٠ مقدمة
- حاشية على أنوار التنزيل للبيضاوي» مجلدات. وهو هذا الكتاب الذي بين
حاشية أخرى على أنوار التنزيل .
- شرح فرائض الراجية.
شرح المشارق للصغاني
شرح مفتاح العلوم للسكاكي في المعاني والبيان.
- شرح الوقاية في مسائل البداية -
بسم الله الرحمن الرحيم
أجمعين» قال الشيخ الإمام علم الهدى علامة الورى. الذي أطبق علماء الأمة على علو
شأنه؛ ورفعة منزله ومقداره؛ أعني به ناصر الحتى والدين؛ المعروف بالقاضي البيضاوي؛ أسكنه
الله تعالى حظائر القدس مع العلماء الأبرار. والسعداء
بأنوار التنزيل» وأسرار التأويل (بسم الله الرحمن الرحيم) والباء فيه للاستعانة أو المصاحبة
أشرع فيما قصدته من التصنيف أو ملابسًا أو مصاحبًا باسم الله على وجه
لأ المستعان به في ال
هو الله تعالى
التعظيم ثم قال: (الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده). ولام الملك في قوله تعالى
#الحمد لله# أفاد اختصاص جنس الحمد به تعالى إن حمل تعريف الحمد على الجنس؛
واختصاص جميع أفراد المحامد به تعالى إن حمل على الاستغراق مع أن اختصاص الجميع
به تعالى يفهم من حمله على الجنس أيضًا لأن اختصاص الجنس به تعالى يستلزم اختصاص
جميع المحامد به تعالى. وعبر عن المحمود أولاً باسم الذات ثم لكونه منزلاً للقرآذ على
أشرف نوع البشر وأكمله تنبيهًا على أن له تعالى استحقاقًا ذاتياً للحمد كالاستحقاق الوصفي.
والمراد بالاستحقاق الذاتي كونه تعالى مستحقًا للحمد بجميع صفاته الثبوتية والسلبية
وبالاستحقاق الوصفي كونه مستحقًا لذلك باعتبار اتصافه بالوصف المذكور مع قطع النظر عن
اتصافه بغيره. والاستحقاق الذاتي لا يتصور إلا في الباري تعالى ولذلك تراهم يذكرون في
أولاً واسمه ثانيًا على طريق عطف الببان. والإنزال والتنزيل عبارتان عن تحريك الشيء مبتدثًا
من الأعلى إلى الأسفل وبينهما فرق من جهة أن التنزيل يدل على التزول تدريجًا والإنزال
يدل على التزول دفعة» وذلك لأن بناء التفعيل للتكثير وكثرة النزول إنما يكون يكونه على
سبيل التدريج. ثم إن المتحرك قسمان: أحدهما: متحيز بالذات كالجواهر الفردة وما يتركب
منها وثانيهما: متحيز بالتبع وهو الأعراض القائمة بموضوعاتها فإن العرض تابع لموضوعه في
التحيز سواء كان قارًا في الموضوع كالسواد والبياض أوسيًا لا مترتب الأجزاء ممتنع البقاء
كالحركة والكلام اللفمي» وكل واحد من القسمين المذكورين تعرض له الحركة حقيقة إلا أن
القسم الأول منهما تعرض له الحركة أصالة وبالذات بخلاف القسم الثاني فإنه لا يتحرك
أصالة لاستحالة انتقال الأعراض عن «وضوعاتها»؛ وإنما يتحرك بتبعية محله ضرورة تحرك
الحال بحركة المحل كالجسم الأسود المتحركا إذا تحرك بحركة تحرك ما حل فيه من السواد
والكلام تبعًا له. ثم إن الكلام النفسي الذي هو صفة أزا
الحركة والنزول لا بالذات وهو ظاهر لامتناع انتقال شيء من صفات الله تعالى عنهء ولا
ة بذاته تعالى لا يتصور فيه
بتبعية موصوفه الذي هو ذات الواجب تعالى وتقدس لاستحالة الحركة عليه حتى تتحرك
صفاته تبعًا له؛ وإنما المنزل هو الكلام اللفظي الحادث المركب من الألفاظ والحروف
المؤلفة من الآيات والسوز وهو الفرآن المعجز المتحدي به لكون كلام الله حقبقة على أنه
مخلوق لله تعالى ليس من تأليف المخلوقين لا على معنى أنه صفة بذاته تعالى لأنه
حادث ويمتنع قيام الحوادث به تعالى. ويجوز أن يخلق الله تعالى أصوانًا مقطعة مؤلفة على
