> حكام مكة
:حداها إلى السلطة فإنها تتكاتف ضد ١| الأخرى وخصوصاً في العصور
الوسطى فإن الحاكم كان مدعوماً من اثنين أو ثلاثة أو حتى أربعة شركاء من
عائلته وهذا ما عكس طريقة الحكم مع فارق ثابت بالنسبة لمشاعر العائلة
وخوفها المستمر من العشيرة الأخرى من خلفها. فمن ناحية الإعتزاز والمكانة
الخاصة بالمتحدرين من سلالة النبي ومن ناحية أخرى الديمقراطية البسيطة
لسكان الصحراء المحيط بهم والتي يعود أصلهم هم نفسهم إليهم ومع هذا فقد
حكموا حتى ما قبل ربع قرن مضى وحتى وقعت مكة أخيراً في قبضة الغازي
العربي -
عند تقديم هذه القصة ما على الكاتب إلا أن يقدم في النهاية عظيم امتنانه
جيرالد دي غوري
الفصل الأول: نشأة مكة 11
أدت إلى إطلاق المياه الجوفية الموجودة في باطنهاء
الخصبة والتي تروبها مياه الأمطار الموسمية. وبسبب
تواجد الأعشاب الشوكية وال جيرات الضميفة التي تنمو في سهول اللجزيرة
يمتد على طول الساحل الغربي للجزيرة العربية من الشمال إلى الجنوب
جبال صخرية ذات تكوينات وتوجد على طول ٠ ذا الساحل انحدارءت
العالم. وفوق أرض كهذه الصعب جداً على أحمنى وأقوى البشر أن
يجازفوا ويأنوا من الجنوب بحثاً عن مجاري السيول أو عن أعشاب طفيلية
كمراع لإبلهم في سهولها القاحلة. إن الجزيرة العربية كانت أرض الأساطير
والرعب» وكان أكثر الأساطير رعباً أكثرها عمقاً في التاريخ وأكثرها أساً.
روى المؤلف القديم - الطبري - أن جبال قاف تحيط بالعالم على شكل
دائرة يلون الزمرد» وأن اللون الأزرق الموجود في السماء هو بسبب انعكاس
هذا اللون عليهاء ويروي أيضاً أن سكان جبال قاف يتواجدون في منطقتين
الأعشاب ولا يرتدون الثياب وإنهم لا يودون إنجاب الأولاد لأنهم جميعاً من
الذكورء ويقال إن هؤلاء البشر يعيشون في مكان ما وراء مغرب الشمس» وإن
نز حكام مكة
ذو القرنين العظيم» الإسكندر المقدوني كان مضطراً لأن يمشي في الظل لمدة
ولا يزال هثالك جبال تسمى قاف في وسط الجزيرة العربية؛ هذا وإن
قصة السكان المذكورة آنفاً ريما تعود إلى روايات الرحالة عن عصر عرب ما
قبل الإسلام؛ حيث كانت عادة وأد البنات عند الولادة سائدة حيتهاء أو ريما
يعرد أصل تلك الإعتقادات لتيب أكثر الرجال والشباب الذكور عن الجزر
جنوبية لمدة نصف عام أثناء موسم الحصاد؛ (إن شجر البخور في الشوارع لن
كانت القوافل العظيمة القادمة من جنوب الجزيرة العربية - أرض البخور -
باتجاه الشمال محملة بالإضافة إلى البضاعة المعتادة التي كانت تحملهاء بضاعة
أخرى أغلى وأثمن كالحجارة النفيسة» والتوابل» والبهارات والكماليات الأخرى
من الهند وكذلك العبيد من الحبشة وكل ما يغري العالم الغربي +
وهكذا نمت في جنوب الجزيرة العربية موانىء غنية ونشأت فيها معابد
مثل شبوه أو مثل معبد «إله الشمس» في جزيرة سوقطرة في المحيط الهندي
بالقرب من القرن الإفريقي +
أما في جنوب أو جنوب غرب الجزيرة العربية فإنه قد نشأت هناك نقاط
التقاء ومراكز اتصال تجارية بين أسواق الشرق والغرب وظهرت ممالك غنية
ومزدهرة حيث أن القوافل لا بد وأن تعبر الوادي الموحش الذي حفرته مياه
الأمطار التي تهطل فوق الهضبة العربية؛ أي على امتداد ساحل البحر الأحمر
أو ما يسمى بالحجاز.
