ولسنا نشك أن بعض النقاد سوف يوجهون الاتهام الى بعض ما كتبناه بأنه
مشوب بالضعف مع الأعداء ؛ ا أن بعضهم الاخر قد يجدون فى بعض الفقرات
ما ينم على التسلح بالعنف . ولكن مهما كان الحكم الذى يصدر ؛ فما نرجوه هو
ان يكون حكما على الكتاب كله كوحده متكاملة وليس بازاء فقرة أو جملة او
عبارة .
لات
الفصل الاول
من الأ ع<داء
الفصل الأول
أنواع مخفة من الأعداء
أعداء بسبب اصطدام المصالح :
لا يختلف اثنان على أن كثيرا من حالات العداء التى ينشب أوارها بين الناس
إنما ترجع فى جوهرها إل وجود تضارب بين مصالح الأفراد أو الجماعات التى تقف
موقف العداء بعضها من بعض . ولقد يتخذ التعبير عن ذلك العداء أشكالا متباينة
وصيغا مختلفة . فقد يتسم العداء بالصفة السلبية » أى بالقطيعة والتحاشى م قد يتخذ
صفة العدوان وذلك بالخروج من النطاق النفسى الى النطاق العمل بالايذاء المباشر
أو غير المباشر .
والواقع أن لفظ مصلحة لفظ مطاط يحتمل معانى كثيرة ويشتمل على أطياف
متعددة قد يدق اتمييز فيما بينها فى كثير من الحالات . ونستطيع أن نبدأ بالتعرض
للمصالح البيولوجية . ذلك أن الانسان ما يزال - وسيظل أبد الدهر - مشتملا على
أقل من المستوى الحيوانى أو قد نعتبر أنها مجرد جوانب يختص بها الانسان بغير أن
نحكم بسموها ورفعتها أو انحخطاطها وتدهورها .
لعلنا نتخيل مجموعة من الناس وقد ضلوا طريقهم فى الصحراء بحيث أخذ الجوع
والعطش يتبددهم ولاح لم اموت وشيكا . فماذا يكون موقفهم بعضهم من بعض ؟
الأرجح أنهم يتقلبون بين الحب والكراهية . فهم يتعاطفون فيما بينهم اذ يحسون بخطر
واحد يتبددهم » ولكن الاحساس بذلك التعاطف سرعان ما ينقلب - باستثناء
حالات نادرة - الى عداء سافر بعضهم لبعض ؛ فيا خذون فى اختطاف ما تبقى لديهم
من بعض عندئذ يختلف كثيرا عن موقف الكلاب أو القطط الجائعة وقد عارت على
لقمة أو قطعة من اللحم . فهذا النوع من إحتدام الحاجة الى الطعام والماء ينتبي الى
وما يقال عن العطش والجوع ينسحب أيضا بازاء الحاجة الى النوم والحرمان من
الفراش يرتمى فيه الانسان حيث يغلق جفنيه ويستسلم للنوم العميق . ولعل من أشنع
أنواع التعذيب التى يمكن أن ييتلى بها إنسان هو التعذيب بالحرمان من النوم . ولقد
وجد بالتجربة أن الحرمان من النوم يفضى الى الموت فى وقت أسرع من الحرمان
من الماء والطعام . ذلك أن بعض العلماء أجروا التجارب على الفعران وذلك بأن
قسموا مجموعة منها الى قسمين : قسم يحرم من النوم وقسم آخر يحرم من الماء
والطعام . ووجد أن المجموعة التى حرمت من النوم قد مانت قبل المجموعة التى
حرمت من الماء والطعام بوقت طويل . والواقع أن الانسان عندما يدرك المصدر
الذى يسبب له الحرمان من النوم » فانه يحس تجاهه بالعداء الشديد . ولقد ينتهى
هذا الاحساس بالعداء الى عدوان سافر على مصدر الحرمان من النوم . وتشهد بذلك
محاضر أقسام الشرطة ؛ اذ أن كثيرا من تلك المحاضر التى حررت بين الجيران الذين
دب بينهم النزاع أو نشب ينهم الشجار كان أساسه ونقطة البداية فيه الاقلاق
والحرمان من النوم بسبب الاصوات المرتفعة والصخب حتى وان لم يكن قصد
أصحاب تلك الاصوات المرتفعة الصاخبين هو إقلاق الجار .
