قال إسحاق بن راهويه: «لقيني أحمد بن حنبل بمكة؛
قال: فتناظرنا في الحديث فلم أر أعلم منه. ثم تناظرنا في
الفقه فلم أر أفقه منه. ثم تناظرنا في القرآن فلم أر أقرأ منه؛
ورسوله؛ صلّى الله عليه في الأولين والآخرين. أفضل وأكثر
وأزكى ما صلّى على أحد من خلقه؛ والسلام عليك ورحمة الله
فقد نزل القرآن على رسول الله يي في نحو ثلاث
وعشرين سنة؛ وفيه خطة الإسلام كاملة: من تقربر لوجود الله
وإثبات لوحدائيته. ومن عبر وعظات وأخلاق؛ ومن عرض
لقصص الأنبياء وسير أممهم؛ من آمن منهم ومن كفر
ينظم حياة الأفراد والجماعات؛ ويحفظ عليهم: الدين؛
وكان من رسالة النبي فيه أن
)١( مقتبس من كلام الشافعي في مقدمة رسالته
)١( تطلتى السنة على : قول رسول الله يل وفعله؛ وإقراره
- في سه" للناس ما تُزل
إليهم؛ من مجمل لكتاب لل أو تخصيص لعمونة؛ أو تعميم
لخصوصة. وما أحكم وما تسخ. وكا أصحاب رسول الله
يسمعون كلام الله ا لج عرب وبلغتهم نزل القرآذ؛
فلا يحتاجون على الأغلب إلى من يفسره لهم؛ أو يوضح
عما خفي عليهم» أو ينتفعون يسؤال بعضهم؛ أو يبادرهم الرسول
بالحض على أمرء أو النهي عن آخرء وأغلب ما ورد من
الأحكام آبات أو سننا - ميني على وقائع حدثت؛ فيأتي فيه حكم
يتفاوت الصحابة رضوان الله عليهم - سابقةً وعلماً وفضلاً
ومنهم الملازمون لمجلس النبي كَل ومنهم المكثشرون من
الرواية والمقلون. ومنهم دون ذلك
وانقل رسول الله ي؛ وسته كلها في صدور الكثرة من
أصحابه. ولم يكن عند أحد منهم قط جميع أقواله و
وتفرق الصحابة في الأمصار عند الفتح, فمنهم من نزل
وجمهورهم اتخذوا المديئة دار إقامة لهم وكانوا - بالطبع -
مرجع الفتوى في كل بلد نزلوا به ليس للتابعين وحدهم» بل
ورسوله.؛ مما يدخل في عموم من الكتاب والسئة
وجاء عهد التابعين؛ فورث علماؤهم علم الكتاب والسئة
وفقههما؛ واجتهاد علماء الصحابة رضي الله عنهم» وفتاواهم؛
زمنهم من وقائع وقضايا. وأتى من بعدهم تابعوهم» فورثوا علم
اجتهادهم في واقعاتهم وأحدائهم
وما أظل عهد الأئمة الأربعة. حتى أصبحت شجرة الفقه
الأحداث والوقائع والقضايا أغزر عدداً وأكثر تنوعاً من النصوص؛
واختلفت بيثاتهم وعقولهم وطبائعهم؛ ومدى تحضرهم - تزداد
وقائعهم وتضاياهم وتتنوع
وكانت بداءة ذلك حين انقطع الوحي بانتقال النبي َي
المجتهدون أن يبحثوا عن حكم الشرع في كل حادثة تحدث؛ أو
قضية تُعرض؛ فمنهم من يرى في نصوص الكتاب والسئة العامة
)١( العوام : ما يقابل الخواص.
غير تحميل النصوص ما لا تحمل؛ ومنهم من يستتبط الحكم
من صريح النصوص ما دام يعتقد أن ذلك مير له وإلا
أفتى أو قضى بكل ما يوقن أن فيه روح الشرع الملائم أبدأً
وهكذا اختلفت مناهج المجتهدين من عهد الصحابة رضوان
الله عليهم؛ إلى آخر عهد الأئمة الأربعة؛ وائتهت هذه المناهج
إلى مدرستين: مدرسة الحديث بالحجاز. ومدرسة الرأي
بالعراق» وجمهور الفقهاء يلتزمون منهج إحدى هاتين
المدرستين. وهناك مدرسة ثالثة لم يشر إليها مؤرخو الفقه؛ هي
مدرسة الشافعي؛ وسيأتي الحديث عنها
هذا عرض موجز سربع لبعض مراحل الاجتهاد في الفقه؛ فأين
في جزيرة منيعة بة» فلقد آتى الله الشافعي من حدة الذكاء
وغزارة المواهب؛ والرغبة الصادقة والاستقامة والتقوى. ما بسر
وتُسلم بن خالد الزنجي؛ وسعيد بن سالم القدّاح. وداود بن عبد
الرحمن العطار؛ وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رؤّاد. وأخذ
علم المديئة من: مالك بن أنس» وإبراهيم بن سعد الأنصاري؛
وعبد العزيزين محمد التُرَارَرْسي وإبراهيم بن أي يحى
الأسلمي. ومحمد بن سعيد بن أبي ديك وعبد الله بن نافع
الصائغ+ صاحب ابن أبي ذئب. وأخذ علم البمن من مُطرّف بن
مازن. وهشام بن يوسف قاضي صنعاء. وعمر بن أبي سلمة
صاحب الأوزاعي؛ ويحى بن حسان صاحب الليث بن سعد
وأخذ علم العراق من: وكيع بن الجراح وأبي أسامة حماد بن
المجيد البصريين؛ كما علم أهل الرأي عن أحد الصاحبين
محمد بن الحسن سماعاً منه؛ وكتب من كتبه حمل جمل.
