ثم علينا أيضا أن نستنبت المصطلح في لغتنا العربية ذات البيان والقدرة على
آثار الهزيمة النفسية والحضارية من جهة اخرى..
البحث فيه ذكر بعض الحقائق..
إذ يمكن تناول التعامل مع هذا القسم على ثلاثة مستويات:
* مستوى المعرفة الإنسانية والتجارب البشرية؛ فهذا متاح وهو ضمن منهج
الاعتبار والسير في الأرض الذي أمر الله به عباده. فالتجارب البشرية ملك لكل
معتبر» يأخذ منها المسلم ما يثبت عنده صوابه ويثمر في بيثته دون إشكال.
* ومستوى اقتباسه ووضعه موضع التطبيق بحذافيره رغبة واختيارا وهنا يظهر
عدة إشكالات منها:
© إشكالية المنهج المغاير والبناء القيمي والمعرني..
© إشكالية الخصوصية المرتبطة بالسياق التاريخي الذي فيه تولدت
الخبرة وبني عليه المصطلح» ومدى مناسبة هذا للواقع عمونا
ولواقعنا نحن على وجه الخصوص.
© إشكالية اللغة وإمكانية الترجمة عنها بدقة وأمانة دون إخلال أو
© إشكالية الالتباس الحاصل نتيجة المفارقة بين الظاهر والباطن أو بين
الفكرة والتطبيق» أو بين المعلن والمخفي» أو بين تعدد المفاهيم دون
جامع بحيث تحمل الشيء ونقيضه في ذات المصطلح.
* أما المستوى الثالث فيتعلق بعولمة هذه المصطلحات وفرضها كنماذج تهيمن
على ثقافات الأمم وتتحكم في مصائر الشعوب ولمجتمعات. دون أن يكون
لأحد حق الاعتراض أو الرفض.. وتوظيفها في سياق مد استعماري بأدوات
وأشكال جديدة.
وقد كان التخوف من هذا المستوى مجرد حذر وكلام فيما قبل.. لكن بعد
أن رأينا آثاره في مجتمعاتنا في بضع سنين - رأي عين - من تعقيد وإشكال بل
وتضليل وتلبيس تجعل رفضها من طبيعة العقلاء فضلا عن كونه مطلبا دينيا
شرعياء ومن هنا ينبغي أن يكون للتعامل مع مثل هذه المصطلحات شان أعمق
وهم أهم..
إن المصطلح يلخص في بنائه واستخدامه ثلاث وظائف حضارية غاية في
الأهمية والخطورة:
وظيفة اللغة في قدرتها على حفظ المعارف والخبرات؛ والتعبير عن المعاني
والمعارف والعلوم من أقصر طريق. وضبط الدلالة كصلة بين اللفظ والمعنى؛
على نحو يقلل الخلاف. ويؤالف بين الأفهام.. بما يسهل عملية التواصل
والتفاهم داخل أفراد المجتمع من جهة؛ وبين الأجيال من جهة اخرى بما يعني
استمرار الفعل الحضاري في اتجاه مستقيم ودون انحراف أو انقطاع..
وظيفة القيم وما تحمله من حكم ضمني أو صريح على كثير من المعاني»
فلا يمكن أن يصاغ المصطلح دون اعتبارهاء والمصطلحات غالبا ما تختزن
قيمة إلى جوار المعرفة أو ضمنهاء خاصة فيما يتعلق بالعلوم الشرعية
وظيفة الفكر وما يجمله من إبداع في إدراك المعاني وإنتاج المعرفة في غتلف
مجالات العلوم؛ والقدرة على مواكبة المستجدات وفق ذاتية حضارية تتمحور
حول قيمة كبرى وتنتظم حولها قيم أدنى فأدنى تنسج جيعها حركة دائبة في
سبيل بناء الحضارة والعمران على شاكلة تلك القيمة الكبرى.
ومن هنا فإن إشكالية المصطلح لدينا اليوم تعرب عن جوهر أزمة يعانيها
العقل» ويمارسها اللسان. وتحمل خلفيات التاريخ» وتحدد تقاسيم الهوية ومسار
إن الانفتاح الثقافي وما جره من سيولة؛ وسهولة في التقليد والمحاكاة من
جانب» وإحكام الحيمنة والسيطرة من جانب آخر.. يمثل اليوم تحديا بقدر ما يمثل
المبدعة والقدرات الجادة في سبيل بناء فعل حضاري شاهد لا يقف عند حد
الممائعة بل يتجاوزها لإعادة الاعتبار للغة فتية عصية على التجاهل أو النسيان»
ولمنهج بإمكانه ان يحدث طفرة الإيمان. ويقدم نموذج العلم والمعرفة الصالح
الذي يعطي لكل ذي حى حقه بالعلم والعدل لا أن يغتصب الحقوق باسم العلم
والعدل - كما فعل الغرب بعلمانيته حين انقلب على الدين- وقد اغتصبها من
قبل باسم الدين..