والى جانب الظماً والجوع والأرق نجد أن الجنس يلعب دورا خطورا أيضا فى
التصادم المصلحى بين الناس . فكثير من الخصومات تقع بين الأفراد والجماعات
يرغب شابان فى خطيتها وينتبى الأمر بأن يقع الاختيار على واحد منهما دون الآخر
ليكون زوجا لا ؛ لابد أن يحس الطرف الخاسر بالضغينة تجاه خصمه الذى كسب
الذى خسر المعركة فيعتدى بالضرب أو بالتشويه أو بالقتل على العروس أو العريس
أو كليهما . ولا شك أن موقف الانسان بصفة عامة من الجنس لا يختلف كثيرا
عن موقف الحيوانات ؛ ولكن لا يفوتنا أن نذكر أيضا أن عوامل التربية هى التى
تؤثر فى طريقة التعبير عما يحدث نتيجة الحرمان الجنسى من أحاسيس ومشاعر معادية
للخصم فى معركة الصراع الجنسى .
أن الاقتصاد فى أساسه يقوم لخدمة المصالح البيولوجية للانسان . ولكن بتعقد الحضارة
فى حياة أجدادنا البداثيين » كا أن الكثير من الكماليات يستحيل بمرور الوقت الى
ضروريات ملحة لا غنى عنها . فالكوخ الذى كان يمثل الحد الأعلى للايواء لدى
الذى اصطفت فيه الشموع الموقدة فى عصر ما قبل الكهرباء لم يعد يسد حاجتنا
نفس الشىء بازاء وسائل الاتصال بل ووسائل الترفيه وما نرتديه من أزياء وما
نستخدمه من أدوات فى شتى ضروب الحياة .
والواقع أن الاقتصاد قد سار فى أطوار متباينة . ولعلنا نشير الى الطور الأول من
أطوار الاقتصاد الانسانى بأنه كان يستخدم الأشياء العينية مباشرة بغير أن يلجا الى
ما يرمز لها . فكان العرب مثلا يستخدمون المقايضة بالابل ؛ فيقدم أعرانى الى اخر
الانسان أن اكتشف استخدام الذهب ليقوم مقام الأشياء التى يراد الحصول عليها »
فيستطيع أن يشترى بقطعة الذهب أشياء متنوعة . وهكذا ظهرت فكرة العملة الى
حيز الوجود وأخذت فى التطور . ونستطيع القول بأن ظهور البديل للشىء نفسه
الى حيز الوجود يشكل مرحلة جديدة من مراحل الاقتصاد الانسانى . ولكن ظهرت
مرحلة ثالثة لعلها تتأيد وتتدعم بمرور الوقت وهى مرحلة « الشيكات 4 . ففى بعض
البلاد المتقدمة ؛ لا يكاد الفرد يستخدم النقود فى حياته اليومية بل يستخدم البديل
وهو تقديم شيك الى البائع » ويكون على البائع بدوره تسليم الشيكات الواردة اليه
الى البنك الذى يقوم بحساب رصيد المشترين والبائعين جميعا ويقوم بادارة دفة
الاقتصاد بين الناس فى شتى مرافق الحياة .
ولا ينكر أحد وجود تنافس اقتصادى بين الأفراد بعضهم وبعض ؛ ثم بين
الجماعات بعضها وبعض . ولفظ « تنافس » هو البديل المهذب للفظ ؛ عداء » .
ذلك أن الأطراف التنافسة على مصلحة اقتصادية معينة انما ترمى الى حرمان الأطراف
الاخرى من الخيرات التى تبغى الحصول عليها . ولقد يستحيل التنافس أو العداء
ال صيغ سلوكية خارجية كالضرب أو تشويه السمعة بين الأفراد المتنافسين »
وكالحروب الباردة بين الدول المنابذة . ولقد ينتحل الأفراد والدول أسبايا أخرى
غير الاسباب الاقتصادية ييررون بها مواقفهم العدوانية ولكن أنى لهم أن يتمكنوا من
اقناع الناس بما يتتحلوه من اسباب وقد اتضحت أمام الملا الأسباب الحقيقية لمنازغاتهم
ألا وهى أسباب اقتصادية فى صميمها ؟
ولكن هذا لا يعنى بالطبع أن جميع المنازعات التى تقوم بين الناس هى فى صميمها
منازعات اقتصادية . ذلك أن من الخطاً الفاضح أن نرد كل شىء الى الاقتصاد وأن
نركز مضمون المصالح فى اطار واحد وهو الاطار الاقتصادى حيث ان هناك أطراً
أخرى غير الاطار الاقتصادى ينبغى أن نأخذها فى اعتبارنا . ققمة الاطار المعنوى
من عداء أو تنافس .ولعلنا نتناول أولا اللغة . فكما أن هناك تعاونا وتفاعلا يمكن
أن يقوم بين اللغات بعضها وبعض ؛ كذا يمكن أن يقوم فيما بينها عداء وتنابذ
وتنافس ؛ بل ويمكن أن يستحيل العداء والتنافس بينها الى حرب بحيث قد تنتى
المعركة لصالم احدى اللغتين ؛ وقد تضعف اللغة المنهزمة نتيجة ما عانته فى المعركة ؛
كم أنها قد تضمر وتكاد أن تختفى بحيث لا يبقى منها سوى مخلفات قليلة أو نادرة
ينطق بها الناس فى سياق اللغة التى انتصرت بغير أن يدروا أن ما ينطقون به لا
يعدو أن يكون من بقايا أو اشلاء اللغة المندثرة .
