المقامة
تقوم بين صفوف المسلمين - اليوم - دعوات. ومذاهب واتجاهات فكرية وتربوية
فلسفية كشثيرة تطالب ببلورة الاتجاه الاسلامي في الفكر التريوي المعاصر بحشا عن الذات
الضائعة بين ركام هذه الفلسفات والمذاهب والاتجاهات الفكرية المحلية منها والعالمية.توصلاً
إلى بناء الشخصية المسلمة السوية والنهوض بالأمة ويتطلب هذا البناء وتلك النهضة وجوب
العودة إلى مصادر الفكر الاسلامي وما أنتجته قرائح علسائنا الأعلام للتعرف على الآراء
فطنتهم وسعة اطلاعهم وعمق معرفتهم بالطبيعة البشرية ونفسية المتعلمين. ومثل هذا الأمر
واجب علمي تفرضه ضرورات البحث التريوي التأصيلى المعاصر من منطلق الخرص على
الاستفادة القصوى من معطيات هذا الفكر في رذ وإثراء هذا النظام التريوي والتعليمي ومذه
بالدماء الجديدة التي تحقق له أصالة الماضي مع ازدهار الحاضر وتقدمه..
ولقد لفت نظري أثنا ء البحث عن موضوع للكتابة فيه أن كثيراً من الباحثين والكتاب
المعاصرين كانوا يركزون أبحاثهم. ومقالاتهم حول آرا ء بعض العلماء الأجلاء العاملين الذين
اشتهروا بالكتابة حول موضوعات التربية الاسلامية من خلال التأليف في موضوعات التعليم
الاسلامي؛ ومن هؤلاء العلماء الأجلاء الإمام الشافعي وأبوحامد الغزالي؛ وشيخ الإسلام ابن
تيمية وابن الصلاح وابن سينا .ان خلدون وبدر الدين بن جماعة وابن مسكوبة وبرهان الاسلام
الزرنوجي وأبو سعد السمعاني والةاضي عاض وتاج الدين السبكي وشمس الدين الذهبي
وابن حزم والامصام النروي وغيرهم.. بحيث لا تكاد البحوث التربوية المعاصرة تخرج في
موضوعات التربوية والتعليم الاسلاميين عن دائرة البحث في تراث الفكر التريوي لأصحاب
هذه الأسماء الكبيرة ورغم جدارة هذه الأسماء واستحقاق أصحابها لتلك العناية والرعاية
العلمية إلا أن هناك بالتأكيد من العلما » المميزين وخاصة من طبقة الفقها ء والمحدثين من هو
جدير بدراسة أفكاره و البحث في آرائه التربوية.
اختياري لموضوع (الفكر التريوي عند الخطيب البغدادي). وهو الفكر الذي أظهرت الدراسة
لات
بالعلماء وممارسة التعليم بنفسه فترة طويلة من حياته واكتسابه لتجارب حياتية وخبرات
تربوية وتعليمية كثيرة وهو أمر يجعل لفكر الخطيب التربوي أهمية خاصة ؛ فهو لم يقتصر
على مجرد اقتراح التوصيات أو تقديم الأفكار وطرح الآراء وإنما كان بمارس ويطبق آرا » في
في المعالجة يجعلها معبرة -بحق - عن الواقع التريوي والتعليمي للعصر الذي عاش فيه.
وقد أثرت شخصية الخطيب وفكره وآراؤه تأثيرا كبيراً في معاصريه وفيمن جاء بعده
من العلماء الأجلاء الذين نسجوا على منواله في التأليف واعتمدوا كتبه مصادر لمصنفاتهم؛
وقد استمر تأثير الخطيب رحمه الله في المتأخرين وإلى وقتنا الحاضر حتى أننا لا نكاد نجد
-وباعتراف كثير من الباحثين- دراسة أو بحثا إسلاميا يخلو من ذكر اسم الخطيب وأقواله..
ويكفي ذلك شاهدا على قدر الرجل وعلو مكانته العلمية التي جعلت العلماء يقولون فيه
اكل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه) .
ومع هذه الأهمية العلمية لفكر الخطيب ورغم استقطاب الخطيب لاهتمام العديد من
إلى ضخامة انتاج الخطيب وما كتبه في مجال التربية والتعليم الأمر الذي يعزز من أهمية
دراسة آراثه وأفكاره التربوية.
