والأشياء المفردة الكثيرة إنما تصير صنائع بأن تحصر في قوانين
تحصل في نفس الإنسان على ترتيب معلوم وذلك مثل الكتابة والطب
والفلاحة والنجارة وغيرها من الصنائع كانت عملية أو نظرية
وكل قول كان قانوناً في صناعة ما ؛ فإنه معد بما هو قانون لأحد
ما ذكرنا أو لجميعه
فلذلك كان القدماء يسمون كل آلة عملت لامتحان ما عسى أن
يكون الح قد غلط فيه من كمية جسم » أو كيفيته ؛ أو غير ذلك مثل
الشاقول » والبركار » والمسطرة » والموازين - قوانين 9
ويسمون أيضاً جوامع الحساب + وجداول النجوم - قوانين!" :
والكتب المختصرة التي جعلت تذاكير الكتب الطويلة قوانين ؛ إذا
ونرجع الآن إلى ما كنا فيه فنقول :
إن الألفاظ الدالة فى لسان كل أمة ضربان : مفردة ومركبة
فأما المفردة : كالبياض ٠ والسواد » والإنسان » والحيوان
والمركبة : كقولنا الإنسان حيوان » وعمرو أبيض ("
٠ القانون : آلة لقياس الأشياء مثل الميزان والمسطرة والشاقول »١(
() القاتون : قواعد العلم مثل جوامع الحساب + وجداول النجوم هذه هي المعاني
التي أعطاها الفارابي لكلمة قانون أما المعجم فيقول إن القانون يعني الأصل
ومقياس كل شيء ؛ وإحدى آلات الطرب » ومجموعة الشرائع والنظم التي
تنظم علاقات المجتمع ٠
(©) يستعمل الفارابي المصطلح الفلسفي + لا اللغوي وهو يعني بالألفاظ المركبة
الجملة + أو الكلام المركب من عدة ألفاظ
فالمفردة : منها ما هي ألقاب أعيان 0١7 ؛ مثل زيد وعمرو؛ ومنها
ما يدل على أجناس الأشياء وأنواعها » مثل الإنسان » والفرس»
والحيوان » والبياض » والسواد !9
والمفردة الدالة على الأجناس والأنواع : منها أسماء؛ ومنها
كل ٠ ومنها أدوات
ويلحق الأسماء والكلم » التذكير والتأنيت » والتوحيد والتثنية
والجمع ويلحق الكلم خاصة الأزمان » وهي الماضي والحاضر
والمستقبل
وعلم اللسان عند كل أمة ينقسم سبعة أجزاء عظمى :
علم الألفاظ المفردة ؛ وعلم الألفاظ المركبة » وعلم قوانين
الألفاظ عندما تكون مفردة » وقوانين الألفاظ عندما تركب » وقوانين
تصحيح الكتابة » وقوانين تصحيح القراءة » وقوانين تصحيح الأشعار
فعلم الألفاظ المفردة الدالة : يحتوي على علم ما يدل عليه لفظة
لفظة من الألفاظ المشردة الدالة على أجناس الأشياء » وأنواعها»
() ألقاب أعيان : أسماء علم
() النوع » في علم المنطق » معنى كلي ينطبق على أفراد كثيرين ؛ مثل إنسان »
فرس ؛ والجنس معنى كلي يضم عدة أنواع مثل الحيوان وهما إثنان من
الكليات الخمى أما في علم اللغة فلا يوجد سوى اسم جنس واسم علم
واسم الجنس هو اسم كل ما ليس علماً
(©) يعني بالكلم الأفعال وقوله : إن الألشاظ المشردة الدالة على الأجناس والأنواع
منها أسماء ومنها كلم أو أفعال ومنها أدوات » غير دقيق لأن الأفمال لا تدل
على الأجناس والأنواع
والغريب منه ؛ والمشهور عند جميعهم 9(