هذا النظم المخصوص فيأخذها جبريل عليه الصلوة والسلام ويخلق له علمًا ضروريًا أنه هو
العبارة المؤدية لمعنى ذلك الكلام النفسي القديم الذي هو كلام الله على معنى أنه صفة له
قائمة به مع أن الأشاعرة يجوزون أن يسمع كلامه تعالى الأزلي بلا صوت وحرف كما يرى
ذاته تعالى في الآخرة بلا كم وكيف . فعلى هذا يجوز أن يخلق الله تعالى لجبريل عليه السلام
وهو في مقامه عند سدرة المنتهى سماعًا لكلامه الأزلي وإن لم يكن من جنس الحروف
والاصوات ثم يقدره على عبارة يعبر بها عن ذلك الكلام القديم. وقيل: أظهر الله تعالى في
مقدمة 4
اللوح المحفوظ كتابة هذا النظم المخصوص ونقشه فقرأه جبريل عليه السلام وحفظه وخلق
الله تعالى فيه علمًا ضروريًا بأنه هو نفس العبارة المؤدية للمعنى القديم على أن إنزال الملك
الكتاب السماوي لا يتوقف على سماع الفظ لجواز نفه الملك تلقفًا روحانيًا لا جسمانيًا
بأن يلهم الله تعالى الملك ذلك المعنى القديم ويخلق فيه قدرة على التعبير عنه؛ ويسمى
النظم الصادر عنه كلام الله تعالى باعتبار كونه عبارة عن الكلام النفسي دالاً عليه. ثم إن
الكلام اللفظي لكونه غير متحيز بالذات بل هو عرض قائم بالموضوع لا يكون إنزاله وتنزيله
للقرآن بأن أمره بالحركة إلى أسفل فتحرك هو بأمره تعالى فقد تحرك القرآن القائم به تبعًا
لحركته فينبغي أن يكون قوله: «نزل الفرقان» مجازًا على طريق إطلاق اسم العرض الحال
على المحل الذي هو ذلك الحامل فإنه هو المنزل بالذات والأصالة والقرآن منزل تبعًا له
والمعنى نزل القرآن بواسطة تنزيل جبريل عليه السلام. ثم إن القرآن العظيم يصح أن يوصف
بأنه منزل ومنزل لأنه تعالى أنزله جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وأمر السفرة
الكرام بانتساخه ثم نزله إلى الأرض إلى النبي عليه الصلاة والسلام متجمًا موزعًا على حسب
المصالح ووقوع الحوادث إلا أن في إنزاله إلى السماء الدنيا قولين: أحدهما: ما روي عن
عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح
المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر ثم نزل إلى الأرض في عشرين سنة. وثانيهما: أنه أنزل
من اللوح إلى السماء الدنيا كل سنة مقدار ما يكون منزلاً في سئة واحدة بحسب المصالح+
حمد الله تعالى على التنزيل دون الإنزال على أن التنزيل أعم وأكمل نعمة في حقنا بالنسبة
إلى الإنزال إذ لا تظهر لنا فائدة في نزوله جملة إلى السماء الدنيا. والقرآن في الأصل مصدر
الكتاب قراءة وقرآنًا إذا تلوته؛ ثم نقل إلى هذا الجموع المقدر المنقول إلينا من دفتي
المصاحف أي من جنبيها نقلاً متواترًا. وقد يطلق على القدر المشترك بين المجموع وبين كل
بعض من أبعاضه وهذا هو المراد هنا بقرينة لفظ التنزيل. وفي بعض النسخ وقع لفظ
بدل «القرآن» وهو في الأصل مصدر بمعنى الفرق وهو الفصل بين الشيئين سمى به
القرآن لفصله بين الحق والباطل بتقديره وبيانه؛ أو لأنه لم ينزل جملة واحدة ولكن مفرفًا
بعضه عن بعض في الإنزال وإنما قال: «على عبده» دون نبيه أو رسوله إشارة إلى أن العبودية
أجل صفاته عليه الصلاة والسلام وأشرفها وذلك لان أشرف ما سوى العبودية من صفاته عليه
الصلاة والسلام هي الرسالة؛ وعبودية الرسول لكونها اتصرافًا من الخلق إلى الحق أجل
وأشرف من رسالته لكونها بالعكس فإنها انصراف من الح إلى الخلق لتبليغ أحكام المرسل.
