في ميزان الحسنات وأن يتجاوز برحمته عن كل ذنب نكون قد ارتكبناه أو تقصير نكون
قبل ومن بعد؛ وصلاة وسلامًا على النبي المصطفىء الرحمة المهداة والنعمة المسداة الذي
بعثه الله فينا نعمة لا نستطيع ما طال بنا العمر أن نوفيه شكرها.»
والله من وراء القصد وهو - سبحانه وتعالى - نعم المولى ونعم النصيرء
محمد عبد القادر عطأ
الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة
الحمد لله وصلاةً وسلامًا على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين» المبعوث رحمة للعالمين؛
خير بني آدم وخير الخلق أجمعين. وبعد:
فإن نظرة سريعة للمحيط الإنساني في أواخر القرن السادس الميلادي؛ لتؤكد أن
خالق الكون - سبحانه وتعالى - كان ولابد أن يرسل نيا يعيد للإنسانية توازنها الذي
خلق الله بني آدم وجعلهم خلفاء في الأرض وما خَلفْتُ الجن والإنس إلا لِيعبُدُون
كان العالم في تلك الفترة من الزمان - قبل بعثة الرسول - تحكمه قوتان؛ إحداهما
قوة الرومان - المسيحية - والتي كانت تحكم مناطق واسعة من العالم حكمًا ينسم بكل
أشكال الظلم والقمع التي عرفها الإنسان طيلة تاريخه؛ مستعيئة بقوة جيوشها في فهر
ينتمون إليه بعدما طالته الأيدي الظالمة بالتحريف والتبديل.
مناطق واسعة في الشرق وتشترك مع الرومان في كل العيوب؛ وإن زادت عليهم في أن
وفي منطقة شبه معزولة من العالم - شبه الجزيرة العربية - كان هناك العرب؛ أولئك
في الأرض فسادًء وأشاعوا الربا بين الناس واحتالوا لوجودهم كل الوسائل حتى
أفسدوا بلاد العرب وحياتهم» وحرصوا من جانبهم على ترسيخ عبادة الأوثان في تلك
هذا عن شكل الحياة العام في تلك الفترة من الزمان بالنسبة لبعض الشعوب التي
دين
أما عن الحياة الروحية لأهل تلك البلاد؛ فقد كان الإنسان - في تلك المناطق -
يعاني إحباطًا روحيًا شديدا؛ نشا عن تقاعس اهل الديانتين؛ اليهودية والمسيحية عن
القيام باعباء الدعوة وتبليغ الناس ما أنزل إليهم من ربهم؛ استثاراً بالعلم لأنفسهم»
لتوراة وا يل وقد اكد لل ذلك؛ فقال تعالة تل ل طلا قل ئرق
مقدمة التحقيق 9
وكنتيجة طبيعية لغياب الوازع الديني من حياة الناس في تلك البلاد» فقد ضلّ إنسان
تلك الفترة الطريق؛ وعجز عن إيجاد حلول لمشكلاته الروحية مع إحساس ملح بفقدان
الهدف من وجوده؛ وشعور دائم بعدم الأمن في نفوس خلت عن معرفة خالقهاء
ونشدان الحقيقة؛ وفي غياب معرفة البشر بخالقهم الواحد تغيب كل الحقائق.
ولأن النتائج نهاية طبيعية للمقدمات؛ فقد كان وجود ن ني أمرً ملحا شديد الإلحاح؛
ليقيم به الله الملة العوجاء ويرشد الناس إلى الطريق المستقيم ويهديهم سبل الرشاده
على الله حجة بعد الرسل» وكان محمد لإ نعم الرسول الأمين في التبليغ عن ويه؛ ييل
ما أمِرٌ به؛ ويدعو الناس لخيرهم - في الدنيا والآخرة - بالحكمة والموعظة الحسنة
بعد أن ترك في الناس ما إن تمسكوا به لن يضلوا أبدًا: كتاب الله وسنة رسوله كلك
ورغم أن الله سبحانه وتعال قد تعهد كلامه المقدس بالحفظ « نا نَحْنْ تَرلْنَا الذِكرّ
ون لَه لَحَافْظُون» [الحجر: 4] فقد كان المسلمون أكثر حرصًا من غيرهم على صيانة
كلام ربهم من أن تطاوله بِدّ ظالمة لنفسهاء فلم يفعلوا كمن سبقوهم من أهل الكتاب»
بل ظهر حرصهم منذ اللحظة الأولى لتولي أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أمور
الخلافة الإسلامية. حيث حرص - ومعه كل المسلمين - على أن بجمع كتاب الله
مكتوبًا بين دفتين» واتبع المسلمون في عملهم هذا أقصى درجات الحرص والتشدد في
إثبات الآيات» وبذلوا في سبيل ذلك من الجهد القدر العظيم؛ وثوابهم على الله.