ويعتبر موضوح الفكر التربوي عند الخطيب موضوعا واسعا متشعبا ولذلك كان من
لحري بأكثر من باحث مؤهل أن يعمل فيه؛ ولكنني وقد اقتنعت بأهمية الموضوع استعنت بالله
وأدليت بدلوي في محيط هذا الفكره وأرجو من الله أن يعينني وأن يجعل التوفيق حليفي
أن يعفو عن (لأخطا ٠ والتقصير» وعن زلات القلم والتوهم والنسيان.
القد خاولت خلال فصول هذه الدراسة أن استكشف أهم آرا الخطيب والأفكار والمبادئ"
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثأر التي رواها الخطيب ؛ ثم من أقواله هو وتعليقاته
وآرائه التي حققها ورجحها مزيداً أو معارضاً. وقد تناول الخطيب العديد من مبادئ التربية
الاسلامية التي تميزت بالمرونة والتكامل والشمول لجميع جوانب الحياة الانسانية من عقيدة
صحيحة وعبادة خالصة لله تعالى وتعليم هادف وسلوك سوي مستقيم وتعاون على البر
والتقوى رعلاقات أسرية وإنسانية قوية متكافلة وتطبيق عملي هو بتعبير الخطيب (اقتضاء
العلم العمل) ؛ وأي انتقاص من ذلك التاكمل والشمول أو إتيان به على غير وجهه الصحيع
هو انتقاص من العملية التربوية والتعليمية عند الخطيب.
لقد أفاض الخطيب في ذكر كثير من المبادئ التربوية التي يمكن أن نذكر منها إلزامية
التعليم ومجانيته وتكافؤ الفرص التعليمية ومراعاة الفروق الفردية والتدرج ومبدأ التغيير
والتعليمية عند الخطيب وترابط أجزائها وشمولها لجوانب الحياة الانسانية في خصوصها
وتعتبر آراء الخطيب في كثير من هذه الجوانب من أفضل وأشمل ما كُتب في التربية
الاسلامية في زمانه فضلا عما لهذه التربية من جوانب واقعية مثالية تنبع من مصادر الاسلام
الأصلية وترتبط بالحياة والأحياء. ومهما 7 التخلف كبيرة -من بعض الوجوه- بين
من تجارب الآخرين فإن الأولى بنا أن تعمل بصدق على الاستفادة من تجارب سلفنا الصالح وما
قابليتها للتطبيق ومواحتها لشخضية المسلم ولروح الاسلام الأمر الذي نأمل -وفي ظل الجهود
المخلصة- أن يدي إلى عبور هذه الفجوة ومواجهة الأزمات والضغوط والتحديات الكثيرة
التي تجابه أمتنا العربية والاسلامية كل ذلك بالفكر الاصيل والعمل المخلص الدؤب والتخطيط
السليم توعية وتبصيراً للمسلم بقيمة فكره وأهميته وضرورة تلقيه له بالقبول وفهمه والدعوة.
إليه والالتزام يه
وقد جاءت الدراسة في فصل تمهيدي وأريعة أبواب بحيث تضمن الباب الأول ثلاثة
فصول رئيسية تناولت العوامل والقوى المزثرة في التربية إضافة إلى الحركة العربوية
والتعليمية بجانب سيرة الخطيب وحياته العلمية . وفي الباب الشاني تناولت الانجاه التريوي
الذي ينتمي إليه الخطيب بالاضافة إلى الاطار الفكري لمفهوم التربية وأهدافها وميادينها عند
الخطيب. أما الباب الشالث فقد تطرقت فيه لأهم الجوانب في التعلم والتعليم عند الخطيب.
وأخيراً الباب الرابع الذي تضمن مجموعة من الآداب والصفات والمظاهر التعليمية والسلوكية
المرعية من طالب العلم ومعلمه..
وبعد لعل في هذا الجهد العلمي المشواضع ما يشجع الباحشين ويدفع بطلاب العلم
الفقها ء والمحدثين إثراء للفكر وتسديدا له على طريق الحق وإلى صراط مستقيم.
مشكلة البحث وأهميته .
ويتضمن هذا الفصل الموضوعات التالية :
الفصل التمهيدي
: أهمية البحث .