مذهباً معيناً؛. وإنما تلقى فقه أكثر المذاهب التي عرفت في
لقد اطلع الشافعي إذن في التقدير الأقل على معظم ما
كيد
الاجتهاد في كتاب الرسالة؛ وسار على منهج واضح مستقل؛
ينشىء مذهيه المدعوم بأقوم حجة من منطق الشريعة وآثارها.
الحديث مع بعض التعليقات والآراء.
ولا يخرج عما رسم .
ومذهب الشافعي هو المدرسة الثالثة التي أشرنا إليها من قبل+
وهي بين مدرسة الرأي ومدرسة الحديث. وهي إلى مدرسة
لم يُعهد من أحد قبله؛ في فقهه؛ والتشقيق عن معانيه؛ وإبراز
لست في معرض التحدث عن خصائص المذهب الشافمي»
حياته إلا مرحلة مهمة في تاريخ الاجتهاد والفقه
لقد ألف في حياة الشافعي كثيرون بين المسهب والموجزء
ومن أشهرهم: داود بن علي الأصبهائي إمام أهل الظاهرء له
ثم الآأبري في كتاب حافل» ثم الحافظ الحاكم مصنفاً جامعاً ثم
الحافظ أبو بكر البيهقي المعروف بفندق؛ ثم ابن شاكر
القطانء ثم إسماعيل بن محمد السرخسي القرّاب مجموعاً
حافل. ثم عبد القاهر بن طاهر البغدادي؛ صنف كتابين: أحدهما
كبير حافل يختص بالمناقب. والآخر بالرد على الجرجاني
اللاي ويقول ابن خلكان: لأ أحد المشايخ
الأفاضل: أنه عمل في مناقب الشافعي ثلاثة عشر تصيفاً".
عجز عن الاجتهاد كالجويني؛ ومن ألف في دراسة الشافعي:
منهجاً. واجتهاداً, وفقهاً كالعلامة المعاصر أبي زهرة؛ وقبله
الباحث الفيلسوف مصطفى عبد الرزاق؛ وغير هؤلاء كثيرون؛
وهكذا نرى أنه لم يصنف في أحد الأئمة الأعلام ما صنف في
المبدع لفن الأصول؛ ما يزال في حاجة إلى مباحث جدية
ناضجة؛ تبرز أصوله؛ وتستوعب ما أحكمه واختص به؛ من
واجتهاد واستدلال. وهذه غاية لا يدركها إلا صابرء طويل الأناة؛
)١( من طبقات السبكي (1: 43©)
() وفيات الأعيان :١( 77
متعارضة؛ وقد يكون عذرهم أنهم جماعون.؛ يلتقطون الأخبار
مهما تكن ويحاولون تصنيفهاء ولو أن أخبار الشافعي كانت
موزّعة بدقة على حياته لطرح بعض الأخبار التي ليس لها مكان
في تسلسل حياته
الكتب المعنية بأخبار الشافعي. فالمؤلف على ثقته - ليس بينه
وبين تلاميذ الشافعي الذي بروي عنهم إلا شخص أو شخصان.
ما أمكن عن صحيحها وصوابهاء وعمدنا إلى أن نكتب حياة
الشافعي في تسلسل؛ مرحلة إثر مرحلة. منذ ولد إلى أن واقاه
بين يدي القارىء قصة حياة هذا الرجل العظيم كاملة متتابعة في
العلمية في فروعها كلهاء وشهادة كبار العلماء فيه من مختلف
المذاهب والنحل. وبعض صفاته الخلقية. وليس معنى هذا أن
تسلسل حياة الشافعي المادية خلا من الحديث عن حياته العلمية+
التسلسل. لتعلم مراحل التطور فيهما.