عصبيًا بما تحمل من أعباء وتبعات +
عن أن فئرة الصراع المرير أتاحت لآخرين فى أوروبا الغربية والشرق الأقصى :1
بريجنيف + و نكها ٠ جورباتشوف ؛؛ وهدها ؛ يلتسين ؛
ومع ذلك فان الفرحة لم تكن كاملة بسبب الإرهاق الناشىء عن الاستنزاف +
الولايات المتحدة أن تعثر لنفسها على عدو جديد تستطيع أمام خطره الحقيقى أو
الموهوم أن تواصل تعبئة شعبها وقواتها المسلحة استعدادا للمتوقع أو المجهول . وفى
كل الأحوال فإنها فى حاجة لأن تثبت لنفسها ولآخرين أن السيادة الأمريكية على العالم
مقادير يصعب ردها أو دفعها !
ومن ناحية أخرى . فإن العثور على هذا الخطر الحقيقى أو الموهوم كان حريا
بأن يصبح ذريعة ممكنة ومقبولة لجعل الكونجرس الأمريكى يوافق على تخصيص
الاعتمادات اللازمة للحفاظ على مُستوى القوة الأمريكية بعد تراجع الخطر السوفيتى +
حتى وإن اتجه هذا الاستعداد نحو أنواع أخرى من الحرب غير تلك التى كانت مجهزة
من قبل لملاقاة حلف وارسو وقيادته السوفيتية ٠
ومن ناحية ثالثة ؛ فلقد كان يقال دواما فى التاريخ إن كل زعيم يحتاج إلى ؛ حربه
أى زعيم آخر فى أمريكا أو خارجها ؛ يأمل - على الأقل لا يمائع لأن الحروب يصعب
العراق إلى وضع نفسه موضع الخطر المطلوب ؛ والعدو الذى يجرى البحث عنه +
والحرب التى يمكن الباسها رداء العدل ويتحقق فيها النصر بأقل التكاليف !
وعلى المستوى الإقليمى كانت منطقة الشرق الأوسط بما فيها العالم العربى فى
مرحلة فوضى شديدة .
كان العالم العربى فى عزلة عن دنياه المتغيرة بسرعة ؛ وكان فى حالة خصام
مع قيم عصر وكان مشتبكا مع نفسه فى حروب أهلية لا يكاد ينجو منها بلد ٠ وكانت
ودم ؛ بل إن أوطانا عربية مضت تغيب بسرعة فى ظلام النسيان ٠ ثم إن هذا العالم
العربى كان على خلاف مع الجيران حوله فى الإقليمٌ ٠ وقد وصلت بعض هذه الخلافات
إلى حد الحرب المسلحة .
وكان الصراع العربى الإسرائيلى مازال دائرا ٠ تستحضره بالدرجة الأولى
انتفاضة الشعب الفلسطينى التى مست وجدان الأمة وحركت كوامن غضبها بصرف
عن ذلك . وبدا مع ازدياد معدلات هجرة اليهود السوفيت إلى اسرائيل أن المخاطر تتفاقم
دون رادع حقيقى يستطيع حصرها فضلا عن استطاعة ردها .
وكانت المشكلة الحقيقية أن قلب العالم العربى وعقله وامكانياته وقدرته على
إدارة الصراع باتت جميعا موزعة وممزقة . فلقد تداخلت أربع مراحل من عملية تطور*
© كانت هناك مرحلة البحث عن شرعية واحدة لأمة واحدة . فقد كانت آخر
شرعية واحدة معترف بها هي شرعية الخلافة العثمانية . وبانهيار الامبراطورية.
العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وجدت شعوب الأمة العربية نفسها دون أرضية
واحدة وبغير سقف مشترك .
ولقد جرت محاولات لإحياء الخلافة الاسلامية مرة أخرى فى إطار عربى + ٠ لكن
أسر حاكمة : آل سعود فى الرياض ؛ والهاشميون فى بغداد ؛ وأسرة ؛ محمد على »
فى القاهرة - ووصلت ١ إلى الطريق المسدود +
© ثم كانت المرحلة الثانية هى المرحلة الوطنية التى حاول فيها كل شعب من
شعوب لذ ان رصاع تاه للم ران وفاش 5لا الود 1
لكن هذه المرحلة وصلت بالكل إلى اقتناع بأن الأجزاء المتفرقة لا تستطيع أن تكون
بديلا عن شكل من أشكال وحدة الأمة عملا ومصيرا . وانتهت هذه المرحلة بإنشاء
وتتصادم أيضا - نزعات وتوجهات تختلف أسيلها باختلاف المصالح والرؤى ٠
ومراحل النمو والتطور ٠
ومرة ثانية وصلت الأمة العربية إلى نفس الطريق المسدود +
© ثم كانت المرحلة الثالثة هى مرحلة الثورة الاجتماعية التى تفجرت فى مصر
بعد حرب السويس وفى ظروفها . ولسنوات على الجسر ما بين الخمسينات والستينات
بدا أن الثورة الاجتماعية هى تيار المستقبل الذى يستطيع أن يشد اليه جماهير الأمة .
