على أربعة عشر قرنآً من الزمان؛ يوم كان العالم يغط في سبات
عميق؛ وقد جاءت هذه الأسس على شكل تعاليم عامة؛ تتضمن
أوامر ونواهي؛ يمارسها المسلم تعبداً لله تعالى؛ وإن كان لا يعلم
حقيقة فوائدها الصحية؛ وإنما يمارسها امتثالاً لأمر الله.
وعندما تقدمت العلوم في القرن العشرين؛ واكتشضفت
الأمراض ومسبباتها؛ وعرفت الجراثيم ووسائل انتقالهاء وظروف
معيشتها؛ بدأت تتكشف لنا بعض الحقائق الصحية؛ والحكم الطبية
على نور؛ ومن يرزق تضلعا في القرآن والسنة؛ يجد أن الإسلام لم
والطب الوقائي في الإسلام ينقسم إلى قسمين رئيسيين يتضمن كل
أولاً: التعاليم الخاصة بصحة الفرد.
ثانياً: التعاليم الخاصة بنظافة البيئة وصحة المجتمع.
أولاً: صحة الفرد
وضع الإسلام مجموعة من التعاليم والإرشادات؛ للحفاظ
إلى أربعة أقسام يكمل كل واحد منها الآخر وهي:
)١ النظافة الشخصية لمنع الأمراض الجرثومية: وهذه تتأتى من
مجموعة من الممارسات اليومية التي يقوم بها المسلم عبادة
لله تعالى وهي:
المكشوفة من جسم الإنسان؛ وهي الأكثر تلوثاً بالجراثيم؛
وقد أثبت علماء الجراثيم وجود أعداد هائلة من الجراثيم
المكشوفة يتراوح العدد بين 5-١ مليون/سم!©. و
الجراثيم في تكاثر مستمر؛ حتى قد تصل إلى ضعف ذلك
في ساعة؛ وللتخلص منها لا بد من غسل الجلد باستمرارء
ولا غسل أكثر ديمومة وتكراراً من الوضوء الذي أمرنا الله
"لا تقبل صلاة بغير طهور"” وقال "من توضاً فأحسن
لأمور عديدة.
ب) نظافة الجسد: جلد الإنسان هو أوسع عضو فيه؛ إذ تبلغ
مساحته حوالي مترين مربعين”"؛ وعليه من الجراثيم مالا
يمكن حصرهال". وخير تشبيه للجلد ذاك الذي ذكره
الدكتور كلقمان!"؛ حيث شبه الجلد بما عليه من أنواع
وحروب؛ وما لها من أشكال ومتطلبات؛ شبهه بالكرة
اختلافات شتى. وربما يزيد عدد الجراثيم المختلفة على
الجلد الطبيعي على عدد سكان الأرض قاطبة. وهناك
دراسات عديدة قام بها علماء متخصصون منهم البرفسور
(5) رواه مسلم في صحيحه. ج١١
(1) رواه مسلم في صحيحهء ج١.
فايندوف””" الذي أثبت أن الاستحمام الواحد يزيل عن جلد
الإنسان أكثر من منتي مليون جرثومة؛ ولأن هذه الجراثيم
لا تقف لحظة عن التكاثر, فلا بد من إزالتها بشكل دوري
ومستمرء؛ لتبقى أعدادها قليلة؛ بحيث يستطيع الجسم
مجابهتها؛ ومن أسرار الطب الوقائي في الإسلام أن جعل
يستطيعها أي قانون آخر. قال صلى الله عليه وسلم (حق
على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً يغسل فيه
رأسه وجلده”'') وقال أيضاً (غسل يوم الجمعة على كل
محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه)"؟. وقد
سن لنا الرسول الكريم الغسل في مواقف عديدة كغسل
الجنابة؛ والحيض والنفاس؛ والجمعة والعيدين وغيره؛ كل
ذلك من شانه أن يجعل من المسلم متميزاً في نظافته”؟.
ج) نظافة الفم: الفم مدخل رئيسي للجسم؛ منه تعبر أرتال من
)١١( نفس المصدر السابق.
أنواعها في فم الإنسان عن مائة نوع كما تقدر أعدادها
أحيانا بالملايين وأخرى بالبلايين في المللتر المكعب
الواحد من اللعاب؛ وهذه الجراثيم تتكاثر بسرعة هائلة
أعدادها عادة بين 500 50080) مليون جرثومة/
مللمتر من اللعاب؛ وهي تتغذى على بقايا الطعام المتسرب
ولونها وأدائهاء؛ ومن الأمراض التي تسببها تسوس
الأسنان والتهابات اللثة0.
