الإفداء
ودعائها فى أثناء مسيرق الطويلة
أهدى هذا البحث وفاء لها
شكر وتقدير
لا يفوتنى أن أذكر فضيلة الأستاذ الدكتور / محمد الطيب النجار ف
معرض كتانى هذا : فقد تواردت علىّ إرشادات فضيلته فى أثناء مسيرق الطويلة
التى استغرقت أربعة أعوام . وتوالت على كلماته المشجعة التى منحتنى دفعات
نحو الأمام . وقد احتمل العبء الكبير واطلع على كل صغيرة وكبيرة كتبتها +
وكانت تعليقات فضيلته موضع اهتامى + وكم فتحت أمامى من مجال كان
الصعاب فعملت جهدى ؛ وإرشادات فضيلته رفيقة درنى © وتشجيعة
يستحتنى للعمل حتى وصلت إلى نباية البحث الذى أرجو أن يكون بداية
للتوسع فى بعض نقاطه الغامضة لاستجلائها وكشف غموضها بما يتيسر من
مراجع ومصادر وكشوف فى المستقبل إن شاء الله .
ولا أملك أمام فضائل أستاذى الدكتور / محمد الطيب النجار إلا أن
أسدى إليه الشكر الجزيل . حفظ الله فضيلته والداً عطوفا وأستاذاً قديراً +
وجزاه الله عنى خير الجزاء ٠
ولا يفوتنى أيضا أن أوجه الشكر لأصحاب الفضيلة الذين شاركوا فى
مناقشة البحث وزودونى بآرائهم القيمة التى راعيتها عندما أعدت كتابة البحث
تمهيدا لطباعته ونشره وهم السادة :
. فضيلة الأستاذ الدكتور / عبد المقصود نصار - ١
- فضيلة الأستاذ الدكتور / يوسف على يوسف +
* - فضيلة الأستاذ الدكتور / على حسنى الخربوطلى .
المقدمة
الأفكار الناتجة عن العقيدة هى أساس الحقائق التاريمية ؛ القائمة على
الحركة المستمرة التى لا تتوقف »؛ ومهما قيل فى أثر العوامل الاقتصادية
والاجتاعية والنفسية فى تسيير حركة التاريخ فإن الواقع ينبت أن هذه العوامل
تبقى مشلولة أمام إثارة تفكير الناس حول دوافع هذه الحركات وعوامل سيرها
والجهة التى سارتها . وقد اهنم القرآن الكريم بفكر الإنسان وأوضح أن هذا
فمن ناحية العقل دلل القرآن كثيرا على أهميته وذكره فى كثير من آياته
البينات : كقوله تعال :ل إن فى ذلك لآيات لقوم يعفلون 6 0 ,
آدم أيا البشر : بز وعلم آدم الأسماء كلها !"© وعن الوقائع قال تعال :
وف الأرض آيات للموقين » وفى أنفسكم أفلا تبصرون 4 ٠ ل أفلم
وكان تخرج العلماء المسلمين فى أسلوبهم قرآنيا فى مخلف المجالات ؛ خذ
القصة فى أسلوب القرآن الكريم ؛ إنه يعرضها من جوانب متلفة تتراءى لغير
وتاريخنا دراية أولا ثم رواية ثانيا ؛ تماما كالحديث الشريف ؛ وبعض
للتوصل إلى الحقيقة فى الحديث . فانتهج معظم مؤرخينا أسلوب المحدثين
ورواياتهم التاريخية فى معظمها إن لم تكن كلها روايات صحيحة » تعطى كل
رواية وجهة نظر معينة لزاوية معينة من الحقيقة التاريخية ( أو من الصورة
الكاملة ) » فإذا وجدت هذه الروايات الباحث الناقد استخلص من
بين ثناياها الصورة المتكاملة الجيدة الحقيقية ٠
ومن هنا فالمتصدى لدراسة التاريخ الإسلامى لابد له من التزود بالقرآت
الكريم وبثقافته الواسعة ونظرته الشاملة للإنسان والكون والحياة » وما قبل
الحياة وما بعدها » وأى باحث ابتعد عن هذه الثقافة لا يتمكن من إعطاء
الصورة الحقيقية للتاريخ الإسلامى وخاصة صورة القرن الأول الهجرى قرن
الجيل القرآنى الصحيح +
الباحث الصورة الحقيقية للمجتمع الإسلامى إذا تناول أيا منها على انفراد ذلك
المججمع الذى كان يسير بخطى حثيثة متقدمة نحو الاستقرار الفكرى والسياسى
والاجتاعى بعد ثورة الإسلام الفكرية التى قلبت أوضاع العالم آنذاك . وقام
كل ذلك على أكناف جماعة أدركوا القرآن الكريم وتحملوا العبء الكبير فى
الدعوة » ذكر المؤرخون كثيرا من أسمائهم وأعمالهم وبطولاتهم بحيث لم تمر
فقرة من فترات التاريخ الإنسانى زخرت بأسماء وبطولات وأعمال كتلك
الفترة ؛ الأمر الذى أدخل الروع والاضطراب والحسد فى قلوب القوى
المناهضة للإسلام فاندفعت تحاول جاهدة فى صراعها للبقاء ؛ مستغلة العقل
والمنطق فى تبرير انحرافها ؛ واستعانت بالثقافات الختلفة والفلسفات الكثيرة
للتسلل إلى المسلمين وتسريب أفكارهم المسمومة وعقائدهم المحرفة عن طريق
الإسلام نفسه .