وليس المعنى أن عبودية غير الرسول أفضل من الرسالة فإنه لم يقل به أحد وإنما الكلام في
النسبة من أوصاف الرسول أيها أفضل فكما أن القرآن المعظم لكونه معجزًا باقيًا ومبيئًا لجميع
ما يتعلق به من سعادة المكلفين في النشأتين كان أجل الكتب السماوية وأكملهاء فكذلك
الرسول يقل أشرف أفراد نوع البشر وأكملها فكان معنى الكلام الحمد للسلطان المستجمع
لتجميع صفات الجلال والإكرام الذي نزل أشرف الكتب السماوية وأفضلها على أشرف أفواه
نوع البشر وأفضلهم.
قوله: (ليكون للعالمين نذيرًا) الظاهر أن اسم «كان» ضمير العبد بدليل قوله تعالى:
نيز [المدثر: -١ ؟] يحتمل أن يكون ضمير القرآن بشهادة قوله تعالى:
ة: 114] وآيات أخرى والمراد بالعالمين الإنس والجن فإنهم قد اتفة
على أن الجن أيضًا مكلفون بالشرائع وإن الكافر منهم يعذب بجهنم لقوله تعالى:
جَهَثم» [صّ: 49] من الجنة والناس أجمعين وإن اختلف في دخول من آمن منهم الجنة قال
الله تعالى لم يبين في القرآن ثوابهم ونحن نعلم يقينًا أن الله تعالى لا يضيع إيمانهم فيعطيهم
ما يشاء. والنذير ب يتح لحري اكات ايان لاعن ملل الك مطل أ
كالتكير بمعنى الإنكار به؛ واقتصر في تعليل التتزيل على ذكر الإنذار مع أنه عليه السلام كما
أنه منذر لأهل العصيان والضلال مبشر لأهل الإيمان والطاعة بناء على أن الإنذار هو
المقصود الأصلي الأولى من الإرسال والتنزيل؛ فإن الطبيب الذي يباشر معالجة مرض القلب
لا يد له أن يدا أولاً بتنقيته عن العقائد الزائغة والأخلاق الرديثة والأعمال القبيحة المكدرة
للقلب بأن يسقيه شربة الإنذار بسوء عا عن المهلكات يعالجه بما
يقويه على مواظبة الطاعات بأن يسفيه شربة التبشير بحسن عاقبة الأعمال الصالحة؛ كما أن
طبيب الأمراض البدنية يبدأ أولاً بة البدن عن الأخلاط الرديثة ثم يباشر المعالجة
بالمقويات. ولهذا اقتصر الله تعالى على ذكر الإنذار في مبدأ أمر النبوة حيث قال: يا أيها
المدثر قم فانذر» ولأن الإنذار شامل لجميع المكلفين من العصاة والمطيعين فإنهم جميعًا
ك الأمور وبعد
فتحدى بأقصر سورة من سوره مصاقع الخطباء؛ من العرب العرباء» فلم يجد به قديرّاء
ينتفعون به وإن اختلف الحال بحسب اختلاف المحال فإن ال ينطر بثار نار الجحيم
والبعض الآخر بانحطاط الدرجات في دار النعيم والبعض الثالث بنار الحجاب عن مطالعة
جمال رب رحيم.
