طبعة الشروق الأولى
)اه تكلم
البريد الإلكتروني: ج600 علنادتمجلة 9عدل تلتمهة
جمال حمّاد
المعارك الحربية
تقديم
على الرغم من أن الجيش المصري يعد أعرق جيش في العالم باعتباره أول جيش نظامي
عرفه التاريخ؛ ورغم ما سطره من مفاخر وأمجاد في ساحات القتال على مر العصور»
فإن الفرصة لم تتح له في الزمن الأخير لإثبات مدى عظمته وشجاعته ومعدنه الأصيل
وإظهار روعة أدائه وبسالته» إلا حين تحقق ذلك لأول مرة في حرب العاشر من رمضان
عام 1747 ه الموافق 6 أكتوبر 1437م
لقد نشبت أريع حروب بين العرب وإسرائيل خلال ربع القرن الذي أعقب إعلان قيام
دولة إسرائيل في ١١ مايو ٠45/4 » وبسبب سياسة دولية مناوئة لمصر وأوضاع داخليا
وأخطاء عسكرية فادحة قيادات غير واعية» لم يتمكن الجيش المصري من إثبات
جدارته واستعادة أمجاده والتصاراته في الحروب الثلاث الأولى التي خاضهاء إذلم تتهياً
أمامه الفرصة التي كان ينشدها؛ كي يخوض غمار القتال بعد إتمام استعداداته» ولمواجهة
عدو وجها لوجه تحت قيادة عسكرية واعية بأصول الفن الحربى +
لقد كانت حرب فلسطين في ١١ مايو ٠448 حربا قديمة الطراز في معظم مراحلها وإنذ
ضمنها ما يستحق أن يطلق عليه اسم جيش عصرى. وبسبب الاحتلال البريطانى الذي
فقد دخلت القوات العربية أرض فلسطين دون تدريب جيد أو تسليح كاف أو إعداد
مسبق» ولعبت السياسة البريطانية المواطثة مع الصهيونية والتي كانت تؤازرها معظم
القوى الغربية وقتذ وبخاصة الولايات المتحدة» دورا مهما في إلحاق الهزيمة بالعرب. فلم
حتى تم الضغط على الحكومات العرببة الخاضعة وقتذاك لسطوة الاستعمار للموافقة على
وقف القثال وقبول الهدنة الأولى في ١١ يونيو ثم الهدئة الشانية في ١8 يوليو ١444 +
وتحت ستار الهدنة؛ تدفقت الأسلحة والمعدات والإمدادات العسكرية والمساعدات المادية
حروبها بخرق الهدنة وفاجأت القوات العربية بالهجوم» وتمكنت عن طريق الغدر من
احتلال القسم الأكبر من الأراضى الفلسطينية. وقد اتضح أن إسرائيل قد قامت دولتها
على مساحة من الأرض تتجاوز كثيرا المساحة التي خصصت للدولة اليهودية وفقا لقرار
التقسيم الذي أصدرته الأم المتحدة في 14 نوفمبر عام »٠841/ إذزادت من 9 ,1/97 من
المساحة الكلية لفلسطين إلى 4 , 71/7» ولم يبق للعرب بعد انتهاء الحرب سوى أراضى
الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة.
ونشبت الحرب الثانية في 14 أكتوبر 1407 في ظل التواطؤ البريطاني الفرنسي مع
إسرائيل» ردا على القرار الذي أصدره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم شركة قناة
السويس في 77 يوليو 1607 . ولم تقع خلال هذه الحرب معارك واسعة النطاق مع
إسرائيل على أرض سيناء؛ فقد صدرت الأوامر قبل نشوب الحرب بسحب القوات
المصرية الرئيسية من شبه جزيرة سيناء انتظارا للغزو البريطاني الفرنسي المتوقع في اتاه
على مثلث أبو عجيلة رفح العريش ؛ وتمركزت الكتيبة || امنة في شرم الشيخ +
وعندما بدا الهجوم الإسرائيلي بإسقاط كتيبة من رجال المظلات في الساعة الخامسة
انسحاب القوات المصرية عشرة أميال غرب قناة السويس» وأن تقبل الاحتلال المؤقت من
قوات الدولتين لبورسعيد والإسماعيلية والسويس» ليتسنى الفصل بين الطرفين المتحاربين
وضمان حرية مرور السفن بالقنا فقا لأحكام القانون الدولي عندئذ انكشفت بجلاء
أبعاد المؤامرة الثلاثية فأصدرت القيادة السياسية أمرها بالانسحاب العام لجمبع القوات
المصرية في سيناء إلى غرب القناة؛ لإفساد الخطط الموضوع لقطع خط الرجعة على هذه
