تفسير سورة الفاتحة “
يجمع فوائدها ؛ ويقيد شواردها. فألف رحمة ١! ابا قهما في تفسير
لانكون من كاتمى العلم أن لايظل هذا الكتاب حبيس الخزائن؛ وأن لايحرم
منه طلاب الحقائق .
فاستخرت الله في إخراج هذا الكتاب المستطاب؛ وسألت الله تعالى أن
يعيننى ويجزل لي الثواب فأنشرح صدري لذلك ؛ رجاء ماعند الله هنالك +
ماوقع فيه من أخطأ؛ أثداء نسخ الوالد له على الآلة الكاتبة؛ ثم أرجعت
الآيات إلى سورها وأرقامها ؛ والأحاديث إلى كتبها ومخرجيها؛ وإلى أغلب
الموضوعات فاشرت في الهامش إلى الكتب التي أخذ الوالد رحمه الله
فجاء بحمد الله في ثوب قشيب؛ ومنظر يعجب الفطن اللبيب
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
8 تفسير سورة الفاتحة
تفسير الفاتحة
قال شيخ الإسلام تقي الدين أبوالعباس أحمد بن عبدالحليم بن
عبدالسلام بن تيمية رحمه الله (4 65 -18/اه) : ١ ثبت في صحيح
مسلم عن ابن عباس قال : 1 بينما جبريل قاعد عند النبي ته سمع نقيضا
من فوقه فرفع رأسه فقال هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا
فسلم وقال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب
وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته ؛!'؟؛ وفي بعض
الأحاديث : « إن فاتحة الكتاب أعطيتها من كنز تحت العرش 6 +
وهذه السورة هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني
والقرآن العظيم وهي الشافية وهي الزاجبة في الصلوات لا صلاة إلا بها!"؟.
والصلاة أفضل الأعمال؛ وهي مولفة من كلم طيب؛ وعمل صالح+
أفضل كلمها الطيب وأوجبه القرآن. وأفضل عملها الصالح وأوجبه
() مسلم (3) مسافرين (47) باب فضل الفائحة (+8) :984/1 +
13 انظر : مسدد الإمام أحمد : 438/7 ؛ وانظر : فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : 28/14
تفسير سورة الفاتحة ٠
أفتتحها بقوله تعالى : ف أقرأ باسم ربك الذي خلق » وخدمها بقوله :
لإ واسجد واقترب 6''' فوضعت الصلاة على ذلك أولها القراءة وآخرها"
قال شيخ الإسلام ابن تيميةا”؟ : وأما حديث فاتحة الكتاب , فقد ثبت
في الصحيح عن النبي له أنه قال : « يقول الله تعالى :« قسمت الصلاة
قال العبد : هل الحمد لله رب العالمين 4 قال الله : حمدني عبدي, وإذا قال :
ل( الرحمن الرحيم 4 قال الله : أثنى علي عبدي؛ وإذا قال : ف مالك يوم
الدين # قال الله : مجدني عبدي ؛ وإذا قال َي إياك نعبد وإياك نستعين »
الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا
الضالين » قال : هؤلاء لعبدي ولعبدي ماسال .
فقد ثبت بهذا النص أن هذه السورة منقسمة بين الله وبين عبده؛ وأن
هاتين الكلمتين مقتسم السورة ف ف إياك نعبد مع ما قبله لله واياك
نستعين مع ما بعده للعبد. وله ما سأل .
اهرخآو سورة العلق : أو آياتها )١(
(”) المرجع السابق : 4/14 :7
0 تفسير سورة الفاتحة
ولهذا قال من قال من السلف : نصفها ثناء ونصفها مسألة؛ وكل
واحد من العبادة, والاستعانة دعاء؛ واذا كان الله قد فرض علينا أن نناجيه
وندعوه بهاتين الكلمتين في كل صلاة؛ فمعلوم أن ذلك يقعضي أنه فرض
علينا أن نعبده وأن نستعينه إذ ايجاب القول الذي هو إقرار واعتراف ودعاء
وسؤال هو ايجاب لمعناه ليس إيجابًا مجرد لفظ لا معنى له. فإن هذا لا يجوز
أن يقع ؛ بل ايجاب ذلك أبلغ من إيجاب مجرد العبادة والاستعانة +
فان ذلك قدا يحصل أصله بمجرد القلب أو القلب والبدن؛ بل أوجب
دعاء الله عز وجل ومناجاته وتكلميه ومخاطبته بذلك ليكون الواجب من
ذلك كاملا صورة ومعنى بالقلب وبسائر الجسد +
وقد جمع الله بين هذين الأصلين الجامعين ايجابا وغير ايجاب في
مواضع؛ كقوله تعالى في آخر سورة هود : «( فاعبده وتوكل عليه 6" .
وقول العبد الصالح شعيب : ف وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت
وإليه أنيب 6" .
المصير 6 .
سورة هود : الآيذهم )1(
تفسير سورة الفاتحة 7"
بهما في قوله : ف فاعبده وتوكل عليه » ؛ والأمر له أمر لأمته ٠
الله بخلاف من يفعل ما لم يؤمر به وان كان حسنا أو عفوا وهذا أحد
الأسباب الموجبة لفضله وفضل أمته على من سواهم .
