تصدير
التراث : من الأصالة إلى الاختراع !1
5 عاصم الدسوقى!)
لعل المحافظة على التقاليد وصيانتها من العيث تعد إحدى المشكلات التي
تنش بين الأجيال على تعاقبهاء فكل جيل نشأ وسط تقاليد معيتة وتربى عليه ا
وشكلت أبعاد شخصيته لا يتمسك بها فقط أو بحافظ عليهاء بل يعمل على نقلها
إلى الجيل التالي الذي يتربى في أحضانه عبر وسائط إذا ما حاول أحد
الخروج عن دائرة تلك التقاليد يفعل ظروف موضوعية معينة؛ فإنله يستهم
بالمروق والعصيان والكفر بتراث الآباء والأجداد على اعتبار أنه " لا خير فيمن
يخرج على سنة السلف الصالح".
وبهذا المعنى أصبحت التقاليد تمثل قيدا حديديا على حرية الإبداع والتصرف
حسب مقتضى الحال؛ ومن ثم ينشأ الصراع بين حفظة التقالد بدعوى أنهم
يصونون التراث؛ وبين المجددين بدعوى أنهم يبدعون كيفما شاءوا ؛ وهو ذلك
الصراع الذي أخذ عنوان "الأصالة والمعاصرة". وتزداد المعركة ضراوة إذا
كانت التقاليد ترتبط بالثقافة الدينية حيث تصبح الأصالة عنوانا للإيمان. وتصبع
المعاصرة عنوانا للمروق-
على أن النقطة الغائبة في هذا الجدل المحتدم تيدو في عدم إدراك حقيقة
تاريخية وموضوعية ألا وهي أن التقاليد -كائنة ما كانت- هى أمور من صنع
البشر تم التوصل إليها من خلال علاقة الإنسان بالطبيعة وعلاقته بغيره في
خ الحديث بكلية الأداب جامعة حلوان» وهو متخصص في تاريخ مصر
ادي-الأجتماعي: وله عدة دراسات في هذا الباب أبرزها ؛ كبار ملاك الآراء
دورهم في المجتمع المصري ١187-1944 ( دار الثقافة الجديدة + اله
مصر في الحرب العالمية الثانية 1445-1575 ( معهد البحوث والدرا.
+ القاهرة )٠575 ؛ مجتمع علماء الأزهر في مص ١431-1846 (دار الثقاقة
بيدة ؛ القاهرة 1540) ؛ نحو فهم تاريخ مصر الاقتصادي الاجتماعي (دار الككاب
الجامعي ؛ القاهرة 1447) ؛ في تاريخ مصر الاقتصادي-الاجتماعي (مؤسسة أبن خلدون
للطباعة والنشر © القاهرة 5444)-
المكان الذي يعيش فيه؛ حيث تبلورت تلك العلاقات في مجمل سلوك الإنسان
وتصرفاته وأفكاره مما يعرف بالثقافة 00[008©8. ومن هنا كان التراث وثيق
ويدخل ضمن إطار ثقافة الإنسان البيئية-المكانية هذه ما قد يصل إليه من
شعوب أخرئ منْ خلال التنقل والهجرة ؛ إذ يحمل المهاجر من مكان إلى آأخر
تقاليده التي توصل إليها ؛ ومع طول الإقامة والاستقرار في بلد المهجر يؤثر
ٍ ِ .. ينقل للآخرين .. وينقل عنهم ؛ وتتدمج الثقاة
القائمة مع الثفافة الوافدة تدريجيا وتصبح جميعها عنوانا لثقافة المكان وهكذاء
ويلعب الغزو المتبادل بين الشعوب والاستيطان دورا أساسيا في خلط الثقافات
بعضها ببعض أو سيادة ثقافة على أخرى. ويبدو هذا واضحاً في المناطق
الهامشية والحدودية 109705 [01378702؛ حيث تتجاور شعوب من ثقافات
مختلفة بحيث أن ثقافة أهل تلك المناطق الحدودية في بلد ما تختلف عن ثقافة
أهل داخليتها. ولتقريب الفكرة على سبيل المثال نجد أن ثقافة أهل المدن
الساحلية في مصر : دمياط ورشيد والإسكندرية وبورسعيد والسويس ؛ تختلف
عن ثقافة المدن الداخلية ؛ وثقافة أهل البادية على مشارف الصحراء تختلف عن
ثقافة الفلاحين المزارعين.