: مشكلة البحسث .
: منهج البحث .
: مخطط الدراسة .
الفصلالتمهيدي
تقوم القيادات الفكرية بدور أساسي وبارز في توجيه حياة المجتمعات؛ فهي عقل
تي أهمية دراستها في إطار ظروف مجتمعها , ليتوفر للمجتمع -أي مجتمع
القيادات من جدية ومشابرة وعمق فكري واستجابتها لظروف عصرها.'.
والقيادات الفكرية تقدم النافع المفيد للذكر التربوي الذي يعتبر -بحق- صورة الأمة
الفكر الاسلامي, حتى أن التربوبين العرب يعرفون عن أعلام الفكر التريوي الغربي -مثلاً-
اكثر مما يعرفون عن أعلام الفكر التربوي الاسلامي. وما ذلك إلا نتيجة للقصور في هذه
الدراساتكما أشرناء
ومع أن الكشف عن تاريخ التربية الام لامية يعتبر أمرا بالغ الأهمية وخاصة فيما
يتعلق منه بدراسة الفكر التربوي للقيادات الفكرية الإسلامية. بإن أهم المشكلات التي تواجه
أي باحث في هذا المجال أن المادة الخام التي تعتير مصدر كتابة هذا التاريخ. لا توجد جاهزة
بالرغم من أن التربية مجال اهتمام المذكر والانسان العادي على السواء؛ ولذا كان لابد من
الاهتمام بتتبع هذه التربية وفكرها لتكوين صورة جيدة متكاملة عنها ؛ ومن ثم علاع النقص
البادي في هذا الجال منجهة » وحتى يبدو هذا الانتاج المتصل بالتربية مينياً على أسس
)١( انظر : عبدالرحمن فلسفة التربية عند ابن سينا. القاهرة: دار الثقافة للطباعة.
والنشر؛ 1484م؛ ص؟؛ © من مقدمة سعيد اسماعيل علي.
)١( عبدالبديع عبدالمزيز عمر الخولي: الفكر التريوي في الاتدلس (607- 8لاعهاء طلا
القاهرة: دار الفكر العربي ١ 1486م صن"
ونظراً لأن العمل كبير في هنا المجال فقد حاول الباحث أن يقصر اهتمامه في هنا
البحث على علم من أعلام مدرسة الفقهاء والمحدثين في القرن الخامس الهجري؛ والتي تعد من
والدولة. بحكم ما للحديث الشريف والعلساء القائمين عليه من منزلة عند المسلمين. وقد
وبعد الخطيب البغدادي (347- 197 ه) أحد أبرز علماء هذه المدرسة وأبعدهم
تأثيراً في معاصريه وفي الأجيال التالية له من علماء الحديث. وقد أثنى عليه كثير من
العلماء (القدامى والمحدثين) باعتباره علما بارزا من أعلام الفكر الاسلامي.
يذكر الحافظ ابن حجر المسقلائي عن الحافظ أبي بكر بن نقطة الحنملي قوله: كل
من أتصف علم أن امحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه'' . ويقول السمماني عنه: وكان
الحفاظ» "'. ويقول عنه ابن خلكان إنه و أحد الحفاظ المتقنين. والعلماء المتبحرين. وفضله
أشهر من أن يوصف».!"'
ويقول ابن عساكر !: « أحد الأئمة المشهورين ؛ والمصنفين المكثرين. والحفاظ المبرزين؛
ومن خُتم به ديوان المحدثين»" ". وبصفه ياقوت الحموي بأنه كان في درجة الكمال. اكتسبت
)١( ابن حجر المسقلاتي نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر -ط1ء القاهرة: دار
ف أبرعبدالله شمس الدين محمد الذهبي : تذكرة الحفاظ . ج ا ببروت: دار إحياء التراث
العربي (ب.ت) صة”١١-
00 أبوالعباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء
الزمان: ج١١ (تحقيق إحسان عباس) بيروت : دار عادر (باءات ١) 41
)2 أبوالقاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبدالله الشافعي المعروف باين عساكر: تاريخ مديئة
دمشق. ج؟ (تحقيق عبدالغني الدقر؛ ومراجعة مطاع الطرابيشي)؛ (ب. ت) . ص١1
الشكل والضبط؛ قارنا للحديث فصيحاً. وكان في درجة الكمال والرتبة العلا خلقا وخلقا.