واضح وصريح عن جع السنة أو تدوينهاء وكانت حجته َي هي الخوف من اختلاط
الأمر على أصحابه؛ فيخلطوا بين القرآن والسنة؛ لكن ما كان يشغل بال الصحابة
وهو الخوف من ضياع السنة بمرور السنين.
وكذا إجماع آراء كبار الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - على أن السنة هي
مصدر أساسي لتفسير القرآن وبيان الأحكام وتوضيح ما غمض على الناس في أمور
من هذا المنطلق كانت إرهاصة المحاولات الجادة لجمع السئة منذ عصر التابعين الذين
طويل؛ وهي تتناقل شفاهة بين المسلمين» وقد بدات محاولات الجمع على يد الربيع بن
صبيح وسعيد بن أبي عروة؛ ثم تنالت المحاولات؛ فجمع الإمام أحمد بن حثبل مسنده؛
وكان نعم المسلم الأمين الذي يقوم بخير العمل؛ يرحمه الله ويجزيه عنا وعن المسلمين
خير الجزاء.
فقد كان آخر القرن الثاني وأول القرن الثالث من فترات الاضطراب الفكري» التي
فقد كان لنشوء البدع - المتقدم على هذه المرحلة - ثم ترجمة الكتب الفلسفية
واشتغال المسلمين بها وحث الخلفاء الناس على تعريبهاء حيث وجد أهل البدع
فيها سنداً لمم فاصّلوا مذاهيهم على ضوئها؛ وتوسعوا بشكل سافر في إدخال
النضج واكتمال بناء المذهب بالنسبة للمعتزلة؛ وفيه برز عدد كبير من فلاسفتهم
ومنظري مذهبهم كابي الهذيل العلآف» شيخ المامون واستاذه؛ وإبراهيم بن سيّار
النظام؛ ومعمر بن عباد السلمي؛ وبشر بن المعتمر وغيرهم.
وقد علا شان الرافضة - لما بينهم وبين المعتزلة من الأواصر العقدية - وبدءوا
يجهرون بآرائهم في الإمامة والولاية والرجعة وغيرهاء
وفي وسط هذا المناخ الملضطرب نشات كثير من الحركات السرية الإلحادية والني
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في وصف ذلك العصر: «وفي هذا الوقت ظهرت
البدع ظهوراً فاشياً؛ وأطلقت المعتزلة السنتهاء ورفعت الفلاسفة رؤوسهاء وامتحن أهل
الآن؛ وظهر قوله كَية: «ثم يفشو الكذب» ظهورا بين حتى يشمل الأقوال والأفعال
وكان الخلفاء أنفسهم - ولأول مرة في الإسلام - يعتقدون البدع وبعلنونها فكان
وقد عمل المأمون بعد ولايته على نصر مذهب المعتزلة؛ ف
دؤاد؛ وعقد مجال المناظرة بين المعتزلة وخصومهم من أهل السنة؛ فلما لم تجد شيئاً بدأ
بالتضييق على الناس وإلزامهم بالقول يخلق القرآن ونفي الرؤية؛ حتى أصبح القول
بذلك شرطا عنده لتولي المناصب مما فيها القضاء!
وحين كان بالرقة استطاع وزراؤه المعتزلة أن يقنعوه بحمل الناس على المذهب
فكتب إلى واليه على بغداد جمع العلماء وامتحانهم في مسالة خلق القرآن ومل
فاجاب العلماء أ. بة تتراوح بين التقية وحسن التخلص إلا أربعة أصّروا على
عقيدة أهل السنة والمجاهرة بها؛ وهم: القواريري؛ وسجادة؛ ومحمد بن نوح والإمام
ثم أجاب الأوّلان تحت ضغط التعذيب والإرهاب» وحمل الآخران إلى المأمون
ب رؤوسه كأحمد بن أبي
مقدمة التحقيق
مكبَّلين بالقيود» فتوفي محمد بن نوح في الطريق» وبقي الإمام أحمد وحده في الطريق!
ثم مات المأمون» فرد أحمد إلى بغداد؛ وأخذت الفتئة مدى أوسع في عهد المعتصم»
عليه؛ ثم يزاد في قيوده؛ وقد جهد المعتصم في التأثير على موقف الإمام بالملاينة
والعطف وإظهار الفضل؛ والترغيب والوعد.. فكانت كلمة الإمام واحدة لا
كل واحد منهم سوطين؛ والمعتصم يحرضهم وهو واقف على رؤوسهم حتى
الله - والدماء تسيل في ثوبه.
