بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد: فقد كتبت فى الأئد ة الأربعة أ ...اب المذافي التى تققاسمت الجماعة
الشريعة من الدراسات العليا بكلية الحقوق من جامعة القاهرة.
العلماء والمثقفين فى مصر, اتجهت النية إلى دراسة الطبقات التى تلى الأئمة الأربعة من
الأثمة الآخرين كجعفر بن محمد إمام الإمامية» وزيد بن على إمام الزيدية. وأبى داوود
الظاهرىء وابن حزم الأتداسى إمام الفقه الظاهرى فى مصادرة ومواردة.
وإنما اخترت بعد الأثمة الأربعة دراسة المجتهدين على مناهجهم؛ لأن ذلك دراسة لفقه
الجماعة الإسلامية, وتعرف لأدواره؛ وتقصٌ لثمرات ما غرسه أوائك الأثمة أصحا. المذاهب
الأربعةء فهو تكميل لا إنشاء؛ واستمرار لا ابتداء.
وانبرى لمنازلته المخالفون؛ وشد أزره الموافقونئوهو فى الجمعين يصول ويجولء ويجادل
وحدة لسانه؛
ذلكم الإسام الجرئ هو تقى الدين بن تيمية صاحب المواقف المشهودة؛ والرسائل
من النور أضاء فى دياجير الظلام» ولأن آراءه فى الفقه والعقائد تعتنقها الآن طائفة من
الأمة الإسلامية تأخذ بالشريعة فى كل أحكامها وقوانينها؛ ولأننا نحن المصريين فى قوانين
الزواج والوصية والوقف قد نهلنا من آرائه؛ فكثير مما اشتمل عليه القانون رقم 5 لسنة
٠74 ماخوذ من آرائهء مقتبس من اختياراته» وشروط الواقفين والوصايا اقتبست أحكامها
فى قانونى الوقف والوصية من أقواله.
ثم إن دراسة ذلك الإمام الجليل تعطينا صورة لفقيه قد اتصل بالحياة؛ وتعلق قلبه
وعقله وفكره بالكتاب والسنة والهدى النبوى» والسلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين, فهو
ياتى بفكر سلفى سليم آخذ بأحكام القرآن الكريم؛ والسنة النبوية» يعالج به مشاكل الحياة
الواقعة بالقسطاس المستقيم؛ بل يلقى فى حقل الحياة العاملة الكادحة المتوثبة بالبذرة
الصُالحة التى استنبطها من الكتاب والسنة فتنبت الزرع» وتخرج الثمرء وتؤتى أكلها كل حين
بإننربهاء
وإنا وقد اتجهنا إلى دراسة ذلك العالم الكاتب الخطيب المجاهد الذى حمل السيف
ندرس آراءه كعالم من علماء الكلام وآراءه كفقيه؛ واجتهاده» والأصول التى
تقيد بها؛ ومقدار الصلة التى تربطه بالفقه الحنبلى.
محمد ابو زهرة
ل( بزغ ابن تيمية فى الثلث الأخير من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن.
ومن وقت أن ظهر عالماً بين العلماء؛ ومرجعاً يرجع إليه فى الإفتاء» والناس مختلفون
فريق غالى فى تقديره حتى رفعه إلى مرتبة فوق كبار أئمة الفقهاء. فتجاوز به أقدار الأثمة
الاجتهاد؛ وما اجتهد فيه فقد تجاوز فيه طوره؛ وتعدى فيه حده؛ بل من الناس من كفره
وإن المشاهد قديما وحديثاً أن الرجل الذى يختلف الناس فى شانه بين إعلاء وإهوا»
لابد أن يكون رجلا كبيراً فى ذات نفسه,؛ عظيماً فى خاصة أمره: له عبقرية استرعت
المصقع؛ وهو الباحث اللثقب؛ وهى العالم المطلع الذى درس أقوال السابقينه ود انضجها
أعماقهاء وتعرف أسرارها؛ وفحص الروايات» ووازن بين الآراء المختلفة. وطبقها على
الزمانء مع إدراك للقوانين الجامعة. وربط للجزنيات. وجمع للاشتات المتفرقةووضمها فى
قضاياهاء ولقد سار فى الحكم عليها سير القاضى العادل تسيره المقدمات ولا يسيرهاء
تكلم في مسائل من علم الكلام, فتكلم فى خلق القرآن؟ وتكلم فى قدرة الإنسان وإرادته
بجوار قدرة الله تعالى وإرادتة؛ وهى المسائل التى آثارها الجهمية والقدرية فى الماضى+»
وتكلم فى المشتبهات من آيات الصفات؛ ووصف الله سبحانه وتعالى بالاستوا ء» وقد فحص
هذه المسائل بطريقته غير متقيد إلا بالكتاب والسنة ومناهج الصحابة وكبار التابعين» وبحكم
الجمهرة العظمى من العلماء فى عصره؛ ورمى الأشاعرة والماتريدية بأنهم فى مسأل الإرادة.