ومن هنا فليس من باب المصادفة أن كلمة تقاليد في اللغة الإنجليزية
5 مشتقة من الأصل اللاتيني لكلمة 808 وتعني النقل ؛ ومن هنا
نجد أن تجارة في اللغة الإنجليزية هي 1808 أي نقل شىء من مكان إلى
آخر من مصنوعات أو مواد خام ... إلخ.
وإذا تصورنا جدلا. -وهو تصور غير بعيد- أن التجمعات البشرية الأولى
عليه؛ وإنما صنعت تقاليدها بنفسها من واقع تحديات الظروف والعلاقات
تحمله من معاني القيم والعادات أمر متغير وغير ثابت أو دائم؛ وبالتالي فإن هذه
المجتمعات الأولى لم تعرف التناقض مع ثقافة الغير أو مع تراث سابق عليهاء
وبالتالي لم تعرف جدل الصراع بين الأصالة والمعاصرة.
والحال كذلك فإن كل جيل يصنع ثقافته التي تعكس أحواله ومجمل علاقاته.
وبالتالي ليس على الجيل اللاحق أن يتمسك بها. وهنا نجد أن مقولة الزمن
الجميل -التى يصف بها كل جيل زمانه- أمر نسبي تماما. فمن الطبيعي أن كل
جيل يعتبر زمانه هو الأجمل؛ وأن ما عداه عبارة عن انهيار وتدهور في
منظومة القيم الأصيلة الرفيعة التي يتحلى بهاء
وتبدو إشكالية الصراع حول الثقافة واضحة تماما في البلاد التي خضعت
للغزو والاستعمار؛ ذلك أن أحد وسائل القوة الغازية للبقاء والاستيطان العمل
على تغيير نمط الحياة الثقافية للشعوب المغزوة أو المحتلة حتى ينسوا واقعهم
الثقافي ويستبدلونه بثقافة المحتل فلا يشعرون من ثم بضياع هويتهم؛ ويزول
حاجز الشعور بالاغتراب يوما بعد يوم حتى تندمج الشعوب المقهورة في ثقافة
ويحفل تاريخ الغزو والاستعمار بالجهود التي بذلتها القوة الغازية لتحقيق
التالي للحملة العسكرية أرسل إلى خليفته كليبير يطلب منه إيفاد نحو خمسمائة
من صفوة المجتمع المصري من العلماء وشيوخ الطوائف إلى باريس لكي
يتعرفوا على حضارة فرنسا ومدنيتها خلال عامين يعودون بعدها وهم يحملون
ونراه يرسل فرقة مسرحية إلى القاهرة لأهمية المسرح بالنسبة لجنود الحملة
ولتكون في الوقت نفسه وسيلة تثاقف للمصريين ؛ إذ كان يسعى لجمل مصر
مستوطنة فرنسية لكن الظروف لم تمهله. ثم ساعدت الظروف فرنسا لكي تغير
من نمط الحياة الثقافية في البلاد التي احتلتها بعد ذلك. ولنا في الجزائر وتوتس
البعثات التعليمية من المستعمرات إلى تلك البلاد باستكمال مهمة تغيير نمط
الثقافة في مواجهة التراث.
وفي هذا المنعطف من الغزو والعمل على التغيير الثقافي تتبلور أزمة
التمسك بالتراث واستحضار الموروث. وقد وصف المؤرخ الإنجليزي أرنولد
هذه الحالة بعملية التحدي والاستجابة ؛ إذ قال إن الشعوب التي تتعرض
للتحديات الخارجية تتقسم بين اتجاهين يرى التحصن في صدفية
الموروث الثقافي حماية للذات ومن ثم ما يعرف بالسلفية ؛ واتجاء يرى التكيسف
مع الوافد بالتثاقف معه. ولكن كل من الاستجابتين يعثبر قفزا على الحاضر +
لأن الاتجاه الأول يهرب بأصحابه إلى الماضي ويرى فيه المخرج ؛ والثاني
يقفز بهم إلى ثقاقة مجتمع آخر خوفا من خطر الفتاء أو التهميش-
ومن الملاحظ أن القوة الغازية تعتمد اعتمادا كليا على العناصر التي اقنتعت
بمنهج التكيف والتثاقف معها وهم فى الغالب صفوة أصحاب المصتالع
ونجحت في تحويلهم إلى صور متشابهة في كافة مظاهر السلوك التقافي في
المأكل والملبس والمشرب ؛ وفي قضاء وقت الفراغ والترفيه ؛ وفي ممارسة
مختلف الألعاب الرياضية. وعلى سبيل المثال ففي مصر في زمن الاحتلال
البربطاني وجدنا المثقفين (الأفندية) يستبدلون بالجلباب البدلة ولوازمها » وتأخذ
الزوجة اسم عائلة زوجها شأن المرأة في الغرب فيقال : هدى شعراوي نسبة
