ذلك الغرب» أما تواريخ الأمم الأخرى ذممهّدة لهذا التاريخ الغربي أو هاش من هوامشة؛
إل أن هذا الاعتقاد لم يلبث أن تبدل بعد الحربين العالميتين بظهور قوى جديدة في العالم لها
وجهاتها الحضارية وإنجازاتها الهامّة في تقرير مستقبل البشربة؛ هذه القوى الجديدة
تجسدت بالولابات المتحدة الأميركية وباتحاد الجمهوريات السوليتية وبظهور شعوب عريقة
الأمر الذي حدا بالأوروبيين إلى عزعة الثقة بثوابت النظرية الغربية القائلة أن الحضارة
إلى التغريب إن عاجلاً أو اجلاً.
وشاكلاتها وبالتالي إلى إعادة النظر بمفهوم علم التاري بار أنه إذا كان التاريخ ضرورياً
لفهم الحاضر فإن هذه التطورات الكبرى في العالم لا تفهم من خلال دراسة التاريخ العرري
فحسب بل يلزمنا الرجوع إلى الأصول الحضارية والبشرية جمعاء؛ إذ قد يكون للتكوين
التاربخي_الشامل أثر كبير في هذه التطورات.
وفي الوقت الذي أكثر المؤرخون فيه من وضع تعاريف للتاريخ؛ إلى درجة تخطّت
فيها المتعارف عليه لتشمل في القرن التاسع عشر كل شيء يمكن إدراكه حي كان أم جامداً»
بحيث أصيح التاريخ فكرة شاملة» بمقدوره الادّعاء بأنن كل نشاط أو كل ظاهرة تصلح أن
تكون موضوعاً لبحثه أو داخلة ضمن نطاقه.
هذا التوسّع الشامل في تفسير معنى كلمة التاريخ» كاذ معلوناً إلى حدما في الإسلام
ولكن على سي خاصة أشارت إليها كتب المسعودي وتحديداً كتابه «مروج الذهب؛ كما
فسوف نقع في خطأ دون أن ندري» ألا وهو إهمالنا الفرق بين التاريخ بهذا الممنى الواسع
وبين التاريخ كموضوع لعلم التأريخ فالتاريخ بالمعنى الضيق الممكن تطبيقه هنا ينبغي أذ
يُعرف ب «الوصف الأدبي لأي نشاط إنساني ثابت سواء قام به الأفراد أو الجماعات والذي
يتجلى في تطور لية جماعة أو فد ففي هذا المعنى فتط يستطع التاريخ أذ يكوا موضيع
80 راث دوزثال: دعام التأريخ عند المسلمين»؛ ترجمه د. صالح أحمد العلي» صن 18+ مؤسسة الرسالة.
وفي الوقت الذي أكثر المؤرّخون من وضع تعاريف للتاريخ» فإن كثيرين اهتموا في
للتعبير عن فكرة التاريخ بالعربية يتلخص بعلم الأخبار؛ وقد كانت كلمة الأخبار (صيغة
الجمع لكلمة خب هي الأكثر شبوعاً. أنا أصل خبر فغير واضح» والمهم هو أن كلمة أخبار
تطابق التاريخ من حيث أنه قصة أو حكاية ولا تتضمن أي تحديد في الزمن . هذا التعبير نفسه
لم بابث أذ تناهى إلى أفكارثا وكأنه تعبير عن الأعمال المتصلة بالرسول وأقواله؛ والتهى به
الفي تعني القمر أو الشهر وحي في الآكدية (أرخو) وفي العبرية (برخ). والمرجع أنها لم
تستعمل في العربية؛ كما أن المرججح أيضاً أن العرب لم يستعيروا هذه الكلمة لا من الأكدية
ولامن العبرية أو الآرامية")؛ لكنه من المحتمل أن تكون قد استعملت في اللهجات العربية.