إن أسرع جمل لا يستطيع راكبه الوصول من عدن على ساحل المحيط
الهندي حتى غزة على ساحل البحر المتوسط بأقل من شهر أما إذا كان ضمن
قافلة تمشي الهوينة فإ هذه القافلة تحتاج لثلاثة أشهر على الأقل حتى تصل+
لأنه لا بد من التوقف المتكرر للراحة وإعادة التجهيز وذلك لتبديل أو شراء دابة
مكان دابة أما في منتصف المسافة وحيث الجبال الشاهقة والتي يصل امتدادها
الفصل الأول: نشأة مكة 17
إلى عشرة آلاف قدم أو أكثر من الشمال إلى الجنوب فيصل ارتفاعها إلى ثلاثة
آلاف قدم عن سطح البحرء وخلف تلك الجبال وفي الأرض السهلية المنبسطة
والمحاذية للجبال من الداخل وحيث يتواجد البدو» إن المدخل إلى قبائل
وسط الجزيرة العربية والذي يتميز بوجود أدلاء صحراويين وجمال؛ فكانت
القوافل تتقي مشاكسات البدو حيث تهادنهم وتحاول إنشاء تحالف معهم يفيد
هذه القوافل غالبا وذلك حيث أن المنطقة ما خلف الجبال في وسط الحجاز
تعتبر منطقة وعرة جداً ولا يؤمن جانيها؛ أما في المنطقة الشمالية على بعد
مسيرة أيام من الموقع السابق فإن الساحل المرتفع يتحرف صوب وسط البحر
ولكن لا أمان حول تلك المناطق أنها كالكابوس المرعب. تلال جرداء تلمع
وأخاديد تمتد بعيداً في عمق التيه وضمن أحد تلك الأودية توجد مكة؛ حيث
قبل العرب أنفسهم في الصيف.
وفي الهضبة المنبسطة فوق الحجاز وسكانها البدو ١ لعاشقين للمال كانوا
ن بشدة وتقوم المشاجرات بينهم بقوة وذلك نتيجة للشمس الساطعة بقوة
والمجففة لكل شيء. وكان هناك أسياد الآبار وحفر الماء وهناك البحر الخطر
ليس بعيداً حيث المياه ضحلة قرب الشاطىء ذي الصخور المرجانية. وقد كان
بالإضافة إلى تيار الهواء الشمالي الجارف.
وأكثر من ذلك فإن السهل الساحلي المنفتح على الشاطىء هش وملحي
حيث تخوص أرجل بعض الحيوانات فتتعب من إكمال المسيرة. وهكذا فإن
طريقاً يصل بين الهضبة والساحل كان لا بد من تدعيمه.
هذا الحجاز ويعني بالعربية الأرض الحاجزة. وهو عبارة عن نتوء كبير
بارز فوق سطح الأرض وتتخلله تجاويف قليلة مزينة ببعض الأشجار وخصوصاً
أشجار النخيل وأشجار أخرى» وذلك حيث يمكن للإنسان أن يسكن فيها بحياة
مستقرة وعند مسافة كل خمسين ميلاً تقريباً يوجد وادياً. وفوق الهضبة يوجد
دوائر ضخمة من صخور الحمم البركانية نتيجة البراكين القديمة وقطع صماء من
51 حكام مكة
البازلت منتشرة فوق السطح أو على المنحدرات سوداء اللون كأنها من حديد
مما يزيد من رعب العرب وخصوصاً في ذلك الزمان الغابر حيث كانت البراكين
ما تزال تقذف حممها.
من الحجاز يتكون عند الإلتقاء عاصفة كهربائية سريعة ويوماً بعد يوم وليلة بعد
ليلة من قمم الجبال إلى أسفل الوديان يبدأ البرق بالتفاعل ودون توقف
ولساعات طويلة وحتى اليوم ومن حين لآخر أثناء فصل الشتاء تتجمع غيوم
كثيفة وتتفجر بالبرق فوق هضبة جرداء تقريباً» حيث تبدأً السيول الجارفة
بالجريان في الأخاديد ومجاري السيول فتجرف معها الإنسان والبهائم -
لا يوجد في مكان آخر على وجه الأرض يجمع كل هذا التناقض الغريب
في الطقس ولا يشبهه إلا مكان واحد هو في منطقة البحر الميت الذي يجمع
بين الرطوبة العالية للبحر والجفاف القاسي القادم من الجبال المحيطة بالبحر
كالبرج فوق غور الأردن في عمق الأرض الفلسطينية.
ولكن الحرارة أقل قساوة عند غور الأردن من تلك التي على الساحل
المرجاني للحجاز.
إن الإنسان في بلد كهذه قد اعتاد على الجو غير المألوف وكثرة التقلبات
المناخية فأستنبط وسائل تلاثم هذه التقلبات الطبيعية فأخترع أو أستورد ما
يحتاج لذلك. وبعدها أصبح عبداً للآلهة والطقوس الوثنية؛ كان ذلك قبل أن
الطائف محطة على طريق على كتف الهضبة مكاناً مقدساً ومعبئاً .
ذكر المؤلف العربي الأزرقي وهو واحد من كثير من الكتاب الذين
تناولوا نفس الموضوع؛ وهو عن أسطوزة مكة المكان المقدس منذ ما قبل
الجاهلية الأولى.