ومنذ عهد الرومان حتى القرن السادس عشر
يفضلون البول الأسباني؛ فان لم يتيسر استعاضوا عنه
ببول الثيران!"'؟. ولم يهتم نظام بنظافة الفم كالإسلام؛
حيث أن نظافة الفم ترد في الضوء (المضمضة) وخلخلة
الأسنان من بقايا الطعام؛ واستعمال السواك في جميع
(1) دراسة قام بإعدادها رحمان ورسل في كلية طب جامعة مانشستر عام 1510
)١( الدكتور عبد الله عبد الرزاق مسعود السعيد (9/7١)؛ السواك والعناية بالأسنان.
الأوقات حتى أثناء الصيام؛ قال صلى الله عليه وسلم
(أكثرت عليكم بالسواك) "© وعن عامر بن ربيعة رضي
وقد أثبت العلم الحديث أن التسوس يحدث نتيجة
اجتماع عدة عوامل؛ منها فضلات الطعام ووجود الجراثيم
وتخرش سطح السن؛ فعندما تتوفر هذه العوامل تنمو
الجراثيم وتتكاثر وتحدث تغيرات على سطح السن واللثة؛
فتنبعث الرائحة؛ وتتسوس الأسنان وتميل إلى الصفرة!*؟
وعند المضمضة واستعمال السواك؛ تزال بقايا الطعام
تفرز من السواك؛ فتتحد مع لعاب الإنسان؛ لتصبح أكثر
فاعلية في قتل الجراثيم!"'؛ فعند إزالة بقايا الطعام
)١7( نفس المصدر السابق
(19) دراسة قدمها الدكتور باسم المتشاوي بعنوان (السواك واستتباطات صيدلية جديدة) المؤ
الطبي الإسلامي الأول/ القاهرة 171١م
والجراثيم باستعمال السواك دورياً تقل الفرصة أمام
المرض في فم المسلم!"".
د) سنن الفطرة: واستكمالاً للنظافة الجسدية والمظهر المتزنء
أطلق عليها اسم سنن الفطرة؛ حيث قال (خمس من
الفطرة.؛ الاستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط
وتقليم الأظافر) ”" "؛ وقد كشفت لنا العلوم الطبية عن
أهمية صحية بالغة لمثل هذه الممارسات؛ فترك الأظفار
مجلبة للمرض؛ حيث تتجمع تحته ملايين الخلايا
الجرثومية؛ وبذا يلعب الأظفار دوراً بالغآً في نقل الأمراض
أسرع تلوثاً من غيرها بحكم عملهاء فقد أعطاها الإسلام
عناية خاصة؛ فسن استعمال اليد اليمنى في تناول الطعام
والمصافحة. واليسرى في الاستنجاء؛ مع التشديد على
نظافة اليد بشكل خاص؛ قال صلى الله عليه وسلم (بركة
)٠١( دراسة قدمها الدكتور محمد حسني مصطفى بعنوان (تقييم إكلينيكي للسواك وتأثيره على
التهابات اللثة) المؤتمر الطبي الإسلامي الأول/ القاهرة 157
(١؟) رواه الجماعة فقه السنةء ج١1
الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده) "؟ وهكذا يصبح
ترك الأظفار دون تقليم؛ مأوى مناسباً للجراثيم مهما حاول
الأظافر غير النظيفة ذكرها الدكتور سامان في كتابه
(الأظافر ودورها في جراثيم الأمراض) المنشور عام
أما الاستحداد فله أهمية صحية على الإنسان من نواح
شتىء فمن الناحية الصحية ساعد ترك شعر العانة في
البلاد الشرقية والغربية على نشر مرض خاص يسمى
تقمل العانة حيث أصبح من الأمراض التي تنتقل بالاتصال
الجنسي؛ ويسببه نوع من القمل لا يعيش إلا على شعر
العانة؛. ويصاب به أعداد كبيرة سنوياً في الغرب من الذكور
تتجمع فيه الأوساخ,؛ التي تشكل وسطاً مهما لنمو الجراثيم
(17) رواه أبو داود والترمذي في الترغيب والترهيب» ج7٠
() (الأمراض الجنسية عقوبة الهية) 19/46 د. عبد الحميد القضاه.
وعند نتف الإبط؛ تقل فرصة تجمع مثل هذه الأوساخ
أما الختان فعند الذكور مدعاة للنظافة؛. حيث أن القلفة
سرطان عنق الرحمن فهو أقل عند نساء المسلمين من
غيرهن نتيجة ختان أزواجهن؛ وهناك أمراض (تصيب
وأما قص الشارب فلأن الشارب إذا طال تلوث بكل ما
يشربه الإنسان؛ وبالتالي يساعد على تلوث الفم؛ علاوة
على أن بعض الجراثيم تهوى العيش على مادة الشعر
الحساسية لبعض الزوجات.
الفطرة وكل منها له دور هام في النظافة. أما انتقاص الماء
(الاستنجاء) فله دور خاص في النظافة حيث أن التخلص
من بقايا البراز مهم جدآً من الناحية الصحية؛ حيث أثبتت
الدراسات أن الغرام الواحد منه يحتوي على مئة ألف