تزال هذه الزاوية2) والمسجد والغرف والأقبية الملحقة بها موجودة
في هذا الحي الذي سمي باسم جدي. ولا يزال تاريخ وفاته
منقوشا على شاهدة قبرة المغطى بتابوت مهيب حيث كان
الأهلون يتبركون به وهم يقولون بخشوع: "با حوراني يا أكحل".
وكان بعض النسوة يأخذن مزقا صغيرة من القماش الأخضر الذي
يغطي التابوت للتبرك به واتخاذه تعويذة ضد الشرور والأمراض.
وقد جاء في كتاب تاريخ حماه للشيخ أحمد الصابوني أن
"الشيخ عثمان بن الشيخ صالح بن الشيخ حسن الحوراني
الرفاعي جاء من حوران سائحاء. فسكن في حماه وصار له تلامذة
يأخذون عليه الطريقة الرفاعية؛ ثم توفي ودفن في زاويته
يزال موجودا لدينا في حماه تسلسل النسب الذي كان يحتفظ به
والدي ولا نزال نحتفظ به. توفي والدي في عام 1915. في السنة
الأولى بعد قيام الحرب العالمية. ودفن في "زاوية الحوراني”. وكان
جدي قد توفي قبله بعام واحد,. ورغم صغر سني في تلك الأيام
بالكوليرا إثر انتشارها بعد قيام الحرب وهجرة الأرمن مشيا على
الأقدام من أرمينيا إلى سورياء ولا أزال أنذكر كيف كان الأرمن
يتساقطون موتى على الطرقات. فتحمل جنتهم بالطنابر من (خان
حيث بدقنون في ابار قديمة مهجورة.؛ وقد اخبرتني امي بان والدي
كان شديد التأثر من بؤسهم. فكان يزورهم ويوزع عليهم الخبز في
خان أبو بكري فأصيب منهم بعدوى الكوليرا.
© جرى نسف تلك الزاوية خلال قصف دور حماه ومساجدها أثناء مذبحة حماه في شهر شباط من
عام 1982
الغرفة. كان الدكتور الكيالي - الذي أصبح من رؤساء الحزب
صغيرا يلفت نظري. وكان شديد الاهتمام بوالدي نظرا لصلة
النسب التي كانت أقوى رابطة اجتماعية في ذلك الزمان.
ولم بطل المرض بوالدي. وقد نقلني أهلي يوم وفاته إلى
بيت جارنا أبي أحمد الصيرفي المقابل لبيتنا. وكنت أشاهد أمينة؛
إحدى فتيات المنزل. وهي تطل من الشباك باكية؛. فسألتها عن
من الرجال يحملون النعش من بيتناء
وحين رجعت إلى البيت بعد أيام لاحظت جوا من الحزن
والأسى يخيم على والدتي واخوتي وشقيقاتي وأعمامي فعرفت
وبغطنتها عندما تقلد كلامنا. والظاهر أن العويل والبكاء وجو الحزن
قد صدم ذلك الطائر الجميل فلم بعد يتكلم أبداء وامتنع عن تناول
الحبوب. ثم اعتل رغم العناية الشديدة به ومات.
صرنا بعد ذلك نزور قبر الوالد في المناسبات المعروفة, وكان
مدفونا في زاوية الحوراني قرب أحد التوابيت الكبيرة الخضراء التي
تجلل قبور الأحداد. وفي جانب من فناء الزاوية. خارج ذلك القبر
الكبير, كانت توجد قبور عدد من آل العظم وآل طيفور وغيرهم من
وإلى جانب هذا القبو حرم كبير يصلي فيه أبناء الحي. وفي
الجانب الآخر من الغناء عدة غرف غير مكتملة البناء.
شيدت "الزاوية" في موقع جميل بحي الحوارنة يطل على
المدينة ويشرف على عاصيها المتعرج وبساتينها الجميلة
الخضراء. وقد حدثني عمي بأن الناس كانوا يعتقدون بأن ربط
المجانين بتوابيت زاوية الحوراني يشفيهم من أمراضهم العقلية.
وذات مرة ربطوا بأحد التوابيت مجنونا قويا بديناء وقبل طلوع الفجر
عندما بداً أبناء الحي يتوافدون إلى مسجد الزاوبة لصلاة الصبح؛
رأوا التابوت الأخضر بسير ثم بيخرج من باب الزاوية؛ فذعروا وهربوا
المجنون قد حمل التابوت على رأسه وخرج به بعد أن ضايقه أسرة
لماذا لم ينجحح أبى في الانتخابات ؟
ورت جدي المباشر محبي الدين الحوراني أرباعا في منطقة
العشر. في ضواحي حماه الغربية؛ وكانت المنطقة ملكا للأسر
القديمة العريقة في المدينة. فكان جدي بعيش من نتاج "الربع"
الزراعي. ومن بيع الأراضي لبناء المساكن. وكان هو وآباوؤه
مستوري الحال.