وعلى الرغم من أن اللغة لا تمل مصلحة مادية » فانها بلا شك تمثل مصلحة معنوية .
فأصحاب اللغة يحسون بأنهم قد كسبوا معركة وجودية عندما يشتد عود لغتهم +
وعندما تتسع رقعتها فيتكلم بها عدد أكبر من الناس ؛ أو عندما يتسع رحابها ففتصلح
لاستبعاب الكثير من العلوم والفنون والآداب الحديثة . من هنا فانك تجد المتحمسين
لترجمة العلوم والفنون والاداب الى العربية وتعريب التدريس بالكليات الجامعية » انما
صارت لغة العلم والادب وسايرت ركب الحضارة .
تعاونا وتفاعلا يمكن أن يحدث بين الأديان المختلفة - سماوية كانت أم غير سماوية -
وبعض . صحيح أن من الممكن أن تتعايش الأديان سلميا فى المكان والزمان » ولكن
الصحيح أيضا أن التاريخ - وهو مرآة الواقع الانسانى - يشير بصراحة الى الكثير
من الصراعات التى نشبت بين الاديان المختلفة ؛ حتى لقد نقول إن أى دين جديد
ظهر على البسيطة كان يترعرع بما يستولى عليه من أرض كانت فى قبضة دين أو
أديان أخرى . ونعنى هنا بكلمة أرض العنى المجازى لا المعنى الحرفى للكلمة وبهذا
امعنى المجازى نستطيع أن نقول إن الدين المسيحى انتشر بأن انتزع أرضا من قبضة
البودية من جهة والولنية من جهة أخرى » كما أن الأسلام ترعرع وانتشر بأن انتزع
أرضا كانت فى قبضة المسيحية من جهة والولنية من جهة أخرى .
وما قلناه عن المصلحة اللغوية يقال بصدق أيضا بازاء المصلحة الدينية . فأصحاب
كل دين يحسون بأن مصالحهم الدينية قد تدعمت بانتشار دينهم © كا أنهم بحسون
بالتهديد يوجه اليهم اذا ما تقلصت الأرض التى يحتلها دينهم لدى إستبلاء دين اخر
وفى هذا الاطار العقائدى نستطيع أيضا أن ندرج العقائد السياسية . فالمؤمئون
بالديمقراطية يرغبون فى ثنى الدكتاتوريين عن العقيدة الدكتاتورية » ومن ثم فان عداء
راسخا يعتمل فى صدر الديمقراطية ضد الدكتاتورية ؛ وقد يتفجر ذلك العداء فى
هيئة حرب باردة أو حرب ساخنة . ونفس الشىء يقال عن العداء بين الرأسمالية
والاشتراكية » أو بين النظم غير الشيوعية والنظم الشيوعية +
والخلاصة هى أن اصطدام المصالح يمكن أن يكون تصادما حول موضوعات مادية
محسوسة ؛ كم قد يكون التصادم حول موضوعات معنوية غير محسوسة . فالمصلحة
قد تكون مصلحة مادية مجسدة م قد تكون مصلحة وجدانية أو عقلية . وبتعبير
آخر نقول إن صدام المصالح هو صدام بين القيم وهى نوعان : قم مادية وقيم معنوية ٠
والناس فى تقديرهم للقيم اما بتهالكون على شىء واحد له قيمة فى نظرهم ويرغبون
فى الاستثار به فينشاً العداء فيما بينهم ؛ واما أنهم يفضلون قيمة معينة ويكرهون
أو يوقعون عليهم الايذاء +
الأعداء النفسانيون :
قد يكون للعداء أسباب خارجية تدفع بالنزاع الى حيز الوجود بين الأفراد بعضهم
وبعض أو بين الجماعات بعضها وبعض . ولكن قد تستند مقومات العداء الخارجى
الموضوعى الى دعائم نفسية الى جانب التعلات الموضوعية التى يتذرع با المتنازعون
ما يمكن أن يلجاً اليه الناس لتفسير ما يحسون به فى قلوبهم من عداء تجاه غيرهم
من أشخاص ؛ فينتحون الى الأسباب النفسية البحتة يفسرون بها عداءهم .
