تقديم
منذ بضع سنوات قدمت لباكورة انتلج الدكتور/ ابراهيم محمد شهداد» وكا
عملا ممتازاً تناول فيه تطورالعلاقةبين شركات النفط وبين الدول المنتجة في منطقة
الخليج وقد لقى استحساناً من المتخصصين في التاريخ والاقتصاد والعلوم
السياسية فضلا عن جمهور المثقفين .
ويسرني اليوم أن أقدم لنفس المؤرخ الجاد كتابه الثاني والذي هو في
الاصل أطروحة نال عليها درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الاولى من جامعة عين
وموضوع هذا الكتاب «الصراع الداخلي في عمان خلال القرن العشرين» لا
وأن. . يتوقفوا عند تجربة التحديث في عمانء فهي لم تتبع نفس الخطوات التي
وبالنسبة لهؤلاء الذين يهتمون بتطور فكرة القومية العربية وعلاقتها بالحركات
الدينية يجدون في هذا الكتاب مثا آخر لحركة الامامه التي ارادت ان تقرن نفسها
كذلك يجد قارىء في هذا الكتاب مث فريداً من نوعه في حياة منطقة الخليج +
الحركة تختلف في توجهاتها عن حركة مشابهة في جنوب اليمن» ذلك أن الجبهة
الشعبية لتحرير ظفار أو عمان أو الخليج بأ. ,رت أن تواجه السلطات المحلية
في حين أن الجبهة القومية في اليمن الجنوبي كانت تواجه سلطة استعمارية» وقد
استفادت من صراعها مع حركة قومية عربية أخرى كانت تناضل البريطانيين الا أن
واذا كان مصير الجبهة القومية ذات الفكر الاشتراكي هو تولي السلطة في
عدن فان مصير جبهة تحرير ظفار كان محكوماً عليه بالفشل لاسباب عدة؛ منها
انه كان يصطدم بالسلطة في مسقط التي تتمتع بحماية البريطانيين» ومنها أن
القادة» وبين جماهير السكان.
على أن أهم الاسباب التي أنهت تجربة الثورة الظفارية تكمن في أسلوب
عناصر المعارضة المختلفة؛ وبفضل هذا التحديث في الادارة والمشروعات
العمرانية وضعت لاول مرة نهاية لقصة الصراع الداخلي في عمان. وهي قصة
طويلة تعود جذورها الى العصور الوسطى .
فالصراع بين النزعة القبلية. وبين فكرة الحكومة المركزية؛ هي ظاهرة
غلبت على تاريخ شبه الجزيرة حتى ظهور النفط الذي مكن الحكومات المركزية
من تكوين اجهزة حديثة قادرة على ادماج القبائل في مجتمع سياسي موحد.
على أن د. ابراهيم محمد شهداد لا يدخل في مقدمات طويلة تسجل تاريخ
بصورة كافية تفاصيل الصراع الداخلي في القرن التاسع عشر سواء إبّانَ عهد السيد
سعيد أشهر سلاطين عمان؛ أو بعد انقضاء هذا العهدء وحتى أوائل القرث
العشرين الذي شهد صورة محددة للصراع الداخلي بانبعاث الامامة سنة 61417
فصاحب هذا الكتاب يسعى باستمرار الى البحث عن الجديد» ولا شك أن فترة
السيد سعيد بن تيموي(1 147 - )وا ي تغطي معظم فصول الكتاب هي من
اكثر الفترات غموضاً شأنها في ذلك شأن العزلة التي ضربها هذا السلطان على
وقد يقال ان منطقة الخليج قد حظيت بالعديد من الدراسات التي تجاوزت
حدود المطلوب حتى وقع بعض التكرار في هذه الدراسات التي أقبل عليها أبناء
الخليج بجد ونشاط ومع ذلك يمكننا أن نقول ان عمان كانت أقل حظاً بالقياس الى
غيرها من حيث وفرة الدراسات.
وليس من السهل الجمع بين المنهج العلمي للبحث» وبين تناول موضوعات
معاصرة كما نطالعهافي هذا الكتاب؛ وقد تغلب المؤلف على هذه الصعوية بعا بعدة
وسائل كان من بينها جمع المادة من أماكن متفرقة تعبر عن وجهات نظر
فبالاضافة الى المصادر العمانية راجع الدكتور ابراهيم شهداد وثائق بريطانية
أحداث عمان؛ ومن هذه الوسائل مقارنة المصادر بعضها ببعض وتحليلها
للخروج؛ ومنها الاطلاع على أحوال الدول المجاورة والمؤثرات الدولية والعربية
التي دخلت طرفاً في بعض مراحل الصراع الداخلي في عمان.