جدي مرة أخرى وأنجب أعمامي من زوجته النانية. وكانت صناعة
الحياكة والنسيج وطباعة المنسوجات صناعة مزدهرة في حماة؛
ولها شهرة عالية خصوصا صناعة الشراشف والمناشف
ولمس بيده ستارة من صنعه وقال لأصحاب المنزل: "إن صنعتي
كانت متقنة وعملي كان مستقيما".
مكتبة كبيرة تحوي مختلف علوم اللغة والأدب والتاريخ والمنطق
والطب. وقد قرأت فيما بعد بعض الشروح والتعليقات على هوامش
عمل أبي أيضا بالتجارة فتملك عن طريق الشراء من عائلة
طيفور حصصا في بعض قرى حماه الغربية. كما اشترى ثلاثة أرباع
قربة البياضية وبنى في حماه منزلا كان يعتبر في ذلك الوقت من
عين في شبابه مأمورا للنفوس. ثم أصبح عضوا في مجلس
الإدارة - وهو بمثابة مجلس المحافظة الآن - نم رشح نفسه
لمجلس "المبعوثان" وكانت حماه وحمص منطقة انتخابية واحدة
وكان خصمه في تلك المعركة الشيخ عبد القادر الكيلاني. فأخفق
في الانتخابات لأن أسرة الأناسي النافذة في حمص ساعدت
الشيخ عبد القادر الكيلاني ووجهت إليه نفوذها الانتخابي, ول
تجد والدي مساعدة أنسباته في حمص من العائلات الشعبية
أي الأعيان والوجهاء. فآل العظم كانوا لفترة كبيرة خلال العهد
التركي ولاة لمدينة حماه وغيرها من المدن السورية. وقد بنوا في
حماة قصر العظم الأثري المعروف. كما تملكوا الملكيات الواسعة
أما أسرة الكبلاني فبالإضافة إلى نفوذها السياسي في مدينة
حماه وإلى كثرة عدد أفرادها واتساع ملكياتها فقد كانت تعنز
الكيلانية على مدينة حماه بل كان امتداد نفوذها على مستوى
العالم العربي (عائلة الكيلاني في بغداد) وعلى مستوى العالم
الاسلامي حيث كانت تمثل الطريقة الصوفية الكيلانية لعبد القادر
الكبلاني المنسوب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
البرازي والد محسن البرازي على علاقة وثيقة مع طبقة التجار
وبعض رجال الدين وكان يحظى بتأييدهم السياسي هذا في
الوقت الذي كانت فيه قيادة الحركة الشعبية التقدمية بيد فريق
من العلماء "رجال الدين" أمثال الشيخ عبد القادر عدي؛ والد
رفيقنا الاستاذ علي عدي. والشيخ حسن رزق. والشيخ أحمد
الصابوني والشيخ سعيد الجابي الذي حارب الافكار الدينية
الخرافية. بالاضافة إلى الشباب المثقف الذي بدا يتخرج من
الجامعات أمثال الشهيد علي الأرمنازي والشهيد الدكتور صالح
قنباز والدكتور توفيق الشيشكلي والدكتور خالد الخطيب.
وكان نشوء الحركة الشعبية نتيجة طبيعية لنشاط الحركة
التجارية أوائل القرن العشرين بين حماه والاناضول, كما نشطت
فيها الحركة الصناعية ولا سيما صناعة الغزل والنسيج؛ وقد أفرز
هذا التطور الصناعي والتجاري طبقة بورجوازية من الصناعيين
تقابات مهنية ولا سيما في العهد الفيصلي وبعد الاحتلال
كان يقود تلك الحركة الشعبية التجار ورحال الدين المتنورون
تطلعاتهم القومية العربية التحررية وتطلعاتهم الشعبية ضد نفوذ
الحركة بالرغم من أنه كان من كبار الملاكين في حماة. فكان من
أبرز قياداتها. وهذه هي المرحلة الأولى من نشوء الحركة
الشعبية التي نمت وتعاظمت بعد الاحتلال الفرنسي حيث
أصبحت حركة شعبية وطنية واستقلالية ضد الاحتلال وضد الطبقة
باللوحة التي كتبها بخط يده الجميل وشعرة البديع يهنئه فيها
بولادة أخي الأكبر محيي الدين. على الطريقة القديمة في
حساب تاريخ الولادة بالأحرف الأبجدية. وقد اطلعت على اعداد
جريدة "الانسانية" التي كان بصدرها في حماه قبل الحرب
كان يكتبها بفكر ديمقراطي تقدمي إنساني.
