:0 القدمة
كذلك ستحاول في هذا الكتاب البحث بين أوجه الاتفاق والاختلاف بين
بعض قضايا الفكر الإسلامي؛ وما ينطوي عليه من قيم ومثل وبين التصورات
إذ تتضح في التساؤلات الي تلازم الإنسان أينما وجد وفي أي عصر عاش.
إن التساؤلات الي يطرحها الفكر الديي تكاد تكون هي نفسها الي يطرحها
الفكر الفلسفي؛ فالإنسان -كما يقول (شوينهور)- يتساءل دائمًا عن المبدأ الأول
تنتهي الحياة على صورة الموت؟ وما هي حقيقة الموت؟ وهل الخلود حقيقة واقعة أم
وما مصير الإنسانية بأسرهاء وأيضًا ما مصير العالم؟ ثم كيف نتصور وجود
مبدأ أول أي إله؟ وما علاقتنا به#*كيف تم فعل الخلق؟ وهل هذا الإله خالق أم مدبر
فقط؟ وهل هناك تحديد للخلق؟ إلى غير ذلك كل هذه تساؤلات يثيرها الذهن
العادي حي قبل أن يتثقف ويتعلم.. 9
ويرى بول ماسون ارتباط (التفكير الفلسفي بالتفكير الديي في شق عصور
ولكننا نميل إلى الاعتقاد بأن التفكير الدي في الإسلام يتميز بذاتيته الخاصة»
وقد آن الأوان للتحرر من هيمنة الثقافات الدخيلة؛ ولأن النظر والفكر عمل من
أعمال العبادات في الإسلام.
الكتاب تحت عنوان (جناية الفكر الفلسفي الملفق على الفلسفة الإسلامية) من ص 80 إلى 84
)١( من كتاب (الفلسفة) ومباحثها تأليف د/ محمد علي أبو ريان - دار الجامعات المصرية
() الفلسفة في الشرق -- بول ماسون أورسيل؛ ترجمة د/ محمد يوسف موسى. دار المعارف
بمصر 446١م
الإسلام والمذاهب الفلسفية ل
أما شبهة إعمال العقل في القياس» فمردود بقول الإمام الشاطي أن القياس
ليس من تصرفات العقول محضًاء ويفسر ذلك بقوله: (فإنا إذا دلنا الشرع على أن
إلحاق الممسكوت عنه بالمنصوص عليه معتر» وأنه من الأمور الب قصدها الشارع»
وأمر بها ونبه البي ب على العمل بماء فأين استقلال العقل بذلك» بل هو مهتد فيه
بالأدلة الشرعية» يجري بمقدار ما أجرته» ويقف حيث وقفته)!".
كذلك فإن الحقيقة في الإسلام واحدة؛ ومعرفة الحق متاحة عن طريق الاجتهاد بشروطه.
يقول محمد أسد: (إن الإسلام لا ينظر للحقيقة على نحو مزدوج؛ ومن ثم لا
يستطيع المرء أن يوجد بين (حقيقة أخرى) و(الحقيقة الي نراها)؛ إذ لا يجوز
الحديث إلا عن الجوانب المدركة وغير المدركة من حقيقة واحدة شاملة.