وفضل الخالصين من أمته على المشوبين الذين شابوا ما جاء به بغيره
ولهذا كان الداس في هذه الأقسام الأربعة ؛ بل أهل الديانات هم أهل
هذه الأقسام ؛ وهم المقصودون هنا بالكلأم .
+ سورة الرعد : الآية )١(
"د تفسير سورة الفاتحة
قسم يغلب عليه قصد التأله لله ومتابعة الأمر والنهي والإخلاص لله
تعالى. واتباع الشريعة في الخضوع لأوامره وزواجره وكلماته الكونيات؛
لكن يكون منقوصًا من جانب الاستعانة والتوكل, فيكون إما عاجزا وإما
منه الجزع مما يصيبه؛ والحزن لما يفوته؛ وهذا حال كثير ثمن يعرف شريعة الله
وهو حسن القصد طلب للحق. لكنه غير عارف بالسبيل الموصلة والطريق
وقسم يغلب عليه قصد الاستعانة بالله والتوكل عليه ؛ وإظهار الفقر
يديه ؛ والخضوع لقضائه وقدره وكلماته الكونيات ؛ لكن يكون
منقوصا من جانب العبادة وإخلاص الدين لله ؛ فلا يكون مقصوده أن يكون
ومنهاجه ؛ بل قصده نوع سلطان في العالم ؛ إما سلطان قدرة وتأثير وإما
سلطان كشف وإخبار » أو قصده طلب مايريده ودفع مايكرهه بأي طريق
والفاقة
كان » أر مقصوده نوع عبادة وتأله بأي وجه كان همته في الاستعانة
ويتصوف ويتفقر ؛ ويشهد قدر الله وقضاءه ؛ ولايشهد أمر الله ونهيه +
تفسير سورة الفاتحة يق
.ولهذا يكشر في هؤلاء من له كشف وتأثير وخرق عادة مع إنحلال عن
بعض الشريعة ؛ ومخالفة ليعض الأمر وإذا أوغل الرجل منهم دخل في
الاباحية والإنحلال ؛ وربما صعد إلى فساد التوحيد فيخرج إلى الاتحاد
والحلول المقيد ؛ كما قد وقع لكثير من الشيوخ ويوجد في كلام صاحب
منازل السائرين ) وغيره مايفضي إلى ذلك"'' +
وقسم ثالث معرضون عن عبادة الله وعن الاستعانة به جميعًا ٠
والداس فريقان : أهل دنيا وأهل دين ؛ فأهل الدين منهم هم أهل
الدين الفاسد الذين يعبدون غير الله ؛ ويستعينون بغير الله بظنهم ؛ وهم
أهم ف إن يتبعون إلا الظن وماتهوى الأنفس ؛ ولقد جاءهم من ريهم
الهدى 6"
وأهل الدنيا منهم الذين يطلبون مايشتهونه من العاجلة بما يعتقدونه
من الأسباب .
ويجب التفريق بين من قد يعرض عن عبادة الله والاستعانة به وبين
من يعبد غيره ويستعين بسواة!”؟
والتعريف ترتب عليه هداية التوفيق وجعل الايمان في القلب وتحيبه
(7) سورة النجم : الآية ٠؟
(7) الفتاوى :17/16
0“ تفسير سورة الفاتحة
مستقلتان لا يحصل الفلاح إلا بهما؛ وهما متضمنتان تعريف مالم نعلمه
وباطنًا؛ ثم خَلْقَ القدرة لنا على القيام بموجب الهدى بالقول والعمل
ومن هنا يعلم اضطرار العبد إلى سؤال هذه الدغوة فوق كل ضرورة
وبطلان قول من يقول اذا كنا مهتدين فكيف نسأل الهداية ؟
فإن المجهول لنا من الحق اضعاف المعلوم وما لا نريد فعله تهاونا
سؤال الهداية له سؤال التثبيت والدوام +
وللهداية مرتبة أخرى وهي آخر مراتبها وهي الهداية يوم القيامة
الى طريق الجنة؛ وهو الصراط الموصل إليها ؛ فمن هدى في هذه الدار الي
صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله» وأنزل به كَشَبَه: هدى هناك إلى
الصراط المستقيم الموصل إلى جنته؛ ودار ثوابه؛ وعلى قدر ثبوت قدم العبد
على الصراط المنصوب على متن جهنم ؛ وعلى قدر سيره على هذه الصراط +
المسلم؛ ومنهم المكردس في النار .
تفسير سورة الفاتحة 8"
بالق جزاء وفاقا ف هل تجزون إلاما كنتم تعملون 6" .
للعبيد 4" .
فسؤال الهداية متضمن لحصول كل خير والسلامة من كل شر +
الموضع السابع من معرفة نفس المسئول وهو الصراط المستقيم؛ ولا
تكون الطريق صراطًا؛ حتى تتضمن خمسة أمور الاستقامة؛ والايصال إلى
يخفى تضمن الصراط المستقيم لهذه الأمور الخمسة +
فوصفه بالاستقامة يتضمن قربه. لأن الخط المستقيم هو أقرب خط
فاصل بين نقطتين» وكلما تعوج طال وبعد : واستقامته تتضمن ايصاله إلى
ووصفه بمخالفة صراط أهل الغضب والضلال يستلزم تعينه طريقًا .
+ 86 سورة العمل : الآية )١(
(1) سورة فصلت : الآية 5 .