بدأت مدرسة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي
ولا سيما بعد إعلان الدستور العنماني عام 1909. تفعل فعلها في
جميع أرجاء الوطن العربي. على أبدي تلاميذها.؛ ولا شك أن
شيوخ النهضة في سوريا كانوا من تلاميذ هذه المدرسة التي نائر
بها الشيخ حسن رزق. وتجاوزها بتفكيرة العقلاني نتيجة دراساته
لأبي العلاء المعري3) وابن خلدون وغيرهما من المفكرين العرب.
وبالرغم مما كان بخيم على حماه من تأخر وجهل آنذاك فقد كان
لأبي العلاء وجود تقافي قوي حتى في الأوساط الشعبية التي
كانت تسمع أشعارهة وترويها معجبة بذكائه مشفقة من كفرة
والحاده. وكان عمي ياسين؛ وهو شبه أمي. يحفظ مع رفاقه نتفا
كان والدي على صلات وثيقة مع العلماء والمثقفين والتجار.
© رجعت أثناء تدوين هذه المذكرات إلى عدد مجلة الأنسانية الصادر بتاريخ 15 نيسان 1911 في
مجلد السنة الثانية؛ وقد خرج متوجا بقصيدة للشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي يعارض فيه
قصيدة أبي العلاء" غير مجد في ملتي واعتقداي"... والمقالة الثانية بعنوان "كيف تنتشر
المباديه" يرد فيها الشيخ حسن رزق على كاتب فاضل" يقترع نشر المبادقه بتضحية بعض
المبادي» لأحياء بعضها الآخره والحرص على نشر المباديء بين أرباب النفوة والشراء ليس بين
العامة" فيقول في ردة: "إن الصبر على تضحية شيء من المباديء بالطوع والاختيار ليس بالأمر
واضتكة .. ورضي أرى أن نشر السلاقة بي الي الكيا والمبيطل أغزر ها وأشريقة و سن
والسيطرق, ولا يزال السواد الأعظم هو القوة الغالبة في جميع الأمور"
وفي المجلة مقالات جيدة عن 'تعليم البنات" والدعوة له والتبشسير بالتطور والنشود
والارتقاء وعرض للنظريات الحديثة بصدد تكون الأرض ومن المؤسف أن مجلد السنة الثانية من
هنه المجلة قد نوبته خلال الحرب الأهلية اللبنائية جماعة كمال شاتيلا من بيتي في بيروت مع
غيرة من مجموعات الصحف الناارة؛ مع مجموعتين من محاضر مجلس النواب السوري تخص
احداها المرحوم خليل كلاس وتخص الأخرى النائب فؤاد قدري» وقد ذهبت زوجتي خصيصا من
العراق الى لبنان وجاولت عبنا استرجاع المكتبة بالاتصال مع شاتيلا وعاصم قانصوة مسؤول
حزب البعث في لبنان ورئيس الوزراء سليم الحص؛ وعندما اتصلت بالمخابرات السورية في لبنات
تبين لها أن هذه المخابرات على علم بتفاصيل المنهوبات وقد أعاد شاتيلا بعد مساع عديدة قليلا
© علي الأرمنازي: ولد في حماه من أسرة شعبية عرفت بالورع في الدين» تعلم في الاستانة
وانتسب للجمعيات العربية السرية؛ وقد أعدمه جمال باشا مع رفاقة الشهداء في 6 أيار 1916
تعاجله الوفاة لأمر جمال باشا باعتقاله ولكان في عداد من سجنوا
أو نفوا أو حكم عليهم بالاعدام
في مدرسة ترقي الوطن ؛
الحاج خالد السهيان. كانت مدرسة ممتازة لا تقل في مسنواها
عن مدارس هذه الأيام وكان اسمها مدرسة ترقي الوطن5 . وقد
أحببتها كثيراء ولكن لم بطل دوامي فيها لتعذر عناية المدرسة بي
نظرا لصغر سني. فتركتها وبقي فيها أخواي الكبيران واصل وعبد
لم يكن في حماه في أواخر العهد العثماني سوى مدرسة
إعدادية واحدة لا تتجاوز صفوفها الصف السابع إلى جانب مدرسة
أو مدرستين ابتدائيتين لم تكونا تقبلان من الأطفال من هم في
مثل سنيء ولم يكن ثمة رياض للأطفال فأرسلني أهلي إلى
كتاب "الشيخة أم نايف" القريب من منزلنا لأتعلم القرآن. ولا تزال
صورة ذلك الكتاب الكثيب المقيت مائلة في ذهني., فقد كنت
أحشر مع عشرات الأطفال الصغار في غرفة ضيقة جالسين على
الحصير ومع كل منا كيسه القماشي الصغير الذي يضم طعام
الغداء وجزء عم
(© زوفي الاستاذ أحمد الوتار بالمعلومات التالية عن مدرسة ترقي الوطن:
قام جماعة من أهل الخير في حماه بتأسيس مدرسة أهلية فيها وتبرعوا لها وذلك بعد اعلان
الحزية والحستور الكتماني عام 1909 وننعيت (ترقي الوطن)؛ وقد قام بادارتها أول الأمر أحد
اب بيروت السيد (نجيب بليق) نحوا من سنتين ثم عين الشيخ طاهر النعسات مدير لها
عام 1917م تقرييا.
