انقسم الإسلام كما انقسمت المسيحية إلى ديانات»؛ وتمثلت أسباب
انقسام الكنيسة المسيحية في اختلاف الآراء حول طبيعة المسيح وإرادة
الإنسان الحرة» أما في الإسلام فقد لعبت السمات السياسية والعائلية
الدور الأول”'". ففي المركز الثاني بعد السئة تأتي من حيث العدد فرقة ما
يسمى بالشيعة الإثني عشرية؛ يشكل أتباعها ٠١/4 من سكان إيران
"؛ ومليونا ونصف المليون في العراق وه ملايين في الهند
وفي المناطق ذات الأقليات الدينية”"". وهذه الفرقة من الشيعة تدعى
وكلمة «شيعة» تعني في العربية «الحزب». ثم أصبحت فيما بعد لا
تطلق إلا على أسرة علي بن أبي طالب"*". ويعود اسم الإمامية إلى
اعتقادهم بالإمامة؛ يمعنى القيادة الدينية؛ التي تشكل نواة عقيدتهم!*'.
والإمامة تنتمي عند الشيعة إلى الأسس الرئيسة الخمسة للدي 8
3 أمير علي سيد روح الإسلام؛ ص 147
إقبال علي شاه شرق إيرات؛ ص +13٠
(4) لسان العربء ج ٠١ تحت كلمة «
ومقدمة ابن خلدون» ص 768
«الشيعة الإثنا عشرية». وكان الإمام الأول على بن أبي طالب»؛ والأخير
إلا أن الأعمال التي رأيتها حول هذا الموضوع» والتي توجد من بينها
يعالج بعضها الآخر المشاكل والمراحل المفردة؛ بشكل يدل حقا على أن
تزال تنقصها الدراسة النقدية المنهجية الشاملة“. يقول .١ غ. براون:
«إننا لا تملك عرضا مفهوما موثوقا به عن مبادئ الشيعة في أية لغة
"١ .» ويعيد شتروتمان الأسباب المقترضة لذلك إلى : «أن كتابة
تاريخ الشيعة وتاريخ عقيدتهم ودراسة طبيعتهم الداخلية بشكل مفصل
يعتمد عليه لا تزال غير في هذا الوقت في ألمانيا لأسباب خارجية.
أخذنا بعين الاعتبار المجموعة الضخمة من المصادر الشيعية؛ التي ليست
في متناول اليد تعاني من قلة المصادر"'6.
09 أصل الشيعةء ص 44 و45
© الكافيء ص 81
(ه) أنظر عقيدة الشيعة ص 113
(4) الأدب الفارسي في العصر الحديث» ص 118
)٠١( الشيعة الاثنا عشرة ص 1011
يعتمدون في بحوثهم بالدرجة الأولى على المصادر الشيعية؛ على غرار ما
عهد المغول. ويمكن على العموم اعتبار هذا الميدان العلمي كله أرضا لا
تزال بكراء
في سنة 1478 أصدر نيبرغ 1006:8 .5 .11 الكتاب العربي
«الانتصار في الرد على ابن الراوندي». وبعد أن تحدث في مقدمته عن
قيمة الكتاب ومعناه؛ أراد توضيح جوهر الشيعة. ورغم تقدم العلم في
تلبث أن أصبحت في متناول الأيدي مطبوعة أيضاء فقد اكتفى نيبرغ بتلك
المذهب الشيعي على أنه خليط من الثنوية والإسلام (ص 8088 سطر ٠١
وما بعده) وكذلك بعض المزاعم الأخرى من الكتب الدينية القديمة؛ التي
لم يتطرق إليه الشك عنده؛ في حين أنها تحتوى على الخرافات المعادية .
إن الشيعة يرفضون الاعتذار بقلة المراجع بوصفه تهربا «لأن كل
الخلقي على الباحث متقصي الحقيقة أن يدع جانبا جميع الروايات
المتعصبة والمتحيز: ٍ
الشيعة؛ دون سند من مؤلفاتهم» وإنما اكتفاء بالروايات الشفوية والمفاهيم
نفس الإجراء ضد أهل السنة. ويورد المؤلف أمثلة من أوساط السنيين
الصوفية ومن أربع مدارس سنية ويشير إلى أن بعض الشخصيات السنية
يعدون عند أهل السنة في مرتبة تساوي مرتبة الإله ويطرح هذا السؤال:
ماداموا هم أنفسهم يقومون بمثل هذا؟!”'.