وفي الحرب الثالثة التي بدأت في 8 يونيو 1431 ؛ لم تسنح الفرصة للقوات المصرية
كما لم توضع لها أي خطة أو تحدد لها أي أهداف إستراتي ية» بل فرضت عليها أوضاع
خاطئة تخالف كل المبادئ والأصول التكتيكية
ونتيجة لارتباك القيادة العسكرية واهتزاز أعصابها في إثر ضرية الطيران الإسرائيلي
صباح يونيو» صدر أمر الانسحاب المشئوم مساء يوم ١ يونيو بدون وضع أي خطة أو
تنظيم للانسحاب» الأمر الذي أدى إلى تحويل الانسحاب من عملية حربية إلى حالة
شاملة من الفوضى والاضطراب»+ انتهت بإخلاء سيناء وفقد القوات المسلحة المصرية
بصفة عامة ما يعادل 7/80 من أسلحتها ومعداتها .. ووصلت القوات الإسرائيلية يوم 4
يونيو إلى الضفة الشرقية لقناة السويس» ووقعت أرض سيناء العزيزة في قبضة الغزاة
وكان للانتصار الخاطف الذي أحرزته إسرائيل في حره 17 تأثير كبير على
كل من العرب والإسرائيليين. ورغم أن هذا الانتصار كان يرجع في الدرجة الأولى إلى
الأخطاء التي ارتكبتها بعض القيادات العسكرية العربية وليس إلى مقدرة الجيش
الإسرائيلي وبراعته»؛ فإن إسرائيل أثملها النصر بعد أن استطاع جيشها إلحاق الهزيمة بثلاثة.
جيوش عربية في ستة أيام» وأن يضم إليها من الأراضي العريبة ما يزيد على ثلاثة أمثال
مساحتها. ولهذا انتاب إسرائيل الصلف والغرور؛ وآمنت بأوهام لم تلبث أن أصبحثت
بالنسبة لها حقائق ثابتة ومعتقدات راسخة؛ من بينها أسطورة التفوق النوعي الإسرائيلي
على العرب وجيشها الذي لا يقهر . وذراع إسرائيل الطويلة القادرة على سحق أعداتها
الواسعة التي تفصل بينها وبين العرب والتي تحتاج لعدة قرون حتى يستطيع العرب
الاقتراب منهاء
العاللم وقتئذ بها وهي نظرية الأمن الإسرائيلي» التي تقوم على أساس ارتكاز قواتها
خلف موانع طبيعية والاحتفاظ بالأراضي المحتلة التي توفر لها العمق الإسترا
وتبعد ميادين العملييات الحربية عن قلب إسرائيل والأماكن ذات الكثافة السكانيا
وتوفر لقواتها مجال التعبئة وحرية العمل والمناورة» وتهدد عمق الدول العربية الجاورة.
ورغم الجهود العرببة والدولية التي بذات لتسوية التزاع العربي الإسرائيلي بطريقة
اسلمية؛ فإن إسرائيل رفضت في عناد وإصرار أي تسوية سلمية؛ كما رفضت الالتزام بقرار
مجلس الأمن رقم 7 الصادر في 17 توفمبر ٠437 والذي ينص على الانسحاب
الإشرائيلي من الأراضي العربية المحتلة في حرب يونيو ١437 » فقد كانت على يقين من
عجز العرب عسكريا عن التحرك ضدهاء وكانت على ثقة تامة بعدم مقدرة مصر ؛ وهي
هجوم عربي ضدها على أكثر من جبهة» بسبب عدم مقدرة القيادات العسكرية العربية على
التخطيط» وضعف شأن القوات العربية وعجزها عن مواجهة جيش إسرائيل الذي لا يقهر »
ونتيجة لهذا الغرور القاتل» آمن القادة الإسرائيلون بأنهم يملكون التفوق التام؛ وأنه
ليس أمام العرب سوى الاستسلام لشروط إسرائيل والسكوت المطلق عن المطالبة
ولكن مصر على خلاف ما كانت إسرائيل تتوقع لم تستسلم لليأس» ولم يكن هناك
مصري واحد يقبل أن يبقى جزء من تراب الوطن وهو سيناء مخاضعا للاحتلال
الإسرائيلي البغيض . وبدأت مصر على الفور في إعادة بناء قواتها المسلحة بمعاونة الاتحاد
فضلا عن إمدادها بالخبراء والمستشارين السوفيت.
تقوى وتتماسك على طول مواجهة قناة السويس حتى بدأت حرب الاستنزاف في سبتمبر
وتكبدت إسرائيل خسائر كبيرة في الأرواح والأسلحة والمعدات؛ مما دفعها إلى إقامة خط
مليون دولار» أنفق منها على تحصينات خط بازرليف وحدها 7٠١ مليون دولار.
