جغرافية الوطن العربي
يسكن العرب رقعة كبيرة من الأرض مابين اثفي عشر وخمسة عشر
مليوناً من الكيلومترات المربعة» وتشمل هذه الرقعة القسم الأكبر من غرب
آسيا وشمال أفريقياء ويسكن هذه الرقعة الواسعة ما لا يقل عن ماثتي مليون
نسمة من السكان» ثلثهم في غرب آسيا وثلثاهم في أفريقيا .
ويحتل العالم العربي مركزاً جغرافياًممتازاً» فتلتقي عنده ثلاث قارات هي
آسيا وأوربا وأفريقيا؛ وقد اسطاع بفضل هذا الموقع الفريد أن يربط بين
الغرب والشرق.
وتحيط بالعالم العربي حدود طبيعية من كل جانب؛ ففي الشمال البحر
المتوسط وجبال طوروس وزاغروس» وفي الجنوب الصحراء الاستوائية
الأطلسي . وهذه الحدود الطبيعية تجعل من العالم العربي وحدة إقليمية
هذه الوحدة التامة بمقوماتهاء فقسَّمت العالم العربي إلى عدة دول
ودويلات . ولم تقم الحدود المصطنعة الحالية إلا نتيجة تنافس الدول الكبرى
ولاريب أن الوحدة الثقافية التي تظلل البلاد العربية من أهم علاماته
الإسلامي هو دين غالبية العرب الذين تصل نسبتهم أكثر من 48/ من عدد
سكان الوطن العربي .
ويشمل الوطن العربي جناحين أحدهما في آسيا والثاني في إفريقياء فأما
الجناح الآسيوي فيضم ما عُرف بمنطقة الهلال الخصيب» ومنطقة المربع
الغربي» فأما وحدات الهلال الخصيب فتشمل العراق وسوريا ولبنان
والأردن وفلسطين» وأما المربع الغربي فيشمل الجزيرة العربية ويضم المملكة
العربية السعودية واليمن والكويت وقطر والبحرين والإمارات العربية
المتحدة وعُمان. ويضم الجناح الإفريقي من الوطن العربي مصر والسودان
وليبيا وتونس والجزاثر والمغرب وموريتانيا والصومال وجيبوتي ٠
وتعتبر حضارة الوطن العربي الإسلامية العربية خلاصة تفاعلات بين
ثقافات واتجاهات وأجناس وشعوب مختلفة» تألفت وامتزجت في ظل
الخلافة الإسلامية التي ظهرت في شبه الجزيرة العربية منذ ظهر الإسلام
وانتشر في أيام الخلفاء الراشدين» ثم في ظل دمشق عاصمة الأمويين»
وبغداد عاصمة العباسيين» ثم في ظل القاهرة عاصمة آخر خلافة عربية.
ورغم انتقال مركز السلطة من مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى دمشق
فبغداد فالقاهرة» فقد وُجدت وحدة مشتركة بين أقطار الوطن العربي تقوم
على اللغة والدين الإسلامي والجنس والأرض والتاريخ المشترك» وكان
قوام الوحدة الثقافية الإسلامية؛ الوحدة الروحية وارتباط السلطة الدينية
بالسلطة الزمنية» فالخليفة هو زعيم ديني وسياسي» كما أن مبادئ الإخاء
والمساواة المستمدة من الدين الإسلامي تُحَطم الحواجز بين الناس دون النظر
ومهما يكن من أمر» فقد تعرّض الوطن العربي لاتقسامات داخلية بعد
ضعف الخلافة العباسية» مما أدى إلى قيام دويلات إسلامية في شتى أنحاء
حكام هذه الدويلات آية قيود أو حواجز تحول دون انتقال المواطن العربي من
قطر إلى آخر » أو تحول دون اتصال عرب المغرب بإخوانهم عرب المشرق»
بل استمر العرب يشكّلون وحدة شعبية وإن اختلفت حكوماتهم وتعددت
وفي مطلع القرن السادس عشر الميلادي كان الوطن العربي مقسَّماً إلى
عدد من الدول أكبرها دولة المماليك ودولة بني مرين في المغرب (مراكش)+
وإلى عدد من الإمارات المستقلة كسلطنة مسقط واليمن» هذا فضلاً عن
والعراق ٠
الفصل الأول
التوسع العتماني
في العالم العربي
العالم العروبي قبيل الفتح العثماني:
في مطلع القرن السادس عشر كان العالم الإسلامي - غرب آسيا -