وعلم المركبة : هو علم الأقاويل التي تصادف مركبة عند تلك
علم قوانين الألفاظ المفردة
وعلم قوانين الألفاظ المشردة ( : يفحص أولاً في الحروب
العجمة عن عددها ؛ ومن أين خرج كل واحد منها في آلات
التصويت وعن المصوت منها وغير المصوت ؛ وعما يتركب منها في
ذلك اللسان » وعما لا يتركب » وعن أقل ما يتركب منها حتى حدث
عنها لفظة دالة ؛ وكم أكثر ما يتركب » وعن الحروف الذاتية التي لا
تتبدل في بنية اللفظ عند لواحق الألفاظ من تثنية وجمع وتذكير
وتأنيث » واشتقاق » وغير ذلك وعن الحروف التي بها تقاس الألفاظ
عند اللواحق + وعن الحروف التي تندغم عندما تتلاقى
)١( هذا هو علم المعاجم اللغوية وهذا العلم أسسه الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي
عاش قبل الفارابي بقرنين من الزمان » أي في القرن الثاني للهجرة
)0 هذا هو علم الأدب الذي يتقسم إلى فنين رئيسين هما الشعر والنشر ونجد في
كتاب البيان والتبيين للجاحظ مختارات من النثر والشعر في غاية البلاغة والجمال
زرف العلم الذي يدرس قوانين الألفاظ المفردة يدعى « فقه اللغة » وهو يدرس حروف
اللغة وأصواتها ؛ والاشتقاق وقوانيئه » وأنواع الجمل؛ والتغيير الذي بطرأ على
الألفاظ وأسبابه
ثم من بعد هذا يعطي قوانين أمثلة الألفاظ المفردة » ويميز بين
الحالات الأولى التي ليست هي مشتقة عن شيء ؛ وبين ما هي مشتقة؛
ويعطي أمثلة أصناف الألفاظ المشتقة » ويميز بين الحالات الأولى وبين ما
هي منها مصادر » وهي التي منها يعلم الكلم عما ليس بمصدر ؛ وكيف
تغير المصادر حتى تصير كلماً ؛ ويعطي أصناف أمثلة الكلم وكيف
يعدل بالكلم حتى تصير أمراً ونهياً ؛ وما جانس ذلك في أصناف
كميتها ؛ وهي الثلاثية والرباعية » وما هو أكثر منها ؛ والمضاعف عنها
وغير المضاعف وفي كيفيتها ؛ وهي الصحيح منها والمعتل 6 ويعرف
كيف يكون ذلك عند التذكير والتأنيت » والتثنية والجمع ؛ وفي وجوه
ثم يفحص عن الألفاظ التي عسر النطق بها أول ما وضعت ؛ فغيرت
حتى سهل النطق بها
علم قوانين الألفاظ المركبة
وعلم قوانين الالفاظ عندما تتركب 0١9 ضريان :
أحدهما يعطي قوانين أطراف الأسماء والكلم عندما تركب أو
ترتب
)١( يعني بعلم قوانين الألفاظ المركبة : علوم الصرف والنحو والبيان وعلم النحو
يدعوه الفارابي علم قوانين الأطراف : والأطراف أو أواخر الكلمات والأسماء
يطرأ عليها تغيرات تدعى الإعراب من نصب ورفع وخفض وجزم ؛ وقد تكون
ثابتة أو مبنية» فلا يطرأً عليها تغيير والتغيير » تغيير الأطراف يطرأ على الأسماء
والكلم أو الأفعال أما الأدوات أو الحروف فلا تتغير
والثاني يعطي قوانين في أحوال التركيب والترتيب نفسه »كيف
هي في ذلك اللسان » وعلم قوانين الأطراف الخصوص بعلم النحو :
فهو يعرّف أن الاطراف إنما تكون أولاً للأسماء ؛ثم الكلم ١ وأن
