موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
محمد السنوسي رضي الله عنهم جميعاً؛ فهو الذي يستطيع قبول البحث معهم أو رفضه وأنتم لا تجهلون
الاخوان المجاهدين لا نزيد عن كوننا جند من جنوده لانعصي له أمراً ونرجو من الله سبحانه وتعلى أن
) ولا نخاف حتى من السم الذي وضعوه في الآبار وبخوا به الزروع النابتة في الأرض نحن من
جنود الله وجنوده هم الغالبون ونحن لا نريد لكم مايدفعكم إليه النصارى وظننا بكم خير والله يوفقنا ويد
وإياكم الى سبل الرشاد وإلى خدمة المسلمين ورضاء سيدنا رضي الله عنه وسلام الاسلام على من تبع
13 ربيع الثاني 1344ه
نائب المنطقة الجبلية عمر المختار (1)
الأرض نحن من جنود الله وجنوده هم الغالبون).
إن صفة الشجاعة ملازمة لصفة الكرم؛ كما أن الجبن والبخل لا يفترقان ولقد حفظ لنا التاريخ عبارة
جميلة كان يرددها عمر المختار بين ضيوفه : (اننا لا نبخل بالموجود ولا نأسف لمفقود).
لقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة بمدح الكرم والانفاق وذم البخل والامساك؛ قل تعالى : (تتجافى
فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة
جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم
أعين جزاءً بما كانوا يعملون) (سورة السجدة؛ آية 16).
ن همة عمر المختار منصرفة الى جمع المال والثروة والغنى وإن كان قد ورث عن والده بعض
عاماء أ وكان طيلة فتر إقامته في معهد الجغبوب تتكفل إدارة المعهد بمصروفاته وبع أن تزوج وكوّن
المال» وإنما عاش للعلم والدعوة والجهاده وانشغل عن جمع الاموال والثروات وقضى حياته فقيراً مقتنعاً
بما رزقه الله من القناعة والرضى بالكفاف وكان يبذل مافي وسعة لضيوفه وجنوده وينفق على أفراد
جيشه ما لايخشى الفقرء ويقدم إخوانه على نفسه وأصبح شعاره (إننا لا بالموجود ولا نأسف
رحاتة الشهيرة من الجغبوب الى الكفرة حلم 1895م وفي سام 1897م أصذر محمد المهدي قراراً بتعيين
عمر المختار لزاوية القصور بالجبل الأخضر قرب المرج؛ وقام عمر المختار بأعباء المهمة خير
قيام؛ فعلمٌ الناس أمور دينهم؛ وساهم في فض النزعات بين القبائل وعمل على جمع كلمتهم وسعى في
مصالحهم ؛ وسار في الناس سيرة حميدة؛ فظهر في شخصيته أخلاق الدعاة من حلم وتأني؛ وصبرء
ومما تجدر الاشارة إليه أن وقوع الاختيار عليه للقيام بأأمور هذه الزاوية كان مقصودا من قَ
(1) انظر:عمر المختار للاشهب؛ ص87
موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
من حكمة وعلم وحلم وصبر واخلاص.
الاسلام ونشره بلقكرة والاقناع والارشاد التوجيه؛ فهو قمة شامخة في هذا المجال؛ فهو لم يدخل مجال
الدعوة والارشاد إلا بعد أن تعلم من أمور دينه الكثير؛ فشق طريق الدعوة بزاد علمي؛. وثقافة متميزة؛
وتفوق روحي؛ ورجاحة عقل؛ وقوة حجة ورحابة صدر؛ وسماحة نفس لقد كان حريصاً على تعلم العلم
والعمل به وتعليمه وعندما زحف الامتعمار الفرنسي على مراكز الحركة السنوسية في تشاده نظمت
الحركة السنوسية نفسها وأعدت للجهاد عدتهاء واختارت من القادة من هم أولى بهذا العمل الجليل؛ فكان
عمر المختار من ضمنهم فقارع الاستعمار الفرنسي مع كتائب الحركة السنوسية المجاهدة في تشاد وبذل
المهدي السنوسي: (لو كان لدينا عشرة مثل المختار لاكتفينم(1).
