هنا كان من المحتم على الأمة الاعتصام بهماء والورود إليهما والصدور عنهما »
ولا بد لذلك من الإقبال على درسهماء والبحث الدائم عن أسرارهماء والتطلع
الدائم إلى أحكامهما وإرشاداتهماء فهما العلم امحقق واللباب المصفى يقول الحافظ بن
«إنَ أولى ما رفت فيه نفائس الأيام؛ وأعلى ما خص بزيد الاهتمام الاشتغال
المقتفى» وسنة نبيه المصطفى؛ وأن باقي العلوم إِمَّا آلات لفهمها وهي الضالة المطلوبة؛
وما من ريب في أن علم التفسير أفضل العلوم:
يقول الإمام أبو الفرج بن الجوزي(ت/041م):
«لا كان القرآن العزيز أشرف العلوم؛ كان الفهم لمعانيه أوفى الفهوم؛ لأن شرف
العلم بشرف المعلوم»"
وقد روى أبو الليث السمرقندي""' بسنده إلى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
)١( روى الحاكم في«المستدرك» (48/1) بسنده عن ابن عباس عن رسول الله نع أنه قال في
() هدي الساري» (ص ©
(©) «زاد المسير في علم التفسير» (3/1).
(4) انظر «تفسيره» (705/1).
الأولين والآخرين»!".
فقد أخرج ابن حاتم وغيره من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله
أيؤتي الحكمة »'" قال: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه؛ ومحكمه
وأخرج عن أبي الدرداء أيضاً: (يؤتي الحكمة) قال: قراءة القرآن والفكرة
محروم فليتب وليقبل:
)١( قال ابن الأثير في« النهاية» (134/1): «أي: لينقر عنه» ويفكر في معانيه وتفسيره وقراءته8.
ع الآية (174).
السعادة ومصباح السيادة» (19//1* -5108).
(*) المصدر السابق.
(176/1) (ومفتاح السعادة) (818/1) ويوجد بهذا الاصم: (عمرو بن مُرّة) رجلان: صحابي وتابعي انظر
«تقريب التهذيب» ص(477 -477) و(طبقات الحفاظ) للمسيوطي ص (45) ولم يتبين لي اللقصود الآن
العدم وجود السند كاملاً.
وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: إن الله لا يستحبي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها»
(وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالون
ويقول الإمام الحافظ سفيان بن عيينة (ت: )١48 في قوله تعالى: #سأصرف
عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق '": أنزع عنهم فهم القرآن» وأصرفهم
ومن علم التفسير اهتدى لمراد الله» وقام بأمره وفاز برضاه.
يقول التابعي الجليل القاضي إياس بن معاوية (ت: 177):
ملكهم ليلاً؛ وليس عندهم مصباحء قتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل
الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح» فقرؤا ما في الكتاب»""".
وكان السلف صحابة وتابعين أحرص الناس على تحصيل
علمه. والاستنارة بفهمه؛ والترغيب بالوقوف على معانيه؛ والتنفير
من الجهل بمراميه:
أخرج ابن الأنباري عن عبدالله بن بريدة؛ عن رجل من أصحاب النبي #8
قال: لو أني أعلم إذا سافرت أربعين ليلة أعربت آية من كتاب الله لفعلت""". وأخرج
أبو ذر الهروي في «فضائل القرآن» من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الذي
يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره كالأعرابي الشعر هذا
.)174/7( انظر «تفسير» ابن كثير )١(
(©) انظر «لمحرر الوجيز» لابن عطية (17/1) و«الجامع» للقرطبي (5/1؟ -177) ومثله تقريباً في
«زاد المسير» (4/1).
(4) انظر «الإتقات» (176/7).
(*) المصدر السابق (170/7) وقول ابن العباس دون مصدر في «المحرر الوجيزة (17/1).
وقال الإمام الشعبي: رحل مسروق بن الأجدع (ت: 17) إلى البصرة في تفسير
آية؛ فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى بلاد الشام؛ فتجهز ورحل إليه» حتى علم
والحرص البالغ على القرآن ومدارسته هو الذي دفع أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى ترك تدوين ١
فقد روى البيهقي في «المدخل» عن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب أراد أن
يكتب السننء فاستشار في ذلك أصحاب النبي يق فأشاروا عليه أن يكتبها. فطفق
عمر يستخير الله فيهاء ثم أصبح يوماً وقد عزم
والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا".
