الفصل السابع: العطور وجوازات السقرالشمية 271
وذكرنا في الفصل الثالث) فدرجة حرارة الجلد تؤثر في معدل تبخر
الروائح وعبيرهاء كما أن المواد المتواجدة في البشرة تتفاعل كيميائيا
مع العطور؛ محدثة آثاراً شمية غير متوقعة أو محسوبة كما يتفاعل العطر
أيضاً مع روائح أجسامناء ما فيها روائح شعر الرأس ويبدو أن رائحة
العطور ترتبط إلى حد كبير بتركيب شخصية صاحبها بالمثل وثمة
والعطور(294) فالانبساطيون من الناس -مثلات تحذيهم على وه
الخصوص العطور الندية الرائحة
ارتباط العطور بالانفعالات والعواطف
قد تطورت وتحسنت بفضل ما أنتجته المصانع من فيض الروائح؛
وأن نطاق انفعالاتنا وعواطفنا قد تطور وتحسن واتسع هو الآخر
بالتبعية (295) بل لقد وجدنا بعض الباحثين يذهبون لحد إبدال
(296) ولا ريب أن محتوى هذا الزعم واضح جلي؛ فالكثير من
الروائح يعني الكثير من إثارة الانفعالات والمشاعرء وهو يفضي
بالتالي لمزيد من التطور الانفعالي والعاطفي وعلينا أن نقر بصعوبة
2 الرائحة/ أنجدية الإغواء الغامضة
في زماننا هذا (من الممكن التثبت من ذلك عبر ما يستجد لدينا من
معلومات الأزمنة الغايرة عن رائحة مألوفة لديناء ولكننا لا نستطيع
شمها) (297) وهذا بما يخالف الحقائق الثابتة عن بنية أمخاخنا
فالانفعالات وحاسة الشم مرتبطة أساساً بالجهاز العصبي الطرفي؛
ومع اللحاء أو ما نُطلق عليه «الهيكل العصبي» وكذلك مع الغدة
النخامية وكان للتطور السريع والاستخدام المكثف للحاء الجديد
آثاره وعواقبه على تطورنا العقلي والثقافي وعلى الطريقة التي نعبر
بها عن انفعالاتنا ومشاعرنا من خلال اللغة فالتعبير عن الانفعالات
أمر مختلف ثماماً عن الخبرة بالانفعالات علاوة على أن أبحاث الذكاء
الراهنة تميل إلى اعتبار التطور الاجتماعي -الانفعالي- العقلي معتمدا
بعضه على الآخر بصورة تكافلية لا غنى عنها وإلى أبعد الحدود
التنبه له هو أنه لا يستتبع ذلك القول بأن الجهاز العصبي الطرفي قد
لافتراض أن هذا الجهاز لم يتطور بنيوياً لدى الإنسان منذ عشرات
الآلاف من السنين
ومن الجدير بالذكر أن الأطفال عادة ما ينفرون من العطور
وأحياناً ما نُساق هذه الحجة كبرهان على أن الأطفال لم يصلوا بعد
الفصل السابع: العطور وجوازات السفرالشمية 273
لدرجة الوعي بالبعد الجمالي للروائح ولكن الأمر المرجح أكثر
هو أن استخدام الأم للعطور هو علة هذا التحول فرائحة العطر
عادة ما تعني أن الوالدين سيخرجان من البيت وهو حدث سيئ
مكروه إن كوّن لدي الطفل الشعور بالوحدة والوحشة والهجران
وعامة؛ فثمة روابط بين الانفعالات وبين سائر أنواع الروائح
فالروائح يمكنها خفض التوتر والقلق» إجادة الأداء أو إساءته (غالباً
ما يكون ذلك إشراطياً)؛ تخفيف الآلام الناتجة عن الإصابات كما
أنها نُستخدم كوسائل مساعدة في العلاج النفسي (أنظر العلاج
التبادلي والعلاج بالعطور في الفصل الثامن) (299) كما ذهب
البعض إلى الزعم بأن بعض الحالات» كأنواع الرهاب والاكتئاب
ومشكلات النوم وأنواع الإدمان يمكن علاجها إن استخدمنا بعض
الروائح المعينة كجزء من العلاج ويُعزى إلى روائح أخرى قدرتها
على تحقيق الاسترخاء - كرائحة البحر بصفة خاصة فقد قيل
أن توتر عضلات الوجه ينخفض في حدود 20/ إن كنا جالسين
أمام شاطئ البحر(300)؛ وبالمثل فإن استخدام العطور قد يساعد