وبقي عمر المختار في تشاد يعمل على نشر الاسلام ودعوة الناس وتربيتهم الى جانب جهاده ضد
فرنساء فحمل الكتاب الذي يهدي بيد والسيف الذي يحمي باليد الاخرى؛ وظهرت منه شجاعة وبطولة
وبسالة نادرة في الدفاع عن ديار المسلمين؛ وكانت المناطق التي يتولى أمرها أمنع من عرين الاسد؛ ولا
وعندما أصيبت الأبل التي كانت تحمل الاثقال للمجاهدين بمرض الجرب؛ وكان عددها لا يقل عن
أربعة آلاف بعير وكانت تلك الابل هي قوام الحياة بالنسبة للمجاهدين واهتم السيد المهدي السنوسي بشأن
هب بالابل الى موقع (عين كلك) نظراً لوفرة مائه ولصلاحيته؛ وكان على عمر المختار
مهمة اخرى وهي الاحتياط والحرص الشديد واتخاذ التدابير اللازمة للدفاع؛ واختار عمر المختار من
المجاهدين مجموعة خيرة؛ وذهب لتنفيذ أمر القيادة وكان توفيق الله له عظيماً في مهمته العسيرة فنال
أعجاب السيد المهدي(.
وفي عام 1906م رجع عمر المختار بأمر من القيادة السنوسية الى الجبل الاخضر ليستأئف عمله في
زاوية القصورء ولكن ذلك لم يستمر طويلاً؛ فقد بدأت المعارك الضارية بين الحركة السنوسية
والبريطانيين في منطقة البردى ومساعد والسلوم على الحدود الليبية المصرية. ولقد شهد عام 1908م أشد
المعارك ضراوة وانتهت بضم السلوم الى الأراضي المصرية تحت ضغوط بريطانيا على الدولة
العثمانية؛ وحادة الشيم حسض السختان الي زاوية القصور وبرزت شخصيته بين زملائه مشايخ الزواياء
وبين شيوخ وأعيان ال َ
للمشاكل القبلية؛ وفي ميان الاصلاح العام مضرياً للامثل.
من زعماء» 'وأعيان القبائل في برقة؛ وكذلك زعماء
ٍ من قلوبهم في حين أنهم لم يكونوا من
القبائل التابعة ل + وارتبطت علاقاته الاخوية مع شيوخ الزوايا كالسادة السنوسي الأشهب شيخ
زاوية مسوس؛ وعمران السكوري شيخ زاوية المرج؛ وعبد ربه بوشناف الشيخي؛ والحسن الشاري شيخ
(2) انظر: عمر المختار للأشهب؛ ص 27.