«خرجا تريد العراق» فمشى معنا عمر بن الخطاب إلى «صراره"' فتوضاً ثم
(©) انظر المصدرين السابقين.
() انظر «تدريب الراوي» للسيوطي (110/1 -68).
(4) في كتاب «العلم» .)1١7/1(
(ه) هكذا ضبط اممه الفيروز أبادي في «القاموس» ص (4:1) وابن حجر في ترجمته له في
(1)صرار: ككتاب: موضع بقرب المدينة كما في «القاموس» ص (؟54)
قال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تبدؤنهم بالأحاديث
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد... ووافقه الذهبي.
وما يؤسف عليه قلة العناية بالتفسير على الوجه المرضي الذي يستحقه؛ وهذا
الإمام الذهبي في القرن الشامن (توفي سنة 48اه) يقول: «قل من يعتني اليوم
بالتفسير...»" وهذا السيد بدر الدين الحلبي في القرن الرابع عر يقول: «طلاب
العلوم الشرعية أقل الناس عناية بالتفسير وأزهدهم فيه» فالطالب الذي يصرف عشر
سنوات من عمره في تعلم النحو من حواشي المتأخرين» أو بالحري يمضي عشر سنوات
قانون دينه ومبدأً سعادة البشر في النشأتين بسنة يصرفها في قراءة تفسير من تفاسيره
اللطيفة الموثوق بهاء والمعلومة درجة مؤلفيها وطبقتهم بين العلماءة"".
وقد من الله علي - ومننه لا تحصى فله الحمد فجعلني من طلبة العلم وخدمة
بالاحاديث فتصدوهم» انظر «البرهانة (480/1).
(؟) بيان زغل العلم والطلب ص (14).
(©) نقل كلامه الشيخ قاسم القيسي في «تاريخ التفسير» ص (188) من كتايه «التعليم
وقد كتب سبحانه وتعالى لي في مرحلة الماجستير» أن أدرس «التفسير
الحديث» للأستاذ محمد عزة دروزّة وهو من المعاصرين المعمريٍ :
ورأيت في المرحلة اللاحقة أن أعود إلى الأعماق» وأن أخدم أثراً من آثار أحد
أعلام الأمة الكبار, وهو شيخ الإسلام الحافظ الناقد الجبل أبو الفضل شهاب الدين
أحمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني أشهر علامة في القرن التاسع الهجري
واطلاعه الغزير وفهمه الثاقب.
وقد وقع الاختيار على كتابه (العجاب في بيان الأسباب) لخدمته ودراسته
والكشف عن منهجه وموارده وإظهاره إلى عالم النور وتيسير وصول أيدي الباحثين
وكنت قد تطلبت الوقوف عليه مذ رأيت ابن حجر يحيل عليه في استكمال
مباحث ذكرها في كتابه «الإصابة».
والذي دعاني إلى اختياره أسباب هي:
١ - إنه أوسع كتاب وقفت عليه في حشد أسباب النزول المنقولة والمقولة؛
فأشهر كتاب وصل إلينا من القدماء؛ كتاب الواحدي وفيه إلى الآية (4/ا) من سورة
)١( التفسير الحديث للأستاذ محمد عزة د,
:دراسة وتحليل ص (140)
الأسانيد والرواة» وبيان الوصل والإرسال والنكارة والشذوذ وغير ذلك» وقد قدم في
المقدمة «فصلاً جامعاً» عن حال المفسرين وطرق التفسير أغناه عن كثير من التكرير»
وهو فصل مهم جداً يهدي المشتغل بالتفسير وغيره في رجوعه إلى التفاسير وإفادته
7 إندا نجد في هذا الكتاب نقولاً من تفاسير تعد الآن مفقودة كتفسير
الفريابي» وسنيد» وإسحاق بن راهوية» وعبد بن حميد» وابن المنذر» وأبي
حيان وابن شاهين» وابن مردويه وغيرهم ونقولاً من تفاسير لم تطبع إلى الآن كتفسير
وغيرهاء ونقولاً من كتب السنة كثيرة ومنها ما هو مفقود الآن أو مخطوط أيضاًء وفي
الوقوف على هذه النصوص فائدة كبرى للباحثين والدارسين ومتعة لا تقدر.
