مما فاجأنى أن أناسا كثيرين جدا يبدو أنهم ليسوا فحسب غير متنبهين إلى الحل الرائع
الجميل لهذه المشكلة جد العميقة؛ بل إنهم أيضا فى حالات كثيرة غير متتبهين بالفعل
وعلى نحو لايصدق إلى وجود المشكلة أصلا!
والمشكلة هى مشكلة التصميم المركب. إن الكمبيوتر الذى أكتب عليه هذه الكلمات
له قدرة على اختزان المعلومات ولما يقرب من 64 كيلو بايت ©8276 (البايت الواحد
يستخدم لاختزان كل حرف واحد من النص) وقد صمم هذا الكمبيوتر بوغى رتج
إنتاجا متعمدا. أما المخ الذى تفهم به كلماتى فهو نظام من بضع عشرات الملابين من
الكيلو عصبات 16000068 16110 وفى كثير من هذه البلايين من الخلايا العصبية يوجاد
لكل خلية مايزيد عن ألف «سلك كهربى» يصلها بعصبات أخرى . وفوق ذلك فإنه على
مستوى الورائيات الجزيقية؛ يخرى كل خلية واحدة» فيما يزيد عن تريلبون خلية فى
الجسم؛ قدرا من المعلومات المرقومة فى شفرة دقيقة يساوى ما يحتويه كل الكمبيوتر الذى
الدئء وت ركب الكائنات الحية يضارعه الكفاءة الرائعة لتصميمها الظاهر ؛ وإذا كان هناك
أى شخص لايوافق على أن هذا الكم من التصميم المركب يصيح مطالبا بتفسيره فإنى أقر
بالبأس «نه لاء بل إنتى بعد التفكير ثانية لاأقر بالبأس؛ لأن أحد أهدافى فى هذا الكتاب
هى أن أوصل شيعا من خالص روعة التركب البيولوجى إلى أولمك الذين لم تنفتح أعينهم
بعد له على أنى إذ أكمل بناء اللغزه فإن هدفى الرئيسى الآخر هو أن أزيله مرة أخرى
والتفسير فن صعب؛ تتستطيع أن تفسر شيئا ما بحيث يقهم القارئ الكلمات؛ كما
النوع الأخير من التفسير» فإنه قد لايكون أحيانا مما يكفى له أن تضع البرهان أمام القارئ
بصورة رزينة. وإنما ينبغى أن تكون محاميا عن القضية وتستخدم حيل مهنة المحاماةء فهذا
الكتاب لهو فى أجزاء منه أبعد من أن يكون رزيناء فقد كتبت هذه الأجزاء بانفعال هومما
قد يثير التعليق فى المجلات العلمية اللتخصصة» ومن المؤكد أن الكتاب يهدف إلى إعطاء
كلغر يقشعر له عموده الفقرى» وأريد فى الوقت نفسه أن أنقل له الإثارة الكاملة لحقيقة
أنه لغز له حل رائع هو فى متناول فهمناء وفوق ذلك فإنى أود أن أقنع القارئ؛ لاخصب
ففى الإمكان إثبات قضية أن المذهب الداروينى صحيح؛ ليس فحسب على هذا الكركب
بل فيما يشمل الكون كله حيثما يمكن أن توجد حياة.
على أنى من أحد الوجوه ألتمس أن أنأى بنفسى عن المحامين المحترفين .. فالمحامى أو
السياسى ينال أجرا لممارسة انفعاله وقدرانه على الاقناع فى سبيل عميل أو قضية قد تكون
بصوابه. وأذكر مانالني من صدمة أ جمعية للمناظرات فى الجامعة للمناظرة مع
معادين لمذهب التطور, فقد أجلست فى عشاء مابعد المناظرة بجوار شابة كانت قذ ألقت
أن تخبرنى بأمانة لماذا فعلت فعلتها. فأقرت بصراحة أنها كانت ببساطة تمارس مهاراتها فى
المناظرة؛ ووجدت أن الأمر يكون أكثر إثارة للتحدى عندما تدافع عن وضع لاتؤمن به
الجامعة أن «يخبره المتحدئون
ببساطة عن الجانب الذى سيكون عليهم أن يتحدثوا فى صفهء أما مايؤمنون به هم أنفسهم
فلا أهمية له فى الأمر. وكنت قد قطعت طريقا طويلا حتى أقوم يتلك المهمة غير المريحة؛
مهمة الحديث للجمهور لأنى أؤمن يصدق القضية التى طلب ملى عرضها. وعندما
اكتشفت أن أعضاء الجمعية يستخدمون القضية كأداة يلعبون بها مباريات الجدلء قررت
أن أرفض مستقيلا أى دعوة من جمعيات المناظرة التى تشجع المحاماة غير المخاصة عن
قضايا تجعل الحقيقة العلمية فيها موضع الرهان.
