كل هذا وغيره كان المفروض فيكم أيها العلماء المصلحون أن تنهضوا به +
وتتطلقوا في ميادينه عاملين مصلحين برا بأمتكم وأداء لرسالتكم وإبراء لذمتكم
من تبعة البلاغ والبيان . غير أنكم مع الأسف تركم كل هذه الميادين أو بعضها
آثارها يقعاً سوداء في تاريخ الأمة فتبعثونها من جديد لتزيدوا بها في آلام الأمة
وأتعابها ومحنتها .
إن الأمة اليوم أيها العلماء الأفاضل لتدعوكم في صدق ومرارة إلى ترك مثل
لساعة وحدة الصف فيها . كا أنها تسائلكم عن التائج الطبية ؛ والآثار الحميدة
قذائف بُرسَى بها في صفوف الأمة فتنسف بناءها + وتهدمن كيانها + وتتركها
الامام المقيم بطلت صلاته . وهذه واحدة.والثانية اصرار
الذي هو من هدى الله تعال وهْدي رسوله صل الله عليه وسلم نقول لهم يا
بعض حديث صحيح
وأنتم تجدون لنا في دين الله تعالىرخصة .
حتى لا يفتح على الأمة باباً من الشكوك والأوهام فتزداد حيرتها ؛ وتتسع شقة
الخلاف بينها ؛ ولكم في رسول الله صل الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد قال
مجاهلية لنقضت الكعبة وجعلت لما بابين +
إن الأمة المسلمة اليوم أحوج إلى الرفق بها والمواساة منها في أي يوم مفى ٠
فارحموها أيها العلماء يرحمكم الله تعالى .
وبعد فهذا أوان الشروع في بيان الخطأ في المسألتين المشار إليهما سابقاً :
المساآلة الأول
في بيان خط من زعم أن صلاة المسافر
تبطل إذا أتمها وراء الإمام المقيم
إن خطأ صاحب هذا الزعم في هذه المسألة لا يحتاج بيانه إلى أكثر من إيراد
الأسئلة التالية والإجابة عنها ومن خلال ذلك يفهم القارىء المسلم خطأ القوم
العلماء فأساءوا إلى الأمة والدين معاً من حيث أرادوا الإحسان إليهما . وهذا شأن
العبد إذا حرم توفيق الله تعالى
بتاقرية
-١ هل تعلمون أن قول الله تعالى من سورة النساء : « وإذا رتم في
كفروا ؛ دال” على أن قصر الصلاة للمسافر رخصة ؛ وأن علماء كثيرين من الملف
والحلف فهموا من هذه الآية الواضحة الدلالة أن القصر رخصة وليس بعزيمة ؛ ومن
بين هؤلاء العلماء عالم قريش الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى +
خطأ أصحاب الزعم المذكور :
وكذا مالك وأحمد من الأئمة » وأن فهمهم هذا من الآية صححته السنة النبوية
الصحيحة ؛ فقد أخرج مسلم في صحيحه عن علي بن أمية : قال قلت لعمر بن
الخطاب رضي الله عنه : قال الله تعالى « فليس عليكم جناح أن تقصروا من
صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته .
- وهل تعلمون أن عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أحد الخلفاء
الراشدين الأمور باتباع سنتهم بقول الرسول صل الله عليه وسلم : عليكم بسنتي
دسنة الحلفاء الراشدين المهديينمن بعديعضوا عليها بالنواجذ » . . . قد آم الصلاة
يمنى وهو مسافر وأتم” معه وراءه آلاف من الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى
عليهم أجمعين وهم مسافرون وبدون شك ؛ فلو كان قصر الصلاة عزيمة لا
رخصة فهل يجوز للآلاف من الصحابة والتابعين أن يتموا صلاتهم فتبطل عليهم +
وسلم ؛ ولا سلف هذه الأمة الصالح +
فقال له عمر :
© - وهل تعلمون أن عائشة أم المؤمنين راوية حديث ( فرضت الصلاة
ركعتين ركعتين) هذا الحديث الذي هو دليلكم في المسألة قد أتنمت صلاتها في
والحديث مخرج قي الموطأ مالك رحمه الله وفي غيره من مصادر الشريعة الصحيحة .
صلانها فتصليها في السفر أربعاً ؟ اللهم لا . ولكنها فهمت من كلام ربها عز وجل
أن قصر الصلاة كان رخصة كا هو ظاهر نص الآية الكريمة © وكا بين الرسول
صل الله عليه وسلم في قوله لعمر بن الطاب رضي الله عنه : صدقة تصدق الله
بها عليكم . فمن احتاج الى الصدقة أخذها ومن استغنى عنها تركها . وكيف وهي
التي كانت يأتيها الرجل من الصحابة أو التابعين فيقول لما : إن رسول الله صل
فتقول له : لا يا ابن أي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخالف ريه
فإن الله تعالى يقول كذا وكذا . . فترد رواية الحديث إذا وجدنها تخالف القرآن 6
اوتتعارض معه فلله درها من أم ؛ ولله درها من عالة تحريرة © وفقيهة بصيرة !!