موزعاً بين ثلاث دول تنازعت فيما بينها زعامة الإسلام؛ وهي : الدولة
بنصيب كبير في حضارته» ولاسيما في مجال الثقافة العقلية. وكان الفرس
في بادئ الأمر على الملذهب السني» ثم اعتنقوا مذهب الشيعة الأمامية عندما
هذه الدولة قد نشأت بادئ ذي بدء كحركة ديئية صوفية وسط الاضطراب
الذي عم المنطقة عقب سقوط دولة المغول الكبرى : وتنسب هذه الحركة إلى
الشيخ صفي الدين المخوفى عام 1774م والذي كان يقيم في أردبيل من
أعمال أذربيجان. ويعتبر الشاه إسماعيل الصوفي (0٠19754-165م) هو
إلى بغداد وديار بكر في الغرب» وكانت العاصمة تبريز . وقد جعل الشاه
وكان لا بد أن يجذب العراق أنظار الشاه إسماعيل» لما فيه من مزارات أو
عتبات مقدسة» وهي مقابر أئمة الشيعة في كربلاء والنجف» والتي تهفو
البحر المتوسط» ويضمن لفارس منفذاً سهلياً نهرياً على الخليج العربي -
ومن ثم » ففي عام 0/8 ٠٠م غزا إسماعيل العراق وهدم ما كان في بغداد من
قبور أئمة السنة وقتل جماعة من علمائهم» ثم زار العتبات المقدسة في
وترتب على الغزو الفارسي للعراق أن تقاربت حدود الدولة الصفوية من
ناحية الغرب مع الحدود الشرقية للدولة العثمانيةء وكان الأتراك العثمانيون
قد دخلوا آسيا الصخرى في الثلث الأول من القرن الثالث عشر كقبيلة من
من مناطق الإستبس في آسيا متجهة غرباً نحو الأناضول. وفي منطقة
مغمورة في الطرف الشمالي الغربي من الأناضول» أقام الأتراك العثمانيون
«إمارتهم» أواخر القرن الثالث عشر» وقد ساعد الإمارة العثمانية على البقاء
والصمود في وجه تكتل الإمارات التركية السلجوقية ضدهاء وهي إمارات
ظهرت في الأناضول خلال النصف الثاني من القرن الثالث عشر على إثر
انهيار سلطئة السلاجقة الروم على أيدي المغول» ذلك الموقع الجغرافي الهام
الذي شغلته الإمارة العثمانية في شمال غرب الأناضول بالقرب من الأراضي
البيزنطية» فقد جعلها هذا الموقع تشرف على خط المواصلات التجارية الذي
يربط القسطنطيئية بمديئة قونية من ناحية وببقية العالم الإسلامي من ناحية
أخرى. مما هيا لها مورداً تجارياً ثابتاً. وساعد على قدوم العناصر المؤسسة
للإمارة من العلماء والصناع والتجار من داخل العالم الإسلامي!.
ومنذ منتصف القرن الرابع عشر تقريباً» اتجه العثمانيون في توسعهم
صوب البلقان في أوربا وكان هذا الاتجاه الأوربي المبكر كذلك من العوامل
المساعدة لهم على ازدياد قوتهم وتوسيع رقعة إمارتهم وتحولها إلى دولة
(١)6عباس العزاوي» تاريخ العراق بين احتلالين؛ 8 أجزاء؛ بغداد
17-تم17/ داح احتدة ل جلا ص ٠07-770
فإمبراطورية شاسعة الأرجاء. ومن خلال المرحلة الأولى من الغزو
العسكري العثماني» والتي امتدت من بدء قيام الإمارة العثمانية في
الأناضول حتى وفاة السلطان بايزيد الثاني عام 1917م» قامت إستراتيجية
التوسع الإقليمي العثماني في اتجاهين مختلفين في وقت واحد: اتجاه نحو
أوربا وميدانه شبه جزيرة البلقان» واتجاه نحو آسيا ورقعته شبه جزيرة
أملاك الدولة البيزنطية وعلى حساب دول الصقالبة والإمارات اللاتينيةء
وفي الأناضول كانت فتوحاتهم على حساب البقية الباقية من أملاك الدولة
البيزنطية أيضاًء والإمارات التركية السلجوقية. وفي خلال هذه المرحلة
كذلك انتقلت عاصمة الدولة بين الأناضول والبلقان: من أسكي شهر إلى
وقد ظل العثمانيون متجهين إلى الفتح والتوسع في البلقان وحوض نهر
الدانوب حتى مطلع القرن السادس عشرء ثم وجهوا منذئذ قدراً كبيراً من
