مقدمة
وفيها مسائل
المسألة الأولى : في بيان ما يلزم الناظر في اختلاف العلماء
قال ابن عبد البر : اختلف الفقهاء في هذا الباب على قولين
أحدهما أن اختلاف الصحابة ومن بعدهم من الأكمة رحمة واسعة وجائز لمن نظر في
اخحلاف أصحاب رسول الله ننه أن يأخذ بقول من شاء منهم وكذلك الناظر في
أقاويل غيرهم من الأئسة ما لم يعلم أنه خطأ فإذا بان له أنه خطأ لخلافه نص الكتاب أو
نص السنة أو إجماع العلماء لم يسعه اتباعه » فإذا لم يبد له ذلك من هذه الوجوه جاز له
استعمال قوله وإن لم يعلم صوابه من خطأه وصار في حيز العامة التي يجوز لها أن تقلد
العالم إذا سألته عن شيء وإن لم تعلم وجهه ٠
روي هذا القول عن عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد وسفيان الثوري ومال إليه
جماعة من أهل الحديث متقدمين ومتأخرين .
فعن القاسم بن محمد بن أبي بكر أنه قال : لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي
وعنه : لقد أوسع الله على الناس باختلاف أصحاب محمد كن أي ذلك أخذت به
وعن رجاء بن جميل قال : اجتمع عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد فجعلا
يتذاكران الحديث قال فجعل عمر يجيء بالشيء مخالفاً فيه القاسم قال وجعل ذلك يق
على القاسم حتى تبين فيه فقال له عمر : لا تفعل فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم
.وذكر ابن وهب عن نافع عن أبي نعيم عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه قال لقد
أعجبني قول عمر بن عبد العزيز ما أحب أن أصحاب رسول الله نه لم يختلفوا لأنه لو
كان قولاً واحداً كان الناس في ضيق وأنهم أئمة يقتدى بهم فلو أخذ رجل بقول أحدهم
كان في سعة » قال ابن عبد البر : هذا فيما طريقه الاجتهاد .
فعن عبد العزيز بن محمد بن أسامة بن زيد قال : سألت القاسم بن محمد عن القراءة
خلف الإمام فيما لم يجهر فيه فقال إن قرأت فلك في رجال من أصحاب رسول الله
له أسوة - وإذا لم تقرأ فلك في رجال من أصحاب رسول الله تن أسوة.
وعن يحى بن سعيد قال : مابرح أولو الفتوى يفتون فيحل هذا ويحرم هذا فلا يرى
المحم أن امحل هلك لتحليله ولا يرى امحل أن المحرم هلك لتحريمه .
الثاني : أن الخلاف إذا تدافع فهو منقسم إلى خط وصواب وأن الواجب حيغذ طلب
الدليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس على الأصول منها فإذا استوت الأدلة
وجب اميل مع الأشبه بالكتاب والسنة فإذا لم ين ذلك وجب التوقف ولم يجز القطع إلا
ييقين - فإن اضطر أحد إلى استعمال شيء من ذلك في خاصة نفسه جازله ما يجوز
للعامة من التقليد .
واستعمل عند إفراط التشابه والتشاكل وقيام الأدلة على كل قول بما يعضده قوله
الليث بن سعد والأوزاعي والثوري .
قالوا وأما امفتي فلا يجوز له أن يقتي حتى يتبين له وجه ما يفتي به من الكتاب أو
السنة أو الإجماع أو ما كان في معنى هذه الأوجه .
فعن اللشعبي قال : اجتمعنا عند ابن هبيرة في جماعة من قراء أهل الكوفة والبصرة
فجعل يسألهم حتى انتهى إلى محمد بن سيرين فجعل يسأله فيقول له : قال فلان كذا
آخذ قال : اختر لنفسك فقال ابن هبيرة : قد سمع الشيخ علماً لو أعين برأي .
وقال أشهب : سثل مالك عن اختلاف أصحاب رسول الله تن فقال : خطأً
وصواب فانظر في ذلك .
