رواية النغم ، تأليف :سناء السلطان .. هي رواية اجتماعية هادفة ، تدور أحداثها حول بطلي الرواية ساري الذي يعاني من عقدة النقص الدائمة و جياد الشخصية المحبوبة والجذابة ... وتتابع الفصول بظهور العديد من الشخصيات والأحداث الشيقة .. تسعى الكاتبة من خلال هذه الرواية إلى تسليط الضوء على قضيتين ذاتيتين يعاني منها الكثير وهي ( عدم فهم الذات) أو عدم الثقة بالنفس ، مما يجعلها انطوائية وغريبة الأطوار ومتذمرة ـ وقضية أخرى وهي طرق معالجة الفشل ..
الواقع شيءٌ آخر .. بحتمية تقدس سنه من سنن الحياة ..سنة
الاختلاف .
وإنما هي أنغام ..|إحساس أكثر من كونها ماده .. ما حولك لا يمكن
٠ أو لن تفهمها كما هي على الأقل , فعندما لا تتضور جوعا لن تفهم
لماذا يتعارك العشرات بل المئات في أفريقيا على رغيف خبز وصل
للتو من قبيل التبرعات النادرة في المناطق النائية .. عندما تحيطك
.. ولن تفسر على قدر إدراكك للماهيات التي تحوط عالمك لماذا
يبكي الليل كله من حرم منها .. ما لم تشعر ..لن تفهم .
قبل أن تولد كانت الحياة صاخبة جد يا صاحب الشعر الأشقر
والعينين الزرقاوين , كان كل شيءٍ سريع بدرجة أقل من سرعته
لاتفهم أنت كشاب شديد الوسامة , مرفه من الطراز الأول ما أرمي
إليه , في العام نفسه شهدت ولادة ثلاثة معك : أولهم النعجة التي
وشدها مرارًا رضيع بهذا الجمال ..أي رغبة اجتاحتها لتصر على أن
يكون مولودها القادم جميل مثلك . أشقر مثلك ! الطريف أن شفتها
تشققت من كثرة ابتلاعها الليمون ! أوتظن هذه السيدة الخرقاء أن
وليدها المنبعث من رحمها سيكون أشقرا هكذا ..عنوة ! بالمناسبة ,
عبن حاولت , فقد باءت حزمة من خططها بالفشل مرة بعد مرة ؛
حتى أتى مولودها حنطيا بشعر أسود مجعد يعاني فقر الدم
المنجلي ! اكتفت بدموع الفرح ( المحزنة الراضية ) وتمتمت .. يكقي
الفصل الأول
( لقاء الشرق بالغرب)
_ الساعة الآن السادسة صباحا ! إنه موعد أسوأ موعد على الإطلاق
موعد التسوق الإجباري التعسفي السوفييتي النازي لوالدتي البتة
إنه موعد الوقت الذي أقابل فيه أكثر شخص مغرور في العالم ..
أكثر شظية نارية وهاجة نزلت بقربي جراء انفجار عظيم من بطن
جاري وصديقي وقدري .. معالي السيد جياد !
- جياد : ما رأيك بشكلى اليوم ؟.. أعلم أنني وسيم ولكن أريد أن
أسمع "وسيم" من لسانك .
- ساري: ريما تكون .. غبي.
كان يزعجني جد هذا الصديق رغم أني كنت أحبه للغاية , لا أدري
أي غيضة تنتشل صفاء قلبي عندما يبدأ بقول مثل هذا الكلام ..