حدود الدولة الصفوية على إثر استيلاء م الصفويين على العراق عام 1667م
التركمانية المجاورة. ولم تكن الحدود في تلك المنطقة محددة تحديداً جيداً أو
مضبوطاً؛ بحيث تمنع الاشتباك بين الدولتين» كما كان يسكنها كعناصر
ولاثهم بين العثمانيين والصفويين» فكانت مشكلات الحدود من العوامل
وفضلاً عن ذلك فإن الشاه إسماعيل الصفوي لم يكتف بإعلان المذهب
الشيعي مذهباً رسمياً للعراق» بل استخل سياسة السلطان العثماني بايزيد
الثاني (1917-15/1م) السلمية نحو الشرق وجهاده ضد القوى الأوربية
في البلقان بصفة خاصة» فحاول أن ينشر المذهب الشيعي بين القبائل
التركمانية في شرقي الأناضول للتمهيد لبسط السيطرة الصفوية السياسية
هناك وأخذت القبائل التركمانية في شرقي الأناضول تتجاوب مع دعوة
الشاه إسماعيل الشيعية. وفي عام ١١10م اندلعت ثورة بين تركمان
الأناضول بقيادة رجل عرف بلقب شاه قولي (عبد الشاه) الذي أعلن ولاءه
للشاه الصفوي وتكاثر أتباعه واحتل كوتاهية» ولكن العثمانيين أخمدوا
الجديد الذي يمثله الشاه إسماعيل الصفوي بالنسبة لسكان الإمبراطورية
العثمانية بالذنات.
وفي أوائل عهد السلطان سليم الأول (17 0-15 167م) ازدادت
العلاقات العثمانية الصفوية سوءاً؛ فقبل اعتلائه العرش وعندما كان أميراً
على طراييزون» أدرك سليم خطورة الزحف الشيعي فحاول إثارة والده
العرش لم يقدم الشاه إسماعيل التهنئة إليه بهذه المناسبة» كما فعل ملك
المجر وقيصر روسيا والسلطان المملوكي» فاعتبر سليم ذلك تصرفاً عدائياً من
الشاه يكشف عن عدم اعتراف من جانبه بسلطئته. ولم يلبث أن ثار بعض
إخوة سليم الطامعين في الحكم عليه فالتجاً أخوه الأكبر أحمد إلى الشاه
كدان
لاستتصال الخطر الشيعي الزاحف عليه؛ فاستصدر من شيخ الإسلام فتوى
بالتالي قتلهم. واستناداً على هذه الفتوى أجرى سليم مذابح كثيرة بين
الشيعة في الأناضول» ورد إسماعيل على ذلك بإقامة مذابح عامة بين السنة
في بلاده؛ وتبادل السلطان والشاه الرسائل العنيفة» وتلا ذلك أن أعلن
سليم الجهاد الديني وخرج لقتال الصفويين!"؟.
وحدث الصدام الأول بين العثمانيين والصفويين في سهل جالديران
بالقرب من تبريز» حيث دارت معركة في 77 أغسطس ١١١64 بين القوات
العثمانية المسلحة بالبنادق والمدفعية”"' وبين القوات الصفوية التي تتألف
غالبيتها من الفرسان التركمان الذين يستخدمون الأسلحة التقليدية
ويجهلون أساليب الحرب الحديثة حينذاك» ودارت الدائرة بالطبع على
الصفويين» وأثبت سلاح المدفعية فعاليته في القتال» ودخل السلطان سليم
تبريز عاصمة الصفويين واستولى على أموال الشاه ونفائس قصوره» وأمر
بترحيل مهرة الصناع إلى إستانبول .
وعلى أن العشمانيين لم يتابعوا بعد احتلالهم تبريز التوغل في الأراضي
(١)د/ عبد الكريم رافق؛ بلاد الشام ومصرء ص ١17-1١5
(1) منذ بداية تأسيس الإمارة العثمانية وطوال القرن الرابع عشرء كان المحاربون العثمانيون
يستخدمون الأسلحة الشائعة وقتذاك» وهي السيوف والرماح والبلط والحراب» بالإضافة إلى
أدوات الوقاية كالتروس والدروع . و؛ لاختكاكهم بالأوربيين أصاب العثمانيون شوطاً من
التقدم في مجال الأسلحة الحديثة النسبة لعصرهم» فأدخل في عهد السلطان مراد الثاني
ويبدو أنهم عرفوا المدافع المتحركة على عجلات التي تجرها الخيول» وقد استتبع ذلك إنتاج
الذخائر والبارود اللازم للجيش.