يسم الله الرحين الرديم
مقدمة الطبعة الأولى
«أصول النحى العربى» يقصد بها الأسس التى بنى عليها هذا النحى فى مسائله
وتطبيقاته . ووجهت عقول النحاة فى آرائهم وخلافهم وجدلهم , وكانت لمؤلفاتهم
واول مؤلف مشهور عن هذا الموضوع - فيما أعلم - هو «الأصول فى النحو» لابن
السراج (ت ١١ 7ه) وقد ضم كتاب «الخصائص» لابن جنى (ت 797 ه) ابحاثا قيمة من
تلك الأصول , ثم آلف ابن الأنبارى (ت 0ه ه) رسالتيه المختصرتين «الإغراب فى جدل
الإعراب و «لمع الادلة فى أصول النحو» فقدم فيهما آراء مفيدة سديدة اعتمد السيوطى
(ت 6١١ ه) على الكثير منها فيما بعد فى مصنفه «الاقتراح فى علم أصول النحو»
مستخلصة من استقراء المسائل والجزثيات والآراء التى كانت لعلماء النحى الذين سبقوهم
وعاصروهم ؛ وكانت تلك الأصول التى درسوها نتيجة ذلك الاستقراء بقدر ما أدى إليه
اجتهادهم وفهمهم .
فليس معنى وجود أول مؤلف مشهور عن الموضوع فى القرن الثالث الهجرى -
أصول ابن السراج - أن تلك الأفكار لم تكن موجودة من قبل , بل كانت موجودة فى
صورتها العملية فى دراسات النحاة وآرائهم لكن لم توضع للبحث بطريقة مباشرة إلا
بعد فترة كافية
من نواح ثلاث هى (نظر النحاة - رأى ابن مضاء - ضود علم اللغة الحديث) وقد الثم
منهج عرضه تقديم هذه النواحى الثلاث مع كل أصل درسه هذا الكتاب .
و «نظر النحاة» لتلك الأصول اعتمد حقا على ما قالوه , لكنه لم يدرس فى هذا
وما تأثروا به من تلك الظروف فى دراستهم للنحو بخاصة واللغة بعامة ٠
آما «رأى ابن مضاء» فهو رأى فرد , إنه واحد من نحاة الاندلس فى القرن
السادس الهجرى , كان مذهبه الفقهى الظاهرى وموقف هذا المذهب من النصوص
الدينية داقعين له إلى أن يسلك النهج نفسه فى نظرته لنصوص اللغة والطريقة التى
تدرس بها هذه النصوص نحويا ؛ فراعه أن تلك الدراسة قد اختلط فيها الأصيل الذى
يفيد النطق بالدخيل الذى يعوق تلك الفائدة , فامتلك حرية عقله وشجاعة قلبه , وقدم رأيه
فى كتاب صغير الحجم خطير الشأن أسماه (الرد على النحاة)
إن ابن مضاء آمة وحده بين النحاة !! لم يسبقه فى نهجه المتكامل عن أصول
النحو أحد قبله , ولم يقدره النحاة التقليديون بعده حق قدره ١! فشسى اسمه » وغاب عن
الدرس النحوى رأيه , حتى كان عصرنا الحاضر ؛ فعاد الرجل إليه من وراء القرون
مهيبا جليلا , ليأخذ مكانه ومكانته فى الدرس اللغوى الحديث ٠
والمقصود من «ضوء علم اللغة الحديث» فى هذا الكتاب أن نرى فى هذا الضوء
القيمة الحقيقية لواحد من نحاة العرب هو «ابن مضاء» وقد ظهرت قيمته فى هذا الضوء
كتابه الصغير الخطير ما يقوله اللغويون المحدثون فيما تناوله من أصول النحص ٠
فالهدف من «علم الللغة الحديث» فى هذا الكتاب توظيفه لبيان ما فى تراثنا من
قيم علمية نافعة , بإزالة ما علق بها من غبارء وإزاحة ما غلفها من ضباب , حتى يعود
لها ما هى جديرة به من الوضوح والنقاء ٠
إن هذه الدراسة إسهام متواضع فى تلك الجهود الدائبة الصابرة لتعريف القارى»
العربى بمنهج البحث اللغوى الحديث , وإذا كانت خُلّى هذا المنهج تسير ببطء فى دراسة.