ولأسباب ليست واضحة لى تماماء فإنه ييدو أن الداروينية مختاج إلى الدفاع عنها أكثر
من الحقائق التى رسخت على نحو مشابه فى الفروع الأخرى من العلم. والكثيروك منا
لايستوعبون نظرية الكمء أو نظريات إينشتين عن النسبيه الخاصة والعامة؛ ولكن هذا فى
أن أحد متاعب الداروينية هى كما لاحظ جاك مونود فى تبصر أن كل فرد «يعتقده أنه
طفولى بالمقارنة بمعظم محتويات علمى الفيزياء والرياضيات. وجماع ماتصل إليه فى
جوهرها هو ببساطة فكرة أن التكائر اللاعشوائى؛ فى وجود تباين ورالىء له نتالج ذات
أحدا لم يفكر فيها قبل داروين ووالاس فى منتصف القرن التاسع عشر» بعد مرور ما يقرب
من للاماثة عام على كتاب «المبادئ»؛ وبعد مايزيد عن ألفى عام من قياس
كان عليها أن تنتظر عالمى أحياء من العصر الفيكتورى؟ ماذا كان «الخطأً» فى الفلاسفة
غير مستوعبة فى الوعى الشعبى؟
يكاد يكون الأمر كما لو كان المخ البشرى قد صمم على وجه خاص ليسئ فهم
ماتوصف دراميا بأنها صدفة «عمياء» إن معظم الناس الذين يهاجمون الداروينية يلبوت بما
وحيث أن تركب الحياة يجسد ذات الدعوى النقيضة للصدفة؛ فإنك إذا أعتقدت أن
الداروينية هى المعادل للصدفة فمن الواضح أنك متجد من السهل عليك أن ترفض
الإيمان بالداروينية» وهى أن أمخاخنا قد بنيت للتعامل مع أحداث ذات +مقاييس زمنية»
تختلف جذريا عن تلك التى تميز التغير التطورى. فنحن قد جهزنا لإدراك عمليات
أنها خطأً بقدر مكبر كثبرا. فجهازنا من الشك والنظرية الذانية للاحتمال هو على حسن
ضبطه؛ جهاز يخطئ إصابة الهدف بهامش خطاً هائل» لأنه قد ضبط - وباللسخرية
بواسطة التطور نفسه _ بحيث يعمل خلال زمن حياة من عقود قليلة. والهروب من سجن
والجاتب الثالث الذى يبدو فيه أن أمخاخنا معرضة لمقاومة الداروينية ينشاً من مجاحنا
العظيم كمصممين خلافين. فعالمنا تسيطر عليه روائع هندسية ومن أعمال الفن. وقد
تعودنا تماما فكرة أن الأناقة المركبة هى مؤشر على التصميم الباوع المقصود. وتطلب الأمر
ولبة واسعة جدا من الخيال من أجل أن يرى داروين ووالاس . عكس كل حدسء أن
ثمة طريقا آخرء وأنه ملإن تفهمه فهو الطريق المعقول بأكثر لأن ينشا «التصميم المركب
كثير ١ من الناس مازالوا لايودون القيام بها. والهدف الرئيسى من هذا الكتاب هو أن يساعد
على أن أى محامى؛ يجب عليه بالإضافة إلى إثبات الجزء اللازمانى من قضيته؛ أن
يجيب أيضا على المحامين المعاصرين من أصحاب الآراء المعارضة» أو القى تبدو معارضة.
ولمة خطر من أن بعض هذه المجادلات مهما بلغت من سخونة فى يومناء فإنها ستبدو فى
من «أصل الأنواع» كانت تدافع عن قضية الكتاب بأفضل من الطبعة السادسة. ذلك أن
داروين أحس أنه مضطر فى طبعاته الأخيرة إلى الإجابة على الإنتقادات المعاصرة للطبعة
طريق الكتاب» بل وهى فى بعض المواضع مضللة. ورغم هذا فإن الإغراء بتجاهل
الإنتقادات المعاصرة الرائجة التى يشك المرء أنها لن يطول بقاؤها لهو إغراء يتبغى عدم
إطلاق العنان له؛ لأسباب من الكياسة؛ ليس فحسب بالنسبة للنقاد بل وبالنسبة لقرائهم
وقد أحزننى أن أجد أن بعض السيدات من الصديقات (لسن كثيرات لحسن الحظ)
يعتبرن استخدام ضمير الغائب المذكر كما لوكان فيه إبداء تعمد إلغائهن؛ ولو كان ثمة
حينما حاولت مؤقنا ذات مرة الإشارة إلى قارئى المجرد ب «هى» فإن إحدى نصيرات
الحركة النسائية شجبتنى لتنازلى المتعالى: فقد كان ينبغى أن أقول «هو- أو هى» ودله»
الامجليزية. وقد أشير الى القارئع ب «هوه؛ ولكنى لاأفكر فى قراثى على أنهم ذكور
بالذات بأكثر مما يفكر المتكلم الفرنسى فى المائدة على أنها أثى. والحقيقة أنى أعتقد أنى
أفكر فعلا فى قرائى كإناث أكثر مما لاأفعل» على أن هذا من أمورى الشخصية» وإلى
لأكره أن أفكر فى أن اعتبارات كهذه تصطدم بطريقة استخدامي للغة بلدى.