ويختلف أبتاء الصفوة إلى نادي الجزيرة الذي أنتشىء خصيصا للإنجليز عام
حث 0 كل اليتثتبترات. بل إن طقوس العرش الملكي قي مصر ورمصوزه
0 > إعلان الملكية تمت 7 الزن ريت اللاي
الي تجرها الجيد شان إنجتراه رغم أنه عدا لنت الملكية في مصصر كقات
بحروف التاج ؛ أي وضع تاج على الحروف التي يتكون منها اسم الملك تمييزا
الأحمر أصبح حكرا على عربات الخاصة الملكية لا يجوز لفرد مسن الشعب
وهذا يعني في التحليل الأخير اختراع ثقافة جديدة مستزرعة في الأساء
بمرور الزمن إلى قيم ثقافية تدعي لنفسها العراقة وتفرض احترامها والمحافظة عليهاء
بالموروث في مواجهة تقليد الغرب ومحاكاته. وحيث أن الصفوة هي التي نتثاقفا مع
المستعمر؛ فقد أصبح التراث عنوانا لكل ما هو شعبي فولكلورى-
عليها أو عدم الخروج عليها ما هي إلا ثقافة مخترعة أو مستحدثة أو مبتدعة أو
تكون ثابتة ؛ فهل يجوز التمسك بالثايت في مواجهة المتغير ؟. هنا تأتي إشكالية
أخرى في سيطرة التقاليد والعادات ألا وهي سلطة القدم .. إذ أن الرأي القديم أو
المنتشر أو الشائع بين الناس يمثل سطوة على سلوك الناس وتفكيرهم بحيث لا
يجرؤ أحد على الخروج عليه وإلا اعتبر متمردا آبقا.
رأينا- بل قد يعمد بعض الأفراد الذين لا تاريخ لهم يي يستحق الذكر إلى اختلاق
يتناسب مع ما حققته من عظمة وتفوق ؛ من ذلك أن الدولة العثمانية -وهفسي
منسوية إلى شخص يدعى عثمان ب بن أرطغرل- في أصلها قبيلة من قبائل وسط
آسيا تعيش على التتقل والترحال من مكان لآخر وراء مصادر الحيأة ساعدتها
الظروف على تكوين دولة في منتصف القرن الخامس عشر يفعل قوة الغزو +
آسيا وإفريقيا من حيث اختلاق ثقافة جديدة مشتقة من ثقافتها الأور؛
جزئي ء ونعني به عملية التوحيد الثقافي بين الغاصب العالب والخاضع المغلوب
لصالح الغاصب؛ وذلك قبل أن تصبح العولمة 10001122000 منهجا أمريكيا
منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين. ومما يثير الدهشة أن الدولة الاستعمارية
لقلت إلى مستعمراتها تقاليد الصراع السياسي من خلال إنشاء أحزاب سياسية
تتبلور حول مصالح معينة؛ فلم تنجح هذه الأحزاب في المستعمرات حتى بعد
استقلالها وما تزال يسبب اختلاف الأصول بين غنا وهناك. وأكثر من هذا أن
استعمار بريطانيا للهند الذي امتد أكثر من أربعة قرون قد جعل القوى الوطنية
-التي حققت الاستقلال- تأت أثر بالنظام الملكي البريطاني في صياغة نظامها
الجمهوري من حيث سلطات رئيس الجمهورية؛ باستثناء له مغزاء؛ وهو أن
رئيس الجمهورية في الهند لا يملك ولا يحكم لأن السلطة في يد رئيس ال-وزراء
على حين أن ملك إنجاترا يملك ولا يحكم !!-
كانت قد بدأت في بلاد أوربا ذاتها مع قيام الدولة
الحديثة ©5181 على أنقاض الإقطاعيات 8802165 في منتصف القرن الخامس
عشر؛ حيث استهدفت الدولة الجديدة فرض نموذج ثقافة القوة الإقطاعية
بيدموتت بالنسبة لولايات شبه الجزيرة الإيطالية.
إذا كان التراث والحال كذلك ثلاثي الأبعاد بين موروث ومنقول ومخترع
قهل يجوز أن يكون مقدسا ؟!.. فإذا كان مقدسا في عرف البعض فأي بعد في
تلك الثلاثية يمثل القداسة المنشودة ؟.. هل الأقدم زمتا ؟.. إذا كانت الأقدمية هي
الأساس فلماذا لا نستعيد ثقافة الأجداد البدائية !!. وإذا كان المقصود بتر
المقدس الثقاقة المستمدة من التدين ؛ قلماذا
التراث أمر مخترع بكل طقوسه ورموزه ؛ ونعترف بأن كل جيل صنع تراثه
حرج من أن يخرج جيل على تراث الجيل السابق عليه ؛ ولا ضرر من عدم
الحضارات عام ١544 حين قال "إئنا نتمسك بثقافة زالت حضارتها".