وقال ابن القاسم : سمعت مالكاً والليث يقولان في اختلاف أصحاب رسول الله
قال لي مالك : يا عبد الله أد ما سمعت وحسبك ولا تحمل لأحد على ظهرك » واعلم آنا
هو خطأ وصوا لنفسك فإنه كان يقال أخسر الناس من باع آخرته بدنياه وأخسر
وعن أشهب مثل مالك عمن أخذ بحديث حدثه ثقة عن أصحاب رسول الله ع
قال إسماعيل القاط التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله له توسعة في
اجتهاد الرأي فأما أن تكون توسعة لأن يقول الإنسان بقول واحد منهم من غير أن يكون
قال ابن عبد البر : كلام إسماعيل هذا حسن جداً
واختلف قول أبي حنيفة في هذا الباب فمرة قال : أما أصحاب رسول الله عله فاعذ
يقول من شعت منهم ولا أخرج عن قول جميعهم وإنما يلزمني النظر في أقاويل من
بعدهم من التابعين ومن دونهم جعل للصحابة في ذلك ما لم يجعل لغيرهم » قال ابن
عبد البر : وأظنه مال إلى ظاهر حديث أصحابي كالنجوم » وإلى نحو هذا كان أحمد
بن حنبل يذهب .
فعن محمد بن عبد الرحمن الصيرفي قال : قلت لأحمد بن حتبل إذا اختلف
أصحاب رسول الله نه في مسألة فهل يجوز لنا أن ننظر في أقوالهم لتعلم مع من
الصواب منهم فنتبعه » فقال لي : لا يجوز النظر بين أصحاب رسول الله تله » فقت :
كيف الوجه في ذلك » قال : تقلد أيهم أحبيت .
وروى السمتي عن أبي حنيفة أنه قال في قولين للصحابة أحد القولين خطأ والمأثم فيه
موضوع ٠
بقضاء أغفل فيه فظلمه من حيث لايعلم فتورع فاستحل ذلك بغرمه له +
وقد جاء عنه في غير موضع في مثل هذا قد مضى القضاء .
قال المزني في الاحتجاج على من قال إن للإنسان أن يأخذ بقول من شاء عند
الاختلاف قال تعالى : يي لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كيراً » سورة
النساء آية 7 » وقال : ل فإن تنازعتم في شسيء فردوه إلى الله والرسول إن كتتم تؤمنون
بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا » سورة النساء آية *4
فذم الاخعلاف وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة فلو كان الاختلاف من دينه
ما ذمه - ولو كان التنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع عنده إلى الكتاب والسنة - قال
وروي عن رسول الله نه أنه قال : احذروا زلة العالم - وفي رواية انقوا زلة العالم فإن
زلته تكبكبه في النار . وعن عُمَرٌ ومعاذ وسلمان مثل ذلك في التخويف من زلة العالم
وقد اختلف أصحاب رسول الله نه نخطأ بمضهم بعضاً ونظر بعضهم في أقاويل
وقد جاء عن ابن مسعود في غير مسألة أنه قال : أقول فيها برأبي فإن يك صواباً فمن
الله وان يك خطكاً فمني وأستغفر الله
وغضب عمر بن الخطاب من اختلاف أبي بن كعب وابن مسعود في الصلاة في
الغوب الواحد إذ قال أبي : الصلاة في الغوب الواحد حسن جميل ؛ وقال ابن مسعود :
إنما كان ذلك والثياب قليلة فخرج عمر مغضباً فقال : اختلف رجلان من أصحاب
رسول الله تنه ممن ينظر إليه ويؤخذ عنه » وقد صدق أبي ولم يأل ابن مسعود ولكني لا
يعظها ويذكرها ويوعدها إن عادت فمخضت فولدت غلاماً نصوت ثم مات فشاور
تقسمها على بني أيك .