اللغة العربية . فإنه فى رحلته القصيرة معها قد حقق بعض المكاسب إذ أمكن استيعابه
فى كل مستوياته وفروعه - كما طبق بنجاح فى مناقشة طريقة البحث اللفوى العربى
والتعرف على ما فيه من عتاصر مفيدة او معرقة - وأكثر من ذلك فإن بعض الجهود التى
التزمت المنهج اللغوى التقليدى قد فادت من روح المنهج الحديث فى التنقية والتصفية
والتجديد ! ٠
وهذا الكتاب - فيما أعلم - أول بحث متكامل بتناول طريقة التفكير فى التحى
العربى بالدراسة فى هذا المدى المتطور عند التحاة وابن مضاء وعلم اللغة الحديث ؛ ومنه
تتضح الرؤية لذاك التفكير حتى العصر الذى نعيش فيه ٠ فلا يبقى ذلك التفكيد اثرا
تاريخيا متجمدا , بل جهودا علمية قابلة للتطور والمناقشة +
وينيغى التنبه إلى أن هناك فرقا بين البحث فى اللغة واللغة نفسها ٠ فالغة
امدروسة لايغيرها اختلاف النظر إليها بمنهج دون آخر ؛ ولعل هذه الحقيقة العلمية تقدم
موروثاتهم التقليدية + سبق إليها ابن مضاء » وآيده فيها علم اللغة الحديث » فالكتاب
دعوة لهم للتامل المنصف لا الرفض المعائد ؛ دعوة إلى السير فى الضوء بفير تحطيم
ومن المعلوم أن الصعوية فى النحى العربى تعود فى جزء كبير منها إلى الأفكار
هذه الدراسة تسهم فى التمييز بين ما فى التحو العربى من الصالح والطالح + وبين ما
+ مثال ذلك كتاب (النحو المصفى) للدكتور / محمد عيد )١(
وكل ما أرجوه أن ينتقع به طلاب المعرفة المخلصون ولهم أهدى هذا. الكتاب وما
كلفنى من جهد - أما هؤلاء الذين يرفضون كل جديد أو تجديد ويتكلمون ولا يعملون , فلا
ون لهم فى ساحة العلم والحقيقة , فما أهون الكلام الرخيص الهدام !! وما أصعب
الجهد العملى الخلاق !!
اصول التحى العربي
فى نظر النحاة ورأى أين مضاء وضوء علم اللغة الحديث
المحتوى
الفصل الأول : دراسات تهيدية
الفصل الثانى
الفصل الفالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل الأول
دراسات تمهيدية
فى هذا الفصل
-١ الصلة بين الثقافة العربية والأجنبية فى عصر
نشأة العلوم العربية
-١ ابن مضاء وموقفه العلمى من النحاة
-٠ كلمة مجملة عن علم اللغة الحديث
الصلة بين الثقافة العيبية وال
فى عصر نشأة العلوم الع
فى القص الأول من القرن الثائى الهجري نشسلت بين العرب حركة علمية جديدة
النشاط العلمى من أنه صاحب نشأة العلوم العربية فى ذلك الفترة ونما ينموها سواء منيا
علوم اللفة فى التلسقة أو التاريخ أى الدلب أى غيرها » ولا شك أن هذا المناخ الطمى
ينقل السيوطى ما يشير إلى تحديد أول خليفة بات فى عهده الترجمة فيقول :
«قال محمد بن على الخرسا لبصير إول خليلة ف النجضوه + وصل
سكلاب
والتفكير العربى فى فترة التأليف العلمى ونشاطه ؛ ثم مدى تأثيرها فيمن قدموا جهودهم
الغنية فى هذه الحركة العلمية بصفة عامة , وفى اللغة والنحو بصفة خاصة .