أطراف الأسماء منها ما يكون في أوائلها » مثل ألف لام التعريف في
العربية » أو ما قام مقامها في سائر الألسنة ؛ ومنها ما يكون في نهاياتها
وهي الأطراف الأخيرة » وتلك هي التي تسمى حروف الإعراب وأن
للأسماء والكلم هي في العربية : مثل التنوينات الثلاث » والحركات
الثلاث » والجزم » وشيء آخر إن كان يستعمل في اللسان العربي
طرفاً » ويعرف أن من الألفاظ ما لايتصرف من الأطراف كلها »بل إنما
هو مبني على طرف واحد فقط في جميع الأحوال التي ينصرف فيها
غيره من الألفاظ » ومنها ما لاينصرف في بعضها دون بعض ء ومنها
ما يتصرف في جميعها ؛ ويحصي الأطراف كلها ويميز أطراف الأسماء
من أطراف الكلم » ويحصي جميع الأحوال التي ينصرف فيها الكلم
ثم يعرف في أي حال تلحق كل واحد أي طرف ٠ فيأتي أولاً على
أخصها حال حال من أحوال الأسماء الموجودة المنصرفة التي يلحقها في
كل حال طرّف ما من أطراف الأسماء ؛ ثم يعطي مثل ذلك في الأسماء
المثناة والمجموعة ثم يعطي مثل ذلك في الكلم الموجودة في المثناة
والمجموعة ؛ إلى أن يستوعب الأحوال في التي يتبدل فيها على الكلم
أطرافها التقي حصلت لها ثم يعرف الأسماء التي تنصرف في بعض
الأطراف » وفي أنها تنصرف » وفي أنها لاتنصرف ؛ ثم يعرف الأسماء
وأما الأدوات : فإن كانت عادتهم أن تكون كل واحدة منها مبنية
في شيء من الأطراف » عرف كل ذلك فإن كانت قد توجدلهم
ألفاظ شك في أمرها هل هي أدوات أو أسماء أو كلم »أو كان قيل فيها
إن بعضها يشاكل الأسماء ؛ وبعضها يشاكل الكلم ؛ احتاج أن يعرف
ما من هذه يجري مجرى الأسماء ؛ وفي ماذا ينصرف من أطرافها وما
منها يجري مجرى الكلم ؛ وفي ماذا يتصرف من أطرافها
وأما الضرب الذي يعطي قوانين التركيب )١( نفسه فإنه يبين أولا
كيف تتركب الألفاظ وتترتب في ذلك اللسان ؛ وعلى كم ضرب حتى
تصير أقاويل ثم يبين أيها هو التركيب والترتيب الأفصح في ذلك
اللسان :
علم قوانين الكتابة وتصحيح القراءة
وعلم قوانين الكتابة : يميز أولاً ما لايكتب في السطور من
حروفهم وما يكتب (" ثم يبين عما يكتب في السطور كيف سبيله
أن يكتب
)0 يقصد بعلم قوانين تركيب الألفاظ نفسه علم البيان أو علم البلاغة واللافت
للنظر هو أن الغارابي لم يستعمل أسماء هذه العلوم التي كانت قد تكونت في
زمانه مثل علم البيان » وعلم المعجم الخ ٠
(7) مايكتب في السطور وما لايكتب : ما يكتب هو الحروف ؛ وما لا يكتب هو
الحركات كالفتحة والضمة والكسرة والسكون وفي زمن الفارابي كانت بعض
الحروف لا تكتب مثل الألف والواو مثل « بسم الله الرحمن الرحيم ؟ ٠
وعلم قوانين تصحيح القراءة : يعرف مواضع النقط0
والعلامات التي تجعل عندهم لما لا يكتب في السطور من حروفهم؛ وما
يكتب ٠ والعلامات التي تميز بين الحروف المشتركة ؛ والعلامات التي