قوله. (بأقصر سورة من سوره) الظاهر أنه معطوف على قوله «نزل» وأن المتحدي هو
ويجوز أن يكون المتحدي هو العبد بأن يرجع ضمير فتحدى إليه ويستفاد الأقصرية من
التنكير الواقع في قوله تعالى: #أم يَقلونَ أنه فل فَأَثا بور يت [يونس: 8؟]
بارزته في فعل ونازعته الغلبة وهو مشتق من الحد فإن الحديين متعارضان فيه ويعني كل
واحد منهما مثل ما أتى به صاحبه. والحداء والحد وسوق الإبل والغتاء لها يقال: حدوت
الإيل حدوًا وحداء إذا استقتها مع الغناء لها. والمعنى أنه تعالى طلب ممن ارتاب من أن
القرآن منزل من عند الله تعالى أن يعارضوه ويأتوا بمثل أقصر سورة في الاشتمال على كمال
الفصاحة والبلاغة. والمصاقع جمع مصقع وهو البليغ المتقدم على أقرانه في المحافل بقوة
فصاحته وكمال بلاغته من صقع الديك إذا صاح . والعرب العرباء أي الخلص منهم من قبيل
قولهم: ليل أليل وظل ظليل فإنهم إذا أرادوا المبالغة في شيء يأخذون من لفظه صفة
بقوله: «قديرًا» فإن الباء قد تكون بمعنى على كما في قوله تعالى ومنهم: تن إن تَأتنهُ
بِقَارِ» [آل عمران: 75] أي على قنطار أي. فلم يجد من يقدر على ذلك أي على إتيان
وجدانه من عالم الغيب والشهادة سبب لازم لعدم وجوده في حد نفسه فيصح أن يكتى به
عنه. فإن قلت: القدير من صيغ المبالغة مثل شريف وكريم فيكون عدم وجدان القدير نفيًّا
لوجدان ما هو كامل القدرة ونقيه لا ينافي ثبوت من يقدر عليه في الجملة. أجيب عنه: بأن
المبالغة ليست بلازمة لصيغة فعيل مطلقًا بل إنما تفيدها إذا كانت مشتقة من باب فعل بضم
العين كما في المثالين المذكورين به. ولفظ قديرًا ليس مأخودًا من ذلك الباب فلا دلالة فيه
على المبالغة حتى يلزم ما ذكرتم؛ والفرق بين ما بابه فعل وغيره أن باب فعل لا يستعمل إلا
في أفعال لازمة لفاعلها فيكون معنى الصفة المشبهة ١ من الباب وإن ثبت لها
"1 مقدمة
وأفحم من تصدى لمعارضته من فصحاء عدنان؛ وبلغاء قحطان؛ عَتى حَبِبُوا ألهم
بلاغته من تصدى لمعارضته. والظاهر أنه معطوف على قوله: «فلم يجد به قديرًا»؛ بين
بالقرينة الأولى عدم قدرتهم على ذلك رأسًا وبالثانية عدم ظهور قدرتهم على معارضته وإتيان
مثله بعد التصدي بمعارضته ممن توهم أن له قدرة ما على ذلك قبل التصدي. وفي أكثر
النسخ «افحم» بدون الواو إما على الاستئناف جوابًا عما يقال من أين علم عدم وجود من
ضرورة» وإما على أنه تأكيد وتقرير لما سبق من نفي قدرة فصحائهم وبلغائهم عمومًا على
فنفيها عن الكمل باعتبار دلالته على هذا اللازم يكون تأكيدًا لما سبق. والمراد بعدنان
وقحطان قبائل العرب المشهورة بكمال الفصاحة والبلاغة. قوله؛ (حتى حسبوا أنهم سحروا
تسحيرًا) إذ لم يهتدوا إلى التفرقة بين السحر والمعجزة. ثم إن المصنف لما فرغ من تحقيق
