ما شاع ولم يثبت
هجرة عمر بن الخطاب *
ومما اشتهر أن الفاروق عمر بن الخطاب 4# لما أراد أن يهاجر من مكة إلى
فطاف بالبيت » ثم أتى المقام فصلى ؛ ثم وقف فقال : اشاهت الوجوه ؛ لا يُرغم
قال الألباني # يخ رده على البوطي الذي نقل هذه القصة عن ابن الأثير:
ذمته؛ ولينظر فيه من كان من أهل العلم ؛ وقد وجدت مداره على الزبيربن
محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبد الله بن القاسم الأملي (كذا الأصل ولعله
الأيلي») عن أبيه بإسناده إلى علي وهؤلاء الثلاثة يخ عداد المجهولين » فإن
أحداً من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطقاً"١١ ه كلام الألباني
الظاهري" إلى ابن عساكر وابن السمان
وقال الدكتور أكرم العمري : ١و أما ما روي من إعلان عمر البجرة وتهديده
من يلحق به فلم يصح»
)8/4( أسد الغابة لا معرفة الصحابة )١(
٠ ص 9؛ ٠ دفاع عن الحديث النبوي والسيرة )7(
(4) الأثر المقتفى لبجرة المصطقى #* ص ٠١١
وشجاعة الفاروق لا تُجهللكن الكلام هنا على سند القصةثم إن
الرسول #* - وهو أشجع الناس هاجر وصاحبه الصديق ل متحْفَيَيْن عن أعين
المشركين ؛ فليس يذ هذا ما يعيب ؛ بل هو من بذل الأسباب ؛ ومن تمام
التوكل على الله
وقد روى البخاري #* عن البراء بن عازب ##* قال : «أول من قدم علينا مصعب
بن عمير وابن أم مكتوم وكانوا يُقرئون الناس ؛ فقدم بلال وسعد وعمار بن
ياسر #ه ثم قدم عمر بن الخطاب * يخ عشرين من أصحاب النبي * ا
بل قد أخرج ابن إسحاق ما يدل على أن هجرة عمر « كانت سراً فقال:
«احدثني نافع مولى عبدالله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب © قال : (اتعدتُ
لما أردنا البجرة إلى المدينة أنا وعيّاش بن أبي ربيعة ؛ وهشام بن العاصي بن وائل
السهمي التّناضب من أضاة بني غفار فوق سَرِف ؛ وقلنا : أيُّنَا لم يُصبح عندها
فقد حُبس ؛ فليمض صاحباه قال : فأصبحت أنا وعيَّاش بن أبي ربيعة عند
التناضب + وحبس عنّا هشام وفتن فافتتن”"» الحديث وصحّحه ابن حجر"
والجمع بين رواية ابن إسحاق هذه » ورواية البخاري أن عمر قدم بي عشرين
من الصحابة : أن هؤلاء الصحابة 4# التقى بعضهم ببعض ل الطريق دون
ترتيب مسبق» فيما يظهر والله أعلم ٠
(3) البخاري : كتاب متاقب الأنصار » باب مقدم النبي * وأصحابه المدينة (155/17 فتح)
* قال السّهيلي:أضاة بن غفار على عشرة أميال من مكة» والأضاة الغدير(الروض الأنف 190/4)
() الروض الأنف )١7١/4(
(«) الإصابة (577/7) » وحستنه “يي مختصر زوائد البزّار (1306/7)
(9) الصحيح المسند مما ليس يخ الصحيحين )٠١8/7(
)١١7/1( الغرباء الأولون )٠١(
ما شاع ولم يثبت
مؤامرة دار الندوة
قال ابن إسحاق # : (ولما رأت قريش أن رسول الله * قد صارت له شيعة
وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ؛ ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم
فحذروا خروج رسول الله #* إليهم ؛ وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم ؛ فاجتمعوا له
يخ دار الندوة يتشاورون فيها ما يصنعون يخ أمر رسول الله :* حين خافوه»
ثم قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ؛ عن عبد الله بن أبي
نجيح» عن مجاهد بن جبر وغيره ممن لا أتهم عن عبدالله بن عباس ## قال: لما
إبليس يخ هيئة شيخ جليل !) الخ
وعلّة هذا السند جهالة شيخ ابن إسحاق وقد سبق قول البيهقي'": ابن إسحاق
إذا لم يُسمٌ من حدثه فلا يُفرح به وقد أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق
فقال : «احدثا ابن حميد » قال : حدثنا سلمة ؛ قال : حدثني محمد بن إسحاق؛