ومن هنا كان القرن الأول المجرى مسرحا عظيما لفتن وحروب أهلية
خطيرة لا يدرك محركها إلا من تمعن وتمخّص وحقق ٠
فكانت خطوق الأولى الشاقة نحو هذا البحث هى أننى أخذت بدراسة
ذلك القرن من متلف وجوهه وبدون تحديد ؛ حتى تكونت لدى صورة تكاد
تكون واضحة عن التيارات الفكرية لأهل ذلك القرن على متلف أفكارهم
ومن الح أن أذكر أن صلتى الشخصية بهذا الموضوع ترجع إلى
ارات الأول من عمرى عندما بدأت أنساءل عن سبب نكبة العرب فى
فلسطين التى حدثت ولا أتجاوز الخامسة من عمرى حيث الألم والحزن والغربة
التبشيرية النصرائية - فالنكبة والغربة والتعلج الابتدائ فى أوساط التصارى -
وأنظمتهم كل ذلك ولد فى نفسى الرغبة لأن أتتبع أثر هؤلاء فى الإسلام +
وخاصة عندما تعمقت فى دراسة القضية الفلسطينية وأدركت كيف استطاعت
القوى الاستعمارية والصهيونية إخراجها من إطارها الصحيح الإسلانى إلى
الإطار القومى العرنى ؛ ثم الخروج بها إلى الإطار الإقليمى الضيق الواهن +
ومهمة البحث فى أثر أهل الكتاب ليست بالسهلة ولا باليسيرة بالنظر
لطول الفترة فهو ينتظم قرنا من الزمان وتمتد جذوره إلى ما قبل الإسلام بقرون
وثانيا : بالنظر لقلة ما وصلنا من كتب ومعلومات عن هذا الموضوع
باستثناء عصر النبوة . وبالإضافة لذلك فإن هذا الموضوع شائق وشائك ؛
شائق من حيث أنه يحوى كثيرا من العناصر 1 ة لاهتام الباحثين وشائك
الصراحة الموضوعية الخالصة وهذه وإن كانت مطلوبة فى كل الأحوال ؛ إلا أنها
فى بحث موضوعه ١ اليبود والنصارى + تعتبر ضربا من الفروض القاسية
والقيود الشديدة التى يفرضها الباحث على نفسه ؛ فضلا عن التنبه والبقظة
لكل كلمة حتى لا يقع الباحث فى منزلق الانسياق وراء هوى الذات .
فتطلب منى هذا البحث مشقة عنيفة وحملنى أعباء مضنية ومتاعب
مرهقة » واقتضانى سياحة طويلة فى كتب التاريخ والأدب والفقه والتفسير
والحديث وتراجم الرجال لتلقط المعلومات المبعازة فى ثناياها وتتّعها والذى
زاد الأمر صعوبة أن هذه الكتب فى معظمها غير مفهرسة ولم تكتمل فا
الدراسة فاحتاج الأمر إلى كثير من الصبر و
الكتاب من أوله إلى آخره لكى أظفر بسطر أو سطرين وقد أقرأ كتاباً بأجمعه
فلا أخرج منه بشىء يتعلق بالموضوع الذى أعالجه - ككتاب أخبار الزمان
للمسعودى - وفى معظم الأحيان أجده يكرر المعلومات التى اطلعت عليها
نفسها » ا حدث فى مخطوطة المقفى للمقريزى ؛ ومخطوطة عقد الجمان +
وكتب الذهبى والأنساب الكثيرة وتراجم الرجال المخلفة +
واستقطارها لأنها لا تفصل بين فروع الثقافة فى زمن م يعرف الشخصص ؛ فهى
ائمة المراجع والمصادر كثيرة ومتنوعة ؛ كنت أتجول خلالها علّي أجد جديدا
ل الكريم وكتب السيرة والطبقات ثم
على الطيرى والبلاذرى وابن حزم . وبعد أن استوعبت هذه المصادر جيدا
بدأت فى السياحة بين الكتب الأخرى التى شملت كتب التاريخ والأدب
والفرق والتفسير والحديث والعهد القديم والجديد . ثم اطلعت على ما استطعت
الحصول عليه مما يختص بموضوعى من كتب حديثة ومترجمة إلى العربية
الموضوع .