. وفي هذه الحال يمكن أن نفترض أن شكلها الأصلي الفرضي من
العربية هو «توريخ» وأنا تاريخ هو التكوين القديم من «مؤْرح مؤرح). وقد تدعم هذا
الاحتمال الروابات الإسلامية القي ترى أن التقويم الهجري (التاريخ) ماخوذ في الأصل من
أخرجه أحمد بن حل بسند صحيح؛ لكن فيه انقطاع بين عمرو ين ديار ويعلى. .0 ورد
ابن أي حي تِ
ورغم وضوح العلاقة بين النكية والإطار الجغرافي للتدليل على الأصل العربي
فخير فرضية هي القول بأن هذه الكلمة مشتقة من القمر أو الشهر» وبذلك تكون الترجمة
(ا) انظر: روزثال: مصدر سابق» م 18
ومع اضطراب تفاسير اللغرين في أصل هذه الكلمة وتشكيكهم في عروبتها ثراهم برجمرنها إلى أصل فارسي
انظر: حمزة الأصفهاني. ملوك الأرض والأنبياد»؛ طبعة مكتبة الحياة؛ ببروت؛ بدون تاريخ صن 18
(1) ددزتثال؛ دعلم التأريخ ...6 مصدر سابل ص 11-14
() محمد بن عبد الرحمن السخاري: «الإعلان بالتوبيخ لمن ثم أهل التاريخ»؛ صن 104 *8
الحرفية لكلمة تاربخ هي التوقيت حسب القعر + أي الإشارة إلى الشهر واليوم من الشهر عن
طريق ملاحقة القمر» وانتقال المعنى من التوقيت بالقمر إلى التاريخ أو الحقبة؛ يمكن في
هذه الحالة أن نفترضه نتيجة لاستعمال الكلمة للدلالة على اليوم والشهر في الوثائق+ ثم تاني
الإسلامية تعود لتجمع على ترجيح الرأي الذي ذكر أعلاه بأن عمر هو من أدخل التقويم
الهجري وأنه كان قد استعمل ورقة بردي يرجع تاريخها إلى اسنة ١7 ه7١"
أفصل لول
«التارين العربي ما قبل الإسام؛
الفصل الأول
«التاربخ العربي ما قبل الإسلام»
إن معائاة العرب قبل الإسلام لفهم التاريخ وبالتالي لمعرفة عملية التدوين التاريخي
أت بالضرورة إلى الشك في صحة المعلومات التي وردت في ذلك الحين عن الجزيرة
العربية قبل الإسلام؛ خاصة وأن معلوماتنا المتوفرة هذه تستند إلى المصادر الإسلامية؛
والنقاش لا يزال محتدماً حول مدى دف هذه المصادر في وصف الأحوال الثقافية قبل الإسلام»
وفي عصور صدر الإسلام؛ وهل صحيح نسبة كثير من الأخبار والمواد الأدبية إلى عصور ما
قبل الإسلام؟ لا سيما وأن الأخبار عن الأدب العربي القديم في عصر صدر الإسلام يمتزج
فيها الصدق والكذب إلى درجة لا يمكن إيجاد قاعدة عامة مير بواسطتها بين 1
هذا المجال ورغم تخرّفنا من العوامل الشخصية التي سوف تتدخل بشكل أو بآخر علينا أن
إن السكوت المُطبَقَ لمصادرنا عن أخبار الجزيرة العربية يعود إلى اعتقاد المسلمين بأن
جزيرة العرب كانت موطناً للجهل» لأنها موطن جماعات بدوية كانت دائمة التنقل والترخل
بين واحاتهاء تفتقر إلى التنظيم السياسي الواسع» الأمر الذي أدّى إلى محدودية الأفى الفكري
وإلى انعدام عملية التواصل للخبرات القديمة في المجتمعات البدوية؛ وبالتالي إلى عدم تولّد
رغبة لوضع مؤلفات تاريخية بالمعنى اللفظي للكلمة.
تُرى هل ترك عرب الجزيرة مادة أدبية أو ما شاكل تشير إلى واقع مجتمعاتهم بدوية
لاريب أن الأحداث الهاة كانت تستير اهتماماً طبيعاً عندهم ويتم التعبير عنها بأدوات
مختلفة» قد تكون اسطورة أو قصة أو نسباً أو اغنية أو نقشاً أو سجل أحداث. وبالفعل فقد تم
اكتشاف نقش عربي باتيٍ وضع لتخليد أعمال امرىء القيس» كما تم العثور على نقش آ:
يشير على الأرجح إلى تدمير خيبر ويرجع إلى سنة 08 هل'». هذان النقشان اكتشفا في
الطرف الشمالي الغربي للجزيرة العربية؛ وإذا ما حاولنا التعمّق في كشف التراث التاريخي
الأصيل للجزيرة في العصر الجاهلي يازمنا الولوج في مسألتين هامتين؛
