ترى » لو كان مقدرا لهذا العالم الإسلامى أن يموت ؛ لمات فى خلال فترة الاسترخاء
والإعياء» وفى إبان حركة حزب الشيطان!
ولكنه لم يمت ... بل انتفض حيا متفاعلا يزيح الركام الهائل عن صدره؛ وينفض
النوم العميق عن جفنه؛ ويحطم الأغلال» ويكسر القيود!
وحيثما مد الإنسان بصره اليوم شعر بهذه الانتفاضة الحية» وشعر بالحركة المتفاعلة ..
حتى الشعوب التى ما تزال فى أعقاب دور الاسترخاء؛والتى ما تزال مرهقة بالأثقال..
حتى هذه الشعوب يدرك المتأمل فى أحوالها أن الحياة تدب فى أوصالهاء ويرى خلال
الرماد وميض نار» توشك أن يكون لها ضرام !
ترىء ما الذى احتفظ لهذه الشعوب بحيويتها الكامنة بعد قرون كثيرة عديدة؛ طويلة
الظلم والجحود؛ والبطش والكنود؛ والضغط والقسرء والاحتلال البغيض الذى بذل جهده
لتقطيع أوصالهاء وإخماد أنفاسها ؟
إنه الإيمان المتمثل فى العقيدة القرية العميقة؛ التى لم يستطع حزب الشيطان قتلهاء
والاجتماع والسياسة!
هذه العقيدة التى تدعو معتنقيها إلى العزة التى هى صنو الإيمان فى الجنان المؤمن؛
المؤمن فى أحرج اللحظات» وأشد الأزمات, إلا أن يتضعضع فيه ليقينه فإذا استقر ورسخ
فالعزة معه مستقرة راسخة :
هذه العقيدة التى تدعو معتنقيها إلى المقاومة والكفاح» لتحقيق الاستعلاء على حزب
الشيطان وألاعيبه» وعدم الخضوع للظالمين» أياكانت قوتهم المادية ؛ لأن تلك القوة المادية
وحدها لا تخيف المؤمنين بالله؛ جبار السموات والأرض» القاهر فوق عباده أجمعين:
وتلك حقيقة كبرى تستحق الالتفات» لكى ندرك قيمة هذه العقيدة فى كفاحناء
ولكى ندرك كذلك أن حزب الشيطان فى القديم وفى الحديث على سواء» لم يكن
ولقد ظن الناس أن حزب الشيطان قد أفلح» وأن هذه العقيدة قد نامت إلى غير
الاجم اللجمعتو أ ممق المج
وإذا بالصادقين من الخلف يسيرون على نهج السلف الصالح؛ فى صحوة مباركة إلى
غير سبات.. والمسلمون الأولون الذين تلقوا القرآن الكريم تلقيا حقيقيا شعروا شعورا
صادقا أن الكيان الإنسانى كله يتزلزل » ليعاد تركيبه من جديد؛ وفق ذلك التصور
الجديد ..
وأدركوا أن الكيان القديم الذى بنى وفق تصورات الجاهلية» لا يمكن أن ييقى ولا أن
يثبت» ولا يرقع ترقيعا بالتصور الإسلامى الجديد..
بل لا بد من زلزلة وتصدع كاملين فى الكيان القديم» ليعاد إنشاؤه وفق تكوين جديد
دقيق» ووفق بصر جديد عميق :
اشرب 0 بمَحُرونَ 4ه
وتلك صورة تمثل حقيقة؛ فإن لهذا القرآن لثقلا وسلطاناء وأثرا مزلزلاء لا ينبت له
والتحولات ما يمثله فى عالم المادة فعل المغناطيس والكهرباء بالأجسام وأشد :
در وروم
تشخص فيها الحركات ..
آيات الله؛ فيغشاها جلال الحق» وتنتفض فيه مخافة الخالق؛ ويتمثل عظمة الحق ومهابته ..
فينبعث إلى طاعة الرحمن باللسان والجنان؛ والوجل والخشية؛ والإنابة والحضوع»؛
والضراعة والخشوع ..
لقد تصدع كيان النفس البشرية التى مها القرآن الكريم مسا حقيقيا؛ ليعاد تركييها
على نسق غير مسبوق» ولتسير فى طريق النور على هدى وبصيرة..
(©) الأتقال : ١ (4) الشورى : 57
والكتاب والسنة صنوان أو توأمان.عليهما تتوقف حقيقة الإيمان ؛ ومنهما تستمد
إن هذه الآية الكربمة تبين بما تقتضيه « ما » من معنى العموم إن كل ما يقدمه الرسول
نهجا غير نهجه؛ ويتسللون من الصف ابتغاء منفعة أو اتقاء مضرة ليحذروا :
ف أن تصييهم فة » .
يقف عند حده أحدء ولا يتميز فيها خير من شر.. وهى فترة شقاء للجميع :
ل أويصيهم عذاب أليم» .
جزاء ا مخالفة عن أمر الله؛ ونهجه الذى ارتضاه للحياة.
يروى البخارى عن أبى هريرة . رضى الله عنه أن الرسول الحبيب المحبوب تنه
« كل أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى 6.
« من أطاعنى دخل الجنة؛ ومن عصانى فقد أبى 06 .
فى التاريخ البشرى كله..
قارعة التتار!
جحافل الصليبيين!
واستيقظت بعض اليقظة؛ لتعود إليها غفاتهاء ولترجع إلى غفوتهاء فداهمتها :
مصيبة الأندلس!
