مقدمة
تتوزع على أرض الوطن العربى أقليات شتى » أهمها الأكراد فى شمال
العراق والبربر فى شمال إفريقيا ( خاصة الجزائر ) بوصفهم أقلية عرقية » والشيعة
فى جنوب العراق وشرق الجزيرة العربية» والموارنة فى لبنان بوصفهم أقلية
دينية » هذا بالإضافة إلى بعض الأقليات الأخرى؛ مثل الزنوج فى جنوب
السودان» والتركمان والأرمن فى سورياء بوصفهم أقليات عرقية ودينية»
بالإضافة إلى بعض الأقليات الأخرى الأقل حجما وأهمية ؛ التى تتتشر فى بقاع
عدة من الوطن العربى
وترتبط مشكلة الأقليات مباشرة بقضايا حيوية مثل قضية التكامل الوطنى
وماله من تأثير فعال على الأمن القطرى » وكذا التكامل القومى وما له من تأثير
على الأمن القومى العربى» ودراسة الأقليات تقع فى بؤرة اهتمام التحليل
السياسى . وقد تكثف هذا الاهتمام فى فترة الخمسينيات والستينيات مع
استقلال كثير من دول العالم الثالث بمناسبة ما أثاره الاستقلال من إبراز جوانب
عدم التكامل الناجم عن التقسيم الهندسى للحدود السياسية . ثم ثارت مرة
أخرى مشكلة الأقليات مع تفكك الاتحاد السوفيتى والاتجاه نحو القطبية
الواحدة وما يسمى « بالعولمة 6 06101198160
وتعد مشكلة الأقليات من أهم المشكلات المهددة لكيان الدولة ووحدتها
الإقليمية وتكاملها الوطنى ؛ وذلك لأنها قد تعمل على تغذية مصادر شرعية
النظم السياسية » كما قد تعمل على إضعافها » وقد تثرى الهوية الوطنية بروافد
شتى للانتماء؛ وهو ما يساعد على التكامل والاندماج» كما قد تعمل على
إسقاط الحدود بين الداخل والخارج» وتمهد لتدخل الدول الأجنبية فى شئون
الدولة الداخلية”"" » إما بالتأبيد المباشر فى المحافل الدولية للأقلية ودعمها عسكريًا
لزعزعة استقرار الدولة ومنعها من بسط تفوذها على كامل إقليمها » وإما بالدعم
الإعلامى والتأييد غير المباشر للضغط على الدولة ذات الأقلية . وغالبًا ما يكون
هدف الدولة المؤيدة للأقلية أبعد ما يكون عن مصلحة هذه الأقلية نفسها ء
الأولية» مما يمكن أن يسمى « صحوة الأقليات » فى نهاية القرن العشرين» غير
أن هذه الصحوة تعبر عن نفسها فى صورة سلبية صراعية على محاور اللغة
والدين والمذهب والعرق » بل وتتسع فى نظر محللين آخرين لحضمن التعبيرات
القبلية والهوية الإقليمية . ويفسر هؤلاء امحللون أسباب هذه الصحوة فى متحاها
السلبى بعد الحرب الباردة لفشل الدولة القومية » وتفكك الدول الكبيرة متعددة
الجماعات الثقافية . ويعزى بعض هؤلاء المحللين هذه الصحوة للأقليات أيضًا إلى
التحولات السياسية التى شهدتها بعض دول العالم فى نهاية القرن العشرين»
وبخاصة عامل الديمقراطية” .
وضمن هذا الإطار تبرز أهمية المشكلة الكردية بوصفها إحدى مشكلات
الأقليات فى الوطن العربى التى تهدد أمن دولة محورية فى النظام العربى»
بالإضافة إلى أنها تعد أول مختبر لحق التدخل الإنسانى بعد الحرب الباردة .