غزت الجيوش العربية بلاد الفرس فى عهد الخليفة الثانى «عمر بن الخطاب»
والفارسى - صلات فكرية واسعة المدى خطيرة النتائج , فقد انتشر الإسلام بين
انيين انتشارا سريعا ,لما كانوا يعاونونه من تخلف دينى وتحكم طبقى , وصاحب
ار اللغة العربية . فأصبحت هى اللغة الرسمية لشئون الدولة , والصلة بين العرب
بن ٠ والهدف أن يتضح مدى تأثير الناحية الفكرية لاندماج الفرس بالعرب بعد
تأثيرا قويا بمشاركتهم فى البحث والتأليف + على حين تأثر لسانهم الفارسى باللغة
العربية أشد التأثير .
أما تأثيرهم فى الفكر العربى والتاليف العلمى , فلم يكن ذلك لانهم تقلوا مناه
دأصولا ومادة علمية كانت معدة لديهم من قبل , فطبقوها على الثقافة العربية. وأقادوا
أكسبتهم استعدادا فى الذوق والفكر ؛ وعندما حل ميعاد التأليف العلمى العربى تقدم
منهم فى هذا الميدان من أثروه ونموه , فزاملوا العرب الخلص المعتزين بلغتهم فى الكتابة
وقد غالى بعض المستشرقين فى نظرته لما قدمه الفرس الثقافة العربية فراح يَدِلٌ
بدرساتهم العلمية فى التأليف العربى ؛ يقول ج . براون «خذ مما يسمى فى العادة يعلوم
1١7 تاريغ الخلفاء ص )١(
العرب من تفاسير وحديث وكلام وفلسفة وطب ومعاجم لفوية وتاريخ وتراجم ؛ بل ومن تح
عربى - ما ساهم به الفرس من أعمال - تجد أن خير ما كتب من هذه الأعمال قد
تزوه (0» كما راح مستشرقون آخرون يدأون بالأسماء الفارسية اللامعة فى مجال
التأليف , وأن العرب مدينون لهم بكل الامتنان . مثل سيبوية (ت 4لام) والكسائى (6 .4
م) والقراء (ت 417 م) وابن قتيبة (445 م) والجوهرى (ت7١٠٠ م) وابن فارس
(٠١١٠٠م) وهذه تماذج من قائمة طويلة من أسماء الفقهاء والشعراء والكتاب والجغرافيين
والمؤرخين والفلاسفة
ولا ينكر أحد ما قام به هؤلاء العلماء الأفذاذ من مجهودات علمية تستحق الثناء
والتقدير , بجانب آلاف العلماء من العرب الخْلّص فى مجالات العلوم ٠ مثل أبى عمر وين
العلاء المازنى (ت 156 ه) والذى يطلق عليه صفة «أستاذ الأساتذة» والخليل بن أحمد
الأزدى (ت ١١ ه) وهو أستاذ سيبويه , وثقة اللفة سعيد بن أوس الأنصارى» (ت 11١ م)
والأصمعى (ت 717 ه) وغيرهم فى كل مجالات المعرفة العربية ؛ فقد دخل الجميع
رحاب التأليف العلمى فتزاملوا فى إنتاج هذا التراث العظيم باللغة العربية -
من تقدم البصرة فيه دليل مزية للفرس على هذا الجانب المهم من الثقافة العربية , فيقول
أحدهم «وهناك رواية يتناقلها الناس فى أغلب الأحيان , ويمقتضاها كان تسرب الفساد
إلى اللغة العربية فى البصرة هو السبب فى ضرورة وضع قواعد النحى ؛ لإنقاذ اللغة
إطلاقا , ولا أساس لها ؛ فالنحى العربى من وضع الأجانب من الآراميين والفرس!")»
فهذا الرأى يأخذ الموضوع من وجهة نظر جانبية تماما مثل الرأى الآخر الذى أنكره من
أن العرب هم أصحاب الفضل كله فى هذا الموضوع +
والحق أن كلتا الطائفتين قد اسهمت فى ذلك بعد أن اندمجتا فى إطار الوحدة
الدينية واللغوية , ولا داعى لإطلاق لفظ «الأجانب» على غير العرب ؛ فقد تعرّبوا بدخولهم
7+ تراث فارس - مقالة إسلام الفرس ص )١(