ويخبرني عن أناقته ووسامته وأسماء المعجبات به كل صباح.. باذخ
في ممرات الجامعة عندما أمشي معه أشعر بأني صفر يقف وراء
الوجود ..فارق حي يفصل بين البلاستيك والذهب , لا قيمة لي أمامه
٠ مع أني أعلم أن الوسامة ليست كل شيء .. رغما عني أتهشم بهذا
الإحساس . اتآكل طويلاً ؛ فليته كان وسيم فحسب ..لقد كان أكير
هذا الأرعن بمسابقة الزمن ؛ بوفرة الرغد الذي ينعم به سنةٌ تتبعها
يعلم , يجري لا لكي يجري ؛ يجري كي أكون في الخلف ٠ _
المراحل الأولى من المدرسة نفتني مني بسببه ! كنت أشعرٌ بنعيم
ومتفوق وبارع في الرياضيات فقط , ولا لأن حاسته السادسة دائماً
الوحيد الذي لا يراه كذلك.
جياد ولد في بيئة لم تشبه البيئة التي ولدت فيها مطلقا مطلقًا.
تاجر للمجوهرات لا يرفض له طلبا .. ولديه أخت تبلغ من العمر
زهره فواحة واحدة لا تحدث له أي ضجيج أو ضغط أو منافسة .
وهو الفتى الوحيد لعائلته, الذي امتلك جميع العطايا والهبات .. النعم
التي توزع على كل عشرون شخص امتلكها هو بمفرده..
مدلل للغاية . يستطيع أن يشارك في أي نادي يحبه ؛ يهوى الحياة ..
وسيم وسيم وسيم وهذا يكفي في نظري لجعله يتقلب في زمرة
السعادة .. متفوق على أقرانه في دراسته .. المال والأعمال
والإدارة .
من أسرة أقل من متوسطة الدخل ..لا أمتلك سيارة حمراء مكشوفة
مثله ؛ ولا يتهافت على المحبين من كل صوب ولا أشعر أن لي أم
وأب .. أدرس السنة الثانية من الجامعة في كلية الآداب ؛ قسم
اللغات .. والدتي خياطة في إحدى المعامل النسائية وهي مرحة
للغاية وتتصرف بطريقة ساذجة جدا ؛ تسبب لى تصرفاتها الكثير من
الإحراج خصوصًاً أمام أسرة جياد , والدي غير مسؤول ومتزوج على
نفسه سببت له زهايمر وصداع وانفصال غضروفي وآلام في عموده
الفقري وإلتواء في مفاصله ونقص حاد في المناعة .. إن الزوجتين
الجحيم برم عينه .. موظف بسيط في قطاع حكومي كابي لا
يمكن أن يلبي احتياج ثلاث أسر ء لدي من والدتي أربع أخوة صغار
أشباح وأنا أكبرهم , ولدي أخت أصغر مني بسنتين ؛ هي الآن في
المرحلة الأخيرة من الثانوية العامة وهي النعمة من بين النقم
..هي الزهرة وسط غابة الأشواك , لطيفة جد وهادثة ولا تجرأً
زوجة أبي الثالثة , وثلاث أشقاء أصغر مني من زوجة أبي
الثانية ..الأفواه تصرخ , الضوضاء هي لغة الحوار في منزلنا ,
فوضوية شديدة عائمة هنا وهناك أجهل مصدرها , أتكون من
الجوارب الملقاة على سطح السرير ؛ أم من رأسي الغارق في
التشتت , أو من أوراق امتحانات سابقة نسيت رميها منذ العام
الماضي ؛ أم يا ترى لأن لي أخوة صغار
ومحاربة تجاريهم أكثر من أمي .
جياد وانظر إليك ! " المقارنة بحد ذاتها مستفزة ليس لكونها غير
أن مسيرة العنف الأسري قد خفت الآن ,وأن غبار الحروب السابقة
أتساءل ! كيف لنا أن نعيش في ظل هذه الظروف العسيرة من
دون أصدقاء ! كيف للحياة أن بلع تطاق بدونهم ؟ صحيح أنني أرى
كل شيء يتداعى أمامي ويتحطم مني ويتداعى ورائي ويتحطم
بسببي ؛ وكل شيء ناجح ومبدع من جياد ؛ أتصدقون أنني مع كل
ريما لكون الأيام تضحٌ الاعتياد عليه مذ كنا صبيه نتوشح أضواء النار
مواقد فرح في ليالي الشتاء القارصة ؛ ونستهل بالأمنيات منابر
.. أكلٌ هذه الأسباب كافية لتكون علاقتي معه عميقة إلى هذا
المدى , إلى الأخوة ..إلى المحبة ؛ إلى الاعتياد!.