هذا وفضلًا عما تثيره المشكلة الكردية من خطر على التكامل الوطنى فى
)١( انظر : نيفين عبد المنعم مسعد : قضايا الأقليات فى ظل الليبرالية الجديدة + جامعة القاهرة ؛ كلية
الاقتصاد والعلوم السياسية » سلسلة بحوث سياسية » العدد رقم ٠١5 مايو 1843م ء اص 47+
() انظر المرجع السابق ع ص ص لا - 01977
تعقيدات إلى المشكلة » ويزيد من التهابها » ويخلط المسببات بالنتائج» وخاصة
بعد حرب الخليج الثانية التى كان لها أعمق الأثر فى تفجير هذه الشكلة»
ووصولها إلى حد لم تبلغه قبل ذلك . فعلى أثر انهزام العراق أمام قوات التحالف
الدولى استشعرت كلا الأقليتين ( الكردية فى الشمال والشيعية فى الجنوب أن
إثارة الاضطرابات ؛ وهو الأمر الذى أدى إلى أن تتدخل القوات العراقية
المسلحة» وعلى رأسها الحرس الجمهورى لقمع هذه القلاقل والاضطرايات
بمنتهى القسوة والعنف الذى فرضه تعرض هذه القوات لضغط عسكرى هائل من
جانب قوات الحلفاء » وقد أدت ضراوة القمع وشدته إلى نزوح جماعى كردى
وعلى أثر ذلك تدخلت الولايات المتحدة لدى مجلس الأمن لاستصدار
قرارات فرض الحظر الجوى على الطيران العراقى فى الشمال والجنوب العراقيين »
وكذا إنشاء مناطق آمنة للأكراد فى شمال العراق بحيث تتم المراقبة من القوات
كيان كردى فعلى وواقعى فى شمال العراق » يمثله مجلس منتخب بإدارة ليس
للحكومة العراقية رأى فيها؛ وبدعم ومساعدة أمريكية وأوربية . لكن الفصائل
الكردية لم تلبث طويلًا على هذا الحال» حيث نشب يينها الصراع المسلح من
جديد اختلاقًا على اقتسام الموارد ومناطق النفوذ» واستعان كل فريق بدعم
الإجراء الصلح بين أكبر هذه الفصائل . فالولايات المتحدة بما لها من قوات فى
الخليج وعلى مقربة منه تعد الدولة الأقوى نفودًا وتأثيرًا فى المنطقة بصفة عامة »
وقد ضاعفت حرب الخليج الثانية من وطأة هذا النفوذ وقوته فى المنطقة .
أما عن دول الجوار الجغرافى فللمشكلة الكردية امتداداتها داخل كل من
الكردستاتى ضد مسعود برزانى زعيم الحزب الديمقراطى الكردستانى » الذى
تؤيده بغداد وتركيا» وخشية إيران من أن تمد مشكلة أكراد العراق إلى
أراضيها ؛ وهو ما يلجئها إلى التدخل فى شمال العراق فى محاولة لضرب
الأوساط الشيعية فى جنوب العراق فهو ما ثبت ضعفه » خاصة بعد الحرب التى
وأنبيت أن الانتفاضة الشيعية عقب حرب الخليج الثانية لم تكن إلا تعبيرا عن
السخط على الأوضاع السياسية ؛ وهو الأمر الذى يؤكد أن للأقلية الشيعية فى
العراق تطلعاتها المغايرة تمامًا لتطلعات الأقلية الكردية المتمثلة فى محاولات
الانفصال المتكررة والمنازعات المسلحة مع الحكومة المركزية .
وفيما يتعلق بتركيا ؛ فقد سارت فى ركاب الولايات المتحدة موفرة للأخيرة
القواعد على حدود العراق » ومتعاونة مع إسرائيل - العدو الاستراتيجى للعرب -
وسمحت لها بالمجسس على كل من سوريا والعراق من الأراضى التركية »
وعقدت اتفاقات عسكرية واستراتيجية معها » بل تعاونت معها على اقتطاع جزء
من شمال العراق وجعله شريطًا حدوديً آمنّا أسوة مما قامت به إسرائيل فى جنوب
لبنان » هذا مع إثارة مشكلات المياه مع كل من العراق وسوريا لتحقيق مصالحها
القومية » وريما بدافع الضغط والابتزاز لصالح إسرائيل والولايات المتحدة ؛ لكن
المشكلة الكردية فى تركيا وما تشكله من حرب أهلية غير معلنة تلجم الدولة عن
وتجعل منها أكثر دول المنطقة حساسية تجاه أية بادرة انفصالية تظهر لدى أكراد
العراق خوفًا على نفسها من انفراط عقدها » وتشبث أكرادها ما قد يحصل عليه
أكراد العراق من مطالب » وهو ما ستبينه تفيل هذه الدراسة .