ويظهر من هذه الأقوال وغيرها سعة علم الخطيب واطلاعه. والاتفاق على توثيقه
وضبطه وجودة بفه؛ كما يظهر الاتفاق على تلقيبه بالحافظ وإمام العصر وخاتمة الحفاظ»؛
وكفي بذلك شهادة على معرفة قدر الرجل في الحفظ والعلم وجودة التصنيف الذي هيا الله له
وقد احتل الخطيب مكانة بارزة في أبحاث الدارسين؛ التي كشفت عن جوانب عديدة
ويعكس هذا الفصل أهسية البحث إضافة إلى مشكلة البحث ومنهجه والدراسات
أولاً : أهمية البحث :
رغم تنبيه بعض الباحنين على أهمية دراسة آراء الخطيب التريوية والتعليمية'"'» فإن
مجال التربية والتعليم؛ مما يعد -في حد ذاته- حافزاً للاهتمام با جانب التربوي والتعليمي من
وما يعزز أهمية هذا البحث ويؤيدها أن الرجل مارس التعليم والتدريس فترة طويلة
تقديم الأفكار وطرح الآراء وإقا كان بارس ويطبق آرا« في المجال التعليمي؛ الأمر الذي
التربوي والتعليمي لعصره من جهة ثانية.
+" ١ص ياقوت الحموي : معجم الأدياء. ج6+ رت: دار إحيا ء التراث العربي؛ (ب. ت)؛ )١(
)١( أنظر : الخطيب البغدادي : الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع؛ ج١١ (تحقيق محمود
«التعلم عند الخطيب البغدادي مبادثه ومحدداته». رسالة الخليج العربي. العدد العاشر. السنة
الثالثة, الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخليع؛ 2١٠ اد/ “أخفخام؛ ص؟ 7+
لقد كان للخطيب باع طويل في إبدا » النصائح وطرح الآراء والأفكار التريوية العملية
والخلقية؛ وهو كأحد «العلماء القدامى وإن لم يكثروا من التآليف الملخصصة في مصنفات
منفردة إلا أن توجيهاتهم -التريوية- ظهرت في أغلب مؤلفاتهم في شتى العلوم». "١!
وللخطيب كتب مخصصة للتربية والتأديب. مثل كتاب «الجامع لأخلاق الراوي وآداب
السامع». وكتاب و١ » «الرحلة في طلب الحديث» و «تقييد العلم» و«اقتضاء
العلم والعمل» وغيرها. ويمكن أن نقول إن الخطيب قد أثر بكتبه الكثيرة تأثيراً إيجابياً
واضحاً في الانتاج الفكري والتربوي لطائفة من العلماء الكبار. والمربين الأفاضل الذين جاوا
بعده؛ وكانت لهم أنساق تربوية وتعليمية متكاملة مثل السمعاني والزرنوجي وابن جماعة
واستنادا إلى ماتقدم يمكن القول بأن الخطيب البغدادي كان يحتل مكانة مرموقة بين
والتي ساهمت في إعطاء التربية تعريفاً وأهدافاً ومقاصد واضحة. وكرست العمل التريري لبناء
الانسان المسلم الصالع الذي ينهض بأعباء العلم والتعليم والعمل من أجل تقدم الملجتمع
وقد أملت هذه الحقائق اعتبارات معيئة شدت اهتمام الباحث إلى دراسة فكر الخطيب
0 أن الخطيب احتل مكانة بارزة في أبحاث الدارسين التي كشفت عن جوانب عديدة من
)١١ أن أحياً لم يدرس فكر الخطيب التريروي تلك الدراسة المتكاملة التي توضع ابعاده
الكاملة في إطار شامل متكامل.
)١( ابن الجوزي : لفته الكبد في نصيحة الولد؛ (قدم له وعلق عليه مروان قيان) ط١ - بيروت:
المكتب الاسلامي؛ 07 14ه/ 1487م؛ ص من مقدمة مروان قبان.
0 أبن جماعة : تذكرة المسامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم. (تحليل وتعليق عبدالأمير
شمس الدين) ط١؛ بيروت: دار اقرأء اه/ 484١م ص١ من مقدمة عبدالأمير شمس