لبعض ؛ والعلامات التي تجعل عندهم لمقاطع الأقاويل )١( وفييز
علامات المقاطع الصغرى من علامات مقاطع الوسطى والكبرى » وبين
علامات رداءة الألفاظ والأقاويل المرتبطة التي بمعنى بعضها + وخاصة
إذا تباعد ما بينها ٠
علم الاشعار
وعلم الأشعار على الجهة التي تشاكل علم اللسان ثلاثة :
إحصاء الأوزان المستعملة في أشعارهم كانت الأوزان بسيطة
أو مركبة + ثم إحصاء تركيبات الحروف المعجمة التي تحصل عن صنف
صنف منها» ووزن وزن من أوزانهم وهي التي تعخرف عند العرب
بالأسباب والأوتاد (؟) وعند اليونانيين بالمقاطع والأرجل ؛ ثم الفحصض
٠ يعني بها النقط التي تميز الحروف )١(
٠ علامات الوقف كالنقطة والفاصلة والقاطعة والاستفهام والتعجب الخ )(
أوزان الشعر المعروفة ستة عشر وزناً » اخترع الخليل بن أحمد الفراهيدي خمسة )©(
٠ عشر منها + واستدرك الأخحفش « المتدارك ؟
السبب في علم العروض مقطع مؤلف من حرفين متحركين ( سبب ثقيل ) أو (0)
حرف متحرك وآخر ساكن ( سبب خفيف ) أما الوتد فمقطع مؤلف من ثلانة
٠ ) حروف : متحركين فساكن » أو متحرك فساكن فمتحرك ( الوتد المفروق
عن مقادير الأبيات والمصاريع 0( ومن كم حرف ومقطع + ثم بيت
بيت في وزن وزن ثم يميز الأوزان الوافية من الناقصة » وأي الأوزان
أبهى وأحسن وألذ مسموعاً ٍ
والجزء الثاني - النظر في نهايات () الأبيات في وزن وزن نيما
محفوظاً في القصيدة » وكم أكثر الحروف التي تكون نهايات الأبيات
عندهم » ثم تعرف التي هي بحروف كثيرة هل يجوز أن يبدل مكان
يجوز أن يبدل بحرف مساو له في الزمان
والجزء الثالث يفحص عما يصلح أن يستعمل في الأشعار من
فهذه جمل ما في كل واحد من أجزاء علم اللسان
المصاريع : جمع مصراع : وهو نصف البيت من الشعر )١(
(؟) النظر في نهايات الأبيات : دراصة القوافي لأن القافية هي آخر البيت تمتد من
الروي أو آخر حرف من الكلمة الأخيرة إلى الساكن الذي قبله مع المتحرك الذي
يسبة
الفصل الثاني
في علم التلى
عنوانه (0 » ثم نحصي أجزاءه ؛ وجمل ما في كل واحد منها
حد المنطق
فصناعة المنطق تعطي جملة القوانين التي شأنها أن تقوم العقل
وتسدد الإنسان نحو طريق الصواب » ونحو الحق في كل ما يمكن أن
يغلط فيه من المعقولات ؛ والقوانين التي تحفظه وتحوطه من الخطأ والزلل
والغلط في المعقولات ؛ والقوانين التي يمتحن بها في المعقولات ما ليس
يؤمن أن يكون قد غلط فيه غالط (© وذلك أن في المعقولات أشياءً
)١( معنى عنوانه :معنى لفظه ؛ أي ماذا تعني لفظة منطق ؟
أعظم من الجزء
فطرت على معرفتها واليقين بها مثل : أن الكل أعظم من جزئه ؛ وأن
كل ثلاثة فهو عدد فرد
وأشياء أخر يمكن أن يغلط فيها ويعدل عن الحق إلى ما ليس بحق
وهي التي شأنها أن تدرك بفكر وتأمل » عن قياس واستدلال 9
الحق اليقين في مطلوباته كلها إلى قوانين المنطق