موضوع الدراسة
تتناول هذه الدراسة الأقليات والتكامل الوطنى فى العراق» مع بان آثار
حرب الخليج الثانية على الأكراد فى شمال العراق ؛ وتتبع امتدادات المشكلة
وغيرها وكذا مع يبان مدى تأثير التدخلات الخارجية فى هذه المشكلة » سواء
أكانت تدخلات غربية من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا أم إقليمية من
التكامل القومى العربى . ثم يتطرق موضوع الدراسة إلى بيان وسائل التخفيف
من هذه الآثار وكيفية معالجة مشكلات التكامل الوطنى فى العراق وفق
أهمية الدراسة
لدراسة الأقليات عمومًا أهمية كبيرة سبق الحديث عنها فى المقدمة .
ولدراسة المشكلة الكردية أهمية خاصة تنبع من عدة جوانب:
وهى ثانا : تتحلق بالتكامل القومى العربى » وأيضًا بالأمن القومى العربى
العربى » ولأن الاعتداء على وحدة أرض أية دولة عضو فى الجامعة العربية
وسلامتها يعد اعتداء على الأمن القومى العربى .
وتدخلات خطيرة فى الشعون الداخلية للعراق أساسًا » وسوريا بقدر أقل .
وهى رابعًا: وهو الأخطر»ء إعطاء المبررات والذرائع للولايات المتحدة
لتكريس الأوضاع المتردية فى العراق ؛ وهو ما يؤدى إلى زيادة ضعقه وزعزعة
استقراره وتصدع تكامله الوطنى ودعم الفرقة شماله وجنويه؛ مع احتمال
امتداد هذا العضو إلى أنحاء أخرى من الوطن العربى الغنى بأقلياته حفاضًا على
أمن النفط والنظم المحافظة جنويًا .
مدة الدراسة
تعالج هذه الدراسة الفترة من عام 987١م مع نهاية حرب الخليج الأولى »
يوصفها نقطة فاصلة تكاملت فيها قوة العراق بقبول إيران وقف القتال وبدء العراق
التحرك تجاه الشمال لإخضاع الأكراد » وتتتهى هذه الدراسة عام 995١م وهو
العام الذى دخلت فيه القوات العراقية إلى « أرييل » وشهد طرح مفهوم المنطقة
العازلة » والإعلان الرسمى عن التحالف الاستراتيجى بين تركيا وإسرائيل .
منهج الدراسة
تستخدم هذه الدراسة منهج دراسة الحالة» وهى المشكلة الكردية خلال
الفترة الزمنية للدراسة » وذلك بهدف الوصول إلى فهم أعمق وأوضح لأسباب
هذه المشكلة وآثارها على التكامل الوطنى فى العراق ؛ وكذا استخدام منهج
الجماعات » لدراسة نمط العلاقات الصراعية أو التعاونية داخل الجماعة الكردية »
وفيما بينها وبين الجماعات الأخرى فى المجتمع والنظام السياسى » وأيضًا منهج
الصراع « نظرية الصراع » لدراسة كيفية توظيف الدول للمشكلة الكردية فى
تساؤلات الدراسة
تسعى هذه الدراسة للإجابة عن عدة تساؤلات ؛ أهمها :
)١( ما طبيعة التكوين الإثنى فى المجتمع العراقى » وما وضع الأقلية الكردية
ضمن هذا التكوين» وما خصائصها» وما هى عوامل تزايد حدة المشكلة
الكردية فى العراق مقارنة بمشكلات أقليات أخرى ؟
(7) إلى أى مدى أدت حرب الخليج الثانية إلى تفاقم المشكلة الكردية فى
شمال العراق ؟
(©) إلى أى مدى تؤثر المشكلة الكردية على التكامل الوطنى فى العراق ؟
(4) هل تقدم المشكلة الكردية ذرائع ومبررات للولايات المتحدة لزيادة
الضغط والحصار على العراق ؟ وما أثر ذلك على تكامل العراق الوطنى ووحدة
