الشافعى ( .15 - 4.) والاشعرى (ات : .1ه ) والفزالى
(ت:ه.0ه) ثلاث شخصيات هامة فى تاريخ الثقافة الإسلامية عامة والفكر
العربى خاصة . وترجع أهميتهم إلى تأسيس الوسطية التى يرى كثيرون
التى تتجسد فيها * الأصالة " التى يتحتم على المجتمعات العربية والإسلامية
كأنت مسألة الصفة " الجوهرية * الثابتة محل نزاع وخلاف , فإن الثابت
تاريخيا أن الشافعى قد أسس " الوسطية " فى« مجال الفقه والشريعة +
وأسس الأشعرى الوسطية ذاتها , ولكن فى مجال العقيدة , أما الفزالى فقد
أسسها فى مجال الفكر والفلسفة اعتماداً على تأسيس كل من الشافعى
والأشعرى . ولاغرابة فى الأمر على كل حال فالفزالى شافعى المذهب فى
الفقه , أشعرى المذهب فى العقيدة , وكلا المجالين - مجال الفقه ومجال
العقيدة - مجال أصولى ٠ قد يسميان «الشريعة والعقيدة » وقد يكونان
"أصول الفقه "و " أصول الدين ٠"
ويعود الى الشافمى فضل الريادة فى هذا المجال بما أنه الأسبق
الكثيرين منهم لايدركون أن أسبابا تاريخية - اجتماعية اقتصادية سياسية
- هى التى دفعت بهذا التيار الى موقع السيادة والسيطرة + وأن تغير
بجوهرية * الوسطية " واعتبارها سمة أصيلة من سمات الفكر الإسلامى
والثقافة العربية قول يحتاج للمراجعة بكشف بعده الأيديولوجى ؛ بما أنه
الاجتماعى - الى مستوى الحقائق العقلية الحضارية الثابتة الراسخة . ولا
يتأتى هذا الكشف الاببيان الطبيعة الأيديولوجية لذلك التيار الوسطى
تاريخنا الثقافى والعقلى .
وتعتمد هذه الدراسة - منهجيا - على تحليل الأفكار والكشف عن
ثانيا . وبعبارة أخرى ستكون الحركة من الداخل الى الخارج , من الفكر
الى الواقع الذى أنتجه , وذلك لتجنب مزالق التحليل الليكانيكي -
الطبيعى والمنطقى أن يوضع فك الشافعى فى السياق الفكرى العام للعصر
الذى أنتجه من جهة , وفى سياق المجال المعرفى الخاص - مجال أصول
الفقه - من جهة أخرى ؛ ان أطروحات الشافعى لاتفهم حقيقة الفهم بمعزل
عن الصراع الفكرى الذى كان محتدما بين * أهل الرأى * و" أهل الحديث "
فى مجال الفقه والشريعة , ولا يمكن لهذا الصراع بدوره أن يفهم حق الفهم
إلا فى سياق الصراع الفكرى على مستوى العقيدة بين المعتزلة وخصومهم
من المشبهة والمرجئة . وهذا الصراع المركب يحيل من داخله الى صراغ
آخر مركب أيضا يدور على مستويين : مستوى ظاهر هو مستوى الصراع
الشعوبى بين العرب والفرس خاصة ؛ وهو صراع كانت له أبعاده الثقافية
والفكرية الواضحة , فضلا عن تجلياته الضمنية فى أشكال الصراع الفكرى
السياسى - الذى كان يتخذ فى الغالب شكل الصراع الفكرى الدينى +
ويتركز فى النهاية حول تأويل النصوص الدينية .
وإذا كان فقه الشافعى , أو بالأحرى أصوله الفقهية , تتركزه فى أربعة
هى : الكتاب والسنة والإجماع والقياس ٠ فإنه ترتيبه لهذه الأصول كان
مفهومه . ويكاد القارئ لكتابات الشافعى أن يجزم أن تأسيس السنة هم من
يغيب عن بالنا المغزى العام للقب الذى أطلق عليه - ناصر السنة - من
بلا
حيث انه يشير - بدلالة المخالفة - الى تيار فكرى آخر لايعطى للسنة المركز
بتأسيس السنة على الكتاب , بل حاول تأسيسها على أنها جزء عضوى فى
بناثه من الوجهة الدلالية . وإذ يصبح الكتاب والسنة بناء عضويا دلاليا
واحدا يمكن للشافعى بناء الإجماع عليه ؛ فيصبح نصا تشريعيا يكتسب
دلالته من دلالة النص المركب من الكتاب والسنة , ويأتى الأصل الرابع
والأخير فى أصول الشافعى - القياس / الاجتهاد - ليصبح استتباطا من
النص المركب من الأصول الثلاثة السابقة . والحقيقة أن هذا الترتيب للأدلة
ترتيب يعتمد فى الأساس على تحويل " اللانص " الى مجال * النص "
اليه من تضييق مساحة الاجتهاد / القياس ؛ بريطه بوثاق النص ربطا
الشافعى وفى فكرنا الدينى الراهن على حد سواء . وستحاول فى تحليلنا
العينى لنصوص الشافعى الكشف عن تلك الدلالات , لكن الأهم فى سياق
بينها بقدر مايعبر عن ضرورة منهجية .