وبعد
-وصدرت الطبعة التي ترجمنا عنها عام -١44* يناقش هذه الإشكالية بجرأة
علمية ملحوظة ايقول لنا عبر سبع دراسات تناولت بصفة أساسية أوربا وإفريقيا
صنع القوة المسيطرة التي تفرض نموذجها في الحياة على الآخرين ليكونوا
السخة مشابهة؛ ولكن تحت هيمنة القوة المسيطرة
ولقد كشفت لنا تلك الدراسات كيف أن القوة المسيطرة في أي بلد أوربي
الوافدة مصلحة لها على حساب التقاليد
القائمة ومن ثم الصراع- ويتتهي الكتاب بالدعوة إلى إعادة النظر في كل مقولات
تقاليد قي بلاد أخرى غير البلاد التي وردت فيه خصوصا مع ندرة
الموسوعات والمعاجم عنهاء
إلمام بكثير من تفاصيل التاريخ العام لبلاد أوربا وأفريقيا والهند لكي يتمكن من
عاصم الدسوقى
الفصل الأول
مقدمة عن ابتداع التقاليدا»
أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين. فالتقاليد التى تبدو لنا قديمة العهد أو
على إدراك معنى مؤسسة تقاليد من هذا النوع فى نطاق محلى محدود؛ وثلك
رغم أن بعضها أصبح الآن أكثر شيوعاً من خلال بثها من الإذاعة كالعيد
السنوى الخاص بإنشاد "الترانيم التسعة" الذى يقام بكنيسة كينجزكولدج بكمبردج؛
ليلة عيد الميلاد. وقد شكلت هذه الملحوظة نقطة البداية لأعمال المؤتمر الذى
نظمته المجلة التاريخية "الماضى والحاضر” كما تشكل فى الوقت نفسه الأساس
ويستعمل مصطلح "التقليد المبتدع بمعنى عام واسع؛ وإن كان لا يخلو من
ت شكلاً مؤسسياً؛ وتلك التى تنشأ بطريقة يتعذر تتبع مسارها خلال مرحلة
قصيرة يمكن تحديد تاريخها - ربما خلال عدة سنوات قليلة؛ والتى تثبت
نفسها وترسخ قواعدها بسرعة بالغة. ويعد الاحتفال الملكى فى بريطانيا بعيد
والحاضر 2088801 :4 2250 , 100101 ومن بين
كما يعد الاهتمام بالمباراة النهائية فى مباريات الكأس التى ينظمها الاتحاد
البريطانى لكرة القدم وتطور الممارسات المرتبطة بها مثالا على النوع الثانى
من التقاليد. ومن الواضح أن كل هذه التقاليد ليست دائمة أو مستمرة بنفس
الدرجة؛ بيد أن مسألة ظهورها وترسيخ قواعدها هى التى تستاثر باهتمامنا
الرئيسى هنا أكثر من مسألة الفرص المتاحة لها للبقاء.
"التقليد المبتدع" يستخدم بمعنى أنه مجموعة
أو رمزية؛ وتستهدف غرس قيم ومعايير سلوكية
تحاول أن تتشئ لنفسها تاريخى ملاتم لطبيعتهاء وفى محاولتها
الاختيار العمدى للأسلوب المعمار: عند إعادة بناء البرلمان البريطانى
فى القرن التاسع عشرء كما نجده القرار الرسمى الذى اتخذ بعد الحرب
العالمية الثانية عن قصد واختيار» لإءاكيههيقاعتى مجلس العموم ومجلس
اللوردات على أساس نفس الرسم الهن 9 8
لها ماضيها الخاص بهاء قد يتوقف تحديداً عند تاريخ معين مثل عام 1785
(الثورة الفرنسية). ومع ذلك؛ وبقدر وجود مثل هذه النسبة إلى ماض تاريخى»؛
فإن ما يميز التقاليد "المبتدعة" هو أن الاستمرارية المصاحبة لها تكون من النوع
للمواقف الجديدة أو ردود أفعال تتخذ شكل الانتساب إلى مواقف قديمة؛ أو التى
وترديده عمدا. وإن الأمر الذى يجعل مسألة "التقليد المبتدع' موضوعاً فى غاية