لهذه الاسباب مجتمعة يسعدني أن أقدم الى قراء العربية كتاباً جديداً مفيداً
في موضوعه» ونرجو للمؤلف مواصلة البحث والكتابة في موضوعات أخرى جديدة
بهذا المستوى العلمي الممتاز.
الاستاذ الدكتور صلاح العقاد
جامعة عين شمس
مصر الجديدة في 88/10/14
المقدمة
يحتل التاريخ العماني مكاناً بارزاً في حياة منطقة الخليج العربي؛ نظراً
فترة وأخرى» فمثل في الفشرة التي قمنا بدراستهاء بدا فيها أن الصراع بدأ على
شكل تكتل ديني وقبلي بقيادة الامام موجه ضد سلطان مسقط المدعوم من طرف
تيار المد القومي العربي الذي كان سائداً في الحمسينات من هذا القرن
أخذ يتبلور نوع جديد من المعارضة ليس بغريب على عمان فقط بل على منطقة
واخراج المستعمر.
ولهذه الاسباب كلها استحقت منا هذه الفترة من تاريخ عمان هذه الوقفة في
محاولة على استجلاء ما جرى من أحداث بمنظور تاريخي يتسم بالجدة والحياد؛
انتشار وسائل الاعلام؛ ونشر جبهة مثل الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج»
وثائقهاء قد يسر لنا اقتحام هذا الموضوع دون الخروج عن الطابع الأكاديمي
وقد قمنا في اثناء دراسة الموضوع بالاطلاع على اكبر قد ممكن من الوثائق
بالنسبة للفترة المتأخرة حيث كان من الصعوبة الاطلاع على وثاثقهاء بالاضافة الى
ذلك قمنا بجولة علميه للمنطقة قيد الدراسة لاستقصاء بعض الحقائق من المصادر
المحلية» كما قمنا بالاتصال ببعض مراكز المعلومات مثل مركز داتا لاين في
نيويورك ومركز لوكيد في لندن؛ الى جانب زيارتنا للمناطق التي شاركت في
احداث ذلك الصراع كالسعودية ودولة الامارات العربية المتحدة في بعض فتراته.
وقد عمدنا الى تقسيم الدراسة الى تمهيد وسبعة فصول: حيث تطرقنا خلال
التمهيد لظاهرة التفكك القبلي والمذهبي في عمان؛ مبينين اسباب تلك الظاهرة»
الأول ظروف احياء الامامة عام 1417 والاسباب التي دفعت الامامة وزعماء
أما الفصل الثاني فقد بحثنا فيه اتفاقية السيب» مقدماتها وأبعادهاء متطرقين
ويتثاول الفصل الثالث اسلوب ادارة سعيد بن تيمور للبلاد وعن سياساته في
توحيد السلطنة بالاضافة إلى ذلك وقفنا في هذا الفصل على القيود الثقافية
في تلك المجالات سوف يودي بسلطانه وسلطلته. ومن ناحية أخرى فقد بحثنا في
هذا الفصل أيضاً عن علاقة السلطان بالبريطانيين موضحين التطورات التي حدثت
في علاقتهما خلال تلك الفترة .
أما الفصل الرابع فقد تحدثنا فيه عن موقف السعودية من الصراع في عمان
من حيث علاقة ابن سعود بكل من الامامة والسلطنة؛ وما أحدثته قضية الحدود من
حساسية بين ابن سعود وسلطان مسقط»؛ كما تطرقنا في هذا الفصل الى تأييد
الفصل الخامس للمؤثرات الخارجية على الصراع من حيث بحث النزاع خارج
الحيز العماني » سواء في الاطار العربي أو الدولي » وفي نهاية هذا الفصل أوضحنا
كيفية اختفاء الامامة كحزب ديني في عمان.