علينا إذن أن نكون حذرين عندما نقارن الطوائف الإسلامية بعضها
بالبعض الآخر » فالمؤلفون يسعون إلى اضطهاد الطوائف الأخرى؛ غير
الطوائف التي ينتمون إليهاء وإلى إرغام جميع المؤمنين على الإيمان بها
لم تحمل المقريزي وحده على القول بأن العقيدة الأصلية للشيعة قد
أصحاب الطوائف ليسوا بريئين من مثل هذه الآراء الخاطئثة. والحكم لا
يختلف عن بعض المنتمين إلى أوساط المؤرخين الحقيقيين» مثل ابن
بيوت الشيعة بالحلة وغاب فيه”*'". حتى الرحالة ابن بطوطة يدعي في
رحلته”"' أنه سمع من أهل الحلة يقولون إن الإمام الثاني عشر قد اختفى
بعد دخوله أحد المساجد.
الإمام الثاني عشر ولا بإنشاء مدينة الحلة؛ وما قالوه عن الإمام الثاني عشر
للهجرة وإنما أنشأها صدقة بن منصور المزيدي في سنة 1-1101/440 +
1 تبصرة العوام؛ ص 407 وأماكن أخرى.
)١0( مقدمة ابن خلدون» ص 704» وآثار الشيعة+ جا ص 7
(17) رحلة ابن بطوطةء اج ١ ص 43
لم يرد في أي كتاب من كتب الشيعة!"'؟.
وإننا لنجد فيها أخطاء حتى بالنسبة للاسم» فقد اعتبر السبكي أيا
جعفر الطوسي في كتابه «طبقات» شافعيا؛ وبعضهم اعتبر الشريف الرضي
زيدياء وما أشبه ذلك من الأخطاء!*'". لذلك يجب فحص المصادر
بدقة؛ فقد كان من السهل في ذلك الحين أن يقع عالم مرموق في مثل
هذه الأخطاء والتحريفات. لقد آن الأوان أيضا لإعادة النظر في مفهوم
«الشيعة» المستعمل عموما وتحديده. وهكذا يجب أن يبعد الراوندية أو
هم أولئك الناس» الذين لا يؤمنون إلا بعلي بن أبي طالب وأعقابه!*"".
وكذلك ينبح أن يكون موقف المرء من الرزايية؛ وهي فرع من
المرء تعاليم هذه الفرق» لا يجد أي أثر لعبادة علي وأعقابه؛ وإنما ب
أسماء أخرى» بحيث يكون من الخطأ نسبة هذه العقائد إلى جماعة الشيعة
199 دائرة امعارف الإسلامية؛ مقال الحلة؛ ويا فوت؛ معجم البلدان» ج1ء ص 717
(ه1) آثار الشيعةء ج" ص 81
)١4( فيما يتصل بتحديدات مفهوم الشيعة وتفسير التعاليم الشيعية ينظر كتب الشيعة!
ومن بينها خنداني النويختي؛ ص**» ثم أصل الشيعة؛ ص ١لا؛ وتبصرة
العوام. ص 418 ومواضع مختلفة ! وكتاب آثار الشيعة؛ ويتكون في الأصل من
٠ جزءا - طيع مته جزءان ؛ وهو يقدم معلومات عن المسائل المتصلة بهذا
1 عن هذه الفرق المختلفة ينظر زيادة على دائرة امعارف الإسلامية: عن الرزامية+
الذين هم أيضا من أتباع العباس + فرق الشيعةء ص 131 14 مقالات؛ ص
7 أنسابء ورقة 381 بء الخططء ج14 ص 1797» خنداني النويختي»
7 وعن الخرمية ينظر الشهرستاني» ص 117 و177؛ فرق الشيعةء ص
البابكية ينظر ختداني النويختي» ص 701 و1*4» وعن السنبادية ينظر ختداي
لقد أصبحت هذه الأخطاء والمواقف المقصودا
المرتضى في «رسالة الانتصار» إلى أولئك الذين يحاولون التفريق بشكل
جوهري بين الشيعة والسنة؛ وأوضح أن الفرق في الحقيقة ليس أكبر من
الفرق بين المدارس السنية!""؟.