الأولى : أدب الأيام. وهل برجع إلى ما قبل الإسلام؟ وكيف كان شكله؟
كان كذلك فما هي طبيعة العلاقة بين علم الأنساب والتاريخ؟
لا شك أن أخبار أيام العرب قديمة جداً» يؤكد يدّميتها مُحاكاتها لأقدم الأقسام التاريخية
في التوراة؛ من هنا فق التشرت باعتبارها قصصاً مستقلة قبل أن تدخل في القصة |
وقد تبرز أهمية أخبار الآام عند العرب نثرأ وشعراً بالرجوع إلى الثماذج الموجودة في التو
استند إلى مصادر مدوّنة. ورغم ذلك دفالأيام» موجودة فعلا في عصور ما قبل الإسلام»
والسؤال المطروح هو: هل وجود هذا القصص دليل على الشعور التاريخي أو تعبير عن هذا
الشعور؟ الواقع أن قصص الأيام ترجع في أصلها إلى الأدب أكثر مما ترجع إلى التاريخ فقاد
كانت تُروى بالدرجة الأولى لإيناس السامعين ولمتعتهم العاطفية» وهذا لا ينفي احتواءها على
زها الاستمرار» كما يعوزها دراسة الأسباب والنتائج التاريخية» إضافة إلى أنها
زمن بعين الاعتبار قط . من هنا لم تشكّل القصص هذه أحداثً متتالية تدفع بالعاملين
في حقل التاريخ إلى الاعتقاد بان الشعور التاريخي كان قد تقدّم قبل الإسلام» وبالتالي لم
هذه القصص وجهة تاريحية لتصبح في عداد الآداب التاريخية؛ رغم أن فنونها وأشكالها
أما الانساب فرغم دلالتها على وجود الإحساس التاريخي عند العرب فإنها تأخذ في
"يام شعرا كان أم نثرا
الانحدار إذا ما اعتبرت شكلاً من أشكال التعبير التاريخي . لاسيما وأن العناية بشُجيرات
)١( انظر روزتثال: دعلم التاريغ.0:؛ مصدر سايق من 78
)١( عفر القضاةد 0
بعين الاعتبار النواحي التاريخية؛ ولم يأخذ بعين
الاعتبار عملية التدوين» لأن ١ أنساب كانوا يحفظون معلوماتهم عن ظهر قلب»
في الأنساب» فذلك يعود لعدم الحاجة لعملية تدوين تلك الأنساب» لأن العرب قبل الإسلام
تشكيل الصور الأدبية لعلم التاريخ الإسلامي.
وإذا كانت الأيام والأنساب المصدرين الأساسيين للمادة التاريخية في شمال الجزيرة
العربية؛ فإن عرب الجنوب في اليمن الذين انتقلوا من طور البداوة إلى حياة الاستقرار في
مدن اليمن والحيرة اهتموا بتدوين أخبارهم ونقشها على أوابدهم الأثرية ومعابدهم وفلاعهم
وسدودهم؛ بلغة الجنوب وبخطهم الخاص بهم؛ المسندء يذكرون فيها مختلف الشؤون من
أعمال الدين والخير والجزية وبثاء الأسوار والمعابد والحصون والحملات العسكرية؛ وقد
دخل إليهم بعد سنة ١18 ق.م تقويم ثابت1'؟. وبشير الهمذاني في كتابه الإكليل إلى ما
أبي علكمة المراني علامة اليمن في عصره»؛ وإلى «ما نقله هو بنفسه من نسب اللعوبين
المقيد الأصول». «وهذه الرواية منقولة عن ُبور قديم بخط أحمد بن موسى بن أبي حنيفة
النسب في عصور ما قبل الإسلام لم
حادث سيل العم وهجرة كثير من القبائل اليمنية عقب ذلك إلى الحجاز وتهامة ونجد ومشارف
كل من العراق والشام؛ وأخبار بلقيس ملكة سبأ وعلاقتها بسليمان» واستيلاء أبي كرب تباذ
أسعد على اليمن» وحكم يوسف ذي نواس أحد ملوك دولة حمير الثائية واضطهاده لنصارى
مدينة نجرّان وإحراقهم في الأخدود وفتح الحبشة لليمن على يد القائد أرياط؛ وبناء أبرهة
الحجشي خليفته في حكم اليمن كنيسة القليس في صنعاء؛ وحملة هذا الأخير على مكة عام
(1) عبد العزيز الدوري : «نشأة علم التاريخ عند العرب»» دار المشرق» ص 4» ثقلا عن ربكمائز: «النظام الملكي في
بلاد العرب الجنوبية»؛ ص 1187 وقد توصل ريكمائز إلى هذا ١
قيازان مناسنة 1367 رانم جرى الحادث الذي يتعلى النقش به سئة 847 م. أما سئة 18 .م فهي سئة وصول
حمير إلى السلطان الواسع في البمن.