أما «النسخ المصطلحي» الذي تستهدفه الأجندة الأممية فهو الطريق الأقصر
للتبعية؛ والهيمئة المصطلحية هي السبيل لتغيير طبيعة الجسد ليتحول من خلايا
طبيعية إلى طبيعة هادمة.
وليس الأمر يقف عند التبعية وإنما يفتح الباب أمام حالة من الفوضى القيمية؛
اجتثاث معالم الفطرة في أعماق النفوس وهذا ما ينبغي بحثه والتأكيد عليه.
ومن هنا فإن النماذج الي طرحت في هذا الكتاب هي ناذج للتحليل
توصّل من خلالها الباحث إلى نتيجة هامة؛ وهي أننا لسنا أمام مجرد غزو ثقاني
عرفناه حينا من الزمن فيما قبل» وإنما أمام استعمار يستهدف بنية الهوية
وتحاول قوى دولية جاهدة أو عابثة - فرض أنماطها وتقاليدها وخبراتها
وفي سبيل هذا توظف فوى العولة من أجل بسط سيطرتها اللغوية
والمفاهيمية على الشعوب المستضعفة من أجل ما يزعم أنه توحيد لنمط السلوك
والإدراك على مستوى العام لكن الواقع يشهد بحالات من الفوضى والتشظي
والتشرذم والتمحور حول انماط وضيعة من القضايا. وكان قوى العولمة قد
أفلحت في شيء واحد هو امتلاك آلبات تفكيك المجتمعات باسم الحرية والمدنية؛
وتخليفها باسم التقدم..
إن إعادة تعريف الأشياء وفق الأجندة الأممية هي بالمنطوق الحداثي: إعادة
إنتاج الثقافة على النحو الذي تصممه الأهواء العولية دون أن يكون لذلك
صلة بدين أو عرف أو رصيد حقيقي من التجارب التي تحترمها البشرية بالسليقة
مهما خالفتهاء فتستحيل هذه الأجندة هيمنة تجعل من ثقافة الأمم المستلبة
مسخاء هذا النموذج هو الممهد للاستعمار العسكري بل قد لا تكون هناك
حاجة لدور الآلة العسكرية حين تنتزع القوة وتستلب الهوية..
هل نحن أقوى من فرنسا التي ثارت ثاثرة رئيسها لمجرد استخدام دبلوماسي
فرنسي للإنجليزية في محفل دولي وهي لغة قريبة النسب باللغة الأم؛ وهذا بلغ
الشعور بالإهانة مداه فانسحب لا يلوي على شيء؟
المصطلحات التي ينبغي التحذير منهاء لأنها تسعى لإنتاج رؤى لم تعرفها
البشرية من قبل في احط عصورهاء لم تنتجها معرفة وإنما تمنتها أهواء فكانت
على النحو الذي تمنته؛ ولأنها تستهدف إعادة تعريف مفردات حقائق الوجود
وهذا الكتاب يمثل إسهاما جادا في هذا الباب كشف به الباحث عن جهود
عقود طويلة من الاستشراق في تغيير دفة الحياة في عالمنا العربي والإسلامي كان
مدخلها اللغة؛ ثم انبنى عليها سلسلة طويلة من الاستهداف» وقد بدأنا نلمس
تغييرا يُعجز المراقب إدراكه - فضلا عن التعامل معه - خاصة حين لا يدرك
إن المسلم بذاته مدعو إلى الحق أينما كان موجه نحو الحكمة حيثما كانت»
مستقر في روعه أنه أحى الناس بهاء شعاره قول البي صلى الله عليه وسلم بين
يدي صلح الحديبية: «والذي نفسي بيده؛ لا يسألوني خطة يعظمون فيها
لكن المشكلة التي بين أيدينا هي في المشتبه الذي لا يعلمه كثير من الناس»
فعلى المقتصد أن يسد بابه وعلى المحسن أن يعرف وينكر ويأخذ ويترك..
وعلى الله قصد السبيل..
فإن قضية المصطلح قضية محورية في أي ثقافة من الثقافات؛ تعكس منهجية
التعامل معها في توليدها وضبطها والمعايير التي تحكمها.. مدى اتساق تلك
بقية الثقافات.
ولهذا فإن التعامل مع المصطلح توليدا واستخداما ودراسة وتناولا» لا تقف
بنا عند مجرد الحدود اللغوية للمصطلح» إذ إنه فوق ما يجمله من معنى ذي دلالة
على ذات أو حال أو ظاهرة» يعبر عن جملة من المضامين المشكلة وفق ثقافة
صائغي المصطلح. وبالتالي فإن النظر للمصطلح يكون إلى المعني والمدلول كما
يكون إلى اللفظ والمنطوق.
وقد كان المسلمون أمة المصطلح إبداعا وتوليدا واشتقاقا وبياناء ووصفا
وقد أكسبهم القرآن صنعة بيانه؛ ودقائق منهجه؛ وطرائق استدلاله؛ وقد كانوا
قبل ذلك أمة البيان.