قال الإمام أحمد: ذهب عقلي مراراً؛ فكان إذا رفع عني الضرب رجعت إليّ نفسي؛
وإن استرخيت وسقطت رفع عني الضرب»
وكان الإمام أحمد ينتظر الشهادة في سبيل الله فحين نخسه أحد الحراس بسيفه فرح
عنقه ودمه في رقبتي؛ فقال ابن أبي دؤاد: لا يا أمير المؤمنين» إن قتل أو مات في دارك
فاخرج الإمام احمد وفي كل موضع منه جراحة حتى إن أحداً نّاهم
بمساعدته على النزول من الدابة وقعت يده على بعض تلك الجراحة وهو لا يشعر
فصاح الإمام أحمد فنحى يده عنه. وجاءه بالطبيب فكان يدخل الميل في بعض
الجراحات؛ وكان يأتي بالحديدة فيعلق بها بعض لحمه ليقطعه بالسكين وأحمد صابر
يحمد الله.
وما مات المعتصم وولي الوائق فرض الإقامة الجبرية على الإمام أحمدء فلا
مقدمة التحقيق
فرفع المحنة؛ ونصر السئة؛ وقرّبٍ أهلهاء
لقد كان انتصار الإمام في تلك المحنة الرهيبة القاسية انتصاراً للتيار الأثري الممتزم بما
كان عليه سلف هذه الأمة في جميع نواحي الاعتقاد؛ وليس في مسألة القرآن فحسب»
فثبت الناس على ما هم عليه بفضل الله ثم بفضل وجود القيادة التي تتحطم عندها
البدعة؛ وهذا كان رد الإمام أحمد على المروزي حين طلب منه التقية فقال له:
والأقلام والمحابر» فقال لهم: أي شيء تعملون؟ قالوا: ننظر ما يقول أحمد فتكتبه!
يقول الشيخ أحمد شاكر تعليقاً على موقف الإمام أحمد: «أما أولو العزم من الأئمة
إنهم يأخذون بالعزيمة؛ ويجتملون الأذى ويثبتون؛ وفي سبيل الله ما يلقون؛ ولو
يعلمون أن هذه ثقية؛ وقد أني المسلمون من ضعف علمائهم في مواقف الحق.. لا
الحقير والجليل من أمر الدنياء ولقد قال رجل من أئمة هذا العصر المهتدين: «كأن
اكلم ة ولي عر ساديم ويتام بواعلنات مادم كك تالة
الإمام أحمد بن حنبل (ناصر السنة)ء
(1) ترجة المصنف اقتبسناها من تاريخ الإسلام (7087) وانظر أيضا ترجمة الإمام أحمد في: طبقات
ابن سعد (384/70)؛ وتاريخ ابن معين (014/1 ١1)؛ والشاريخ الكبير (5/1)) والجرح
والتعديل (18/7)؛ والثقات لابن حبان 18/80 14)؛ وتاريخ بغداد (4/ 17 - 416)؛
وتاريخغ دمشق (118/170 - 147)؛ ووفيات الأعيان (1/ 17 - 39)؛ وتهذيب الكمال (477/1
- 4176)؛ وسير أعلام النبلاء (177//11 - 398 برقم (1/4): ووالوافي بالوفيات (16/ 377 -
4 والمختصر في أخبار البشر (34/1)؛ ومرآة الجنان (1/ 177 - 1734)؛ والنجوم الزاهرة
(1/ 701-34 وتهذيب التهذيب /١( 9لا - 77)؛ وتقريب التهذيب (14/1)-
ل ابن كثير في البداية والنهاية : في أيام المأمون؛ ثم المعتصم؛ ثم الواثئق
بالقتل بسوء العذاب وأليم العقاب» وقلة مبالاته بما كان منهم في ذلك إليه؛ وصبره عليه
وكان أحمد عالماً بما ورد بمثل حاله من الآيات المتلوة؛ والأخبار المأثورة؛ وبلغه ما
أوصى به في المنام والبقظة فرضي وسلم إماناً واحتساباً؛ وفاز بخير الدنيا ونعيم الآخرة؛
وهياه الله بما آتاه لبلوغ أعلى منازل أهل البلاء في الله من أوليائه؛ والحق به
وقال الله تعالى: « وََصْرْ
في سواها معنى ما كتبناء