(4) المصدر السابق نفسه؛ ص40:41,
موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
الى زاوية (القصور) وامر بتجنيد كل من كان صالحاللجهاد من قبيلة العبيد التابعة لزواية (القّ م
فاستجابوا نداءه؛ واحضروا لوازمهم؛ وحضر أكثر بن ال مقاتل؛ وكان عيد الاضحى من نه نة
الهجرية على الأبواب أي لم يبق عله إلا ثلاثة أيام » فقط ولم ينتظر السيد عمر المختار تدائكله تي
يشاركهم فرحة العيد؛ فتحرك بجنوده وقضوا يوم العيد في الطريق وكانت الذبائح التي اكل المجاهدين من
لحومها يوم العيد من السيد عمر المختار شخصياً؛ ووصل المجاهدون وعلى راسهم عمر المختار وبر
احمد العيساوي الى موقع بنينه حيث معسكر المجاهدين الذي فرح بقدوم نجدة عمر المختار ورفقائه ثم
شرعوا يهاجمون العدو ليلاً ونهاراً وكانت غنائمهم من العدو تفوق الحصرل) وقد بينت دور الزوايا في
ويذكر الشيخ محمد الأخضر العيساوي بأنه كان قريباً من عمر المختار في معركة السلاوي عام
1م فوصف لنا بعض احداث تلك المعركة فقال: (..وقد فاجأنا العدو فقابله من المجاهدين الخيالة؛
بينما كان العدو يضربنا بمدافعه الرشاشة واضطررنا للنزول في مكان منخفض مزروعاً بالشعير وكانت
أكثر من المكان الذي نحن فيه؛ وأردنا أن يأوى إليه السيد عمر المختار بسبب خوفنا عليه فرفض بشدة
ا أشار الشيخ الأخضر الى إعجاب الضباط الأثراك به وبشجاعته وبالآراء السديدة التي
المجاهدين مشجعاً وباعتاً للروح المعنوية في قوة خارقة وقد تحدثت في سيرة احمد الشريف في الجزء
الثاني عن الحركة السنوسية عن حركة الجهاد في أيامها الأولى ضد ايطالياء وكان عمر المختار من
المقربين للشيخ احمد الشريف السنوسي؛ وبعد هجرته لازم عمر المختار الأمير محمد ادريس وقام
بواجباته خير قيام وبعد هجرة الأمير الى مصر تولى أمر القيادة العسكرية بالجبل الاخضر؛ وأخذ في
تهيئة النفوس لمجابهة العدو وبداً جولاته في أنحاء المنطقة للاتصال بالاهالي وزعمائهم؛ بل وبالأفراد
ة اولى للعمل الجديد الشاق في نفس الوقت؛ وقام بفتح باب التطوع للجهاده فأقبل الليبيين من ابناء
قبائل الجبل بوجوه مستبشرة وقلوب مطمئنة وتلهف على مجابهة العدو الغادر؛ وكانت ترافقه لجئة مكونة
من أعيان وشيوخ قبائل المنطقة (البراغيث؛ والحرابي والمرابطين) لمساعدته في عمله العظيم وكان من
بينهم ؛ بوشديق بومازق حدوث؛ الصيفاط بوفروة؛ محمد بولقاسم جلغاف؛ حمد الصغير حدوث؛ دلاف
بوعبدال محمد العلواني؛ سويكر عبدالجليل؛ موسى بوغيضان؛ الغرياني عبدربه بوشناف؛ عبدالله
الخرساني؛ عوض العبيدي؛ رجب بوسيحة؛ رواق بودرمان؛ كريم بوراقي ؛ قطيط الحاسي؛ وغير هؤلاء
من علية القوم؛ فزار أغلب منطق الجبل والبطنان؛ وكان سمو الأمير قد وصل الى مصر (يناير 1923م)
عمر المختار للاشهب؛ ص6.
(2) انظر : عمر المختار للاشهب؛ ص6.
(3) انظر: عمر المختار للاشهب؛ ص 56
موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
فما إن بلغ السيد ادريس مافعله عمر المختار مع من جاء إليه من أبناء قبيلته حتى أصدر امره بمقابلتهم
فامتثل المختار لامره(2).