وفى كثير من الأحيان قد تجد صديقين حميمين أو زوجين متحابين وقد انقلب
حبهما الى كراهية بغير أن تكون هناك أسباب واضحة للنزاع القائم بينهما ؛ أو بغير
أن تكون هناك تفسيرات معقولة يلجأون اليها . وأكثر من هذا فان الحبيبين أو
الصديقين لا يستطيعان الزعم بأنهما يحبان الواحد منهما الآخر بنفس القوة فى كل
وقت يلتقيان فيه . فهناك أوقات صفاء ووداد للحب من جهة وهناك من جهة أخرى
أوقات خور أو نفور . ويستطيع أى زوجين توصف علاقتهما بالحب والاخلاضص
أن يذكرا لك تلك الحقيقة م ؤكدين أن ترمومتر الحب ليس ثابتا عند قراءة واحدة »
بل انه يتغير ويتقلب بين قراءات متناهية فى الهبوط فى بعض الأحيان ؛ ومتناهية فى
الارتفاع فى أحيان أخرى . واذا استطاع البعض تفسير هبوط الاحساس بالحب فى
بعض الأحيان بأنه راجع الى الألفة والمدة الطويلة التى يقضيها الزوجان بعضهما مع
بعض فانهم لا يستطيعون من جهة أخرى تفسير الارتفاع المفاجىء فى درجة
الاحساس بالحب بينهما بغير سبب واضح لذلك .
نعم إن فرويد يقدم الينا شواهد تؤكد التداخل بين الحب والكراهية ؛ بحيث تكون
أكثر حالات الحب شدة مشوبة ببعض الكراهية » كما تكون أكثر حالات الكراهية
عنفا مشوبة ببعض الحب ؛ أو بتعبير آخر ان الخامة التى يصنع منها الحب والكره
جميعا إنما هى خامة واحدة وليست خامتين » وأن الكراهية تكون بهذا الاعتبار مجرد
حب مقلوب ؛ أو أن الحب يكون كراهية مقلوبة . ولكن مثل هذا التفسير الفرويدى
لا يضع أصبعنا على الأسباب التى تحدث انقلابا أو تقلبا فيما بين الحب والكراهية .
يستحيل الى الآخر ؛ فما لا يمكن تفسيرة وتفهمه هو العامل الذى يقلب الحب الى
كراهية أو يقلب الكراهية الى حب بغير وقوع أسباب موضوعية خارجية .
هناك من يفسرون هذا التقلب أو التحول بتفسيرات روحبة . فيقولون لك إن
هناك علاقات روحية تنشاً بين أرواح الناس الى جانب تلك العلاقات الاجتاعية
التى نستطيع تحديدها . ولا تقتصر تلك العلاقات الروحية على أرواح الناس
الموجودين على قيد الحياة ؛ بل إنها تنشاً أيضا بين أرواح الأحياء وبين أرواح الموق
تلك الارواح غير المرئية تلعب دورا كبيرا فى الحب والكراهية . ويقول أصحاب
هذا الرأى إن بعض الأعمال السحرية تتدخل فى التأثير الروحانى بين الناس ؛ اذ
أن تأثير تلك الأعمال السحرية يمتد بدعم من جانب الكائنات الروحية الخيرة أو
الكائنات الروحية الشريرة فتعمل عملها فى العلاقات بين الناس . فيقال ان الكائنات
الروحية الخيرة مسئولة عن دعم الحب ؛ وأن الكائنات الشريرة مسئولة أو كفيلة
باحداث ودعم الكراهية .
والواقع أن السحر والتنجيم ليسا معض خرافة لا أساس لا من الصحة . فالسحر
والتنجيم بحاجة الى اعادة فحص من جديد وذلك لأن الكثير مما كان يعزى اليهما