حقوق الطبعمحموظه
الطبعة السادسة ١١85
الى أولادي الثلاثة عل وأحمد وحسن
وال عشرات اللايين غيرهم من شباب مصر وأمتها العربية
وحتقى لا يضيع منهم الخد لسبب لالذنب هم فيه سوى أنهم
م يكونوا معنا بالأمس !
» ألم يعلم بأن الله يرى ١
) قرآن كريم
سياسية وفكرية - وانسانية أيضاً - كانت تقتضي التعجيل بالكتابة والنشر .
الاطراف في الموضوع - على قيد الحياة يملكون فرصة الرد اذا شاءوا » وبأي
وسيلة يختارون .
وموضوع هذا الكتاب في الحقيقة يتعرض لواحدة من أغرب القصص في
علاقة السياسة بالصحافة في مصر على امتداد الفترة التي تلت الحرب العالمية
تظهر مقاصد أو تبين أغراض ؛ ما زالثك تسعى بين الناس » وما زال أثرها
محسوسا في نبض كل يوم .
ولا أظننى في حاجة - خلال هذه المقدمة - الى التشديد على خطورة
العلاقة بين السياسة والصحافة - والاعلام بصفة عامة - خصوصا في بلدان
العالم الثالث .
والعلاقة بين السياسة والاعلام معقدة في كل الدنيا ؛ وهي في دثيانا -
دنيا العالم الثالك أكثر تعقيداً . فالعلم الحديث في معظم بلداننا منقول
والتجديد مظاهر مستعارة » لأن التغرب بالتقليد سهل والتجديد الأصيل
شاق. وهكذا فإنه حتى وسائل التنوير يمكن أن تتحول في أيدينا الى أدوات
تعتيم ! كما أن وسائل وأدوات التطور والنمو والازدهار والأمن يمكن أن تصبح
لها عندنا استعمالات تختلف عن الهدف الذي قصده هؤلاء الذين سخروا
وعلى سبيل المثال فان ما ينطبق على الاعلام - في دنيا العالم الثالث
ينطبق أيضا على السلاح .
والعالم العربي بالذات يشتري في كل سنة من السلاح ما تبلغ قيمته ما
من الناتج القومي ) . ولكن السلاح في بلدان العلم والتجديد للدفاع عن
النفس » وأما في أيدينا فان السلاح لقهر النفس . . للقمع الداخل وليس
نحدد : من هو العدو ؟
وعندما تختلط الأمور فان ما يضيع ليس هو العلم والتجديد فقط + واها
يضيع الحلم الوطني والقومي ولا يكون هناك بديل غير القمع والقهر .
وكنت أقول دائيا - ولا أزال انه عندما يضيع الحلم فان الأنظمة لا يعود
أمامها غير طريق واحد بدايته قناة تليفزيون أو محطة اذاعة أو جريدة؛ونبايته
دبابة أو مدفع أو ثرة !
اذا عجزت الأنظمة عن تطويع ارادة الناس بالكلام تولى السلاح مهمة
اخضاعهم بالنار !
وليس ضروريا أن تكون قوى السبطرة داخلية - بل العكس - فالشواهد
أمامنا كثيرة على أن نظم السيطرة قد أصبحت عالمية بل كونية في زمان
تلاشت فيه المسافات على الأرض وفي الفضاء » وفي نفس الوقت تمركزت
فيه المصالح والمطامع والغايات !
ولقد حدث للسياسة في مصر - وفي غيرها ما تعرفه من مد وجزر ومن
انطلاق وانحسانن و هذا كله كان الاعلام - وصحافة الكلمة قِ وسطه
ساحة وطرفا وأداة وف طبائع الأمور التي تفرض - كما شرحت في بعض فصول
هذا الكتاب أن تكون الصحافة في أي بلد جزءاً من الحياة السياسية فيه .
ولهذا فان متابعة ومراجعة ما جرى وبجري في عالم الصحافة هو متابعة
ومراجعة لما جرى وبجري في عوالم السياسة .
وقلت إن القصة النى يتعرض لا هذا الكتاب من أغرب القصضص ؛
ولقد كان التوقيت هو السؤال الحائر الوحيد .
ثم قر قراري على أن الموعد قد أزف لعدة عوامل » أولها - كما أسلفت -
عامل الزمن والسنين التي تجري سراعا وثانيها أن يكون كل الأطرف على قيد
الحياة ومن قبل أن ينزل صمت الأبدية » فلا يقول قائل : لماذا لم يتكلم وكان
في مقدوره الكلام ؟ - أو يقول اخر : بعد فوات الأوان جاءوا يتكلمون ؟
وعل وجه البقين فانني أدعو بطول العمر والصحة للجميع ؛ لكن
سلطان . -
وهكذا فقد كان عل أن أحزم أمري على لحظة من اللحظات أحاول
فيها وأقدم ٠» وليكن ما يكون - عارفا مسبقا أنها مهمة دونا أهوال » فلدى
الآخرين سلطة وليس في يدي شيء ؛ ولدى الآخرين منابر ضخمة كأنا
الحصون وأنا في الحواء الطلتى أو في العراء وبالتالي فهي موازين غير متكافئة .