حاولت ايطاليا بواسطة عملائها بمصر الاتصال بالسيد عمر المختار وعرضت عليه بأنها سوف تقدم
له مساعدة إذا ماتعهد باتخاذ سكنه في مدينة بنغازي أو المرج؛ وملازمة بيته تحت رعاية وعطف ايطلياء
وأن حكومة روما مستعدة بأن تجعل من عمر المختار الشخصية الاولى في ليبيا كلها وتتلاشى أمامه
حكومة روما بان توفر له راتباً ضخماً يمكنة من حياة رغدة؛ وهي على استعداد أن يكون الاتفاق بصورة
سرية وتوفير الضمانات لعمر المختار ويتم كل شيء بدون ضجيج تطعيناً لعمر المختار وقد طلبت منه
نصح الاهالي بالاقلاع عن فكرة القيام في وجه ايطالياأة)؛ وقد أكد عمر المختار هذا الاتصال وهو في
يركبون رؤسهم ويدعون أنهم يستطيعون أن ينصحوا الأهالي بالاستسلام؛ انني أعيذ نفسي من أن أكون
في يوم من الايام مطية للعدو وأذنابه فأدعوا الأهالي بعدم الحرب ضد الطليان؛ وإذا لاسمح الله قدّر عليّ
بأن أكون موتوراً فإن اهل برقة لايطيعون لي امرا يتعلق بإلقاء السلاح إنني أعرف أن قيمتي في بلادي
لقد استمرت عروض الايطاليين على عمر المختار حتى بعد رجوعه للبلاد وحاولوا استمالته بالمال
الطائل؛ والمناصب الرفيعة ؛ والجاه العريض في ظل حياة رغيدة ناعمة ولكنهم لم يفلحوا ؛ لقد كان عمر
المختار رجل عقيدة؛ وصاحب دعوة ومؤمناً بفكرة استمدت اصولها وتصوراتها من كتاب الله تعالى وسنة
مشكوراً) (الاسراء ؛ الآية 4 ِِ
وعندما خرج السيد عمر المختار من قاصداً برقة لمواصلة الجهاد اجتمع به مشايخ قبيلته
الموجودون بمصر من المتقدمين في السن وحاولوا أن يثنوه عن عزمه بدعوى أنه قد بلغ من الكبر عتيا
وان الراحة والهدوء ألزم له من أي شيء آخر وأن باستطاعة السنوسية أن تجد قائداً غيره لتزعم حركة
الجهاد في برقة؛ فغضب عمر المختار غضباً شديداً وكان جوابه قاطعاً فاصلاً فقال لمحدثيه: (إن كل من
يقول لي هذا الكلام لا يريد خيراً لي لأن ما أسير فيه إنما هو طريق خير ولا ينبغي لأحد أن ينهائي عن
سلوكهاء وكل من يحاول ذلك فهو عدو لي)(3).
لقد كان عمر المختار يعتقد اعتقاداً راسخاً أن ماكان يقوم به من الجهاد إنما هو فرض يؤديه وواجب
ديني لامناص منه ولا محيد عنه ولذلك أخلص في عمله وسكناته واحواله وأقواله لقضية الجهاد في ليبيا
(1) انظر: عمر المختار للاشهب ؛ ص8.
(5) انظر: السنوسية دين ودولة ؛ ص271.
موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
موتي في سبيل هذه القضية المباركة)(1)؛ وأصر على البقاء في أرض الوطن الحبيب وقال: (لا أغادر
هذا الوطن حتى ألاقي وجه ربي والموت أقرب الى من كل شيء فإني أترقبه بالدقيقة) (2).
وعندما عرض عليه أن يترك ساحة الجهادء ويسافر الى الحج قال : (لن أذهب ولن أبرح هذه البقعة
حتى يأتي رسل ربي وان ثواب الحج لايفوق ثواب دفاعنا عن الوطن والدين والعقيدة (06.
وقال: (كل مسلم الجهاد واجب عليه وليس منه؛ وليس لغرض اشخاص وإنما هو لله وحد) (4.
إن هذه الكلمات التي كتبت بماء الذهب على صفحات تاريخنا المجيد نابعة من فهم عمر المختار لقوله
تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالل واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله
وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها
ومن فهمه لأحاديث رسول الله 8: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل اله (5).
تم الاتفاق بين الأمير ادريس وعمر المختار على تفاصيل الخطة التي يجب أن يتبعها المجاهدون في
جهادهم ضد العدو الغاشم المعتدي على اساس تشكيل المعسكرات؛ واختيار القيادة الصالحة لهذه الادوار»؛
وأن تظل القيادة العليا من نصيب عمر المختار نفسه وزوده الأمير بكتاب الى السيد الرضا بهذا المعنى
وتم الاتفاق على بقاء الامير في مصر ليقود العمل السياسي؛ ويهتم بأمر المهاجرين ويضغط على
الحكومة المصرية والانكليزية بالسماح للمجاهدين بالالتجاء الى مصر؛ ويشرف على إمداد المجاهدين
بكل المساعدات الممكنة من مصر؛ ويرسل الارشادات والتعليمات اللازمة الى عمر المختار في الجبل
واتفق على أن يكون الحاج التواتي البرعصي حلقة الوصل بين الأمير وقائد الجهاد؛ وبعد ذلك الاتفاق
غادر عمر المختار القاهرة؛ وعند وصوله الى السلوم وجد بعض رققائه في انتظاره؛ فأخذ الجميع
حاجتهم من المؤن الكافية لرحلتهم الى الجبل الأخضر وغادروا السلوم الى برقة(7).