فالحاصل أن للعلساء في الناظر في اختلاف العلماء مذهبين » أحدهما أنه يجوز له أن
يقلد أي الرأيين شاء من غير حرج إذا كان القائل به من أهل العلم والعدالة ؛ وصحت
نسبته إليه .وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وأحمد بن حنبل بالنسبة للصحابة » وبه قال القاسم
ابن محمد وعمر بن عبد العزيز وكثير من السلف +
والثاني : أنه لا يجوز له الأخذ بأحدهما حتى يبحث عن الدليل وإلا توقف » ويه قال
مالك والشافعي وكثير من العلماء +
إلا إذا احتاج للعمل فيعمل بما يرى أنه أقرب للأصول كالعامي ٠
وقد يكون الخلا تقرياً لفظياً لأنه إذا وجد الدليل فلا قول لأحد معه » وإذا لم
يوجد الدليل إما لقوة التشابه بالنسبة للمجتهدين وإما للقصور وعدم الاطلاع عليه » وإما
لعدم أهلية النظر في الأدلة » والفرض أن العمل لابد منه وح نعذ المجتهد يعمل ما أداه
اجتهاده إليه ؛ والمقلد لابد أن يتبع عالاً ويعمل بقوله » ولم يرد دليل على وجوب اتباعه
لعالم معين وتفسيقه إذا لم يفعل +
وللعلماء كلام طويل وتفصيلات في الباب موضعه أصول الفقه ؛ قال ابن عاصم في
مرتقى الوصول :
وحيث من يفتي أو لو تعدد تخير الأفضل حكم المقتدى
وقيل بل ما اختار فهو كافى ثم إذا أفتوه باخع_لاف
قيل له تقليده من ماء ١ والأخذ بالأحوط عنهم جاء
المسألة الثانية : في ذكر بعض مسائل خطأً فيها بعض الصحابة بعضاً
وأنكر بعضهم على بعض فيها . وبيان أن الاختلاف ليس بحجة ووجوب طلب
الدليل عنده
والغرض من ذكر هذه المسألة الدأسي بهم والاقتداء في عدم القسرع للإنكار
وتخطيئة من قال بقول يخالف قول مالك مثلا أو أبي حنيفة أو فلان أو فلان بحجة أن
فلاناً أعلم منه وأنه لو كان هذا القول حقاً لقاله فلان .
وقدياًقالوا : من لم يعرف اختلاف العلماء لم يشم أنفه رائحة الفقه
فمن ذلك ما ثبت عن ابن عباس حين قيل له إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب
الخضر ليس موسى بني إسرائيل » قال : كذب .
ورد أبو بكر الصديق رضي الله عنه قول الصحابة في الردة وقال : والله لو منعوني
وقطع عمر بن الخطاب اختلاف أصحاب رسول الله نه في التكبير على الجنائز
وردهم إلى أربع ٠
وسمع سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان الضبي بن معبد مهلاً بالحج والعمرة معاً»
قول أبي هريرة تقطع المرأة الصلاة » وقالت : كان رسول الله تنه
يصلى وأنا معترضة بينه وبين القبلة » وردت قول ابن عمر : اليت يعذب يبكاء أهله عليه
.وقالت وهم أبو عبد الرحمن أو أخطأ أو نسي.
وكذلك قالت في عمر رسول الله نه إذ زعم ابن عمر أنه اعتمر أربع عمر فقالت
وأفكر ابن مسعود على أبي هريرة قوله : من غسل ميا فليخخسل ومن حمله فليتوضاً
وقيل لابن مسعود إن سلمان بن ربيعة وأبا موسى الأشعري قالا في بنت وبنت ابن
وأخت إن مال بين البنت والأخت نصفان ولا شيء لبنت الابن وقالا للسائل : وائت ابن
مسعود فإنه سيتابعنا ؛ فقال ابن مسعود : لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين بل أقضى
فيها بقضاء رسول الله نه للبنت النصف ولابنة الاين السدس تكملة الثلثين وما بقي
وأنكر جماعة أزواج النبي ته رضاع الكبير ولم تأخذ واحدة منهن بقول عائشة في
وأنكر ذلك أيضاً ابن مسعود على أبي موسى الأشعري » وقال : إما الرضاعة ما أنبت
اللحم والدم فرجع أبو موسى إلى قوله .
وأنكر ابن عباس على علي أنه أحرق المرتدين بعد قتلهم » واحتج ابن عباس بقوله
فاقئلوه ثم أحرقوه .
يضمن العبد فقال علي : أخطأً شريح وأساء القضاء بل يحلف بالله لأبق منه وهو لا يعلم
ومعنى تستهل به : تفتخر به لجهلها بحكمه . فعذرها عمر بالجهل لقرب عهدها
بالإسلام +
وقيل لابن عباس : إن علياً يقول : لا تؤكل ذبائح نصارى العرب لأنهم لم يتمسكرا
من التصرانية إلا بشرب الخمر » فقال ابن عباس : تؤكل ذبائحهم لأن الله يقول : ومن
وعن ابن عمر في الذي توالى عليه رمضانان بدنتان مقلدتان فأخبر ابن عباس بقوله
فقال : وما للبدن وهذا يطعم ستين مسكيناً فقال ابن عمر : صدق ابن عباس امض لما
وقال علي المكاتب بعتق إذا عجز يعتق منه بقدر ما أدى فقال زيد : هو عبد ما بقي
عليه درهم .