لماذا كانت * عربية * القرآن فى حاجة الى دفاع ؟ سؤال يتبادر الى
الذهن وهى يتابع مناقشة الشافعى للرأى القائل بأن فى القرآن بعض
الألفاظ ذات الأصول الأعجمية . وفى دفاعة عن القرآن وانكاره التام
والمطلق أن تكون به ألفاظ غير عربية , يبدو الدفاع منصبا على اللغة العربية
ذاتها وانكار أن يكون قد دخلتها ألفاظ . ويذهب الشافعى خلافا لما
فتوهموا أنها ليست عربية . ويطرح الشافعى فى هذا السياق فكرة اتساع
اللسان العربى اتساعا يجعل من المستحيل الاحاطة به ؛ الا للأنبياء . يقول:
ولعل من قال : ان فى القرآن غير لسان العرب وقبل
بعض العرب . ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبا +
لايكون موجودا فيها من يعرفه . والعلم به عند العرب
كالعلم بالسنة عند أهل الفقه , لاتعلم رجلا جمع
السان فلم يذهب منها عليه شيئ . 00 . '
+ الشافمى ( محمد بن إدريس ) : الرسالة ؛ تحقيق وشرح : أحمد محمد شاكر )١(
+ 4 المكتبة العلمية , بيروت , لبنان ؛ بدون تاريخ + ص
استيعابه - الا أن يكون نبيا - فإن مهمة تفسير القرآن تصبح مهمة
عسيرة. طالما أن القرآن بمثابة صورة مصغرة جامعة للغة العربية على
يستطع أن يدرك مافى تصوره للغة العربية من تناقض يؤدى الى استحالة
عملية التفسير , فما ذلك الا لأنه كان يدافع عن نقاء اللغة العربية - وعن
العروية من ثم - من خلال انكاره لوجود الدخيل فى القرآن . وعلاقة
المشابهة التى يعقدها الشافعى فى النص السابق بين العلم باللغة والعلم
بالسئن علاقة لاتخلو من دلالة تكشف عن طبيعة المشكل الذى يحاول
وحده أيضا - تقلل الى حد كبير من تلك الصعوبة , وتجعل المستحيل
ممكناء وهكذا تصبح السنة بمثابة لغة ثانوية , تساعد فى إطار اللغة العامة
- اللسان العربى - على إمكان فهم النص القرآني ٠ وتتأسس من ثم
مشروعيتها لافى كشف دلالة القرآن فحسب؛ بل فى تشكيل الدلالة أيضا .
ومن اللافت للانتباه , أن الموقف الذى اتخذه الشافعى من مشكل وجود
الأجنبى فى القرأن وفى اللغة موقف وسطى تلفيقى يقع بين طرفين : يذهب
أحدهما الى وجود ماكان فى الأصل أجنبيا من الألفاظ فى القرآن , وهذا
هو اتجاه كثير من مفسرى التابعين وعلى رأسهم عبد الله بن عباس الذى
عاصر النبى ودعا له بالفقه فى الدين وبعلم التثويل (") . والاتجاه الثانى ينكر
() الطبرى ( أبو جمفر محمد بن جرير) : جامع البيان عن تأويل آى القرآن ؛ تحقيق
محمود محمد شاكر , دار المعارف ؛ مصره ط 04 1414م ؛ الجزء الأوله ص !16-1
انكارا تاماً وجود ذلك فى القرآن ؛ لاعلى طريقة الشافمى , بل على أساس
أن وجود الأجنبى يتناقض مع وصف النص لنفسه بأنه عربى ؛ وبأنه بلسان
عربى مبين . أما طريقة الشافعى الوسطية التلفيقية فتذهب الى أن هذه
الألفاظ محل الخلاف هى من الألفاظ التى تتفق فيها لغات وألسنة مختلفة ؛
دون أن تكون قد انتقلت من لسان أمة الى لسان أمة أخرى . وتبدى التلفيقية
واضحة فى محاولة التوسط بين الاتجاهين على غير أساس. ؛ وهى بذاك
وسطية تختلف عن الوسطية التوفيقية الحقة , التى تعتمد على رصد
عبيد القاسم بن سلام (ت؛ "1ه ) حيث يقول :
فاعربتها , وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظهاء
الحروف بكلام العربء فمن قال إنها عربية فهو
لكن مشكل لغة القرآن يتجاوز ارتباطه باللغة العربية النقية الخالصة من
تحديد اللفة أى اللغات التى نزل بها القرآن من بين لفات اللسان العربى
العديدة . وطبقا لحديث متواتر مشهور ؛ فقد نزل القرآن على * سبعة
أحرف" طال النقاش والجدل حولها , وحول طبيعتها . وقد انتهى الطبرى -
(7) السيد يعقوب بكر : نصوص فى فقه اللغة العربية » دار النهضة العربية ؛ بيردت +
٠١١١ م ؛ الجزء الثاني ٠ ص : 77 ١
الات
بعد مناقشة مستفيضة للآراء والمرويات الكثيرة فى الموضوع - الى أن
الحروف السبعة ليست الا لغات (لهجات) سبع من اللسان العربى حددها
بأن خمسة منها من لسان العجز من هوازن ؛ سعد بن بكر ؛ وجشم بن
وإذا كان القرآن الموجود بين أيدينا اليوم يخلو من سمات ومظاهر التعدد
الأحرف شاءت ... فرأت - لعلة من العلل أوجبت عليها
الثبات على حرف واحد - قراعته بحرف وأحد » ورفض
القراءة بالأحرف الستة الباقية(*).