وقد حدث في أثناء وجود عمر المختار أن اشتبك المجاهدون مع الطليان في معركتين كبيرتين في بير
بقيادة المجاهد قجة عبدالله السوداني واستشهد كل من المهدي الحرنة؛ والشيخ نصر الأعمى وغيرهم؛ وقد
ساهم في هذه المعركة صالح الاطيوشء والفضيل المهشهش وكانت نفقات المجاهدين في هذه المعركة
على حساب الفضيل المهشهش ووقعة معركة البريقة بعد بير بلال بأربعة أيام واستشهد فيها من أبطال
الجهاد ابراهيم الفيل (8).
(1) انظر: عمر المختار نشأته وجهاده للحساوي؛ ص36.
(2) المصدر السابق نفسه؛ ص37
(3) المصدر السابق نفسه؛ ص37.
(4) المصدر السابق نفسه؛ ص37
(5) رواه ملم
(8) المصدر السابق نفسه؛ ص273:274.
موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
معسكر العواقير بموقع البدين وبعد معركة شديدة كبدت الطرفين خسائر فادحة انسحب المعسكر الى
اجدابية واستمر الزحف الايطالي يلاحق المجاهدين حتى اشتبك مع طلائع معسكر المغاربة في الزويتينه؛
دوم
كانت عيون ايطاليا تترصد حركة عمر المختار في عودته الى برقة ولكنها فشلت في اللقاء به قبل أن
تجمع هؤلاء حولنا لسؤالنا عن صحة سمو الامير؛ وكنا صائمين رمضان وإذا بسبعة سيارات ايطالية
سير بطيء فأراد علي باشا العبيدي أن يطلق الرصاص من ندقيته ولكنني منعته قائلاً: لابد أن نتحقق
أخذ ورد وإذا بالسيارات تفترق في خطة من المراد منها ده يقناء وشاهدنا المدافع الرشاشة به
الادبار الى قريب منا وعادت بسرعة تحمل صوفا؛ ولما دنت منا توزعت توزيعاً محكماً وأخذ
الجنود ينزلون ويضعون الأصواف (الخام) أمامهم ليتحصنوا بها من رصاصنال*) ويادرنا بطلق الأعيرة
فأخذ علي باشا يولع سيجارة وقلت له رمضان ياعلي باشا منبهاً إياه للصوم فأجابني قائلاً: (مو يوم صيام
وفي أسرع مدة انجلت المعركة عن خسارة الطليان وأخذت النار تلتهم السيارات إلا واحدة فرت
ثم استمر المجاهدون في سيرهم حتى بلغوا الجبل الاخضر ووصلوا الى زاوية القطوفية (مكان
معسكر المغاربة) وقابلهم صالح الاطيوش والفضيل المهشهش؛ ووقف عمر المختار على تفاصيل معركة
البريقة وحال المجاهدين ثم واصل سيره الى جالو مقر السيد محمد الرضا ليبلغ التعليمات التي أخذها من
سمو الامير.