ويقول: (إن العلوم الطبيعية وحدها لا تستطيع أن تساعدنا على اكتشاف
بقيت مسأتان تتصلان بالمفاهيم الخاصة بدراستناء وهي بيان أن الأدلة
الشرعية لا تنافي قضايا العقول» وأن هناك الكثير من الشواهد تتمثل في أدلة القرآن
على حقيقة ع الم الغيب؛ وقد أسهب الإمام الشاطبي في شرح ذلك بكتابه
7 الموافقات للشاطي ج١ ص27 )١(
ص 54 من كتاب (يوميات ألماني مسلم) تأليف: مراد هوفمان- ترجمة د. عباس رشدي )(
العماوي - ط الأهرام 1416 ه - 4417م
4 المقدمة
-١ الأدلة الشبرعية لا تنافي قضايا العقول:
يبرهن الإمام الشاطي على أن الأدلة الشرعية لا تنافي قضايا العقول مستدلاً
أدلة باتفاق العقلاء» فدل أنما جارية على قضايا العقول» وقد نصبت في الشريعة
الثالث: إن مورد التكليف هو العقل» وإذا فقد ارتفع التكليف رأسًاء وعد
الرابع: كان الكفار في غاية الحرص على رد الشريعة؛ وافتروا على الرسول
العقول الراجحة ولا كلام في عناد معاند؛ ولا في تجاهل متعالم. وهو المع بكونما
جارية على مقتضى العقول» لا أن العقول حاكمة عليهاء ولا محسنة ولا مقبحة 99.
السورء والتشابمات؛ واختلاف العقول وتفرق الناس بها فرقا ويرد على كل اعتراض على
ومن توهم فيها ذلك فبناء على اتباع هواه - أي: في قلبه زيغ كما ورد في الآية؛ ثم يورد
بعض الآيات الي استفسر فيها نافع بن الأزرق من ابن عباس -رضي الله عنهما- شارحا إياها
ثم قال في النهاية: (فلا يختلف عليك القرآن» فإن كلا من عند الله) نه نفس اللصدر ج؟ ص77
الإسلام والمذاهب الفلسفية 4
"- شواهد من الأدلة القرآنية على طرق الاستدلال العقلية:
يقول الشاطبي؛
(خوطب الناس -أي العرب- بدلائل التوحيد فيما يعرفون: من سماء؛ وأرض»
من شرائع الأنبياء شيء من شريعة إبراهيم اليا خوطيوا من تلك الجهة ودعوا إيهاء
فجاء تقوممها من جهة محمد ث4 وأخبروا ما أنعم الله عليهم» مما هو لديهم وبين
أيديهم» وأخبروا عن نعيم الجنة وأصنافه بما هو معهود في تنعماتهم في الدنياء لكن
مبرأ من الغوائل والآفات الي تلازم التنعيم الدنيوي؛ كقوله تعالى: (وَأَصْحَابُ
ليمي ما أَصْحَابُ اين [لوقعة ]©٠ 39 38 3٠7 إل آخر الآيات. وبين مأكولات
الجنة ومشروباتها ما هو معلوم عندهم» كالماء واللبن والخمر» والعسل؛ والنخيل» والأعناب»
طريقة ما يعرفون من الخدل.ومن تأمل القرآن وتأمل كلاب العرب في هذه الأمور
الثلاثة. وجد الأمر سواء إلا ما اختص به كلام الله من الخواص المعروفة)!؟.
ومن الأدلة الشرعية ما يكون على طريقة البرهان العقلي (فيستدل به على
المطلوب الذي جعل دليلا عليه وكأنه تعليم للأمة كيف يستدلون على المخالفين؛
وهو في أول الأمر موضوع لذلك.
(1) ج 7 ص 24 ٠0 من كتاب (لموافقات في أصول الشريعة للإمام الشاطبي ط دار الكتب العلمية-
ت تحقيق الشيخ عبد الله دراز » ومحمد عبد الله دراز» وعبد السلام عبد الشافي محمد بدون تاريخ
لق المقدمة
ات اي وان جرى راق يوتري مار كا
شيْء [لروم: 4] وهذا الضرب يستدل به على الموالف والمخالف؛ لأنه أمر معلوم عند من
على الإطالة إلا سبيين؛ أحدهما: الحرص على التأكيد بالأدلة على قدسية النصوض
بالقرآن والسنة ودلالاتها العقلية الي تخاطب الإنسان حيثما كان إلى يوم الساعة..