ومعلوم أن الحرف أى اللغة التى ثبتت القراءة عليها هى لغة قريش؛ وذلك
بناء على التعليمات التى أصدرها الخليفة الثالث عثمان بن عفان إلى
أعضاء اللجنة التى كونها لتثبيت القراءة , بعد الخلافات التى تواترت
أنباؤها فى قراءة النص ؛ والتى ولت الى حد التكفير المتبادل () .
لم يتعرض الشافعى - فيما قرأنا له - لمسألة الأحرف السبعة ؛ ويبدو
أن السبب وراء ذلك أن الخلاف حولها كان قد حسم على التحق الذى صاغه
الطبرى 0 .
(9) الطبرى : المصدر السابق ,ص : 11 - 17 . وانظر أيضا : السيوطى ( عبد
الرحمن جلال الدين ) : الإتقان فى علوم القرآن » مطبعة مصطفى البابى الحلبى +
القاهرة , ط 3 , - .1717 ه - ١407 م ؛ الجزء الأول ؛ النوع السادس عشر + ص :
(ه) الطبرى : المصدر السابق ص :8ه 1ه .
(1) السيوطى : المصدر السابق ؛ النوع السابع عشر :من : 118 - جلا .
() تعرض الشافعى لحديث الأحرف السبعة عرضا ؛ وذلك فى سياق حديثه عن جوازد
هذا بالإضافة الى أن النص كان قد ثبتت قراءته بلسان قريش ؛ الأمر
الذى يسوغ لنا افتراض أن دفاع الشافعى عن نقاء لغة القرآن من الأجنبى
الدخيل لم يكن دفاعا عن اللسان العربى كله فحسب ؛ بل كان بالإضافة الى
العربى . والحقيقة أن هذا الموقف لايخلو من " انحياز أيديولوجى " القرشية
التى أطت برأسها أول ماأطلت - بعد نزول الوحى - فى الخلاف حول
قيادة الأمة فى اجتماع السقيفة . ولا نغالى إذا قلنا أن تثبيت قراءة النص
- الذى نزل متعدداً - فى قراءة قريش كان جزءا من التوجية الأيديواوجى
للإسلام لتحقيق السيادة القرشية . وفيما يتصل بمذهب الشافعى فإنه
يحتفى احتفاء خاصا بالمرويات التى تؤكد فضل قريش على الناس كافة (0),
وهد ثانيا لايكتفى بالاتفاق مع جمهور علماء أهل السنة بحصر الخلافة فى
قريش دون غيرها من القبائل العربية , بل يذهب - فيما يروى عنه تلاميذه
الخلافة أمران : كون المتصدى لها قرشيا , واجتماع الناس عليه سواء أكان
الاجتماع سابقا على إقامته خليفة كما فى حال البيعة , أم كان الإجتماع
تاليا لاستيلاثه على السلطة بقوة السيف وغلبة الشوكة (9) .
اختلاف اللفظ مع عدم احالة المعنى فى الأحاديث النبوية ؛ الأمر الذى يعتى فهمه
للأحرف السبعة بأنها لغات فى اللسان العربى , كما قال االطبرى . انظر : الرسالة ,
)0 : مسند الشافعى , على هامش كتاب * الأم " , دار الشعب ؛ القاهرة ؛ بدون
تاريخ؛ الجزء السادس ١ ص :11 - 117 .
الفكر العربى , القاهرة , بدون تاريخ نط ص 11٠: .