الكلام والا فلا كلام ١١
لا بد أن أقول أيضا أن المناخ العام في مصر بدأت تظهر عليه امارات
صحوة . فهناك أخيرا محاولة ٍ للبحث عن الحقيقة ؛ وتساؤؤل عميق حتى العظام
يجاول أن يستنطق الصخر نفسه عله بيجيب في فيطفىء ظماً ويشبع جوعا الى الحق
وربما كان التساؤل الأعمق في حياة أجيال جديدة من شعب مصر
وشعوب الأمة العربية هو التساؤل عن التجربة الثورية المصرية ودور جمال
والواقع أن السؤال في مصر قديم جديد » فكل تجربة للتحرر والتقدم
في مصر جرى تشويبها بعد محاولة ضربها وبعد « التعامل » مع أبطالها بأسلحة
العصر السائد أيامها ووسائله .
وقد أقول - وهذا اجتهاد شخصي - أن أبطال مصر في العصر الحديث
ستة » ولا أظنهم أكثر بالمعايير المتعارف عليها للبطولة : « الانسان »
و اللحظة ( أمام صراع المقادير وعند نقط التحول الكبرى :
محمد علي وجمال عبد الناصر في الصراع لطلب الاستقلال والتقدم .
عرابي ومصطفى كامل - في الصراع من أجل التنبه والبقظة الوطنية .
الطهطاوى ومحمد عبده في الصراع لاعلاء سلطان العقل والفكر .
عبد الناصر أكثرهم تعرضا لعدة أسباب تظهر وتتجلى خصوصا بالمقارنة مع
أولها - أن روابط الانتماء العضوي بالأرض كانت أقوى في حالة جمال
عبد الناصر ء؛ فاذا تمكنت الجذور في الأعماق فمعنى هذا أن القطع أو الخلمع
عمليا تصديا لواحدة من ظواهر الطبيعة ذاتها » وهذا صعب . ولهذا
السرعة واجبة والعنف في عجلة من أمره .
وثانيها - أن حدود جمال عبد الناصر كانت أكبر من حدود محمد عل .
ففي حين أن المشروع القومي لمحمد علي ل يتجاوز مصر والشام ومحاولة بناء
أو ترث تركتهاء فان المشروع ال القومي لجمال عبد الناصر كان يمتد من الخليج
وثالثها - أ ل المصالح التي واجهثت حمال عبد الناصر كانت أقوى وأعتى :
فلم تعد مصر مجرد طريق الشرق وحلقة في مواصلات امبراطوريات ؛ ولكنها
الصميم من مواجهة عالمية كبرى بين عملاقين في القوة لم يعرف لا التاريخ
مثيلا من قبل .
ورابعها - أن نفس هذه المنطقة لم تعد مجرد جغرافيا »؛ ولكنبها أي
ويتضاعف وأن يتحمل التكاليف آخرون !
وخامسها أن محمد علي كان في أيامه الطرف المحل الوحيد . وأما مال
عبد الناصر فقد كانت أمامه أطراف محلية أخرى لديهاما تريد أن تحافظ عليه مما
تتقاسم غنائمه مع الساعين الى السيطرة . وهكذا لم تكن المعركة ضده من
الخارج فقط ولكن من الداخل أيضا
وسادسها أن تجربة جمال عبد الناصر جاءت في مرحلة من التطور
المصري والعربي حافلة بأسباب الفوران » والنموذج المقابل ( الجاهز للنقل من
الغرب ) قوي . والقوة لها قدرة اقناع كامنة ٠. ثم ان مجموعات القيم المطروحة
لما جاذبية باهرة تفرض نفسها على الناس فلا تترك لهم فرصة كافية ليتدبروا
وفي حين أن محمد على كان على الساحة وحده فان جمال عبد الناصر
كان من حوله كثيرون يحلمون وهم الحق أن بجدوا في مجتمعهم ما بلغته
مجتمعات السابقين .
وكان هؤلاء بصرف النظر عن حسن نواياهم - عنصر ضغط على
التجربة من داخلها وعند الجذور . ِ
وسابعها - أن تجربة جمال عبد الناصر تعرضت لظاهرة غريبة » وهي أن
وبعضهم الآخر حاول تصفية وجهها التحرري والتقدمي . وتاريخ التطور
أبناء الثورة هم الذين أكلوها .
. وثامنها أخيرا - أن وسائل الحرب على التجربة كانت شيئا جديداء
بالغ الجدة في كل ما عرفته العصور من قبل . فوسائل الاعلام ( الاذاعة
والتليفزيون والصحف ) جعلت الرأي العام في كل مدينة وقرية ونجع واحدا
بين الحضور وان لم يكن واحدا من المشتركين .
يتلقى وأن يتسلم شحنات السموم المغلفة بالسكر والمعبأة في الصور والأصوات
والألوان والظلال !
وهكذا ففي حين أن الحملات ضد محمد عل والطهطاوي وعرابي ومحمد
عبده ومصطفى كامل وصلت الى دوائر محدودة بحدود العصر » فان الحدود
المستباحة وصلت بالحملة على جمال عبد الناصر الى كل مكان .
لا بد أن اعترف أيضا أن هذا الكتاب لم يكن خطتي للعمل هذا العام -
في البداية حاولت أن أكتب لمجموعة الناشرين التي تملك حقى نشر كتبي
في العالم كتابا, عن « ظهور وتراجع القوة العربية » . وبدأت المحاولة فعلا . ثم