إعجاز القرآن شرع في بيان أسلوبه في الدلالة على ما فيه من الحكم والإحكام وفي كيفية
البعض بذلك التبيين ولم يتبين له المراد لعدم تبصره وسلوكه طريق الانتفاع بذلك البيان»
وأشار بكلمة «ثم» إلى جواز تأخير البياذ عن وقت الخطاب وإن لم
الحاجة إلى العمل بمضمونه؛ وأ
الآيات القرآنبة منها محكمات اتضح معناه وخلا عن الإجمال وتعدد الاحتمال بأن يظهر عند
العقل أن المعنى هذا لا غير ومنها متشابهات وهي ما لم تكن كذلك بل يكون لها
محتملات عند العقل لا يتضح المراد منها لإجمال أو مخالفة ظاهر أو نحو ذلك فينغلق باب
الاطلاع على المراد إلا ببيانه بالتنصيص على المقصود أو بنصب ما يدل عليه كالقياس»
ودليل العقل والمحكم والمتشابه بهذا المعنى غير ما اصطلح عليه الحنفية لأن المحكم بهذا
المعنى يتناول الظاهر والنص والمفسر وأن المتشابه يتناول الخفي والمشكل والمجمل ولا
تسكن السين في الضرورة. ويقال: عن لي كذا يعن بضم العين وكسرها عنا أي ستح ولاح
يراعي مصالح عباده إلا أن ذلك بطريق التفضل وعند المعتزلة بطريق الوجوب.
مقدمة ين
الألباب تذكيراء نكشت لهم قناع الانفلاق عن آياتٍ
وآخر متشابهات هن رموز الخطاب تأويلاً وتفسيرّاء
ظاهرها من المعاني اللطيفة المستنبطة بالتأويلات الصحيحة؛ واللام فيه متعلقة بنزل أو بين
والتذكر إما يمعنى الاتعاظ أو استحضار ما هو كالمركوز في العقول لفرط التمكن من معرفته
بما نصب من الدلائل الدالة عليه؛ والإلباب جمع لب وهو العقل خص العقلاء بالتذكر لأ
غيرهم من المتدبرين لا ينتفعون بها. وقوله: «تذكيرًا» مصدر من غيره لفظ فعله كقوله
تعالى : أوتبتل إليه تبتيا ل ل ا 0
علمه يجب عليه أيضًا إعلام غيره. قوله: (فكشف) عطف على قوله بين على طريق عطف
والقناع ما تستر به المرأة رأسها وهو أوسع من المقنعة؛ والانغلاق انسداد الباب وإضافة
القناع إليه من أضافة المشبه به إلى المشبه كلجين الماء أي ماء كالفضة في البياض
والصفاء شبه الآيات القرآنية تارة بالنفائس المخزونة وأخرى بالعرائس المحتجبة على طريق
الاستعارة بالكناية وأثبت لها في الأولى الانغلاق وفي الثانية القناع على طريق التخييل» ففيه
احتمال آخر ولا يوجد فيها انغلاق فكيف يستقيم قوله فكشف قناع الانغلاق عن آيات
محكمات؟ أجيب بأن الاحتمال المنفي عن المحكمات هو الاحتمال الناشىء عن الدليل
وانتفاؤه لا ينافي ت مطلق الاحتمال» ولو سلم أن المنفي هو مطلق الاحتمال فالمراد
بالكشف المتعلق بالمحكمات إنزالها مكشوفة مبينة كما يقال: ضيق فم الركية أي اجعله ضيقًا
من أول الأمر. والرمز في الأصل مصدره ومعناه الإشارة بالشفتين أو الحاجب وهو ههنا اسم
الأصل توجيه الكلام نحو الحاضر وأريد به ههنا الكلام الموجه للإفهام مطلقًا والظاهر أن
إضافة الرموز إليه من إضافة الجزء إلى الكل كيد زيد أو من أضافة الجزئي إلى الكلي كخاتم
