المشاة هذا في سياق الحديث حول التطور السياسي العام في الدولة العشمانية؛ وقد
عقدت المؤلفة العزم على تأليف هذا الكتاب ليسد الفراغ والنقص ٠
وكلي أمل أن ينشر هذا الكتاب ضمن منشورات مركز جمعة الماجد للثقافة
والتراث وأن ينال إعجاب القراء العرب.
7-7 الفصل الأول ..
تاريخ تأسيس
اليلق الانكشاري
الفصل الأول
تاريخ تأسيس الفيلق الإنكشاري
تم تنظيم الدولة العثمانية بداية على أيدي إحدى القبائل الأوغوزية
(التركمانية)؛ التي كانت تتنقل في أقصى الشمال الغربي عند تلاقي السلطان
السلجوقي الرومي والإمبراطورية البيزنطية» ويظهر أن هذه القبيلة المتنقلة
(وبالأرجح شبه المتنقلة) كانت من ضمن القبائل التركمانية التي كانت - بناء على
تقاليد تنظيم الدولة السلجوقية القديمة ترسل إلى المناطق الحدودية؛ وفي القرن
الثاني عشر استمر تسرب مجموعات جديدة من هؤلاء البدو إلى الدولة السلجوقية
تسجيلها متأخراً بعد تشكل الدولة العثمانية المبكرة بكثير أن شيخ القبيلة الأوغوزية
(التركمانية) إيرتوغرول قد حصل من السلطان القوني علاء الدين على أراض
للرعي في منطقة الجنوب.
الجائز أن إيرتوغرول كان مؤسنًا للسلالة الجديدة التي ظهرت بسبب التنقل وتزايد
النفوذ الشخصي لشيخ القبيلة «باخادور»؛ ابنه عثمان فقط هو الذي نسبت إليه
كثيرة العدد أن عدد خيامهم كان أربعمثة كما تفيد الأساطير منضمة إلى شعب
أدى اقتران عاملين على الأقل وهما ضعف سلطة المركز السياسي على المحيط
الحدودي للسلطان الرومي نتيجة الغزو المغولي؛ وذلك حيث كانت عناصر القبائل
الرحالة ف ؛ وانتقال المصالح السياسية والاقتصادية لدى الإمبراطورية |
المتأثرة كثيراً بتقاليد المجتمع البدوي ٠
ساعدت العوامل الخارجية على سرعة تنظيم الدولة في المنطقة الشمالية الغربية
من أراضي السلطان الرومي التي كانت تنتظر نهايته» فأسرع الأتراك العثمانيون
برئاسة البيلك"' ' القوي والفتي على استغلال ضعف جيرانهم +
بعد أن حاز عثمان على السلطة العليا بدأ ببيذل قصارى جهده ليزيد من سطوة
سلطته؛ وبما ساعد على ذلك انتصارات العثمانيء غزوهم الأراضي البيزنطية
المجاورة؛ حيث كان عثمان يعود كما تفيد الروايات بغنائم ثمينة .
نتيجتها توسع حدود الإمارة؛ وهذا ما كان يجلب لحرس عثمان «نوكير» ولجماعات
الفرسان غنائم كما اشتهر عثمان بوصفه مجاهدً أو داعية إلى الإسلام بين
كان خوض الحروب بغية الحصول على الغنائم وتوسيع حدود الإبلة"؟
(الاتحاد القبلي المتشكل الذي كان أشبه بالتنظيم الدولي البدائي) صفة جديرة بحياة
المجتمع التركي البدوي في القدم؛ وفي حقبة القرون الوسطى» كانت النجاحات
(1) الإبل: حدود دولة يحكمها بيك مأ
المادية والسياسية التي ظفر بها شيوخ القبائل تجذب قبائل أخرى من كل الجهات؛
ويظهر أن هذا ما حدث لعشمان . يحتوي الكتاب «تاريخ أسرة عثمان» من تأليف
لطفي باشاء العائد إلى النصف الأول من القرن السادس عشر على وصف مفصل
لحادثة مفادها مجيء زعماء وشيوخ العديد من القبائل الأوغوزية المجاورة الذين
فكان يسعى دومًا إلى توسيع حدود بيلكه؛ ويرى المؤرخون الختصون بتاريخ
الإمبراطورية العثمانية أن الهجمات هذه كانت تحكمها عقيدة دينية؛ هي نشر
أهداف الحملات العسكرية والتوسع المساحي هي سياسة الخانات الذين يتوجب
عليهم إجراء الحملات «إلى جهات العالم الأربع؟ .