ٍ وهذه الصناعة تناسب صناعة النحو : وذلك أن نسبة صناعة
المنطق إلى العقل والمعقولات كنسبة صناعة النحو إلى اللسان والألفاظ
فكل ما يعطيناه علم النحو من القوانين في الألفاظ » فإن علم
المنطق يعطينا نظائرها في المعقولات (")
وتناسب أيضاً علم العروض : ف إن نسبة علم المنطق إلى
المعقولات كنسبة العروض إلى أوزان الشعر (4)
وكل ما يعطيناه علم العروض من القوانين في أوزان الشعر فإن
علم المنطق يعطينا نظائرها في المعقولات ٍ
0 القياس أحد أنواع الاستدلال الثلاثة وهي : القياس أو الاستتتاج » والاستقراء
والتمثيل
المعارف التي يحصل عليها المرء بالاستدلال والتفكر والتأمل :
9 يريد أن يقول إن نسبة علم المنطق إلى المعقولات كنسبة علم النحو إلى اللغة
)0( يريد القول إن نسبة علم المنطق إلى المعقولات كنسبة علم العروض إلى أوزان
اشر إنه أداة نعرف بها صحة المعاني العقلبة وخطأها » كما أن العروض أداة
تعرف بها صحة أوزان الشعر أو اختلالها » وكما أن النحو أداة نعرف بها صحة
اللغة أو غلطها
ما لايؤْسن أن يكون العقل قد غلط فيه أو قصر في إدراك حقيقته تشبه
الموازين والمكاييل التي يمتحن بها في كثير من الأجسام ما لا يؤْمّن أن
يكون الحس قد غلط أو قصر في إدراك تقديره » وكالمساطر التي بمتحن
بها في الخطوط ما لا يؤمن أن يكون الحس قد تحير أو غلط في إدراك
استقامته
فائدة علم المنطق
فهذه جملة غرض المنطق + وتبين من غرضه عظيم غنائه : وذلك
أنفسنا » وفيما يلتمس غيرنا تصحيحه عندنا
وتصحيحه عند أنفسنا لم نطلق أذهاننا في تطلب ما نصححه مهملة
تسبح في أشياء غير محمودة » وتروم المصير إليه من حيث اتفق » ومن
بل ينبغي أن يكون علمنا أي طريق ينبغي أن نسلك إليه » وعلى أي
الأشياء نسلك » ومن أين نبتدي في السلوك » وكيف نقف من حيث
تتيقن أذهاننا » أو كيف ينبغي بأذهاننا علم شيء شيء منها إلى أن
المغلطة لنا والملبسة )١( علينا فنتحرز عنها عند سلوكنا فعند ذلك
واللبسة والالتباس واللبوسة : الشبهة والإشكال وعدم الوضوح َ
كان فيه غلط » شعرنا به » وأصلحنا موضع الزلل بسهولة
وتلك تكون منازلنا فيما نلتمس تصحيحه عند غيرنا » فإنّا إنما
نصحح الرأي عند غيرنا بمثل [ الآلات والقوانين ] التي تصححه عند
أنفسنا » فإن نازعنا في الحجج والأقاويل التي خاطبناه بها في تصحيح
تصحح ذلك الرأي دون أن تصحح ضده » ولم صارت أولى من غيرها
بتصحيح ذلك الرأي ؛ قدرنا أن نبين له جميع ذلك ِ
وكذلك إذا أراد غيرنا أن يصحح عندنا رأياً ما ة كان معنا ما
كانت في الحقيقة مصححة + تبين من أي وجه يصحح فنقبل ما نقبله
من ذلك عن علم وبصيرة وإذا غالط أو غلط تبين من أي وجه غالط
أو غلط )١( فنزيف ما يدفعه من ذلك عن علم وبصيرة
وإذا جهلنا المنطق كان حالنا في جميع هذه الأشياء بالعكس وعلى