قال حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن 8
ويخ سند الطبري سقطت الواسطة بين ابن إسحاق وابن أبي نجيح وصرَّح ابن
إسحاق فيه بالتحديث عنه ؛ لكن "يخ هذا الإسناد علّة هي : أن شيخ الطبري
هو: محمد بن حُميد بن حيان الرازي ؛ قال الحافظ ل التقريب : (حافظ
ضعيف)"وكذّبه أبو زرعة والنسائي وابن وارة وقال صالح بن محمد
)177/4( الروض الأنف )١(
(1) ب قصة الفحل ١ لذي عرض لأبي جهل ٠
(”) تاريخ الطبري )5713/١(
(؟) تقريب التهذيب )١١/1(
(*) تهذيب التهذيب ؛ وفيه :"قال إسحاق بن منصور الكوسج قرأ علينا محمد بن حميد كتاب
له : قرأ علينا محمد بن حميد ؛ قال : فتعجب علي وقال : سمعه محمد بن حميد متي» )١5/4(
ما شاع ولم يثبت
الذهبي يخ (الضعفاء والمتروكين)'" وب (الكاشف) وقال: «وثقه جماعة
والأولى تركه"»
ومحمد بن حُميد هذا هو المتهم والله أعلم بتسوية إسناد ابن إسحاق عند
الطبري
وي السند علّة أخرى لكنها دون الأولى ؛ وهي أن عبد الله بن أبى نجيح -
وهو ثقة رمي بالقدر - ربما دس ؛ وقد عنعن هناء قال يحيى بن سعيد وابن
المديني : لم يسمع ابن أبى نجيح التفسير من مجاهد””؛ وقال ابن حبان: رواه
عن مجاهد من غير سماع
'" من طريق الواقدي ؛ وقد تقدم مراراً أنه متروك على
وهذه القصة لم أرّ- حسب علمي من صحّح أسانيدها من أهل العلم » على
أنها مشهورة يج كتب السيرة » لكن الشهرة لا تغني عن صحة الإسناد ومال
الدكتور سليمان السعود إلى تقوية القصة بأمور ثلاثة :
(8) تاريخ ابن أبي خيثمة 17١/١( و ٠
(9) تهذيب التهذيب (54/6)
)771/١( الطبقات الكبرى )٠١(
المصثف ؛ كتاب المغازي (ه/385) )١١(
* عن هذه الآية انظر ما يأتي : قصة نسيج العنكبوت
ما شاع ولم يثبت
شهزة هذه القضة واستفاضتها عند أئمة السير " ه
وقال الشيخ محمد الصادق عرجون # عن هذه القصة ومشاركة إبليس إنه
ضرب من الخيال المجنون : الأنه لم يثبت فيه خبر صحيح عن رسول الله *
وكان ماجاء فيه رواية مرسلة عن ابن عباس لم يثبت لها سند يمكن التشبث
به والاعتماد عليه""»
وتعقبه الدكتور مهدي رزق الله بقوله : «قلت : جاءت القصة بطريق صحيح
عن [عند] ابن إسحاق والطبري إضافة إلى أن ابن إسحاق والزهري والواقدي
وابن سعد والأموي من أئمة المغازي والسير ؛ واتفقوا على ذكر القصة مما يدل
أحاديث صحيحة؛ مثل الأحاديث التي وردت ع تفسير الآية : (وإذ يمكر بك
وهذا التعقب يحتاج إلى تعقب ؛ فالقول بآن هذه القصة جاءت من طريق
صحيح » غير صحيح وقد سبق أن الرواية لبذه القصة إما من طريق الواقدي
وهو متروك » أو من طريق ابن إسحاق وفيه جهالة شيخه ؛ وما ذكر من أن ابن
إسحاق قد صرح بالسماع يخ رواية الطبري لا يفيد لأن شيخ الطبري كما سبق
كذّبه العلماء وهو _ والله أعلم - المنّهم بتسوية السند ؛ وكل ذلك قد مرّ
ايناطيرب أحاديث البجرة جمع وتحقيق ودراسة ؛ مركز الدراسات الإسلامية ؛ برمنجهام ؛ )١١(
والكتاب رسالة ماجستير ١١4 الطبعة الأولى 6 ١ه » ص
)٠( محمد رسول الله ## ؛ منهج ورسالة ؛ بحث وتحقيق دار القلم ؛ دمشق » الطبعة الأولى
)١( السيرة التنبوية يخ ضوء المصادر الأصلية ؛ الطبعة الأولى ١٠١ ه ء مركز الملك فيصل
للدراسات والبحوث © ص 718؟
ما شاع ولم يثبت
وروى ابن إسحاق قصة ل حصار بيته # للفتك به ؛ فقال : «فحدثني يزيد بن
زياد عن محمد بن كعب القُّرظي قال : لما اجتمعوا له ؛ وفيهم أبو جهل بن
هشام ؛ فقال وهم على بابه : إن محمداً يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره
كنتم ملوك العرب والعجم ؛ ثم بُعثتم من بعد موتكم فجُعلت لكم جنان
قال : وخرج عليهم رسول الله * فأخذ حفنة من تراب يخ يده ثم قال أنا أقول