في تخفيف الاكتئاب بما تنطوي عليها من إمكانيات داخلية فلو
عمدت إلى سؤال امرئ أو امرأة عن السبب في استعمال العطور»
أضعه لإرضاء الآخرين لأنني أظن أن من المهم أن يعتقد الآخرون
4 الرائحة/ أبجدية الإغواء الغامضة
أنني أفوح برائحة جميلة» وهذا كل ما هنالك» فإحساس المرء
بالسعادة الحسية يلعب دوراً مهما في اتخاذه القرار باستعمال
العطور
استعمال العطور وسياقاته
إن تقبل أي رائحة يعتمد إلى حد كبير على السياق الذي نتلقاها
فيه فلا أحد يبالي في حجرة تبديل الملابس الرياضية إن كنت تفوح
بالعرق أم لا؛ أما إن كنت متقدما لشغل وظيفة في طاقم التدريب
فمن الأمثل لك ألا تكون من يتصببون عرقا أثناء المقابلة الشخصية
هذا سيكون من دواعي التشوش؛ حيث يتوقع المرء منا أنه يشم رائحة
السباخ والسماد والأمر عينه بالنسبة إلى ميكانيكي السيارات الذي
كريهة شريطة أن تكون تلك الرائحة مؤقتة وأن يكون مصدرها
أمراً ممكنك تمبيزه بوضوح في العالم الخارجي - كالبنزين والزيوت
ومذييبات الطلاء ومن ناحية أخرى فإن الروائح الزكية عادة ما تقترن
بسمات الأشخاص الذاتية ولعل من الممكن فهم تلك الظاهرة على
أساس من مبداً إسقاط الأخطاء: فنحن نميل إلى إسناد وعزو الانجازات
الفصل السابع: العطور وجوازات السفر الشمية 275
الشخصي فإن انطمست وتشوشت معالم الصور التي التقطناها أثناء
العطلة فإننا ننحي باللائمة على آلة التصوير أو على التحميض أما
عطر زكية؛ فإنما يعود ذلك إلى كونك شخصية جذابة وتتمتع بصحة
جيدة؛ وعلى ذلك فإن العطر - أي عطر - يدفعنا إلى إصدار رد فعل
محدد
وبالرغم من كل تلك الشواهد» فإن من اللافت والمثير للدهشة
أن الروائح قلما تتدخل فيما نصدره من أحكام أو تقييمات على
شيء أو شخص ما في سياق معين فمن المعلوم في علم السلالات أن
رائحة (السيرتميولي) الحيوانية عادة ما يكون لها آثار بعيدة المدى على
سلوك الحيوانات وتصرفاتها فطائر الوقواق يستغل رائحة مضيفه
الملفضل طائر الحميراء الأوروبي المطوقة عنقه بالريش؛ فيضع بيضة
أكبر حجماً عن المعتاد في العش» لأن الطيور تفضل احتضان البيض
وإن انتقلنا للإنسان» فإننا نصادف بالمثل وجود تلك «المنبهات
لقلَ» وأحد أبرز الأمثلة في هذا المجال هو ما يُطلق عليه -
الطفوليين والمتمثل في الوجه المستدير» والعيون الواسعة؛ والخدود
المستديرة والهيئة الممتلثة والدأب على إصدار الضوضاء المحببة وقد
يرجع تفضيلنا لطيور الكناري على نوارس البحر لكون الأولى ذات
هيئة محببة ولأن ما يصدر عنها من أصوات يتفق إلى حد بعيد مع
النسق السابق الإشارة إليه فطيور الكناري تستثير فينا سلوك الرعاية
والحبء ونتيجة لذلك فإننا نعاملها بلطف بالغ وبالطبع على الحيوان
المسكين أن يدفع ثمن ذلك الحنو وتلك الرعاية من حريته فيمسي
حبيس أقفاص البشر بينما تبقى النوارس طليقة محلقة في الأجواء فهل
ممكن أن يكون للعطور ذات الأثر - أي هل يمكن للعطور أن تحمل
الآخرين على التعاطف معناء أم إنها محصورة في نطاق تحفيز الذات
لا أكثر ؟
تجارة العطور
من الصعوبة بمكان الإقرار يما إن كانت العطور مرغوبة أم لا؟
فكما سبق ولا حظنا فإن الأطفال عادة ما ينفرون منها ويتوقف
الإحساسءما تنطوي عليه الروائح من خواص ممتعة إلى حد بعيد على
البيئة الاجتماعية التي تشيع فيها مثل تلك الروائح ومن النادر أن