(ه» إلى أى مدى تتسبب المشكلة الكردية فى شمال العراق فى تقديم
مبررات تؤدى إلى تدخل كل من إيران وتركيا فى شعون العراق الداخلية ؟
() هل يمكن حل المشكلة الكردية حلا متوازناء يحقق أمن العراق
ماجستير لإكرام عبد القادر بدر الدينء أزمة التكامل فى الدول حديثة
الاستقلال مع دراسة للكيان الإسرائيلى » سنة 977١م» الذى يتناول فيها فى
الباب الأول التأصيل النظرى لأزمة التكامل فى الدول حديثة الاستقلال فى
دكتوراه لقاسم جميل قاسم سنة 97/77 ١م » تناول فيها التأصيل النظرى لمفهوم
التكامل وأنماطه مع تطور المشكلة الكردية . وكذلك رسالة ماجستير لمحمد
حسن عبد المجيد » بعنوان التنمية والتكامل القومى فى السودان» سنة 19787م»
الذى يتناول فى الفصل الثالث منهاء مفهوم التكامل القومى وعوامل عدم
التكامل واستراتيجيات تحقيق التكامل وأدواته .
وهناك دراسات اهتمت بتأثير هذه الإشكالية وانعكاسها على الوطن العربى ؛
منها : رسالة دكتوراه لنيفين عبد المنعم مسعد» بعنوان : الأقليات والاستقرار
بالاستقرار السياسى فى الباب الأول » ثم الأقليات فى الوطن العربى فى الباب
الثانى » ثم محاور العلاقة بين الأقليات والجماعات المسيطرة فى الوطن العربى فى
الباب الثالث» وتتميز هذه الدراسة بالتحليل والربط بين مشكلة الأقليات
والاستقرار السياسى الذى يراه كثيرون من أهم عوامل التكامل الوطنى .
وهناك عدة دراسات لسعد الدين إبراهيم فى الأقليات منها : « الملل والمحل
والأعراق » و «هموم الأقليات فى الوطن العربى » » القاهرة : مركز ابن خلدون
عام 4 198م» و «تأملات فى مسألة الأقليات » » القاهرة : مركز ابن خلدون
عام 1487. والدراسة الأولى موسعة تشمل مشكلات الأقليات فى الوطن
العربى فى دراسة يغلب عليها طابع الوصفية أكثر من التحليل» والدراستان
الأخيرتان يغلب عليهما طابع التحليل أكثر من الوصفية .
أما عن الدراسات التى تناولت حرب الخليج ودور دول التحالف فيها فهى
تستعصى على الحصر» وكان على الباحث مراعاة الجادة منها والبعيدة عن
رسالة دكتوراه محمد أحمد عزيز الهيماوندى » بعنوان : الحكم الذاتى والأقليات
العراقية » دراسة تطبيقية فى الوطن العربى » سنة 985١م تناول فيها اللشكلة
الكردية وتطوراتها » مع التركيز على الجوانب القانونية على أساس أن الرسالة
مقدمة إلى كلية الحقوق جامعة القاهرة .
ورسالة ماجستير مقدمة من الباحث كاكه حمه صالح ؛ بعنوان : « القضية
الكردية ولا مركزية الحكم فى جمهورية العراق » سنة ٠947 التى تناول
فيها شرح قانون الحكم الذاتى وتطبيقه على المنطقة الكردية فى شمال العراق »
وبيان المعوقات التى تعترض التطبيق السليم لهذا القانون .
ورسالة ماجستير مقدمة من الباحث » خليل إبراهيم محمود العبد الناصرى
بعنوان : « التطورات المعاصرة فى العلاقات العربية التركية 6 سنة 1188م »
التى تناول فيها بالتحليل العلاقات العربية التركية مع التركيز على العلاقات
التركية لكل من العراق وسوريا .
وهناك الكثير من الدراسات التى قام بها جلال عبد الله معوض » ومن أهمها :
سول د