والثاي: القيام بأداء واجبنا أمام هجمات السوفسطائيين الجدد الذين استفحل
وأسأل الله تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
الهرم في ١١ رجب 1677 ه
مصطفى بن محمد حلمي.
الإسلام والذاهب الفلسفية ا
يسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
أما بعد» فقد انقضى إلى غير رجعة العصر الذي كان خصوم الإسلام يلجتون
السلمين فيه للدفاع عنه؛ فإننا في عصر ظهور حجج الإسلام وأدلته الدامغة؛ وما
إسلام بعض أفذاذ علماء الغرب وفلاسفته إلا طلائع الفتح الإسلامي الجديدء فتح
العقول والقلوب.
لقد برهن هؤلاء على أن القرآن الحكيم هو كتاب كل العصور» فلا تنقضي
عجائبه؛ ولا تقل آياته وبراهينه. يقول الفليسوف المسلم رجاء جارودي (منذ القرن
الثامن» لم تتوافر للإسلام مقومات الغلبة -ولا أعي الغلبة العسكرية وإنما الثورة
الفكرية -قدر ما تتوافر الآنم!'؟!!.
عاتقها تقدم الإسلام على أنه البديل الوحيد» الكفيل بتقدم البشرية وسعادتها بدلا
من الفلسفات والأيديولوجيات والنظم الب جربت ولم تثمر إلا واقع العالم الحالي
لهذا فقد آلينا على أنفسنا الالترام بالمنهج المقارن؛ والإطلال على الفلسفات
)١( رجاء جارودي: محاضرته (حوار الحضارات) مجامعة الإسكندرية في ٠١ مارس 1487 ص
1 المقدمة
من نافذة واسعة؛ تتسع لرؤية شاملة لتاريخ وحضارات الأمم بدلا من النافذة الضيقة
(هل في الإسلام فلسفة؟) أو هل استطاع المسلمون إبداع فلسفة "؟ ونقول:
المعتزة بالعنصر الآري دون غيره من أجناس البشرء وكانوا يقصدون بالفلسفة؛
التفلسف على نمط فلسفتهم الغربية؛ أو فلسفة أجداهم اليونان بوجه خاص.
يستطيع الإفلات منه!!
إن السؤال الصحيح في هذا الغرض ينبغي صياغته في شكل آخر مخالف تمامًا
وهو: هل الإسلام يخاطب (العقل) ويأتي بالبراهين الدالة علي كمال أم ل9؟ 9؟.
(1) على إثر انعقاد مؤتمر الإعجاز الطب في القرآن الكريم بالقاهرة؛ أسلم كل من:
- الدكتور آرثر أليسون رئيس قسم الهندسة الكهربائية والألكترونية مجامعة سي البريطانية
قال: (والإسلام كما يتبين من القرآن الكريم يتماشى مع العقل» والله الذي أنزل هذا
القرآن هو الذي خلق العقل.. كما أن القرآن لم يتناقض مع العلم» فالإسلام دين الفطرة
الذي يخاطب العقل والوجدان) (الأهرام بتاريخ 1446/9/19 ص1)»
- الدكتور رولاند أميل لاهي الخبير الاستشاري بالبنك الدولي للإنشاء والتعمير في
مشروعات الدول النامية (الأهرام بتاريخ 1488/4/30 ص 1).
(©) وهذه هي الطبعة الثانية؛ حيث صدرت الأولى سنة 1741 ه - 14797 م (دار الأنصار
بالقاهرة) وكان الكتاب في أصله مقسمًا إلى قسمين: القسم الأول بعنوان (المخاطر الي
تواجه الشباب المسلم. وكيف تتوقاها؟). والقسم الثاني وهو أصل هذه الطبعة الثانية بعنوان
(الإسلام والمذاهب الفكرية) وقد عدلت العنوان إلى (الإسلام والمذاهب الفلسفية) مع
الإسلام واللذاهب الفلسفية د
كخطوة على الطريق» لتصحيح منهج الدراسة الفلسفية عند المسلمين من جهة»
وسعي نحو الفهم الصحيح للإسلام لمثقفينا الذين تعرضوا لحملات التغريب والتشويه
لمفاهيم الإسلام العقائدية ونظمه العملية من جهة أخرى.
