حققه العلامة ابن القيم رحمه الله في «الصواعق»'"» وإنما هي أساليب
ومع الاقتران بالدليل يقوم مقام الظاهر المستغني عن الدليل» فقولك:
الإطلاق على الحيوان المفترس.
ثم إن القائلين بالمجاز في اللغة العربية اختلفوا في جواز إطلاقه
فقال قوم: لا يجوز أن يقال في القرآن مجازء منهم ابن خُوّيز
وبالغ في إيضاح منع المجاز في القرآن الشيخ أبوالعباس ابن
في اللغة أصلا.
والذي ندين الله به ويلزم قبوله كل منصف محقق: أنه لا يجوز
إطلاق المجاز في القرآن مطلقًا على كلا القولين .
أما على القول بأنه لا مجاز في اللغة أصلاً وهو الحق فعدم
المجاز في القرآن واضح؛ وأمًا على القول بوقوع المجاز في اللغة
العربية فلا يجوز القول به في القرآن.
وأوضح دليل على منعه في القرآن إجماع القائلين بالمجاز على
)١( انظر: مختصر الصواعق (9/ 140 ما بعدها).
أن كل مجاز يجوز نفيه؛ ويكون نافيه صادقًا في نفس الأمرء فتقول
ولا شك أنه لا يجوز نفي شيء من القرآن» وهذا اللزوم ١
الواقع بين القول بالمجاز في القرآن وبين جواز نفي بعض القرآن قد
الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن العظيم +
وعن طريق القول بالمجاز توصل المعطلون لنفي ذلك فقالوا:
فاليد مستعملة عندهم في النعمة أو القدرة؛ والاستواء في الاستيلاء»
والنزول نزول أمره؛ ونحو ذلك» فنفوا هذه الصفات الثابتة بالوحي عن
طريق القول بالمجاز.
مع أن الحق الذي هو مذهب أهل السنة الجماعة إثبات هذه
الصفات التي أثبتها تعالى لنفسه» والإيمان بها من غير تكييفٍ» ولا
القرآن هي أن يقال: لا شيء من القرآن يجوز نفيه؛ وكلُّ مجاز يجوز
نفيه؛ ينتج من الشكل الثاني : لا شيء من القرآن بمجاز: وهذه النتيجة
صحة الاحتجاج بهما؛ لأن الصغرى منهما وهي قولنا: لا شيء من
القرآن يجوز نفيه مقدمة صادقة يقيئًا؛. لكذب نقيضها با
هو قولك: بعض القرآن يجوز نفيه» وهذا ضروري البطلان» والكبرى
منهما وهي قولنا: وكل مجاز يجوز نفيه صادقة بإجماع القائلين
قبولها اعتراف الخصم بصدقهاء وإذا صح تسليم المقدمتين صحت
فصل
غربي مبيخ.
فالجواب: أن هذه كلية لا تصدق إلا جزئية؛ وقد أجمع النظار
على أن المسوّرة تكذب لكذب سورهاء كما تكذب الموجهة لكذب
جهتها. وإيضاح هذا على طريق المناظرة أن القائل به يقول: المجاز
القرآن» ينتج من الشكل الأول: المجاز جائز في القرآن.
فنقول: سلمنا المقدمة الصغرى تسليمًا جدليًا؛ لأن الكلام على
فرض صدقهاء وهي قولنا: المجاز جائز في اللغة العربية؛ ولكن لا
القرآن؛ بل نقول بنقيضهاء وقد تقرر عند عامة النظار أن َ
الموجبة جزئية سالبة؛ فهذه المقدمة التي فيها النزاع وهي قوله: كل
جائز في اللغة جائز في القرآن» كلية موجبة منتقضة بصدق نقيضها
فى القرآن» فإذا تحقق صدق هذه الجزئية السالبة تحقق نفي الكلية
الموجبة التي هي قوله : كل جائز في اللغة جائز في القرآن» والدليل
على صدق الجزئية السالبة التي نقضنا بها كليته الموجبة كثرة وقوع
الأشياء المستحسنة في اللغة عند البيانيين» كاستحسان المجاز وهي
ممنوعة في القرآن بلا نزاع . فمن ذلك ما يسميه علماء البلاغة الرجوع»
وهو نوع من أنواع البديع المعنوي» وحدّه الناظم بقوله:
فإنه بديع المعنى في اللغة عندهم وهو ممنوع في القرآن العظيم؛
لأن نقض السابق فيه باللاحق إنما هو لإظهار المتكلم الوْلّه والحيرة من
الأول الذي قاله في وقت حيرته غير مطابق للحق» كقول زهير:
إظهارًا؛ لأنه قال الكلام الأول من غير شعور» ثم ثاب إليه عقله فرجع
إلى الحقء وهذا بليغ جدّا في إظهار الحب والتأثر عند رؤية دار
ومن الرجوع المذكور قول الشاعر:
أثبت ما نفاه من النصر للدلالة على شدة دهشته من نوائب الدهر.