فضة؛ والمعنى هن رامزات من الخطاب إلى المراد مها رمزًا حفيًا على أن تكون كلمة «من»؟
في قولنا من الخطاب للتبعيض على تقدير أن تكون إضافة الرموز من قبيل إضافة الجزء إلى
الكل؛ وعلى تقدير أن تكون من قبيل إضافة الجزني إلى الكلي تكون من للتبيين. وصف
المحكمات بأنهم أم الكتاب أي أصله لكونها في أنفسها متضحة المعاني ويرجع إليها في
تأويل المتشابهات وبيان المراد منهاء ووصف المتشابهات بأنهن رموز الخطاب على طريق
نِْ مقدمة
صرف الكلام إلى بعض محتملاته وترجيحه على سائر المحتملات بدليل دعا إليه مما يتعلق
على بعض تلك المعاني لكونه موافقًا للأصول من الآية المحكمة أو الحديث المتواتر أو
إجماع الأمة فتعين ذلك المعنى بهذا الطريق. هو التأويل وهو من الأول الذي هو الرجوع
والانصراف سمي تأويلاً لما فيه من إرجاع اللفظ إلى ما يقتضيه الدليل فإذا وقع الكلام
المحتمل للمعاني المتعددة في القرآن أو الحديث فلا بد من عرضه على الأصول الشرعية من
آية محكمة أو حديث متواتر أو إجماع الأمة؛ فإن وافق الأصول ووافق القواعد المقررة عند
أرباب العربية أيضًا فصحيح وإلا فهو فاسد لكونه قولاً بمجرد التشهي. فظهر أن التأويل لا
بد أن يكون فيه مدخلاً للرأي والدراية بخلاف التفسير فإنه لا مدخل لهما فيه بل هو منوط
بالنقل والرواية فقط فإنه عبارة عن تبيين المعنى وكشفه مستندًا إلى النقل والسماع كالإخبار
السبب وهم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين فجاز لهم التفسير لتمكنهم من كشف
المعنى عن العلم الحاصل بالمعايئة بخلاف غيرهم فإنهم لو أخبروا بشيء من ذلك من غير
أن يسندوه إلى من شهد النزول فذلك تفسير بالرأي. وقد أوعد عليه
القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار». وما جاء عن السلف والفقهاء المجتهدين من استنباط
معاني القرآن بالرأي والاجتهاد فذلك تأويل لا تفسير والذي دعاهم إلى ذلك أن الله تعالى
جعل القرآن هدى للناس يرجع إليه في جميع ما يحتاج إليه في باب العمل والاعتقاد وليس
المعاني بالرأي والاجتهاد. والتفسير مأخوذ من الفسر وهو مقلوب من السفر وهو الكشف
والإظهار يقال: أسفر الصبح إذا أضاء إضاءة لا شبهة فيه وسفرت المرأة عن وجهها إذا
والسفر يتقارب معناهما لغة كما يتقارب لفظهما لكن جعل الفسر لإظهار المعنى المعقول
والسفر لإبراز الأعيان للأبصار .
قوله؛ (وأبرز غوامض الحقائق ولطائف الدقائق) عطف على قوله «نكشف القناع عن
المحكمات والمتشابهات تأويلاً وتفسيرًا؛ فيكون مجموع الكشف والإبراز تفصيلاً للتبيب
المذكور سابقًا. ذكر أولاً على سبيل الإجمال أنه تعالى بين الفرقان المنزل على حسب
المصالح ليكون ذلك مؤديًا إلى تدبرهم وتذكرهم ثم فصل طريق التبيين فقال إنه تعالى كشف