علمًا بن تصحيح المفاهيم لابد أن يتبعه تصحيح خط السير نحو العمل اهدي
لتحقيق شرع الله تعالى في أنفسنا أفرادًا ومبجتمعات.
فإننا لا نقارن المقارنة العامة بين الإسلام وغيره» وكيف نفعل ذلك وقد حسمت آية
ظهور الإسلام الآنفة الذكر القضية برمتها؟!
وبعبارة أخرى» نحب أن نؤكدء أننا لا نوازن في هذا الكتاب بين العقيدة
الإسلامية والمذاهب الفلسفية -لأن الموازنة تقتضي المساواة بين الطرفين -بينما
حقائق الوحي أسمى وأجل من معارف البشرء ومقومات الغلبة للإسلام ظاهرة الآن؛
وقد عبر عنها فيلسوفنا المسلم جارودي يما يغ عن الإعادة.
إن منهجنا يتجاوز طريقة الموازنة ويعلو إلى طريقة النقد -قبولا وردًا من مقولة
(الحكمة ضالة المؤمن) وتطبيق هذا المنهج يجعلنا نقبل من المذاهب الفلسفية ما لا
يتعارض مع عقيدة التوحيد وشرع الله تعالى:
من ذلك مثلاً: قد نقبل استيعاب دروس (التقنية) من النظام الاشتراكي دون
مبادئه'؟ وليس هناك ما يمنع أيضًا من الإشادة بالسلوك العملي والنشاط الدؤوب
)١( ولعل فيلسوفنا رجاء جارودي أفضل من يوجهنا في هذا الطريق حيث يقول: (وكنت
تحري بالفعل وسائل تقنية يجدر بنا اسخدامها؛ بشرط عدم الأخذ بالماركسية كأيدولوجية
تحتذى أو كميداً إنسانٍ يعتنق وإنما طريقة تدريس مبادرة تاريخية؛ وهوما يعي فن تحليل
متناقضات شعب معين أو بلد معين» ومن منطلق هذا التحليل يمكن العثور على المشروعات
الاتحاد السوفييّ من بلاد زراعية إلى بجتمع صناعي سبق الولايات المتحدة في وقت ما في
أبحاث الفضاء؛ وأخذ ينافسها في القوى العسكرية والنفوذ الدولي.
4 المقدمة
لأصحاب المذهب العملي البرجماتي؛ رافضين رفضًا بأنا فكرة (أن الحق أو الخير
كالسلعة المطروحة في الأسواق» قيمتها لا تقوم في ذاتها بل في الثمن الذي يدفع فيها
فعلام ''؟ مع الارتفاع بغاياتنا العملية -في الوقت نفسه- إلى طلب الآخرة ونحن
كذلك لا نحختلف مع (الفلسفة الوضعية) في ربط الأسباب بالمسببات وفق
منهج علمي مدروس» ولكن في الوقت نفسه نؤمن بالغيب» وبعون المدد الإلهي الذي
يأتي مؤيدًا للإنسان المؤمن المخلص في عمله؛ الآخذ بالأسباب والمتوكل على الله
تعالى في آن واحد.
وأسأله عز وجل أن يمنحن الإخلاص في القول والعمل» وأن يجزي عني خير
الجزاء كل من أسهم في نقل الكتاب من حيز الأفكار إلى أيدي القراء. وأن ينفعي به
الجيزة في 17 محرم ١6465 ه
١١ أكتوبر 185١م
مصطفى بن محمد حلمي
)١( د. توفيق الطويل: الفلسفة الخلقية ص 178 دار النهضة العربية بالقاهرة سنة 1931م قال