الوقت متأخرا إلى حد أكبر من أن يحاول المؤلف فعل أى شئ بهذا الشأن) ؛ وقد امتفدت
عديدة. وصحح جون جريين خطأً جسيما. وأعطى ألان جرافن و ويل أتكنسون المشورة
فيما يتعلق بمشاكل الكمبيوتر» ونكرمت مؤسسة آبل ماكنتوش بقسم الحيوان بالسماح
لونجمان» وقد كان هو ومازى كونان القى تعمل فى نورنون؛ يقومان بمهارة باستخدام
دراسة السرعة المعنوياتى) والكابح (لحسى بالفكاهة) عندما يلزم استخدام أيهما. وقد
كتب جزء من هذا الكتاب أثناء عطلة سنة سبتيةا"» تكرم بمنحها لى قسم الحيوان
فإن نظام الإشراف فى أكسفورد وتلاميذى الكثيرين الذين أشرفت عليهم عبر السنوات فى
علم الحيوان قد ساعدونى على ممارسة ماقد يكون لدى من مهارات قليلة فى فن التفسير
الصعب
ريتشارد دوكنز
أكسفورد 18/5
(*) عطلة تمنح لأسائذة الجامعة كل سابع سئة كعام للبحث أو الرحلة أو الراحة. (المترجم.
الفصل الأول
تفسير ماهو قليل الاحتمال جدا
نحن الحيوانات أكثر الأشياء تعقيدا فيما يعرف من الكون. والكوك الذى تعرفه هو
بالطبع شظية دقيقة من الكون الفعلى. ولعل هناك أشياءا أكثر تعقيدا منا فوق الكراكب
أن نعرف كيف وصلت إلى الوجود وذاذا هى معقدة هكذا. والتفسيره كما سوف أحاج.
يحتمل أن يكون بصورة عامة التفسير ذاته للأشياء المعقدة فى كل مكان فى الكون؛
التفسير فاته بالنسبة لناء ولأفراد الشمبائزيء والديدان» وأشجار السنديانء والسوخ القادمة
من الفضاء الخارجى. ومن الجهة الأخرى ؛ فإنه لن يكون التفسير نفسه بالنسبة لما سأسميه
ووجه الاختلاف هو فى تركب التصميم. والبيولوجيا هى دراسة الأشياء المعقدة التى
قى هذا الكتاب ستعاملها فى ثبات على أنها أشياء بيولوجية .
مخلفة للأغراض المختلفة. ومعظم كتب الطهى تصتف سرطان البحر على أنه من
الأسماك؛ وقد يصاب علماء الحيوان بالسكته من جراء هذاء وسيلفتون النظر إلى أت
على صلة قرابة بالبشر أرثق من قرابته بسرطان البحر. ومادام الحديث يتناول العدل وسرطاث
يسلفها وهى حية)» ومن ناحية علم الحيوان» قمن المؤكد أن سرطان البحر ليس من
نشغل أنفسنا بطريقة استخدام مختلف الناس للكلمات (على أنى على استعداد تماما فى
حياتى غير المهنية لأن أشمّل بشأن الناس الذى يسلقون سرطان البحر حيا» . إن الطهاة
فى هذا الكتاب» فلا أهمية لكون السيارات والكمبيوترات أشياء بيولوجية «حقاء ؛ فا
ينبشى ألا نتردد فى امتنتاج أن الحياة وجدت أو كانت ذات مرة موجودة فوق هذا
من الأشياء الحية؛ وهى علامة تشخيص لوجود الحياة على كوكب ما. وينطبق الشئ نفسه
على الحفريات» والهياكل العظمية؛ وأجداث الموتى .
وقد قلت أن الفيزياء هى دراسة الأشياء البسيطة؛ وهذا أيضا قد يبدو أمرا غربيا لأول
وهلة. فالفيزياء تبدو موضوعا معقداء لأن الأفكار فى الفيزياء هى مما يصعب علينا فهمه.
فقد ممت أسخاخنا لفهم الصيد وجمع الشمار والتزارج وتربية الأطفال: عالم من أشياء