4 - وهل تعلمون أن ابن مسعود رضي الله عنه كما روى ذلك عنه أبو دايد
فقال : الحلاف كله شر ؛ وفي رواية إني لأكره الحلاف . فهل يظن بعبد الله
ابن مسعود أنه يتعمد بطلان صلاته فيصلبها أربعاً ثم يتعلل بكراهيته الخلاف ؟
لا ... ولكن يقال إنه كان يفهم أن القصر رخصة واظب عليها رسول الله
إلا لعذر كهذا » وإن تركت لأمر ما فلا تبطل صلاة العبد لتركها .
وإذا تبين من هذه الأسئلة أن القصر المسافر رخصة واظب عليها رسول الله
متفرد أو إمام فكيف بمن أتمها مع إمام مقيم تجب متابعته © وتحرم مخالفته
الات
بقول النبي صل الله عليه وسلم : إنما جعل الإمام ليؤهم به © وقوله : لا تختلفوا
على إمامكم . . . الحديث
ومن هنا ما أصبحنا في حاجة إلى مزيد بيان لتخطئة من زعم بطلان صلاة
المسافر إذا أتمها وراء الإمام المقيم » غير أننا قطعاً لدابر هذه الفتئة الي أشعلوا
نارها بين المسلمين نزيد الأمر إيضاحاً فنقول : لقد روى مالك في الموطأ : أن
اين عمر رضي الله عنهما وهو صاحب رسول الله صل الله عليه وسلم والراوي
لحديث صلاة السفر ركعتان من ترك السنة فقد كفر . روى عنه مالك بسند من
أصح الأسانيد أنه رضي الله عنه كان إذا صل في السفر مع إمام مقيم تم" صلاته +
صلى ركعتين . وروى مسلم في صحيحه أن ابن عباس رضي الله عنهما سثل عن
إتمام المسافر وراء المقيمفقال نعم يم وتلك سنة أبي القاسم . وهذا نص
الرواية : عن موسى بن سلمة قال كنا مع ابن عباس رضي الله عنهما بمكة فقلت
القاسم +
وقد أجيع الأثمة الأربعة مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة الذي
يرى وحده أن القصر عزيمة أجمعوا ورب محمد صلالله عليه وسلم على أن المسافر
إذا صلى وراء المقيم وجب عليه أن يتم صلاته مع الامام ولا يسلم من ركعتين
المسافر وراء اقيم إذا أتمها . وقد احتج بهذا الاجماع الامام الشافعي رحمه الله
على أن قصر الصلاة رخصة وليس بعزيمة وقال لو كان عزيمة ما أجمعت الأمة
من عصر النبي صل اله عليه وسلم إلى عهد الشافعي على أن من صلى من مسافر
وراء مقيم وجب عليه أن يتم : وسبحان الله كيف غفل هؤلاء عن مثل هذا وقالوا
ببطلان صلاة من أتم وراء اقيم ؟ وأعظم من هذا أننا نتحداهم علا أن يأتونا
ينقل متحيح
دسلم بالمديئة من الوفود وكذا من وفدوا إليها من المسلمين على عهد الصحابة
والتابعين وتابع التابعين ومن بعدهم إلى يومنا هذا ممن يحجون ويزورون المسجد
النبوي كان يخالف إمام المسجدين الحرام والنبوي فيصلي معه ثم يسلم من
ركعتين قبل سلام الإمام أو يجلس ينتظر الامام حتى يسلم فيسلم بسلامه كا يفعل
الأمة وليكفوا من إثارة هذه الشبه والشكوك التي لن يستفيد منها إلا" دعاة الهدم
والتخريب » وليرجعوا إلى الحقى فإن الرجوع إلى الحق فضيلة . . وقد يقولون
بطلان صلاة المسافر إذا أتمها وراء المقيم . ونحن نطفّة” لهم ودفعاً لهذا الاحتمال
نقول إن" ما اعتمده هؤلاء من النصوص هو ثلاثة أحاديث أولمها حديث عائشة
رضي الله عنها في الصحيح ونصه قالت : فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين
ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة المسافر وزيد في صلاة الحضر وفي رواية
للبخاري في كتاب الهجرة عن عروة عن عائشة قالت : فرضت الصلاة ركعتين
ثم هاجر البي صل الله علية وسلم ففرضت أربعاً . وثانيها حديث ابن عمر عند
ابن حزم صلاة السفر ركعتان من ترك السئة فقد كفر . وثالثها حديث ابن عباس
إن الله فرض الصلاة على نبيكم في الحضور أربعاً وفي السفر ركعتين . هذه أقوى
الأدلة وأشهرها التي استدل بها الأحناف على وجوب القصر مع إيجابهم الإنمام مع
الإمام المقيم » وعدم السماح للمسافر أن يقصر مع الإمام المقيم بحال من الأحوال
واستدل بها هؤلاء على بطلان ة من أتم من المسافرين وراء الإمام المقيم وعدوا
كا أنها لم تشهد زمن فرض الصلاة .