وكانت مصر على يقين من أن استرداد أرضها السليبة لا يمكن أن بت
حرب تحرير شاملة مع إسرائيل» ولكن كان من الواجب وضع |
الحرب» فإن سياسة الوفاق
العسكري في المنطقة؛ لم تكن تتقبل نشوب حرب جليقني الشرق الأيسط وكان
الموقف الدولي يتطلب أسلوبا خاصا في إدارة الصراع المسلح في المنطقة»
تقوّض نظرية الحدود الآمئة الإسرائيلية؛ وتهدم أسس إستراتيجية إسرائيل القائمة
وحاسمة مع نقل المعركة إلى الأراضي. العربية فور بدء أي اشتباكات.
وكان التغلب على هذه الإستراتيجية الإسرائيلية يتطلب تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي
عن طريق عمل عسكري يكون هدفه إلحاق أكبر قدر من الخسائر بإسرائيل» وإقناعها بأن
مواصلة احتلالها للأراضي المصرية يفرض عليها ثمنا باهظا لا تستطيع تحمله ؛ على أن ممتد
هذا العمل العسكري لفترة زمنية طويلة مما يكبد إسرائيل خسائر مادية ومعنوية لا قيل لها
باحتمالهاء ويتيح الفرصة في الوقت نفسه للطاقات العربية الأخرى للتدخل وفرض
تأثيرها على نتائج الحربء
وعندما بدأت الحرب في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 6 أكتوبر “1477 كانت
إسرائيل ما تزال تبدو أمام العالم قلعة عسكرية منيعة لا يمكن اقتحامها. . روصل الغرور
الانتصارات الإسرائيلية الباهرة في حرب يونيو 77 » أعلن موشى ديان وزير الدفاع مساء
١ أكتوبر في مؤتمر صحفي «سوف يدحر جيش الدفاع الإسرائيلي المصريين بضربة شديدة
وصرح الجنرال دافيد أليعازر رئيس الأركان في مؤتمر صحفي يوم 4 أكتوير وسط
تصفيق الحاضرين» بأن الجيش الإسرائيلي سيواصل ضرب العدو وتحطيم عظامه .
فقد نجحت القوات المصرية في اقتحام السويس واجتياح حصون خط بارليف» وبدأت
في إنشاءمنطقة رءوس الكباري وفقا للخطة الموضوعة على الضفة الشرقية للقناة؛ كما
من تدمير ثلاثة ألوية مدرعة إسرائيلية تدميرا يكاد يكون كاملا. وعلى الجبهة
السورية» نجحت القوات السورية في عبور الخندق الصناعي الذي أقامته إسرائيل+
ثلاثة محاور رئيسية .
الشعب الإسرائيلي بصدمة عنيفة وصفها بعض المحللين العسكريين بالعبارة الشهيرة
«زلزال في إسرائيل؟.
لقد كانت حرب أكتوبر حدثا فريدا بلا شك؛ بل نقطة تحول 10104 11110108 في مسار
الصراع العربي الإسراثيلي . فقد تعرضت إسرائيل كدولة لمفاجأة إستراتيجية كاملة أفقدت
الإسرائيليين ثقتهم في جيشهم وفي جهاز مخابراتهم؛ الذي كان يدعي أنه أقدر جهاز
مخابرات في العالم خبرة بشئون الشرق الأوسط . كما تعرضت القوات الإسرائيلية على
الانسحاب من مواقعهم الأمامية. وكان الأمر الذي أدهش العالم هو نجاح مصر وسوريا
في تحقيق المفاجأة على المستويين الإستراتيجي والتكتيكي رغم التطور الهائل في وسائل
الأمريكية في وقت واحد .
خلال حرب أكتوبر؛ ففقدت بالتالي مميزاتها الرئيسية وأهمها خفة الحركة والقدرة على
المناورة وتحقيق السيادة الجوية على ميدان المعركة. فقد هبطت قدرات وفعالية الدبابات
الإسرائيلية إلى درجة خطيرة عندما واجهت القواذف والصواريخ المضادة للدبابات
لا تقع فريسة لشبكة الصواريخ المصرية أرض جو سام المتنشرة غرب قناة السويس وإزاء
إحراز التفوق الذى كانت تحصل عليه دائما في الحروب السابقة مع العرب» وفي الوقت
نفسه استرد العرب كرامتهم وثقتهم في أنفسهم وسمعتهم أمام العالم؛ واسترد الجندي
العربي ثقته في نفسه وفي سلاحه وفي قياداته؛ وكان أحسن تعبير عما جرى هو أن العرب
قد عبروا الهزيمة
بداية الحرب الوقاية التي كانت تنشدها إسرائيل من إقامتهاء فقد سقطت حصون خط