3 ضوورة العناية بتراث ابن حجر المخطوط والمطبوع على حد سواء ففي كل
شيء كتبه فائدة يتعين الوقوف عليها والإفادة منهاء وما يزال عدد من مؤلفاته التي
وكثير بما طبع منه بحاجة إلى إعادة طبعه محققاً مفهرساً يَبين منهجه
4 إن هذا الكتاب يبحث في موضوع مهم يتعلق بالقرآن الكريم وهو علم
أسباب النزول الذي يبين لنا الظرف الزماني والمكاني لنزول الآية؛ وما بي من حاجة
وحسبي أن أستأنس هنا بالرواية التي تقول: إن النبي يَيةٍ كان يكرم عبدالله
اب مكتوم الذي نزلت فيه: عبس وتولى...6 ويقول له: مرحباً بمن عاتبني فيه
ا ".وي ذلك اهتمام بمن نزلت فيه الآيات وتعريف به وإظهارله» وهذا هوعلم
أسباب النزول بعينه» على أن لنا في عموم قوله #8 : : «بلغوا عني ولو آية؛!" م يكن
الاستدلال به على ذلك؛ إذ كان علم أسباب النزول قائماً على النقل المرفوع
الصحيح +
ولولا هذا العلم لزنت الأقدام وكبت الأفهام» وبالجهل به هلك الخوارج وكان
الكفار فجعلوها على المؤمنين +
ومن اللطائف أن الحافظ الإمام أحمد بن علي الدلجي المصري (ت/837ه) قال
عن الصحابة في حديث عن العلوم الإسلامية: إنهم تلقوا «أصولها من حر يِ
ومشاهدتهم الوحي»؛ وتفقههم بأسباب النزول؛ وما أفاضته عليهم أنوار
في «تخريج أحاديث الكشاف» لابن حجر (70/8).
وكذلك ذكره بلا إسناد: الواحدي في «أسباب النزول» (ص 474) وابن الجوزي في «زاد المسير»
«تنوير الأذهان» (4/447)؛ والصابوني في «صفوة التفاسير» (7/514) وعزاه إلى «حاشية الصاوي على
(؟) رواه البخاري في كتاب «حديث الأنبياء»؛ باب ما ذكر عن بني إسرائيل. انظر «الفتح؟
(©) ومن المستغرب جداً أن يقول الباحث عبد الرحيم أبو علبة في كتابه «أسباب نزول القرآن»
ص (40): «ومن الجدير بالذكر كذلك إنه لم يرد عن الرسول بي إنه لفت الأنظار إلى علم أسباب النزول*
(؟) علقه البخاري ووصله ابن حجر انظر تعليقي على الآية (4) من سورة آل عمران.
فقد جعل تفقههم بأسباب النزول من أصول العلم وقد مدح أحد أساتذة
المدرسة المستنصرية المحدث المقرىء أبو الفتح مُصدق البغدادي (ت/1197ه) بأنه كان
«عارفاً بالتفسير وأسباب النزول»!",
٠ إن هذا الكتاب يبالغ في استقصاء الأسانيد» وعزو الأقوال إلى قاثليهاء
وبيان مصادر الروايات» ويلاحق الواحدي وغيره في إظهار مآخذهم» وذكر المؤاخذات
وقد أهمل عدد من المفسرين الأسانيد وأوردوا الأقوال مرسلة فاختلط القوي
بالضعيف. والصحيح بالمكذوب ومنهم:
١ - الماوردي في تفسيره «النكت والعيون».
والزمخشري في «الكشاف».
؟ وابن الجوزي في «زاد المسير».
© - والبيضاوي في «أنوار التنزيل».
+ والنسفي في «مدارك التأويل».
)١( «تلخيص مجمع الآداب» لابن الفوطي (/314) عن تاريخ علماء المستنصريّة للدكتور تاجي
معروف (179/1).
(؟) انظر لزاماً الكتاب الهم: «الإسناد من الدّين وصفحة مشرقة من تاريخ الحديث عند المحدّلين»
للأستاذ الشيخ عبدالفتاح أبو غُدة.