كقول الشاعر:
مع أنه لا يجوز في القرآن لاستحالة الهزل فيه» قال تعالى : إل لَتُ
ومن ذلك حسن التعليل بأنواعه الأربعة المعروفة عند البيانيين»
فإنه بديع المعنى عندهم؛ لأنه من البديع المعنوي وهو لا يجوز في
وسنذكر لكل قسم منها مثالا لنطبق عليه الجواز في اللغة والمنع
فمثال الأول من أقسامه قول أبي الطيب:
فهذا بديع معنوي عند أهل البلاغة» ولا يخفى أن القرآن لا يجوز
وقول أبي هلال العسكري:
ومعلومٌ أن القرآن لا يجوز فيه مثل هذا الكذب الذي يدعي
صاحبه أن علة خروج ورقة البنفسج إلى الخلف كذبه وافتراؤه في زعمه
ومثال الثاني منها قول أبي الطيب:
فهذا من البديع المعنوي عند أهل البلاغة» ولا يجوز أن يقع في
القرآن مثل هذا الكذب الظاهر» الذي يزعم صاحبه أن الممدوح ما قتل
الرجال ليأكلوا من لحومهم . ومعلوم أن الحامل له على قتل الأعداء
غير الوفاء للذٍّكاب.
وقول الآخر:
تقول وفي قولها حشيةٌ أتبكي بعينٍ تراني بها
من أجل استحسانها لغير المحبوب لا يجوز مثله في القرآن.
فهذا من البديع المعنوي عندهم؛ ومعلوم أن القرآن العظيم لا
ومثال الرابع منها قول الخطيب القزويني:
فهذا من البديع المعنوي عندهم» ومعلوم أن هذا الكذب الذي
التشمير لخدمة الممدوح لا يجوز وقوع مثله في القرآن.
ومن ذلك الإغراق والغلو من أنواع المبالغة؛ فإن الإغراق جائز
والغلو يجوز عندهم في بعض الأحوال ويمتنع في بعضها .
والإغراقٌ عندهم هو ما أمكن عقلاً واستحال عادةً؛ كقول
ومعلوم أن المستحيل عادة لم يقع بالفعل وإن جاز عقلاً؛ وهذا
والتحقيق أن هذا البيت من الإغراق لا من التبليغ كما زعمه
العادة وإن جاز عقلا. ِ
وكقول أبي الطيب:
لأنه يجوز عقلاً وصول الشخص في النحول إلى هذه الحال وإن
امتنع عادة» ومعلوم أن مثل هذا لا يجوز في القرآن.
والغلو عندهم ما لا يمكن عاد ولا عادة؛ كقول أبي نواس:
ومثل هذا البيت لا يجوز عند أهل البلاغة؛ ولكن الغلو عندهم
يجوز في بعض الأحوال ككونه خارجًا مخرج الهزل والخلاعة كقوله:
وكقول النطّام:
توهّمَه طَرْفِي فآلم طزفه فار مكانً الوهم في ده أثر
فمثل هذا كله جائز عند البلاغيين؛ بل هو عندهم بديع معنوي»
ومعلوم أن مثله لا يجوز في القرآن.
وما زعمه كثير من أهل البلاغة من أن الغلو جاء في القرآن إلا أنه
بقوله تعالى : #يَكَادُزَيهلِضِيَءُ؟ [سورة النور: *؟]
فإنه كلام باطل ومنكر من القول وزور . سبحان الله وتعالى علو كبيرًا
عن أن يكون في كلامه ما هو قريب من الصحة؛ لأن القريب من الصحة