وبعد أن تم اللقاء بين عمر المختار والسيد الرضا اتفقا على تنظيم حركة الجهاد وإنشاء المعسكرات
في الجبل الاخضر واقترح عمر المختار على الرضا أن يرسل ابنه الصديق الى معسكر المغاربة عند
غادر جالو الى الجبل الاخضر وشرع في تشكيل المعسكرات للمجاهدين ؛ وأنشئت
البراعصة والعبيد والحاسة؛ فاختار الرضا حسين الجويفي البر لقيادة البراعصة؛ ويوسف بورحيل
المسماري لمعسكر البراغيث والفضيل بوعمر لمعسكر الحاسة وأصبح عمر المختار القائد الأعلى لتلك
وبداً الجهاد الشاق والطويل واستمر متصلاً ومن غير هوداة حوالي ثمائية اعوام.
وكانت عامي 1924م؛ 1925م قد شاهدت مناوشات عدة ومعارك دامية؛ ووسع المجاهدون نشاطهم
العسكري في الجبل الاخضر ولمع اسم عمر المختار نجمه كقائد بارع يتن اساليب الكر والفر ويتمتع
بنفوذ عظيم بين القبائل وأخذ العرب من أبناء القبائل ينضمون الى صفوف المجاهدين وبادرت القبائل
(1) انظر: عمر المختار للأشهب؛ ص 63
(2) كان الصوف الخام الكثيف يستعمل ضد الرصاص.
(3) هذا المثل باللهجة البدوية ومعناه لم يكن اليوم من ايام الصيام حيث أن صوت البنادق آخذ يدوي وكلمة
المنشر هي اسم لنوع من البنادق وكلمة زام دوى من الأدوية.
(4) انظر : عمر المختار؛ ص64
موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
بإمداد المجاهدين بما يحتاجون من مؤن وعتاد وأسلحة؛ وكان لقبائل العبيد؛ والبراعصة؛ والحاسة
خ والعوامة؛ والشهيبات والمنفا والمسامير أكبر نصيب في حركة الجهاد.
كان معسكر البراغيث هو مركز الرياسة العامة ومقر القائد العام عمر المختار: وهو النواة الاولى
وحجر الاساس لمعسكرات الجبل الاخضر الثلاثة وكان عمر المختار يِلقَبٍ بنائب الوكيل العام؛ وكان
السيد يوسف بورحيل يعرف بوكيل النائب وهكذا فقد تنظم الجهاز الحكومي في هذه المنطقة الواسعة
بتشكيل المحاكم الشرعية والصلحية وإدارة المالية (المحاسية؛ والارزاق وجباية الزكاة الشرعية والخمس
من الغنائم) واستمر التعاون بين هذه المعسكرات الثلاثة وفروعها في السراء والضراء وأخذت تقوم
وتنسحب حيناً آخر حسب ظروف الحرب(1).
أصبح تفكير إيطاليا رأ في برقة التي لم يتمكن الطليان منذ زحفهم على اجدابية سنة 1923م من
احتلال مواقع تذكر عدا مدينة اجدابية ولذلك اهتمت ايطاليا قة وانحصرت مجهوداتها في الفترة الواقعة
بين سنة 1923م وبين 1927م على معسكرات عمر المختار الذي لم يخرج يوماً من معركة إلا ليدخل في
معركة أخرى.
وفي عام 1927م وقع الوكيل العام السيد رضا المهدي السنوسي في الأسر بطريق الخديعة والخياة
والغدر وسقطت مناطق برقة الحمراء والبيضاء تدريجياً.