- ساري: سوار ! ماذا تفعلين ..
- سوار (أخت ساري) : طلبت مني والدتى تنظيف السجاد ثلاث مرات
ومسح النوافذ ومحق كل ذرة غبار في الصالة .
ساري: لا تنسي البسملة .
- سوار : هل تحاول أن تمزح ؟
- ساري: أنا محظوظ لأني صبي ؛ " يغني".
- سوار : أنت دائم التضجر ؛ مالذي يجعلك محظوظ الآن! فقط لأنك
لا تفعل ما أفعل!
- سوار : ماما دعت جيراننا أسرة جياد لحفلة عيد ميلاد " نوير" الليلة ,
وسيتناولون العشاء معنا.
نوير هي شقيقتي ذات السنتين من زوجة أبي الثالثة .
- ساري (يصرخ ) : مستحيل !!! من سمح لها بهذا !
- سوار : مزقت طبلة أذني , أذهب وإسألها بنفسك .
لا تعلم سوار كم يبدو مخجلاً هذا اليوم الذي يزورني فيه جياد مع
أسرته الرفيعة المستوى , مع أنها لم ولن تكون الزيارة الأولى فقد
زارني من قبل مراتٍ عدة, لكنني في كل مرة أتمنى لو تنشق
وأخوتي المشاغبين الذين لا يتصرفون بلباقة..أتعرق ؛ أبلع ريقي,
أغص .. أحمر أخضر أزرق وأغضب .. أتوجه إلى المطبخ ..أتجاسر ..
وبينهم لماذا تصرين على دعوتهم في كل مناسبة ,ألا يوجد أشخاص
تعرفينهم سواهم !
السيدة هنادي: تأدب يا ولد ! ولا شأن لك بالمدعوين .. ثم مالذي
إلى فوارق تاقهه لا قيمة لها عند الله !
قالت لي حكمة من الفضاء الخارجي لا اقتنع بها ؛ كثيرا ما كنت
أشعر أن أمي لن تفهمني أبدا .
جياد .. ولا تصفف شعرها الملتو والمتطاير , ولا تفقه شيئًا في
حاولت يمنةً ويسرى أن أصرف جياد على الأقل من زيارتنا الليلة ,
لأنني أتوسد نائلة همه أشد من هم مجيء أسرته ..سطع فجاه
مصباح أصفر فوق رأسي المعتم وقررت الاتصال به لأدلي دلوي .
( على الهاتف)..
- ساري : توقف عن السخرية ..
- جياد : مشكلتك أنك غير منطقي ؛ تريدني أن أختار لك سياره
وأنت لا تملك ثمنها! أنت تعرف أنني لو اخترت لك فلن اختار لك
سيارة عادية ,
بعد ؛ المهم أن نذهب إلى المعرض.
ليتتي لم أحاول التهريب به إلى أبعد نقطة جغرافية عن حفلة عيد
الميلاد اللعينة هذه , أخشى أنه لاحظ رغبتي بعدم مجيئه , لا جدوى
.. يجب أن أضع نفسي أمام نفسي لأستسلم راضحا لمهزلة الأمر
الواقع , وأنزل إلى هذه النازلة .
- سوار : أمي هل أزين الكعكة ؟
وليد ( 12 سنة / شقيق سوار): أمي ماذا أرتدي ؟
ناجي (10 سنوات / شقيق سوار) : أمي أريد أن أتذوق الحساء .
سوار: سأذهب وأرتدي فستان العيد الماضي إنه الأنسب ..