بعد أن كانت مصدر إضعاع؛ ونورا فى ظلام من حولها من الأنم !
كارثة فلسطين!
فى الوقت الذى نبصر فيه علماء السوء يقرون تلك الانحرافات؛ ويتسترون على تلك
والشىء الوحيد الذى يهتمون به؛ ويضعونه نصب أعينهم؛ هو الحفاظ على الوظيا
بشتى السبل؛ والانحناء أمام الوسائل التى ترشح للترقى فى سلّم المادية الدنيوية وكفى !
وتتلمذ على الوحى !
وهم إذا بحثوا عن الأمة فعن المظاهر يبحثون؛ لا عن الأسباب الباعثة المتفشية فى
على الله الكذب؛ ليرضى عنهم الناس» ولا يهمهم أن يسخط رب الناس !
قارعة التحار!
وجحافل الصليبيين!
ومصيبة الأندلس!
وكارثة فلسطين!
رغم تلك المصائب والكوارث» فإن الأمة لم تدرس أسباب ما حدث؛ ولم تقدم
وهى لا تملك أن تقف مرفوعة الرأس!
حتى وجد الكثيرون أنفسهم مأخوذين بما بهر عيونهم التى لم تبصر فى الضوء مثل
الخفافيش » أو منكفئين على أنفسهم ؛ يتجرعون صديد أفكار عصور الانحطاط
ولم تواجه الأمة الأمر مواجهة صادقة؛ لتستقرىء السئن الثابتة وتقف على الحقائق
وشبه القارة الهندية!
والقارة الأفريقية!
وعم نزيف الدم الأقليات الإسلامية التى يحكمها غير المسلمين! والبلاد القى تحتسب
على الإسلام وما أكثرهاء وهى ضالة عن الحق» متخبطة فى التيه!
وخلال هذه الأحداث المريرة جاءت نازلة اضطهاد الحركة الإسلامية؛ بشكل فاضح
كالح لم يسبق له فى التاريخ مثيل !
ووسط هذا الظلام» استمر نزيف الدم المصنوع فى معامل الأعداء» والذى كان من
بيد أن هذا الضلال أصابته جائحة حرب7817 ١ه 317 ١م بأوضح لغة وبيان» وما
زالت الأمة تتلقى القوارع فى نزيف الدم المستمر بين معتنقى هذا الضلال, الذين رجعوا
إلى جاهليتهم الأولى» يضرب بعضهم رقاب بعض !
اليقين وأنس الروح» وسعادة النفس» ونشوة الحس» حتى ترجع إلينا سيرتنا الأولى..
وأول معالم الطريق أن تتأسى بالرسول الحبيب المحبوب تكله
نور وهاج أفضى إلى ظلمات الجهل والوثنية» فانجابت كما ينجاب الغمام؛ وهدى من
تتخبط به فى دياجير الظلام» وعقابيل الضلال (").
كانت حياة الرسول الحبيب المحبوب تن صفحة عريضة؛ فريدة وحيدة ؛ من
إن سيرة الرسول الحبيب المحبوب تهت غنية بأحداثهاء زاخرة بدلالتها ؛ متنوعة
وما كان لباحث منصف يسعى إلى إيفائها حقها من البحث والتحليل إلا أن يوسع
واقعية شالية..
)١( الأحزاب 3١: (1) انظر: مقدمة تهذيب سيرة ابن هشام»والروض الأنف.
ومن هنا لم ألتزم الخط الزمتى لأحداث السيرة فيما يتعلق باليهود..
ذلك الخط الذى وقع فى أسره معظم الكاتبين. فضاعت فى مجراه حقائق
وطمست دلالات وقيم؛ ما كان لها أن تضيع أو تنطمس لو قسمت وقائع السيرة إلى
وحللت دلالانهاء رغم أن الخط الزمنى يمثل الأمانة فى ذكر وقائع الأحداث كما كانت
ة الواحدة أو المقطع الواحد ١ مجموعة
إلى تقطيع الواقعة الواحدة إلى أجزاء متناثرة؛ لا يضمها إطار واحد؛ ولا يوحدها تجانس
وتلك. بطبيعة الحال _ نتيجة مفروضة للسعى وراء منطق التقسيم الرياضى الصارم
للأيام والسنين.
وهذا الأسلوب هو الذى اعتمده مؤرخونا القدامى» وعرفوه باسم ( الحوليات)»
حيث لم تكن مناهج البحث الموضوعى فى علوم التاريخ قد استكملت أسيابها بعد .
وإن اعتماد بعض المؤرخين المحدثين على عدد من مصادر المتأخرين ؛ كمصادر
محورية؛ وتغافلهم عن واحد أو أكثر من المصادر الأساسية؛ جعلهم يتركون فقرات عميقة
المصادر الأولى» ومن ثم كان تضخيم وقائع السير إلى أضعاف حجمها الحقيقى على
حساب الوقائع نفسها ..
وقد نزل القرآن الكريم منجماء ونزلت آياته على مكث» لكى تلامس الأحداث:
كما أنه يدفع الباعث أن يعرض فى الن
حتى يربى أمة» ويقيم لها نظاماء فتحمله هذه الأمة إلى مشارق الأرض ومغاربها 07
وتعلّم به البشرية هذا النظام وفق المنهج الكامل المتكامل.
(1) مقدمة دراسة فى السيرة؛ يتصرف . )١( الإسراء: 1١5