الضد وأعظم من جميع ذلك وأقبحه وأشنعه وأحر به أن يحذر
ويتقى هو ما يلحقنا إذا أردنا أن ننظر في الآراء المتضادة أو نحكم بين
لمتنازع فيها وفي الأقاويل والحجج التي يأتي بها كل واحد ليصحح رأيه
ويزيف رأي خصمه فإنًا إن جهلنا المنطق لم نقف من حيث نتبقن على
)١( استنبطناه : استنتجناه واستخرجتاه + يقال استئبط الماء من البثر : استخرجه منه
توجب صحة رأيه : فيعرض لنا عند ذلك : إما أن نتحير في الآراء كلها
في تصحيح بعضها وتزييف )١( بعضها ونروم تصحيح وتزييف ما
تزيف من حيث لاندري من أي وجه هو كذلك » فإن نازع منازع فيما
صححناه أو زيفناه شيء هو في الحقيقة كذلك لم نكن على يقين في
عسى أن يكون صحيحاً ؛ وعسى أن نرجع إلى ضد ما هو الحق عليه
وهذه الأشياء تعرض لباقي الناس دليل عون عندنا بالكمال في
العلوم » فإنا إن جهلنا المنطق ولم يكن معنا ما نمتحنهم فيه » فإما أن
)١( تزييف بعضها : إظهار زيقه وبطلاته
الحطب) لايبصر ما يجمع في حبله من الحطب فيخلط بين الجيد والرديء َ
تمييز ما يتهم فيكون كل ذلك منا من غير تثبيت ومن حيث لا نتيقن
فلا نأمن أن يكون فيمن قد أحسنًا فيه الظن أنه مموه مشنع ١ فيكون قد
نفق عندنا المبطل » وأيدنا من يسخر بنا ونحن لا نشعر أو يكون فيمن
اتهمناه نحن فنكون قد أطرحناه ونحن لا نشعر
فهذه مضرة جهلنا بالمنطق » ومنفعة علمنا به؛ ويتبين أنه ضروري
لمن أحب أن لا يقتصر في اعتقاداته وآدابه على الظنون (0 وهي
أضدادها وليس بضروري (" لمن آثر المقام في الاقتصار في آرائه على
الظنون وقنع بها
وأما من زعم أن الدأُربة بالأقاويل والمخاطبات الجدلية » أو الدربة
بالتعاليم مثل الهندسة والعدد تغني عن علم قوانين المنطق أو تقوم مقامه
وتفعل فعله ؛ أو تعطي الإنسان القوة على إمتحان كل قول وكل حجة
وكل رأي ؛ وتسدد الإنسان إلى الحق واليقين حتى لا يغلط في شيء
من سائر العلوم أصلاً » فهو مثل من زعم أن الدربة والارتياض بحفظ
الأشعار والخطب » والاستكثار من روايتها ؛ يغني في تقويم اللسان ؛
وفي أن لا يلحن الإنسان عن قوانين النحوء ويقوم مقامها ويفعل
فعلهاء وأنه يعطي الإنسان قوة يمتحن بها إعراب كل قول هل أصيب
)١( الظنون : جمع الظن » وهو الاعتقاد الذي لا يأمن صاحبه أن يرجع عنه إلى
ريد أي ليس المنطق ضرورياً لمن آثر الظنون في آرائه وقنع بها
يجاب به في أمر المنطتى هناك 09
وكذلك من زعم أن المنطق فضل لا يحتاج إليه إذ كان قد يمكن أن
يوجد في وقت ما إنسان كامل القريحة لا يخطىء الحق أصلاً من غير
أن يكون قد علم شيثاً من قوانين المنطق » كقول من زعم أن النحو
فضل » إذ قد يوجد في الناس من لا يلحن (") أصلاً من غير أن يكون
قد علم شيئاً من قوانين النحو فإن الجواب عن القولين جميعاً جواب
واحد
موضوع علم المنطق
المعقولات من حيث تدل عليها الألفاظ » والألفاظ من حيث هي دالة