كانت قيادة الجيش الايطالي في برقةٌ ققد بدل ت وتولى أمرها ! الخطة الجديدة التي تستهدف ضرب
الحصار على حركة الجهاد في الجبل الاخضر (ميزتي) كما استبدل والي بنغازي الأيطلي (مومبيلي)
بخلفه الجنرال (تيروتس) وهو من زعماء الحزب الفاشيستين وزود الجنرال ميزتي بعدد كبير من
الجنرالات وكبار الضباط وأركان الحرب لمساعدته وفي نفس السنة تقدمت القوات الايطالية من طرابلس
ياد الجنرال غرسياني فاحتلت واحة الجفرة والقسم الاكبر من فزان واشتبكت قبائل المغان
الح الاطيوش وقبائل اولاد سليمان بزعامة عبدالجليل سيف النصرء ودور بك
وبعض اللاجئين الى تلك الجهات من قبائل العواقير بزعامتي عبدالسلام باشا الكزة؛ ل سليمان
رقرق؛ ودخلت هذه القبائل في معارك بجهات الخشة وكان الغلبة فيها للجيش الايطالي الزاحف فالتجأً
المجاهدون الى منطقة الهاروج من الصحراء ومن ثم اشتركوا مع العدو في معارك عنيفة منها معركة
السيد محمود بوقويطين أمير اللواء وقائد عام قوة دفاع برقة في زمن المملكة ال المتحدة؛ والسيد
احدهما من غدامس والاخرى من الجبل الاخضر؛ وكان ا١ بقيادة غراسياني والتحم المجاهدون مع
ذلك الجيش في معركة دامية استمرت خمسة أيام بتمامها؛ انهزم فيها الطليان شر هزيمة فتقهقروا تاركين
مالديهم من من وذخائر ثم مالبث أن خرجت قوة اخرى قصدت فزان مباشرة؛ فعلم المجاهدون بامرها
بعد خروجها بثلاث أيام وانسحبوا الى الداخل؛ حتى اذا وصل هذا الجيش الجديد الى مكان يقع بين جبلين
غترفان بالجبال السود اتقسن المجاعدون على الطليان وآز عمؤهم علي التقهقر تيل وا الحملة الى
الفرار بسياراتهم تاركين وراءهم الجيش + الذي وقع أكثره في قبضة المجاهدين؛ فأستأصلوهم عن
كثيرة(3) ؛ وجدد الطليان المسعى وخرجوا من الجفرة في 30 فبراير 1928م بجيش كبير وزحفوا على
)0 عمر المختار. ص70.
(2) انظر: عمر المختار للاشهب؛ ص 73.
(3) انظر: حياة عمر المختار؛ محمود شلبي؛ ص114؛ 115
موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
ساعد الطليان على احتلالهم لتلك الواحات سقوط الجغبوب قبل ذلك في ايديهم؛ وسياستهم الرامية لتفتيت
الصف بواسطة بعضٍ عملائهم وكان الطليان يبذلون الأموال والوعود لزعماء القبائل؛ لوقف القتال وقد
كان احتلال الجغبوب ؛ جالو؛ اوجلوء وفزان وغيرها من الواحات قد جعل عمر المختار في عزلة
تامة في الجبل الاخضر ومع هذا ظل عمر المختار يشن الغارات على درنة وماحولها حتى أرغم الطليان
وفرّ الطليان تاركين عدداً من السيارات والمدافع الجبلية وصناديق الذخيرة والجمل؛ ودواب النقل (1).
وكانت القبائل تتعاون مع قائد حركة الجهاد تمده بالرجال؛ والمؤن والمعلومات وعلى سبيل المثال كان
حامد عبدالقادر المبروك من شيوخ قبيلة المسامير يمد المختار بالمعلومات المهمة دون تأخر؛ ويشارك
في عمليات الجهاد مع أبناء قبيلته بدون علم الطليان ويرجع من كتبت له الحياة إلى موطنه ويستشهد من
يستشهد وكان زعماء القبائل التابعة للحركة السنوسية يجمعون الاعشار والزكاة ويمدون بها حركة الجهاد
بالرغم من وجود الكثير منهم ت تحت السلطات الإيطالية؛ وخصوصاً من كان في المدن كبنغازي؛ والمرج؛
ودرنة؛ وطبرق وغيرهاء وكانت وسائل مد المجاهدين بأموال الزكاة والأعشار تتم في غاية السرية
وعجزت المخابرات الإيطلية عن اكتشاف اللجان الخاصة بالدعم المالي ! للمجاهدين؛ ومن وقع في أيدي
السلطات الإيطلية كانت عقوبة الإعدام وكانت الغنائم تمثل مصدراً مهماً لتمويل حركة الجهاد في فترة
عمر المختار؛ ومعظم الغنائم تم الحصول عليها في المعارك التي تمكن فيها المجاهدون من هزيمة
الإيطاليين مثل معركة الرحيبة في مارس 1927م20) وقد وصف حافظ إبراهيم هذا المصدر في أبياته
الشعرية فقال:
وسلاحاً كان في
ذا ملال فغدا يفري العظاما
أكثروا النزهة في أحياة
وربانا إنها تشفى السقاما
لست أدري بت ترعى أمة
وقال الأستاذ أحمد كاشف ذو الفقار
يآل رومة تطلبون أمانياً
ختالة أم تطلبون منونا
جتتم تجرون الحديد ورحتم
في الليلة السوداء مذبوحينا
الكن استق ركم مبليل
فلقد تبدل زفرة وأنينا
هاتوا الذئاب إلى الليوث فخمسة
(1) المصدر السابق نفسه؛ ص114.