الله تعالل في قصرها لعلة السفر » ودلالة الكتاب أقوى القطع بصحة سندها ولظهور
لفظها في محل التراع أككل ظهور إذ رفع الجناح في القصر واضح في ذلك ٠
وثالاً هو متناقض مع حديث ابن عباس عند مسلم : فرضت الصلاة في
الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين وهي تقول فرضت ركعتين ركعتين ثم زيدت
في الحضر وأقرت في السفر . كا هو أيضاً معارض برواية الطبراني عن علي
في الأرض فكيف نصلي ؟ فأنزل الله تعالى « وإذا ضرم في الأرض فليس عليكم
جناح أن تقصروا من الصلاة 4 . ومعنى هذا أن الصلاة لم تفرض ركعتين وإنما
فرضت أربعاً + ورخص الله تعالى للمسافر في قصرها فكانت ركعتين في السفر .
دمعارض بما في شرح المسند لابن الأثير من أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة
الهجرة . وهذا يوافق نزول سورة النساء ومشروعية صلاة النوف وأكبر من
كل ما سبق أن عائشة راوية الحديث رضي الله عنها قد خالفته وأتنت صلاتها
غير مرة في النفر +
ومن أجل هذه الاحتمالات قال الأئمة الثلاثة مالك وأحمد والشافعي
رحمهم الله تعالى أجمعين قالوا : إن قصر الصلاة في السفر رخصة وليس بعزيمة .
بيد أن مواظبة الرسول عليها جعلته أي القصر للمسافر سنة من السنن التي الا يسع
العبد تركها .
وأما حديثا ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما فيكفى في ترك العمل
صريح في كون القصر سنة وليس بواجب لقوله : ومن ترك السنة فقاد كفر +
كا أن قوله فقد كفر لا بحمله على ظاهره إلا ذو غفلة أو جهل كبير ؛ إذ اللفظ
إما أن يكون خارجاً مخرج التغليظ نحو قول النبي صل الله عليه وسلم : سباب
المسلم فسوق وقتاله كفر . واما أن يكون المراد من ترك السنة تركها استحفافاً بها
وإنكاراً لها » أو يكون المراد بها جميع السنن فتكون ال في لفظ السنة لاستغراق
الجنس ؛ إذ ما من مسلم إلا وهو تارك لسئة أو سنن » ولم يقل أحد سلفاً ولا
ومعنى . الهم" الله جل جلاله الحافظ بن حجر عالم السنة الذي لم تظل اللحضراء +
ولم تقل الغبراء رجلا” أعلم منه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصره وإلى
يومنا هذا فيما تعلم + ألحمه الله تعالى فجمع شتات تلك الروايات وقال : والذي
يظهر لي أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب ؛ ثم زيدت
بعد الهجرة عقبها إلا الصبح » ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر
ويئيد ذلك ما رواه ابن الأثير في شرح المسند من أن قصر الصلاة كان في
السئة الرابعة من الهجرة . فعلى هذا يكون المراد من قول عائشة رضي الله عنها
فأقرت صلاة السفر أي باعتبار ما آل اليه الأمر من التخفيف لا أنها استمرت
وحينئذ فلا يازم أن يكون القصر عزيمة ولا أن من أنم صلاته في السفر
مكلاب
ويشهد لهذا الجمع والتخريج أن جميع من رووا أحاديث فرض الصلاة
ابن عمر او ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين .
وأخبراً فقد يقول لنا هولاء الأفاضل : انكم مقلدون حيث تركتم ظواهر
النصوص *: واتبعتم عائشة وابن عباس وابن عمر وابن معود والأئمة الأربعة
في جواز اتمام المسافر صلاته إذا صلاها وراء إمام مقيم . ونحن نقول لهم :
إنا لم نترك العمل بظواهر النصوص إلا بعد النظر فيها ومعرفة ظواهرها وبواطنها .
ووجود ما عارضها من نصوص أخرى أقوى منها ؛ وأحوال وقرائن تجعل العمل
بظواهرها مجازفة بدين الله تعالى وتغريراً كبيراً به .
بالتقليد فنحن مقلدون ولكن لكتاب الله وعائشة وعثمان وابن عمر وابن مسعود
وابن عباس وكل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم من علماء المسلمين +
وأنتم مقلدون أيضاً ولكن لمن من الناس ؟؟
والجواب : لابن حزم الظاهري فقط . وحينئذ فأينا أهدى سبلا" ؟ من قلد
وإذا كان الجواب معلوماً . فسلام على المنصفين بعد المرسلين ء وآخر
كلاب