تجتاج المدينة خلال الحرب العالمية الأولى. ولا أزال أذكر أنني
شاهدت في الطربق امرأة تقطع اللحم من جيفة متفسخة
كانت هذه المناظر مألوفة., كما كان موت الناس على
الطرقات من الجوع والمرض أمرا عاديا. حيث كانت الجنث تجمع
"بالطنابر" وتنقل إلى ظاهر المدينة ليدفن العشرات في قبر واحد؛
وكان طرق أبواب المنازل وصراخ الشحاذين: "جوعانين ... من مال
كان الجوع والتيفوتيد والكوليرا والجدري منجلا يحصد الناس»
وكانت أعشاب البرية في الربيع مرعى للناس والبهائم معاء وكانت
الدولة توزع الخبز في خان تسميه (المطعم) وبسميه الفقراء
أن التوزيع كان نذرا بسيراء وبالرجاء والالتماس (أي الواسطة). ولا
أتصور بأن تعداد سكان حماة.؛ عند نهاية الحرب العالمية الأولى,
كان اللاجتون الأرمن. برعم ما يفتك بهم من أمراض. بزاولون
الشعب عليهم وتقديرة لكفاءتهم واستقامتهم ومهارتهم بالرغم
ونتيجة لتمردي وامتناعي عن المواظبة على الشبخة فقد
رجا أقلي مدير مدرسة "النموذج" السيد محمد البارد فقبلني
فيها مع إخوتي واصل وعبد الحليم, رغم صغر سني
طفل مشاغب في مدرسة بهيجة :؛
سررت سرورا كبيرا لقبولي في مدرسة النموذج؛ فقد كان
بحيط بها بستان واسع للعب والنشاط. وقد واظبت على الدروس
يلقيها الأساتذة على من هم أكبر مني سنا فأستمتع بها ولا
تزال مطبوعة بذاكرتي صورة ذلك المعلم الذي كان يلقي درسا
عن الدورة الدموية. وصورة اللوحة ومخطط القلب والشرايين. إن
الأطفال يمكنهم أن يفهموا أشياء كثيرة تتجاوز أعمارهم. ولكن
عدم قدرتهم على التعبير تجعل الكبار بجهلون أفكارهم
لم بطل مقامي في مدرسة النموذج. فبعد شهر انذر
المدير أخوي بعدم اصطحابي إلى المدرسة. والسبب أنني كنت
دائم الحركة والعراك مع الآخرين, وهذا يمثل خطرا على النظام
بنظر المدير الذي لم يكن بمقدوره أن يحد من نشاطي بالضرب أو
العقوبة. لصغر سني. كنت أتصارع في باحة المدرسة مع التلاميذ
الأكبر مني سنا فأصرعهم مما اضطر المدير لصرفي من المدرسة؛
الضيقة؛ فتنزل بها على رؤوسنا كلما اخطأنا في التلاوة. وبرغم
صفعة ظالمة من جندي الماني
شاهدت في أواخر الحرب العالمية الأولى انسحاب الجيش
أقف على جانب الطريق في حينا لمشاهدة تلك الآليات عن قرب؛
وكان بعض الأطفال قد وضعوا قبل مجيثئي حاجزا من حجارة صغيرة
في الطريق. فتوقفت إحدى السيارات أمامي ونزل منها جندي
طفولة سعيدة مع أبناء القرية