على الباحثين فى أى مجال من مجالات العلم . ولما رأيت قائمة المراجع والمصادر
كثيرة أسقطت منها كثيرا ؛ دون أن أغفل ذكرها فى حواشى الصفحات .
وقد قسمت كتانى إلى أربعة أبواب مهدت لا بفكرة عن مفهوم أهل
الكتاب كمصطلح إسلامى وعن وجودهم فى جزيرة العرب قبل الإسلام +
وتحدثت فى الباب الأول عن « أهل الكتاب وحكومة الرسول فى المدينة
الصلاة والسلام -
وفى الباب الثانى : تحدثت عن : « أهل الكتاب وعهد الخلفاء
الراشدين » - وقسمته إلى فصلين - أبرزت فيها أثر أهل الكتاب فى تعاونهم مع
أعداء الدولة الإسلامية فى الخارج وى إثارة الفتن فى الداخل +
وفى الباب الغا لت : « أثر أهل الكتاب فى نشوء الفرق الإسلامية
وقسمته إلى ثلاثة فصول بّنت فى الفصل الأول التيارات والمدارس الفكرية
لأهل الكتاب التى سبقت الإسلام وواجهت المد الإسلامى . وتناولت فى
وقد احتاج هذا الباب إلى جهد أكبر من غيره لتغلغل جذوره فى الماضى وتوزعه
بين مختلف أنواع المعرفة بما فيها الفلسفة والتصوف والطب والفقه والعلوم
الأخرى .
وأما الباب الرابع : فقد قسمته إلى فصلين :
بيت فى الفصل الأول : أثر أهل الكتاب فى البناء الاجتاعى للدولة
الأموية ؛ وأبرزت أثرهم فى إذكاء العصبية القبلية واستثارتها من مكامنها عند
العرب ؛ بينت إسهامهم فى إرهاصات الشعوبية مستغلين حداثة إسلام
الموالى » وتراثهم الفكرى القديم ؛ وقلة معرفة الكثير منهم بالعربية وأسالييها
فتوصلوا إلى أهدافهم مستخدمين أسلحة العلم - وبخاصة الطب - والغناء
والشعر الذى كان ذا مكانة خاصة فى نفس العرلى وى إثارته وهو وسيلة
الإعلام القوية آنذاك .
دور أهل الكتاب فى الفتن التى قوضت الدولة الأموية وتوصلت إلى
ثلاثة أمور اعتبرتها حقائق :
» أوها : أن أثر أهل الكتاب لا يمكن نكرانه فى هذه الفتن .
وثالثها : أن الأحداث التى وقعت بساحة الدولة الإسلامية لعب فيها
ليزيدوها حدة وخطورة على كيان المجمع الإسلامى ٠
وبعد » فإننى أرجو أن أكون قد صورت أهل الكتاب تصويرا يطابق
الواقع فى القرن الأول الهجرى » والكمال لله وحده » والله أسأل أن يجعل هذا
العمل خالصا لوجهه الكريم وأن يلهمنا به العبرة والموعظة الحسنة فتدرك
أخطاء الماضين ونتجنبها ونتمسك بحسناتهم معتصمين بحبل الإسلام المتين
مستظلين بلواله .
عمان فى م / 7 / ذلاحقام
؛ شعبان سنة 1798 هه
تمهيد
أولا : مفهوم أهل الكتاب :
للإسلام مفاهيمه ومصطلحاته الخاصة التى لا يشاركه فيها غيره فى
مختلف المجالات الدينية والإدارية والاقتصادية والسياسية والحربية . الأمر الذى
أفاد اللغة العربية وأغناها . وأهل الكتاب أحد هذه المفاهيم التى اختص بها
الإسلام وردت فى مواضع عدة من القرآان الكريم قصد با اليبود
وعندما يتحدث الإسلام عن الكتاب لليهود فإنه يقصد التوراة وهى
الأسفار الخمسة ( التكوين » الخروج » اللاويين ؛ العدد » الطنية ) » وعندما
يتحدث عن الكتاب للتصارى فإنه يشمل التوراة والإنجيل » والإنجيل لفظة
يرنانية 2000801109 بمعنى البشارة عربت على صيغة عربية فصحى قبل نزول
القرآن !"© الكريم .
وقد وردت كلمة الكتاب فى السور المكية والمدنية بمعنى التوراة
والإنجيل والقرآن الكريم والآية الكريمة :
اهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين » ©
وف قوله تعالى : فإ والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن
الأحزاب من ينكر بعضه » (*© الأحزاب هم اليبود » والنصارى الذين آتيناهم
() دروزة / عصر البى ويثته ص 284 +
(©) الأنعام الآية 116
(ه) الرعد الآية 7*5 .