على المعقولات ("0 وذلك أن الرأي إنما نصححه عند أنفسنا بأن نتفكر
يريد أن يقول إن كل علم له ميزانه أو قوانينه التي لا تصلح في العلوم الأخرى )١(
فكما أن علم العروض لا يغني عن علم النحو في تقويم اللسان وتجنب اللحن في
اللغة كذلك الدربة في علم الخطابة والجدل ؛ أو في علم الهندسة + لاتغني عن
المنطق في العصمة من الخطأ وامتحان الأقوال والحجج
(؟) يلحن : يخطىء في قواعد اللغة أو تحريك الكلمات وإعرابها
لاحظ كيف حدد الفارابي موضوع علم المنطق : أنه المعاني من حيث تدل عليها )©(
) الألفاظ » أو الألفاظ من حيث هي دالة على المعاني ( المعقولات
وحم عند ْنا بأن نخاطبه بأقاويل نفهُمه بها الأمور والمعقولات
اتفق » ولا بأي أحوال وتركيب وترتيب اتفق » بل نحتاج في كل رأي
نلتمس تصحيحه إلى أمور ومعقولات محددة ؛ وإلى أن بكون بعدد ما
معلوم » وعلى أحوال وتركيب أو ترتيب معلوم وتلك ينبغي أن تكون
لحال ألفاظها التي بها تكون العبارة عنها عند تصحيحها لدى غيرنا
وتحرسنا من الغلط فيهما وكلا هاتين : أعني المعقولات والأقاويل التي
بها تكون العبارة عنها » يسميها القدماء «النطق والقول » فيسمون
المعقولات القول والنطق الداخل المركوز في النفس ؛ والذي يعبر به
عنهما القول والنطق الخارج بالصوت » والذي يصحح به الإنسان الرأي
يسميه القدماء «القياس» » كان قولاً مركوزاً في النفس أو خارجاً
بالصوت
علم المنطق والنحو
فالمنطق يعطي القوانين التقي سلف ذكرها في القوتين جميعاً
وهو يشارك النحو بعض المشاركة بما يعطي من قوانين الألفاظ » ويفارقه
في أن علم النحو إنما يعطي قوانين تخص ألفاظ أمة ما ؛ وعلم المنطق
يعطي قوانين مشتركة تعم ألفاظ الأمم كلها فإن للألفاظ أحوالًتشترك
فيها أحوال )١( جميع الأمم : مثل أن الألفاظ منها مفردة ومنها مركبة
: والمفردة اسم » وكلمة » وأداة » وأن منها ما هي موزونة وغير موزونة
وأشباه ذلك
وههنا أحوال تخص لساناً دون لسان مثل : أن الفاعل مرفوع
والمفعول به منصوب > والمضاف لايدخل فيه ألف ولام التعريف فإن
أحوال تخصه وما وقع في علم النحو من أشياء مشتركة لألفاظ الأمم
كلهم ؛ فإنما أخذه أهل النحو من حيث هو موجود في ذلك اللسان
الذي عمل النحو له : كقول النحويين من العرب إن الكلم العربية اسم 6
وفعل » وحرف » وكقول نحوبي اليونانيين !" : أجزاء القول في
اليونانية اسم ؛ وكلمة » وأداة وهذه ليست إنما توجد في العربية
فقط » أو في اليونانية فقط » بل في جميع الألسنة » وقد أخذها نحويور
فعلم النحو في كل لسان إنما ينظر فيما يخص تلك الأمة » وفيما
موجود في لسانهم خاصة
)١( الأفضل استبدال لفظة لغات بلفظة أحوال ليستقيم المعنى + فتصبح العبارة
() هذا الكلام يدل على معرفة الغارابي باللغة اليونانية وقواعدها أو نحوها