وامتازوا بإعمارهم الأرض بمنهج الله الذي خلق كل شيء؛ هذا المنهج الذي يراعي
الفطرة وينمي الخير» ويبذل السعادة لكل أهل هذه البسيطة.
وقد كان التعامل مع المصطلح في الحضارة الإسلامية مبنيا على العلم
والعدل اللذين هما أساس كل خيرء بما يجعل أهل الإسلام يتوخون هذين
المعنيين داثماء ويجرصون على التميز عبرهماء وهو ما يجعل مسالة الاجتهاد
لديهم مرتبطة بتحقيق هذين الأمرين..
ولما كانت الثقافات الأخرى متفاوتة في التحقق بهما كان ولا بد من التوقف
عبر ما ينقل عنها من علوم ومعارف» وعلى رأسها المصطلحات. لأنها بجملة
تعد من أخص خصائص أي ثقافة لما تتضمئه من طبع المعارف بطابعها وسيماهاء
غير متضمن لمعنى فاسد؛ فإذا ما تحققت المصطلحات بالعلم والعدل وجدوا في
أنفسهم أنهم أحق بهاء لما طبعوا عليه من حرص على الخير والنفع للناس.. وإن
عن البيئة الإسلامية المشكّلة لشخصية المسلم ومجتمعه؛ هذه المصطلحات وفات
منهاء وإنما نقدم دراسة حالة لأربعة منها يمكن أن ترتب لنا الرؤية في التعامل مع ما
وتكشف لنا هذه النماذج الأربعة عن حالة الخطر الذي من الممكن أن تمثله
مثل هذه المصطلحات على الهوية الإسلامية.
ومعلوم أن المصطلحات الغربية نشات في بيئة مغايرة للبيئة الإسلامية؛ وقد
أفرزتها الثقافة الغربية لتناسب ظروفها وسيرورة شعوبها لمواجهة تحديات معيئة
فرضتها عليها مسيرتها التاريخية؛ ولم تعرفها الحضارة المسلمة في تاريخها إلا مجرد
حكاية عن الغرب.
وقد يكفي دراسة المصطلح في إطار مرجعيته التي نشا في احضانها في تفهمنا
لكثير من الإشكاليات؛ التي تتولد في حال التقليد الحرفي أو الاقتباس» ودراسة
المصطلح حين لا يجاوز حدود ثقافته؛ هو باب دراسة التطور الثقافي لمجتمع ما
للإفادة من الربط بين الأسباب والمسببات؛ أما حين يطرق بابنا فمن الطبيعي أن
وبالأخص حينما يراد لمضامين المصطلح أن تهيمن على ثقافتناء بزعم أنه
مصطلح عولمي يصلح للبشرية جمعاء؛ وبخصوص إذا ما مس بمفاهيمه ومضامينه
البنيان العقدي والنظام التشريعي للمجتمع الإسلامي - بل قد يستهدفه أحيانا -
واسعًا في الفترة الأخيرة وذلك بعد انتقالها إلى العالم الإسلامي عبر وسائل
فالخصوصيات في هذه الحالة تكون تابعة؛ وإن لم تفعل الدول ذلك فستكون
وهذا الأمر وإن كان اكتسب مساحة بين بعض شعوبنا بكثرة الطرق عليه؛
إلا أنه مردود؛ وذلك لأن واقع الاتفاقيات غير إلزامي بدليل عدم التزام أمريكا
والكيان الصهيوني بهاء بل وبقرارات مجلس الأمن التي هي أعلى من اتفاقيات
الأمم المتحدة.
إن الواقع يشير إلى أن العالم العربي هو الأكثر تأثراء لأن دوله هي أكثر
الدول التي سارعت للتوقيع على معظم الاتفاقيات الدولية. وهم أكثر حرصًا
من الغرب نفسه على تطبيق الاتفاقيات بحذافيرهاء تحت زعم الخورف من
ظاهرها إلزامية فإنه ينبغي التحرر من آية موازنات سياسية عند التوقيع عليهاء
مع نزع هاجس الإلزام والعقوبات من النفس» وذلك في حالة اصطدام مضامين
والكتاب الذي بين أيدينا وهو يحاول الاقتراب من قضية المصطلح الوافد
وأثره على الهوية الإسلامية بصورة منهجية وموضوعية؛ يدرس من خللمها
مفهوم المصطلح ويقرر أدوات تفكيكه؛ ويعرف بمنهج الإسلام في التعامل مع
المصطلحات الوافدة؛ وكيف تعامل علماء المسلمين معهاء والشروط التي
وضعوها لقبول المصطلح الوافدء ويتأمل في استخدام الغرب المصطلحات كآلية
من آليات نشر ثقافته. ليحاول بعد ذلك تحليل أبرز مصطلحات الحقيبة العولمية
وهي (حقوق الإنسان- تحرير المرأة - المجتمع المدني- الأصولية) وذلك بتبيان
ظروف نشأة كل مصطلح في بيئته الغربية. وتفكيك المصطلحات للتعرف على
مضامينها وتوضيح أثرها على الهوية الإسلامية؛ وذلك وفق المصادر البحثية