نصادف روائح زكية «في حد ذاتها» ويخطئ - خطأ فادحاً - كل
من يحاول حجب رائحة عوادم السيارة باستعمال عطر شانيل رقم
» إذ الأرجح أن ينبه هذا العطر الناس مجدداً إلى البؤس اليومي المتمثل
في اختناقات المرور
ويداعب صناع العطور الأمل عبر الحملات الإعلانية في حمل
المستهلكين على الاقتتاع يكونهم قادرين على توكيد جوانب
شخصياتهم الايجابية لو أنهم استعملوا هذا العطر أو ذاك واقرأ معي
إلى رغبة الرجل العارمة في ذاتية فردية جديدة نايت فلايت» عطر
ومنظور جديد في حياة الرجل» وكان عار الحملة «(ها قد تحقق
حلم الفتي»
إن القوة الدافعة لشراء واستعمال العطور إنما تعددها في زمائنا
عوض الاستناد إلى حقائق البحث العلمي الثابتة في هذا المجال
أن نقرر بوضوح أن ما تضعه النساء من عطور ليس لها إلا أثر تاقه
الجاذبية والعطور سوى وهم من صنع الدعاية والإعلان ويافتراض
النساء للعطور و حقيقة الأمر أن الغعرض من استعمال التساء للعطور
قد يكون هو ردع وإعاقة التقرب الجنسي
وعلينا هنا أن تحذر من الاتدفاع نحو الاستنتاج بأن العطور ليس
لها أدنى تأثير على الآخرين فقد أثبتت التجارب أن العطور تؤثر
- مثلاً - على طرق ومناهج تقييم المتقدمين لشغل الوظائف(302)
8 الرائحة/ أبجدية الإغراء الغامضة
عد جذابة في نظر زملائها الذكور إن تضمخت بالعطر» لكن هذه
أن تصبح في نظرهم فتاة «متغطرسة» و«منغلقة» بينما أشار بحث
أم نساء) أدنى جدارة وأقل كفاءة في العمل وأضعف جاذبية من غير
المتعطرين» في حين أرتأت النساء أن المتقدمين لشغل الوظائف من
المتعطرين هم الأكثر جدارة بالوظيفة
أن الرجال يتشتت تفكيرهم عند التقاطهم روائح المتقدمين لشغل
قدرتهم لتقييم المتقدمين بصفة موضوعية باختصار نقول لك إن
كنت رجلاً فقد يكون من الأفضل التعطر لإثارة مزاج خاص لدى
النساء؛ أما إن كنت امرأة فضعي في اعتبارك أن الرجال يفضلون عدم
مواجهة المتعطرين سيان في ذلك النساء أم الرجال خصوصاً أصحاب
الشخصيات القوية ومن الجلي إذن؛ أن لاستعمال العطور دوراً في
خلق الانطباعات أو لنقل في تكوين انطباع فوري عن شخص ما
استخدم أصحابها تكتيكات أخرى في ذات الوقت فالمرأة الضليعة
الفصل الأول: تاريخ الرائحة والشم 27
الآاتي: «في المدرسة الداخلية كانت تتصاعد روائح نتانة الجدران
ورائحة الطاقم المدرسي الكريهة ورائحة السائل المنوي للمتهيجين
والمستمنين من التلاميذ تلك الرائحة الكريهة الذكريّة بكل معنى
الكلمة كانت رغبة شبقية عارمة في تواجد النسوة في المكان»
وينصح فلوبير أحد أصدقائه قائلا «تغوط في أحذية الآخرين» وتبول
من أعلى النوافذ وتفوه بكل ماهو بذيء وقامر ماوسعك ذلك وأرسل
تأوهاتك عالية مدوية ودخن كما لوكنت مدخنة تدفئة وتحشأ بقوة
في وجوه الناس» (12) وأثناء زيارة رسمية قامت بها الملكة فيكتوريا
لفرنسا في العام 1855 تناهت إلى الأسماع صيحة مرتفعة عندما
اشتمت الأنوف الحساسة لنساء البلاط الفرنسي في ثياب الملكة عطراً
يحتوي نزراً يسيراً من المسك
خلاصة القول إن الثقافة الغربية ترتبط مع حاسة الشم بعلاقة
والحشوات القطنية وحفاضات الكبار والصغار والصابون لمعطر
ومنتجات العناية بالبشرة ومزيلات العرق والعطور وما شابه ذلك
نلاحظ أن التاريخ يعيد نفسه إلى حد ما وكما كان الحال في الماضي
عندما صب الناس اللوم على المحيط البيئي والروائح واعتبروها