جهمية. فعندئذ تصدى له الأتباع مجاهرين بعداوته ورموه بالشطط والخروج والضلال. وكانت.
, +- ولم يكتف بان يثير عليه خصومه من الفقهاء والتكلمين فقطء بل أثار صوت الحق
الذى كان ينطق به طائفة أخرى أشد لجباً؛ وأقوى على العامة سلطاناً؛ تلك هى الصوفية
النفوس؛ وأنكر عليهم ما ينشرونه بين أتباعهم من التوسل بالأولياء والصالحين. وعد ذلك من
قبيل اتخاذ المخلوقين شفماء الخالق ليقربوهم إليه زلفى. كما كان يقول المشركون فيما حكاه
لا يصح الاستغاثة بأحد من الخلق؛ ولا بمحمد سيد الخلقء وجار بذلك فى الجموع الحاشدة؛
أنه دينء وواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يلزمه بإرشاد كل ضال فى اعتقاده؛ سواء
وإن ضلوا وهو يستطيع الإرشاد وإنارة السبيل فعليه وزر من وزرهم؛ فإنه كان يأخذ بقول
-٠ واسترسل فى إعلان آرائه استرسال العالم اادريق الوثيق فى حجته, وقد آتاه
وطرائقهم السرية ما جعله هو وسائر المعاصرين يتظنون فيهم الظذون, ويقبلون عنهم
الزعماء والكبراء من أهل الجماعة الإسلامية, وظهرت آثار ذلك منهم فى القرن السادس
والسابع وتسامع الناس به؛ ولم يعد أمره خفياًء وكانت المعركة قائمة مستعرة الأوار بين أهل
الإسلام وحملة الصليب, فكان للظن ما يسوغه؛ ويسهل قبوله.
- خاصم ابن تيمية كل هؤلاء» وليس الغريب أن يكون له من بينهم قادحون» يورثون
قول السوء فيه لأخلافهم؛ بل الغريب أن يستمر فى دعوته وتأليبهم عليه من غير خوف»
وما السب فى أنهم لم يمدوا أيديهم بالأذى البدنى إلا مرة واحدة أثار الصوفية فيها
الواضح للعامة والكافة إخلاص, فهو الفقيه العالم الذى يجاهد بسيفه فى سبيل الله» ولم
ميدان القتالء كما كان شجاعاً فى ميدان العلم والسياسة, ذهب على رأس وفد من دمشق
يدعو قازان ملك التتارء إلى منع العبث والفسادء وخاطبه بقلب جرئ؟ ولم يتردد فى أن
يصف أعمال ذلك الملك العسكرى القاسى فى جبروته بوصفها الحقيقى.
ويشاركهم فى ضرائهم؛ فكانت القلوب تصفى إليهء والأفئدة تهوى نحوه. فسهل ذلك قبول
قوله. وإن كانت فيه مجاهرة بمخالفة الماآوف المعروف عند العلماء فكانت أعماله شاهدة
بسلامة دينهوقوة يقينه؛ والأعمال تسترعى الأنفس أكثر مما تسترعيها الأقوالء وفوق هذا
كانت له شخصية رهيبة قوية, ونفس حلوة جذابة. وقلب رموف خافق؛ ومقل جبار نافذء
علمنا تحت أى تأثير كان المستمعون له؛ فوق أنه كان ينهل من العذب الصافىء والورد
المورود إلى يوم القياسة. وهو كتاب الله تعالى وسنة رسول الله #, فهو يأخذ بالباب
المستمعين إلى المحجة البيضاء؛ وكان كثيرون من الدهماء يصغون إليه؛ وكثيرون من الخاصة“
واذلك وجدنا الذين يكيدون لذلك العالم الجليل من العلماء المعاصرين يكيدون له عند
لكثيرين من العامة فكان من السهل إثارتهم عليه.
-١ هذه لمحات لتلك الشخصية الرائعة التى تحاول وضع أيدينا على مفتاحها ؛ وتعرف
خواصها! واستكناه حقيقتهاء وتقصى أخبارها؛ ونتتبعهاء وصاحبها صغير إلى أن يبلغ
ذلك لأنهم شاهدوا وعاينوا, فاكتفوا بتدوين شهادتهم وعيانهم.
وإن سرد الوقائع من غير توسيعها بالخيال يسهل على الدارس دراسة الشخصية
ولذلك لا نجد الصعوبة التى كنا نجدها عند دراسة الأئمة الأربعة» وتعرف أشخاصهم.