اما الفصل السادس فقد انصب حول المعارضة السياسية التي قادتها الجبهة
بية لتحرير عمان والخليج العربي» حيث قمنا بشرح كيفية ظهور هذه
المعارضة موضحين فيه في الوقت نفسه هدفها وعن واجهات إسنادهاء وردود الفعل
التي أحدثه ظهورهاء وكيفية مواجهة السلطان لهذه المعارضة.
بينما قمنا في الفصل السابع بتتبع كيفية بناء الدولة العصرية من حيث تطوير
السياسات الانفتاحية التي بدأ السلطان قابوس بتبنيها بغية تحديث السلطنة.
وفي نهاية الدراسة قمنا برصد النتائج التي توصلنا اليها خلال دراستنا
ويشرفنا في النهاية أن نقدم خالص شكرنا وتقديرنا لاستاذناالاستاذ الدكتور
صلاح العقاد لما كان له من أثر في اخراج هذه الدراسة بشكلها المطلوب» والذي
كما نقدم شكرنا الى كل جهة ساعدتنا في اثناء اعداد هذه الدراسة.
وثأمل ان نكون قد وفقنا في ما استهدفناه من تسليط الأضواء على هذا
الجانب من تاريخ الخليج الهام. ٍ
الله من وراء القصاد .
د. ابراهيم شهداد
تمهيد
رغم أن عمان من أقدم مناطق شبه الجزيرة العربية؛ التي ظهرت فيها دولة
مركزية الا أن النظام القبلي لم يفقد تأثيره على تطور الحياة السياسية والاجتماعية
فيهاء ويرجع سبق عمان في ظهور نظام الدولة المركزية إلى وجود مذهب ديني
متميز ذلكم هو المذهب الإباضي .
ومن الملاحظ» أن الحياة القبلية سادت شبه الجزيرة العربية في ظل وجود
الدول الاسلامية الكبرى كالدولة الأموية والعباسية. ولم تتكتل هذه القبائل أو
تتوحد تحت نظام شبيه بالدولة إلا حينما تظهر دعوة
بوقت طويل حيث أن نشوء الامامة في عمان يعود الى قبيل سقوط الدولة الأموية
وينسب المذهب الإباضي إلى عبد الله بن إياض أحد تلاميذ جابر بن زيد
واضع المذهب وفقيهاء وكان الإباضيون قبل إنتسابهم إلى عبد الله بن إياض
يصفون أنفسهم بأسم.؛ الجماعة المؤمنة المسلمةء؛ أو ء .أهل الدعوةء»
العباسية لإثبات أحقية البيت العلوي في الحكم» وانما عملت الإياضية في كل
العهود على أن يكون دستور الدولة هو القرآن والسنة النبوية؛ وأن يلتزم رئيس
وقد اختار الاباضيون في عمان طوال تاريخهم طريق الاعتدال وأبتعدوا عن التطرف
وجعلوا هدفهم الرئيسي إقامة تعاليم الدين الحنيف».
شريطة أن يكون الإمام قوي الشخصية حجة في الدين. كما إنهم يصرون على
عزل الامام الجائر وكان أثمتهم يقسمون إلى ثلاثة أقسام في الغالب:
أولا: الإمام الشاري : وهو الامام الذي يتمتع بالثقة المطلقة من قبل اتباعه
جميعا ويعلن الجهاد ولا يجوز له الهرب من ساحة الميدان ويقوده شعاران في
فيختار أعلام المسلمين رجلا من الابطال ليلم الشمل» ويوحد الصفوف ويقودهم
رفض أن يعتزل بنفسه يقتل أو يطرد قسراً.
ثالثاً: الإمام الضعيف: وهو الذي يكون بحاجة إلى مشورة العلماء
وفقائهم؛ وكانت المحكمة تضع لهذا النوع من الأئمة من يقومون معه أعواناً بأعباء
خلال الفترة التي لا يوجد فيها إمام إلى كبار العلماء لحل مشاكلهم!"» وهذا
التقسيم النظري لا نلحظ له أثراً في الفترة القي ندرسها ويرجع سبب ذلك في
)١( سيدم إسماعيل كاشف: اباضية عمان ونشر الإسلام في بلاد المغرب؛ حصاد ندوة الدراسات
العمانية للبحوث والدراسات. المجلد 7. مسقط؛ وزارة التراث القومي والثقافي +
(7) محمد عبدالله السالمي وناجي عساف: عمان تاريخ يتكلم؛ دمشق» المطبعة العمومية»