ذلك» أنت أحدهم وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه ؛ فجعل ينثر
انصرف إلى حيث أراد أن يذهب ؛ فأتاهم آت ممّن لم يكن معهم ؛ فقال : ما
محمد ؛ ثم ما ترك منكم رجلاً إلا قد وضع على رأسه تراباً وانطلق لحاجته؛
أصبحوا ؛ فقام علي له عن الفراش فقالوا : والله لقد كان صدقنا الذي
وهذا إسناد مرسل ؛ وقد أشار إلى ضعفها الدكتور أكرم العمري ِ
والدكتور سليمان السعود”''؛ولبذا لم يعرّج أكثر أئمة التفسير إلى ذكر هذه
١١١ أحاديث البجرة ص )١١(
الأحاديث عند تفسيرهم للآيات السابقة من سورة يس ؛ مع عنايتهم بذكر
سبب الترول » كالطبري والقرطبي وابن الجوزي والزمخشري » و أوردها ابن
كثير نقلاً عن ابن إسحاق ؛ بل ذكر أكثرهم سبباً آخر للترول لم يثبت هو
الآخر
واعلم أن يا قصة البجرة تساؤلات كثيرة ؛ ففي صحيح البخاري يا حديث
البجرة عن عائشة ## : «أن رسول الله # جاء إلى بيت أبي بكر ية نحر
الله * وأبو بكر بغار يخ جبل ثور ؛ فكمنا فيه ثلاث ليالا*'"» فمتى حاصر
المشركون بيته ؟ - على القول بصحة القصة - هل كان قبل ذهابه إلى بيت أبى
بكر ؟ فأين قضى # هذا الوقت الذي استغرق ليلة ونصف نهار قبل أن يذهب
بالبجرة ؟ وهذا لا يستقيم مع رواية البخاري » فإن ظاهرها أن التوجه إلى الغار
كان من بيت أبي بكر
بصحة الحصار - أين كان بنو هاشم عن هذه المؤامرة ؟ وماذا سكتواً عنها؟
ولم يُسمع لهم فيها بأدنى ذكر ؟ صحيح أن أبا طالب قد مات ؛ لكن ذلك لا
يعني عدم وجود آخرين من بني هاشم تأخذهم الحمية والأنفة لابن أخيهم»
وعلى رأس الباشميين العباس بن عبد المطلب وهو الذي قد رافق - وكان لا
يزال مشركاً - رسول الله #* يذ لقائه بالأنصار "يخ بيعة العقبة الثانية ؛ بل وبدأ
بالحديث حينها ؛ وبيّن للحاضرين أن ابن أخيه يخ عزٌّ ومنعة من قومه ؛ لكنه
أبى إلا الانحياز إليهم ؛ ثم تثبّت منهم إن كانوا صادقين ل بيعتهم ثم كيف
علمت قريش بموعد هجرته * حتى تقوم بمثل هذه الأمور ؟ إلى غير ذلك من
ما شاع ولم يثبت
الإشكالات وقد أشار الشيخ محمد عرجون # إلى كتير من هذه
فائدة : أخرج البيهقي يخ سننه (185/7) من طريق ابن إسحاق : «وأقام علي
0 ثلاث ليالٍ وأيامها - يعني بعد هجرة رسول الله * وصاحبه -
لحق رسول الله # » قال ابن حجر : رواه ابن إسحاق بسند قوي (التلخيص
)١١١/" وحسنه الألباني (إرواء الغليل 784/5 رقم )١٠947
محمد رسول الله (548/7) وما بعدها )٠(
ما شاع ولم يثبت
هل كانت أسماء تأتي بالطعام إلى الغار؟
ومما اشتهر ّي السيرة أن أسماء بنت أبي بكر الصديق # كانت تأتي
بالطعام لرسول الله #* وأبيها عندما كانا "يخ الغار قال ابن إسحاق: اوكانت
أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما”""» لكن
رواية البخاري بيّنت أن أسماء # صنعت لها الطعام يا بيت أبي بكر وقبل
الخروج للغار» قالت ##: اصنعتُ سفرة رسول الله # يخ بيت أبي بكر حين أراد
النطاقين""» وبوّب له الإمام البخاري بقوله : اباب حمل الزاد ل الغزو»
وصنعنا لهما سفرة يخ جراب ؛ فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها
رسول الله # وأبو بكر بغار لي جبل ثور"»
أما طعامهما (رسول اللّه #* وأبو بكر )"يخ غار ثور يق الأيام الثلاثة التي
مكثاها ا الغار ؛ فالظاهر أنه من تلك السفرة التي أعدت يخ بيت أبي
عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ؛ فيبيتان يخ رَسْل - وهو لبن منحتهما
)١87/4( الروض الأنف )١(
٠ فتح ١75/7( البخاري » كتاب الجهاد ؛ باب حمل الزاد يخ الفزو )3(
البخاري» كتاب مناقب الأنصار» باب هجرة النبي # وأصحابه إلى المدينة(177/17 فتح) )(