من سيرتهم التى دونها كتاب المناقب, فإنا كنا نجد مبالغة وإغراقاً فى المدح بالمعقول وغير
المعقولء فكان استخلاص الحقيقة من بين المدون المسطور صعباً عسيراً
آما هنا فإنا نجد السيرة مدونة تدويناً صحيحاً خالياً فى أكثر الأحوال من المبالفة
وإن بالغ بعض الكتاب؛ فإن تمييز الحق الصحيح من بين ثنايا المبالغة سهل بالموازنة بين
4 ولكن إذا كان تعرف شخصيته الإنسانية من وقائع سيرته سهلا يسيراً؛ فإن أمراً
آخر يعترضنا فى تعرف شخصيته العلمية, إذ أن تعرفها صعب عسيرء بل أصعب من
تعرف الشخصية العلمية للاثمة السابقين, كالإمام أبى حنيفة, والإمام مالك وغيرهما؛ لأن
فكان من السهل أن تعرف كيف تكونت شخصية الإمام العلمية؛ لأننا نتتبع الشيون الذين
أنتج هو نستطيع أن نمرف مقدار الأثر العلمى الذى تركهء ذلك بأن العالم الحق هو الذى
أما ابن تيمية فقد جاء فى القرن المسابع والمذاهب مدونة, والسنة مبسوطة. فى
ورب كتاب يقرؤه الشادى فى طلب العلم فاحصاً مستومباً يوجهه أكثر من معلم يوقفه
-١ وإن ابن تيمية بلاشك تلقى على شيوخ قرأ عليهم الحديث وعلوم اللغة وعلوم
الدين من تفسير وفقه وعقائد؛ وغير ذلك من العلوم التى كانت معروفة فى عصره وكانت
من العلماء الفطاحل, واجده كتب فى أصول الفقه الحنبلى مبسوطة قيمة, وهو فقيه من
فقهائه نرى القدم الثابتة فيه.
تلقاها من شيوخه الذين شافهوه؛ بل إن التكوين الأكبر لفكره وعقله يرجع إلى ما قرأ
دراسة مقارنة واضحاة. متعرفاً أسراره وغاياته؛ ونراه على إلمام بأصول المذاهب الإسلامية
استخرج بها فلسقة الشريعة سائفة سهلة القبولء
وغيرهماء بل إنا نجد فى بعض مناهجه فى علم الكلام تلاقياً فكرياً بينه وبين الغزالى
أحياناًء لايمكن أن يكون من محض المصادفة؛ لابد أنه اطلع على الرسائل الفلسقية لإخوان
المجزوم به أن يكون قد اطلع على المحلى لابن حزم»
وهكذا فهو قد درس كل العلوم الإسلامية التى كانت مدونة, وتضافرت بذلك الأخبار
وام يكتف بالدراسة الإسلامية. بل درس غيرهاء ولعل أظهر ما يدل على ذلك كتابه
(القول الصحيح فيمن بدل دين المسيح) فإنه يكشف عن كاتب ملم إلماماً بالديائة المسيحية
٠ - ومن هنا نجد الصعوبة فى دراسة شخصية ابن تيمية العلمية, فإننا لانستطيع
أن نحصى الينابيع التى استقى منهاء ولا أنواع الغذاء العقلى الذى تغذى بها عقله, فائتج
سجلها التاريخ لابن تيمية فى سجل الخلود هى فريدة فى بابهاء لم يكن فى نهجه فيها تابعاً
بيد أنه لابد أن نفرض حتما أ
سبق من آثار علسية دخل فى تكوينه الفكرى والعلمى, فهو وإن كان قد تغذى من علم
السابقين. قد أتى بأمر هو خلاصة ما انطبع فى نفسهء واستقام فى فكره, كالجسم يتفذى
من كل غذاء؛ ثم يكون من ذلك مزيج فيه كل العناصر التى تغذى منها . ولكن له خواص تجعله
رضى الله عنه.
وسنحاول أن نبين ذلك ما استطعثا إليه سبيلا.
الإسلام قد انحلت إلى دويلات صغيرة. كان بأسها بينها شديداً» كل واحدة تنتهز الفرصة
للانقضاض على الأخرى. وسار املك عضوضاً. ولم يعد له قرار ثابت؛ فتعددت الأسر
حتى إذا أغار الصليبيون على عقر الإسلام» وراموه بسوء وجد من الملوك ذوى الغيرة.
أخذت تدس للجماعة ما يزيدها انقساماً, وتجعل الخلاف أشد احتداماً» ولى تجاوزنا الآفاق
واتجهنا الى الأندلس جنة الإسلام فى الدنيا لوجدناها قد انقسمت إلى دول صغيرة؛ حت
آخر الأمر من بعد ذلك العصر على البقية الباقية. فالقاها فى اليم من غير رحمة ولاش نا»
وهل ينتظر الرحمة من الأعداء؛ إلا من ينتظر من النيران الماء.
هذا إجمال للعصر الذى عاش فيه نو القلب المؤمن المتوثب ابن تيمية. وإذا كان
الإنسان اب تاج عصره وهو فى ذلك كالبذرة الصالحة لا ت:
جو يلائمهاء وأرض تغذيهاء فكذلك الرجل العبقرى يبادل عصره ويتغذى من حلوه ومره؛
العظيم بالامه وأوصابه» ودراسته ليست سهلة لتشعب نواحيه» وتعدد متاحيه. .'