إن الأمراء غابوا ؛ بيد أن الجماهير حاضرة ؛ وقد تستطيع الجماهير تحقيق وحدة الأمة
تحت رايات الحق الاجتماعى ؛ ومن ثم تنجح فى صنع مستقبل يفتح الأبواب ويحل
لكن تلك بالضبط كانت المرحلة التى فاضت فيها ينابيع البترول وتدفقت عوائده ٠
ه الينابيع وعوائدها تحت تصرف عناصر أخرى فى الأمة . وتصادمت الثورة
أخرى وجدت الأمة نفسها أمام الطريق المسدود +
© وجاءت المرحلة الرابعة مع ظرف لم تتمكن فيه الأمة من المحافظة على
مجرد وحدتها الشكلية ؛ فقد اختارت مصر لأسبابها أن تعقد صلحا منفردا مع إسرائيل +
وبتوقيع معاهدة كامب دافيد كانت مصر فى جانب ؛ بينما وقفت معظم شعوب الأمة
فى جانب آخر . وبهذا التباعد فى المسافات داخل العالم العربى نشأ فراغ لم يكن هناك
سبيل لتعويضه . ولما كان الفراغ معاديا للطبيعة بالضرورة فإن محاولات متنوعة جرت
لملئه . وانتهى الأمر الى ظهور ثلاثة تجمعات إقليمية : مجلس التعاون الخليجى الذى
ركز دوره على حماية الأمر الواقع فى الخليج ؛ ومجلس الؤحدة المغاربية الذى بدا
مهموما بأورويا على الشاطىء الاخر من البحر الأبيض ؛ ثم مجلس التعاون العربى
الذى خيل له أنه يمثل طموح الأمة ؛ بينما الواقع أنه لم يمثل غير طموحات فردية لم
تلبث أن اختلفت فيما بينها وتنازعت -
ولم تستطع هذه المجالس أن تستوعب أملا أو عملا ؛ وحتي من ناحية الشكل
فإن نصف الأمة جرى حصره فى دوائرها المغلقة ٠ بينما نصفها الآخر شرد فى التيه
وان ظل باقيا - بالعدد - داخل جدران الجامعة العربية ؛
ومرة رابعة وجدت الأمة نفسها أمام الطريق المسدود ؛ ولم يعد طريقا واحدا
هو الذى انسد وإنما أصبحت الطرق كلها مسدودة
كان العالم الخارجى فى حالة ترقب وانتظار ؛ وتحول وتفير +
وكان الشرق الأوسط ٠ والعالم العربى فى قلبه ؛ فى حالة إحباط وفوضى ٠
وفى تلك الفترة الحافلة والحرجة ؛ سواء بالنسبة لأحوال العالم أو أحوال
العرب - كانت أهمية المنطقة تزداد مع ازدياد حاجة"التقدم ؛ والمنافسة على بترولها
المحبوس تحت شواطئها منذ ذلك الزمان الأسطورى البعيد +
كان البترول هو نفسه مارد الجن الذى يستطيع أن يخلع القلوب بالرعب + أو
يبنى قصور الذهب - يتوقف الأمر على مقدرة التطويع ٠
وكان الكل يريد ؛ والكل يتمنى ؛ والكل يتحرق بالرغبة واللهفة +
وفى هذا انمناخ وقع الغزو العراقى للكويت ؛ وانكسر الختم عن قمقم مسحور
دون معرفة بسر طلسمه . وانطلق المارد من محبسه يسد فضاء الأفق هولا وشرا
ولم يكن غريبا أو مستغربا بعد ذلك أن تصبح أزمة الخليج - على حد تعبير
٠ برجينسكى ؛ -؛ عاطفية بأكثر من اللازم ؛ شخصية بأكثر من اللازم ؛ عسكرية بأكثر
وتجىء مقدمات القرن الواحد والعشرين ؛ الألف الثالث من التاريخ الميلادى +
بقى فى هذه المقدمة أن أقول إن محاولتى فى هذا الكتاب هى استيحاء لعبارة
؛ برجينسكى ؛ ومحاولة للاستجابة فى نفس الوقت للنداء الكامن فيها :
: محاولة لنزع ما هو أكثر من اللازم ؛ عاطفيا ؛ و؛ شخصيا ؛ عسكريا ٠ عن
الأزمة - عسى أن يتبقى منها فقط ما هو لازم لفهمها . لعل الأمة عن طريق الفهم
تستطيع فتح الطرق المسدودة أو فتح بعضها ؛ أو لعلها تستطيع تجاوز المغلق
ولقد استأذن فى إضافة عدد من الملاحظات ؛
١ - إن كتابا عن ؛ الحرب فى الخليج ؛ لم يكن من الأصل ضمن خطة عملى أو
جدول أولوياتى ؛ ففى يونيو من سنة 1440 كنت قد فرغت من كتاب ؛ الانفجار ؛ -
ضمن مجموعة حرب الثلاثين سنة - وأعددته للنشر . وتم نشره فعلا . وكان تقديري
أكتوبر 3477
و أبتى فى الفاصل الزمنى بين كتاب ظهر وكتاب ينتظر - أستطيع أن أعطى
بعض الوقت والجهد للأحداث الجارية ؛ وخطر ببالى أن زيارة لأوروبا الشرقية - بعد
زيارة سبقتها للاتحاد السوفيتى رصدت فيها وسجلت لمحات من ظاهرة الزلزال
السوفيتى - قد تكون مناسبة وملائمة . وهكذا رحت أرتب لرحلة تبدأ من وسط أورويا
وتنتهى فى روما بوصفها عاصمة للفاتيكان عن اعتقاد بأن الكنيسة الكاثوليكية قامت
بدور رئيسى فى ثورة أوروبا الشرقية +
ٍ وفى 3 أغسطس فرقعت أزمة الخليج ؛ وترددت فى مشروعى لاستطلاع أحوال