عتدما يقارن المرء دفاع الشيعة عن أنفسهم بمآخذ السنيين عليهم
ويفحصها حسب المناهج الدراسية الحديثة؛ فإنه سيكتشف المسائل
الميهمة والتشويهات ؛ ويستخلص من ذلك مفهوما جديدا عن الشيعة
وعن الإثي عشرية ؛ وإننا لتأمل في أن تقدم في المستقيل دراسات خصية
لقنا
الفصل الأول
فكرة الإمامة عند الإثنا عشرية
يتمثل المبدأ الأساسي؛ الذي يميز الشيعة عن بقية المسلمين؛ في
فكرة الإمامة» أي القيادة السياسية الدينية. فالإمامة وحاملها نفسه قد
نصبهما الله وحدهما عن طريق نبيه'". وسلطة الإمام تشمل الأرض
فالأشياء كلها ملك للإمام؛ وله الخمس مما يكسبه الناس من أعمالهم!*.
إذا تولى إنسان تسيير قطعة أرض دون علم الإمام فإن من حق الإمام
نزعها منه”""؛ وإذا ما عجز شخص من الأشخاص عن استغلال قطعة
أرض أو تركها غير مزروعة وجاء آخر وتولى تسييرها بنفسه أو استغلها
الحسابه؛ فإنه يكتسب حق الملكية وعليه أن يدفع الخراج للإمام.
وعندئذ سيتولى تسيير الأرض بنفسه ويوزعها بين جميع المؤمنينا
() أصل الشيعةء ص 101
الكافيء ص 784
© قعاص 77١
() كما كان الأمر مع النبي بشأن غنائم الفترح.
(0) الكافيء ص 700
() لقا ص 17١
ولكن الإمام ليس في حاجة إلى خراج من هذا النوع» والناس الذين
يدعون ذلك سيوسمون بميسم الكفر» ذلك أن الشيعي يأخذ الخراج
ليطهر نفسه من أدران الدنياأ""»: وهذا التقليد يعود إلى الإمام جعفر
ثم إن الحق لا يكون إلا مع الإمام أو وكلائه*"» وإذا ذهب شيعي
للغاية ويكون بمثابة من يتوجه إلى الشيطان ويطلب منه ذلك؛ حتى ولو
اتسم هذا الأمر بالعدل!"".
إن الأئمة؛ الذين يحكمون العالم باسم الله بعد نبيه هم على بن أبي
إلى يومنا هذاء وعلم الأنساب هذا في حوزة الشيعة الإ ي عشرية. بعد
أبناء الحسن والحسين ينتهي ميراث التعاقب بين الإخوا
عنه في المدن والأماكن» التي توجد بها طوائف شيعية. وكان هؤلاء
النواب يسهرون على أمور هذه الطوائف» ويجمعون الخراج ويرسلون إلى
الإمام ما تبقى منه بعد إنفاق الأموال المخصصة للشؤون الاجتماعية!"'".
0 قفص 2796
(م) ميرزا غدوم ص 6
(4) الكافيء ص ١7١
(٠)_الغيةء ص 146 وإكمال الدينة ص +
الكافي ص 148+
0 كاشف الغطاء؛ رسالة بتاريخ 18 محرم 1788 للهجرة.
الأثمة في النهاية أئمة حقيقيين؛ كما لاحظ شتروتمان بحق وكان الأول
النزاع يقوم بين النواب حول المناطق التابعة لهم واختصاصاتهم فيها عند
بن رشيد لم يكن يكفيه ما كان يجمعه في منطقته؛ فكان يطلب من الغرباء
تابعتين لمنطقة طائفة أيوب بن نوح» فكتب أيوب إلى الإمام يشكو إليه
النزاعات لتضع أمام المؤرخين مهمة صعبة؛ وذلك لما في روايات أتباع
الوكلاء وأصدقاء الإمام من اختلاف وتضارب» ولهذا فإن تراجم
الشخصيات الشيعية المهمة جميعها تعاني مما في الروايات من تناقض
لا يقوم التنظيم الكامل للشيعة؛ وعلى رأسهم الإمام ونوابه؛ بمثابة
دولة داخل دولة؛ إلا في حالة من السرية التامة بطبيعة الحال. فالحكومة
مؤسسة واحدة لم تتسرب إليها الخلايا الشيعية!"''. لقد أراد عبيد الله
الوزير الأول» اكتشاف المنظمة الشيعية؛ وأرسل جواسيسه لهذا السبب
حتى يتسلموا الجباية من الثواب. ولكن القيادة العليا بادرت في الحين إلى
إصدار أمر إلى النواب بعدم جباية الأموال في هذه السنة؛ وهكذا فشل
1 دائرة المعرف الإسلامية» مادة الشيعة.
(18) الكشيء ص 714
(17)_مجالس المؤمنين (غير مرقمة) الفصل العاشر في مادة علي بن يقطين