وقالت عائشة لما استأذن عليها سليمان بن يسار وكان مكاتباً ميمونة : سليمان ادخل
فإنك مملوك ما بقي عليك شيء .
وقال عبد الله بن مسعود : إذا أدى الثلث فهو غريم - وعن عمر بن الخطاب : إذا
أدى الشطر فلا رق عليه - وعن ريح إذا أدى قيمته فهو غيم وعن ابن مسعود أيضاً
وقال زيد وابن عمر وعثمان وعائشة وأم سلمة هو عبد ما بقي عليه درهم .
ودوى وكيع عن إسماعيل بن عبد الملك قال : سألت سعيد بن جبير عن ابنة وأبني
وسألت عطاء فقال : أخطأً سعيد جبير للابنة النصف وما بقي بينهما نصفان
قال يحي بن آدم : القول عندا عطاء لأن الابنة والأخوة لا تحجب العصبة ولم
وذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد قال : قلت للشعبي إن
إبراهيم قال في الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل فيضع له بعضاً ويعجل له
بعضاً أنه لابأس به وكرهه الحكم » فقال الشعبي : أصاب الحكم وأخطأ إبراهيم -
وقيل لسعيد بن جبير : إن الشعبي يقول : العمرة تطوع » فقال : أخطأ الشعبي .
وقيل لسعيد بن المسيب : إن شريحاً قال يبدأ بالمكاتبة قبل الدين أو يشرك بينهما شك
شعبة قال ابن المسيب : أخطأ شريح وإن كان قاضياً » قال زيد بن ثابت : يبدأ بالدين
وذكر ابن عبد البر بسنده عن أبي بكر بن عياش عن مغيرة قال : ما رأيت الشعبي
سثل عن القوم يشت ركون في قخل الصيد وهم حرم فقال حماد عليهم جزاء واحد
كل واحد منهم كفارة فظهر عليه الشعبي .
وقال عبد الرزاق عن الغوري في رجل قال لرجل بعني نصف دارك مما يلي داري »
قال هذا بيع مردود لأنه لايدري أين ينتهي بيعه ؛ ولو قال أبيمك نصف الدار أو ربع الدار
جاز » قال عبد الرزاق فذكرت ذلك لعمر فقال : هذا قول سواء كله لابأس به +
وروى همام عن قضادة أن إياس بن معاوية أجاز شهادة رجل وامرأتين في الطلاق قال
قنادة : فسعل الحسن عن ذلك فقال : لا يجوز شهادة النساء في الطلاق » قال فكتب إلى
عمر بن عبد العزيز بقول الحسن وقضاء إياس فكتب عمر أصاب الحسن وأخطأ إياس +
قال ابن عبد البر : هذا كثير في كتب العلماء وكذلك اختلاف أصحاب رسول الله
كتاب ؛ وفي رجوع بعضهم إلى بعض ورد بمضهم على بعض دليل واضح على أن
اختلافا والنظر أيضاً يأبى أن يكون الشيء وضده صواباً كله ولقد أحسن القائل :
إئبات ضدين معاً في حال أقبح ما يأتي من ال محال
ومن تدبر رجوع عمر إلى قول معاذ في المرأة الحامل التي أراد رجمها حاملاً فقال له
معاذ : إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل » فقال عمر : لولا معاذ
هلك عمر - علم صحة ذلك وكذلك رجع عثمان في مثلها إلى قول علي -
ورجع عمر إلى قول علي في التي وضعت لستة أشهر فهم عمر برجمها فقال له علي
ليس ذلك لك » قال الله تبارك وتعالى : فم والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين»
أخرى لذلك الحد .
قال ابن عبد البر : ذكره عفان بن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قنادة.
ورجع عشمان عن حجبه الجد بالأخ إلى قول علي ؛ ورجع عمر وابن مسعود عن
مقاسمة الجد إلى السدس إلى قول زيد في المقاسمة إلى الثلث ورجع علي عن موافقة
عمر في عتق أمهات الأولاد » وقال له عبيدة السلماني رأيك مع عر أحب إلي من
رأيك وحدك وتمادي علي على ذلك فأرقهن +