فيما عدا فصائل وحدات شبه عسكرية قبلية هي أساس الجيش ١
لدى عشمان حرسه العسكري الخاص المشكل من النوكير» وهي تقاليد قيمة تعود
بأصولها إلى المنظمة الاجتماعية لدى قبائل آسيا الوسطى» كان التنظيم التوكيري
يتصف به المغول بصورة خاصة» ومن المعروف أنه كان لجنكيز خان حرص قوي
بإرادته؛ وكان النوكير عند المغول مقاتلاً حر يخدم قائده الذي يصبح سيده ومولاه
|»» وحين نتكلم عن التنظيم النوكيري لدى عثمان لا يمكن إلا أن ركز على
أهمية العنصر المغولي في المنظمة الاجتما: بة في البيلك العثماني المبكر وذلك بسبب
تأثير الماضي الثقافي العام» وإثر الحملة المغو! ة في القرن الثالث عشر التي مرت
بأراضي آسيا الصغرى كذلك» فكان عثمان يعين حرسه التوكيري بالذات بصفة
المغول نظام البريد الحكومي المسمى بأولاغ (وبالتركية أولاك) كما أن العادة المغولية
في دفن الخان في أرض قومه توضح سبب دفن إيرتوغرول وعثمان في سيغيوت أي
مركز النواة البدائية للبيلك العثماني +
يظهر أن تنظيم الدولة الإسلامية في البيلك العثماني قد بدأ يترسخ بتكوينه
العام في نهاية عهد عثمان وقوي في عهد ولي عهده أورخان . كانت الإمارات
(البيلكات) التركية المتفرقة في آسيا الصغرى المستأنفة؛ بشكل أو بآخر» تقاليد
تنظيم الدولة السلجوقية القي قضى عليها المغول بيثة ثقافية مستمرة تغذي الدولة
العشمانية الفتية؛ وكانت تعود الأهمية في ذلك إلى ممثلي النفوذ الديني؛ ولا سيما
الجزء غير الأرثوذكسي منهم؛ وللشيوخ الصوفيين والدراويش . كان الحكام
العثمانيون الأوائل تنقصهم ١ إدارة الدولة المنظمة على الأسس الإسلامية؛
فمن البديهي أنهم كانوا بحاجة إلى المساعدين الخبراء والعارفين. ثمة بيانات تفيد أن
التي استولى عليها عثمان القضاة وصوباشي رؤساء المدن الذين يعينهم ؛ وكان
عشثمان يقدم للمقاتلين والقادة ومقربيه البارزين إقطاعات من الأراضي (القرى)
تصرف دخولها على أدائهم الخدمة العسكرية .
لما استلم ابن عشمان أورخان السلطة سنة 1714 استأنف سياسة والده
وبدأ ذلك الطابع يترك أثرًا واضحًا في التاريخ السياسي للشطر الغربي من
آسيا الصغرى عندئذ بدأ الأباطرة البيزنطيون يخشون قوة البيه العثماني ١
واضطروا إلى إقامة علاقات دبلوماسية وسياسية وحربية معه .
العثمانيون+ ففي عام 1771 استولى عثمان على نيقوميديا (بالتركية إزميد) وفي
عام 137١ على نيقاي (بالتركية إيزنيك)؛ كما يعود إلى أورخان الفضل في
الاستيلاء على بروصا (بالتركية برصا)» ذلك الحادث الذي أفزع الحاشية البيزنطية
أن أورخان كان مجاهدا قويًا في سبيل الدين مندفمًا نحو توسيع حدود
دولته» أضحى في نظر الشعب قائدًاً حريبًا قوبًا جذب الكشير من المقاتلين من
مختلف أنحاء الأناضول» فإمكانية النهب عند الغارات على الأراضي البيزنطية
العثماني .
عملة فضية قدرها ١ وه أقجة؛ وإلقاء الخطب» وتشييد زوايا الصوفية؛ وتنظيم
الأوقاف» كما بدا بناء المدارس الدينية والمساجد.