(3) انظر: عمر المختار للأشهب؛ ص91
موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
فالصائدون هناك مرتقبون
واستكثروا الزاد الشهي فإنكم
وسلاحكم والزاد مأخونينا
لم يبق منهم معسر أو أعزل
بعد الذي غنموه منتصرينا
واستكملوا المدد الكبير بفتية
أحسبتم بطحاء برقة حانة
لكم وغزو القيروان مجونا(!) ٍ
الدور (المعسكر).
وكان الأمير ادريس يتحين الفرص لتزويد المجاهدين فد ذكر الأشهب بأن قافلة وصلت للمجاهدين
المختار) يحملان رسائل من سمو الأمير وكانت القافلة محملة بالأرز والدقيق والسكر والشاي وبعض
الملابس؛ وكان الطيب الأشهب موجوداً في المجاهدين وقت وصول القافلة(2) وقد ذكر صاء
كتاب حياة عمر المختار بأن قافلة استطاعت أن تخرج من السلوم محملة بمختلف العتاد والموؤن قاصدة
معسكر المجاهدين في الجبل الأخضر؛ فلم الطليان بذلك وأرسلوا سياراتهم المسلحة ا ولكن
يستفيدون من تلك المصادر ويقومون بشراء حاجيات المجاهدين من الأسواق في المدن والقرى؛
الأعمال يقوم بها أتباع عمر المختار وبمساعدة سكان المدن والقرى الذين يخفون المجاهدين في بيوتهم
السلاح ووسيلة الركوب والتموين؛ وكان نظام الأدوار (المعسكرات) يتميز بالآتي:
1- يلتزم كل دور بتوفير التموين اللازم لأفراده؛ فهم بالإضافة إلى اشتراكهم في عمل واحد هم أبناء
عشيرة واحدة مترابطة؛ ويوجد بالدور أشخاص؛ مكلفون بجباية الزكاة وجمع الأعشار؛ وهؤلاء يقومون
بعملهم بناء على تكليف كتابي من عمر المختار وهم بدورهم يجرون اتصالات (كوشان) بقيمة المبالغ
وقد عين لكل دور رئيس إدارة يشرف على تموين الدور من حيث التوزيع والتخزين والتدبير وتسلم
الأموال والتبرعات التي تصل لقيادة الدورء فقد عين عمران راشد القطعاني لإدارة دور البراعصة
للأعشار ويتبع عمر المختار مباشرة وعين داود الفسي رئيساً لإدارة دور العواقير (4). ٍ
2 الشهداء من المقاتلين بآخرين من قبائلهم وهكذا لايتأثر الدور كثيرا لفقد
الشهداء؛ فبعد كل معركة يتم حصر الشهداء وإلى أي القبائل ينتمون ثم يرسل إلى كل قبيلة العدد الذي
يجب أن تعوضه عن شهدائها؛ وإذا لم تجد العدد المطلوب تدفع لقيادة الجهاد 1000 فرنك عن كل شهيد
لكي يجند بها العدد اللازم.
(2) المصدر السابق نفسه؛ ص 79.
(4) انظر: عمر المختار نشأته وحياته. ص105.