الات جريب
الفيل سنة الا م؛ وحروب سيف بن ذي يزن الحميري مع الأحباش وطردهم من بلاده
ذلك إلى تعضّب الأخبار بين اليمنيين الذين عاشوا في القرن الأول للهجرة لبلادهم+
وحرصهم على أن يظهروا قبائل عرب الجنوب متفوقة في مضمار الحضارة على عرب
الشمال» لا سيما بعد أن أخذ الشماليون يستعلون على اليمنيين بظهور عدد من الأنبياء فيهم
ومن بينهم محمد بن عبد الله (رص)
وهكذا أوقعت أخبار عرب الجنوب المؤرخين في الحيرة والارتباك» لصعوبة تحقيقها
تقد في كتابه الإكليل الأخبار المتعلقة بتاريخ اليمن قائلً: «فوجدت أكثر الناس يخبط خَبْط
عشواء ويعمّه في حندس طخياء00, أما ل تلك الأخبار القي وصلتنا عن تاريخ اليمن
القديم فقد غلب عليه الطابع القصصي الذي كان سائداً في رواية عرب الشمال لاخبار
أيامهم ؛ وبالتالي لم يعتبر المؤرّخون هذه الأخبار دات قيمة تاريخية. لكن أهميتها تكمن في
ديمومتها وفي استمرارية الاهتمام بالأيام والأنساب» واعتماد أسلوب الرواية نفسه الأسلوب
القصصي شبه التاريخي.
إن أول الإخباريين وأهمهم من الذين زَوُوا تاريخ اليمن القديم بشكل قصص؛ اقتبسها
مؤرّخونا ونقلوا الشيء الكثير منها إلى كتبهم ثلاثة هم : كعب الأحبار ووهب بن مه وعبيد بن
شريه الجرهمي . ورغم أن الطابع الأسطوري كان قد غلب على روايات هؤلاء الثلاثة الآنفي
الذكرء فإننا نرى أنفسنا ملزمين بدراستهم» بسبب اعتماد العديد من مؤرّخي صدر الإسلام
على ردايتهم في المواضيع المتعلقة بالجاهلية؛ كما اعتماد عليهم أب أولئك السب
الذين غُنوا بالتراجم والطبقات أمثال ابن سعد وابن خلّكان وياقوت الحموي وغيرهم؛ كما
كعب الاحبار: هو كعب الأحبار بن ماتع() ويكنى أبا إسحق من حِمْيرٌ من آل ذي
رُعين؛ وكان على دين اليهود» فأسلم وَلِمَ المديئة ل خرجع إلى الشام فسكن حمص حتى
ترفي بها سئة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عدا ذكر آخرون أنه توفي سنة
؟* ه. ويقول ابن سعد أخبرنا يزيد بن هارون وعفّان بن مسلم قالا: حدّثنا حماد بن سلمة
(ا) الهمذاني: «الإكليل»؛ مصدر سابقء اج ٠١ ص 4
()' محمدين سعد: «الطبقاث الكبرىة؛ اج لا صن 445 0447
عن علي بن زيد عن سعيد المسيب قال: قال العباس لكعب: ما منعك أن تُسلِم على عهد
أبي كتب لي كتاباً من التورا ودفعه إليٌّ وقال: اعمل بهذاء وختم على سائر كتبه» وأخذ علي
فيد صفة محمد وأمته فجئت الآن مسلماً. ويضيف ابن سعد في طبقاته وذكر أبو الدرداء كعباً
اليمن أيام عمر؛ فجالس أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كان يحذئهم عن الكتب
الإسرائيلية ويحفظ عجائب؛ ويأخذ السنن عن الصحابة, وكان حَسَّن الإسلام متين الدياثة من
ثبلاء العلماء. ..0906.
وقد روى كعب أحاديث الرسول عن عدد من كبار الصحابة ومنهم عمر وصهيب؛ وقد
عد من خُيّا التابعين الذين يلون في العادة الصحابة من حيث منزلتهم في رواية الحديث.
لكن المؤرّخ الذهبي ذكر أن كعباً يعتبر من النادرين الذين روى عنهم بعض الصحابة كأبي
هريرة ومعاوية وابن عباس؛ الذهبي «. . . وكان خبيراً بكتب اليهود؛ له ذوق في
معرفة صحيحها من باطلها في الجملة وقع له رواية في سنن أبي داود والترمذي والنسائي؟"' +
ومع أن الكثيرين من جهابذة مؤرّخي التراجم أوردوا سيرة كعب» لكن أحداً منهم لم
اليماني صاحب القصص ؛ من الأبناء ل" يكتى أبا عبد الله من
0443 2445 ابن سعد: «الطيقاتي؛ مصدر سابقء من )١(
() الذهبي: دسيرة أعلام النبلاءة اج 07 من 10-7711
© الذهبي: نفس المصدر والصفحةء
(0) ابو محمد عبد الله بن مسلم بن قتية الكرفي الدينوري.
() والمقصود انه من أبناءأفراد الجيش الفارسي الذي بعث به كسرى انر شروان نجدة للأمير الحميري سيف بن في يز
لإخراج الاحباش من اليمن. انظر: ابن خلكان: وليات الأعياذء اج 7؛ ص 38
(1) ياقويت الحموي: «معجم الادباءه؛ المجلد العاشرء ص 704» دار إحياء التراث العربي.