حدث في سالف الأيام أن قافلة لبني جرهم كانت قادمة من الجنوب
فلاحظ أصحابها وجود نبع ماء حيث لم يكونوا يعلمون بوجودها من قبل في
ذلك المكان» فتوقفت القافلة وترجل رجلين للتحقق من الموضوع. وقد رأوا
خيامهم حول ذلك الماء ومنذ ذلك الوقت بدأوا باستعمال البثر وكان اسم ذلك
البثر زمزم وأصبح بعد ذلك جزءاً من الحرم المكي »
ونشأ اسماعيل ابن هاجر في قوم بني جرهم وهي قبيلة نزحت من جنوب
الجزيرة العربية؛ وتزوج بامرأة منهم وكان يعتاش من الصيد. وحضر إبراهيم
من الشام ليبحث عن زوجته وابنه حيث وصل بينما كان اسماعيل خارجاً
وهكذا فقد تزوج اسماعيل بامرأة أخرى بدل الأولى من بني جرهم وفرح
إبراهيم لذلك لأنه عندما حضر للمرة الثالثة وجد اسماعيل يشحذ نباله قرب
البثر. قال له إبراهيم حتى يرضى الله عنا يجب أن نبني له بيتاً؛ وقد اختار مكاناً
بع أسد الحميري» كان شخصية تاريخية مهمة وملكاً من ملوك اليمن
وقومه قد اعتنقوا الديانة اليهودية وقد تبنى أحفاده بعد ذلك هذا البيت بالرعاية
وعملوا له باباً وأقفالاً؛ وقد جلب الملاك جبريل هذا الحجر من فوق جبل
قبيس القائم فوق مكة مباشرة وكان حينها يلمع ويشع وقد أصبح أسود فيما بعد
وذلك أثناء عصر الجاهلية خين اشتعلت نار عندما حاولت إحدى النساء تقديم
البخور في ذلك المكان قرب الحجر . أما قبيلة قريش أحفاد بني جرهم في مكة
الحجاج الأغنياء يأتون للحج كانوا يقدمون ثيابهم الحريرية عند صباح التضحية
إلى حراس البيت الذين يقومون بعمل غطاء لحيطان البيت من تلك الأقمشة.
تروى روايات أخرى عديدة عن قصة إبراهيم في مكة ولكن القصة الحقيقية هي
أما المقدسي فإنه ينسب أحداث الرواية إلى أيام بني جرهم حيث أنه
أصبح عادة لدى القبائل والمسافرين أن يتنقلوا ويحملون معهم قطع من ذلك
الحجر الأسود الموجود في بيت الله الذي بناه إبراهيم وذلك حيث تعودوا من
قبل على الطواف حوله بإجلال وخشوع وبعد هذا التعود تحولوا شيئاً فشيئاً إلى
عبادة الحجر وهكذا فقد سمح بعمل الأصتام بعد ذلك فعيدوا الأصنام وهذا
كان حسب رواية المقدسي.
كان رجال القبائل والمسافرين العابرين والقوافل يتركون أو يؤسون عند
الكعبة
الفصل الأول: نشأة مكة 17
أما في اليمن ونجران فقد اعتنقوا الديانة اليهودية.ولا يزال اليهود هناك
حتى يومنا هذاء وكذلك في خيبر والمدينة في منطقة الحجاز إلى شمال
وجنوب مكة. أما المسيحية فقد اعتنقها بعض عشائر ربيعة في شرق الجزيرة
العربية وفي الحقبة المتأخرة قام الأحباش بإدخالها إلى اليمن. ولكن معظم
القبائل وكثير من سكان الواحات في قلب الجزيرة العربية كانوا قد بدأوا بعبادة
إله القمر اللطيف «ود» وتعني حب» وكان أفضل الآلهة لديهم ومفضل حتى
على إله الشمس عندهم. وحتى عند بعض البدو الرحل وحتى يومنا هذا
بوجود الندى على العشب ويرسل المطر بواسطة الثريا أو أي مجموعة كراكب
أخرى مثل بئات أطلس» ولكن ومن ناحية أخرى فإن إلهة الشمس المؤنثة وهي
قاسية وفظة. وهكذا فإن كنانة أجداد قبيلة قريش في مكة قد عبدوا القمر إله
النور بينما عبدت قبائل لخم وجرهم المشتري وبني أسد عطارد أو كما عبدت
طيء آخرين مثل سهيل والشعرى» وهناك البعض الآخر لمذين اعتقدوا بأن
الموت هو نهاية المطاف والبعض الآخر اعتقد بأن هناك قيامة بعد الموت وأن
الروح تطير على شكل طائر وكانوا يسمونها صعدا وهو يأتي مرفرفاً ومتقلباً في
الهواء فوق القبر وحوله ومعه طيف يبكي ويخبر الميت بكل ما فعله أولاده من
ولكن ومنذ زمن بعيد» كان العرب تقريباً قد آمنوا بفكرة أن الله هو الإله
الوحيد المسيطر وقد يؤمنون بأن هناك من يشاركه الألوهية ويتوسلون بهم
«وكان أول مواطن أوروبي وصف ساحل البحر الأحمر وأورد ذكر قدسية
وذلك لتعدد جباله التي تمتد بمحاذاته وثرى أثناء الإبحار فكيفما وجهت نظرك
)١( ديودورس الصغلي توفي سنة لاه ميلادية.