إن ممثلي النفوذ الإسلامي بالذات هم الذين ساعدوا على إنشاء نظام الدولة في
البيلك العشماني» مهيئين لازدياد التأثير الديني في تشكيل السياسة الحكومية
والثقافية. ظهر في البيلك العثماني في عهد أورخان الكثير من المنحدرين من
سيواس ونيقاسار وأماسيا وأنقرة وتوكاش وقره خيسار المعبرون الحقيقيون عن
تقاليد تنظيم الدولة الإسلامي الذي بدأ يتشكل منذ ذاك الحين في أرجاء أخرى من
آسيا الصغرى» كان هؤلاء المهاجرون يمدون كوادر السلطة الفقهية والمدنية . تظهر
التقاليد التاريخية العثمانية أورخان على أنه حاكم إسلامي شجع على تشييد
المساجد والمدارس وزوايا الصوفية .
التنظيم الدولي الأكثر قدمّاء على إقامة علاقات دبلوماسية مع البيلك العثماني+
وترجع إلى عهد أورخان العلاقات السياسية الأولى بين البيلك العثماني والبيلك
إجراء مفاوضات مع البيه التركي القوي» وبعد أن عقد الإمبراطور اليمزنطي معه
السلام أوجب عليه أن يدفع للأتراك العثمانيين الإتاوات:
من بين العوامل التي ساعدت على ترسيخ وتطوير تنظيم الدولة العشمانية
تأسيس جيش المشاة «بابا» المستقل عن وحدات الفرسان شبه العسكرية القبلية؛ بيد
أنها كانت قد فقدت معظم العادات والتقاليد المرتبطة مع التنظيم القبلي» كان الجيش
العشماني في عهد عثمان كالجيش السلجوقي في مراحله الأولية من الفتوحات
يتألف من وحدات شبه عسكرية قبلية تشكلت بناء على قاعدة «من كل قبيلة وحدة
عسكرية» وعمايً كان كل فرد من القبيلة بعد بلوغه سن الرشد يصبح محاربًا
فيتوجب عليه المشاركة في الإجراءات الحربية لدى رث التحالف القبلي» وبقي
من السهل جمعه وحشده في مكان معين بغية توجيه غارة فجائية على العدو» بيد أن
وحدات الفرسان شبه العسكرية لدى البيكوات العثمانيين الأوليين سرعان ما كانت
تفقد علاقاتها مع المنظمة الحربية القبلية؛ ولا سيما أنّمثل هذه العمليات كانت تسير
بعنف في مرحلة الفتوحات الجارفة حين كانت الأراضي المفتوحة حديقًا وغنائمها
توزع على الفرسان الحاريين مقابل خدمتهم العسكرية؛ مكونة بذلك الأساس
المادي للتفكك السريع في بناء القبيلة؛ وكانت القمة العسكرية
العملية؛ أما أفراد القبائل العاديون فكانوا يحصلون على جزء بسيط من غنائم
الفقراء الذين حرموا من ماشيتهم وإمكانية الترحال .
آلاف مقاتل» كان الأول يرأس الجناح الأيسر» والثاني الجناح الأيمن» والثالث كان
يرأس «العسكر الأوسط» وفيما بعد نظم الجيش العثماني على هذا النمط »
دفعت ضرورة إجراء الحصارات المستمرة والطويلة التي تحتاج إلى كميات
هائلة من عمليات الحفر» دفعت الحاكم العثماني أورخان إلى تزويد جيشه بالمشاة
الذين لم يتم تجنيدهم إلا من ضمن الفلاحين سكان المدن الخاضعة الذين يدفعون
كتب المؤرخون العثمانيون الأوائل عن تشكيل جيش المشاة الأول المميز» كما
بيليكانون (1774) كان في جيش أورخان قوات خفيفة وثقيلة من المشاة .
تفيد البيانات التي حفظها المؤرخون العثمانيون الأوائل أن جيش المشاة ايايا»
كان منظمًا» بإرادة أورخان الذي سعى إلى مضاعفة جيشه عدديًا؛ وكان يتكون من
المتطوعين من ضمن رعايا البيلك العشماني» وكان يقوم بتسجيل الراغبين في