أخطاءهم ويجلي ما بأنفسهم من مركبات ما أنزل الله بها من سلطان وعقد لم
وبحواره رسم عليه الصلاة والسلام للمسلمين السياسة التي يستطيعون
بفضلها الدفاع عن الحق وإحراز النصر واقحام المكابرين والمتسلطين من
الخصوم والأعذاء الذين يتربصون بهم الشر.
والمتتبع لما جاء في القرآن الكريم وما ورد بالسنة النبوية يقف على أنواع
الحوار التي مارسها عليه الصلاة والسلام وحقق بها النصر تلو النصر. وتوصل
بفضلها إلى أداء الأما: الرسالة ونشر الاسلام في الجزيرة العربية وتهيئة
الظروف التي أوصلته إلى مشارق الأرض ومغارها.
إن الوقوف عند نوع واحد من أنواع الحوار التي مارسها الرسول قَيةِ
يظهر جوانب العظمة في طرق تعامل الرسول يي مع الخصوم والأحداث المهمة
أعداء الأنبياء والمرسلين» وأجرا خلق الله على الله وأكثرهم رياء ونفاقا وتحريفا
بعون من الله إلى تجليتها وبيانها وتزودهم بوسائل يستخدمونها عند الحاجة
متأسين في ذلك برسول الله قي
محسن محمد عبدالناظر
كلية الشريعة والدراسات الاسلامية
جامعة قطر

نزل الدين الاسلامي على رسول الله كَيةٍ و
أفرادها قد جعلوا لله شركاء في خلق الكائنات وتصريف الأمور. فكان من الطبيعي
أن يبدأ بين الرسول يَيةٍ وبين هؤلاء حواروجدل نزل الوحي المتلوببعضهما وصدر
البعض الآخر عن صاحب الرسالة وحيا مرويا .
وفي أول البعشة لم يشارك أهل الكتاب من يود ونصارى في هذا الجدل
لأسباب موضوعية: من أهمها خلو المجتمع لمكي من أصحاب الديانتين عموماء
والتشابه الموجود بين الدعوة الاسلامية وما كان عليه اليهود والنصارى من توحيد
مع انتشار الاسلام. وخاصة عند انتقاله الى المدينة. نشأت ظروف الحوار
الكريم حوار مع اليهود. اهتم بالجانب العقدي والتشريعي والأخلاقي وغيرها من
وأهدافهاء وطرقه ومصادرها .
نشأة الحوار مع اليهود وأسبابها
أدرك مشركو مكة وجود بعض الشبه بين دين اليهود وما يدعو اليه محمد فيه
من ترك عبادة الأوثان وما يقوله من أن الوحي يأتيه من السماء. فأرسلوا إلى أحبار
المديئة يسألونهم علّهم يجدون عندهم ما يتغلبون به على هذه الدعوة ١ل‏

أخرج الرمذي!" بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهيا قال: قالت قرش
الروح فأتزل الله :تست م ن
لاد +"
يدعوهم الى ترك الشرك وعبادة الله الواحد الأحد» 5 بجذددهم ماهم خليه سن
وبعد الهجرة النبوية أصبحت المدينة المنورة تضم مجموعتين عقديتين:
المسلمين واليهود الى جانب بعض المشركين.
أراد الرسول م أن ينظم الحيا: اخل المدينة المنور يأخذ بعين الاعتبار
كثيرا من المعطيات . ولم يخف عليه َي أن مشاكل متعددة قد تنشأ بين سكان المدينة
بشرية ستحدث بين المجموعات ‎!١‏ التي أصبحت تعيش في وسط جغرافي
واحد. وتتجاذبها دوافع فيها تجانس تارة وتنافر أخرى» وحتى لا يتولد عن ذلك
صراع فكري يثير الحقد فلا بد من توجيهات واضحة وقوانين محددة تمكن الأفراد
والجماعات من معرفة حقوقهم وواجباتهم . ولذلك وضع الرسول كَيةِ معاهدة
تنظيمية يمكن القول بأنها عقد سياسي واجتماعي تنظيمي .
لقد كر الجدل حول صحة هذه المعاهدة. وما يلاحظ أن أغلب الذين
رفضوها انطلقوا من أدلة شكلية كعدم ورودها في كتب الفقه والحديث الصحيح »؛
وكروايتها بدون اسناد من طرف ابن اسحاق وابن سيد الناس"".
رآن ب ‎١8‏ - انظر ايضا التحرير والتنوير 144/16
(ا) ات: 48 تفسير
(©) فان فلوتن : الدولة العربية وسقوطها. ترجمة يوسف العش . انظر الحاشية 4 ص +7

تهافتها. فليس ذلك موضوع هذا البحث وقد تكفل بذلك العمل بعض الباحثين"'"
ويكفي هنا أن نشير الى أن هذه المعاهدة تستجيب لظروف عقدية واجتماعية وسياسية
واقتصادية كانت عليها المدينة المنورة نا هاجر اليها الرسول كَل . وقد وجدت هذ
الظروف رسولا كريا لا ينطق عن هوى ولا بريد للانسانية إل الخبر والطمأنينة
والعدل والحياة النظمة ولذلك دخل في حوار مع المجموعات التي يتكون منها
المجتمع المدني؛ تج بعقد معاهدة صداقة تفسح المجال للتعايش السلمي بين
انتين «وتطبع الواقع الجديد بطابعها المتسامح المبني على قاعدة متيئة من مواطن
فجانب التشاور والتحاور بارز في شكلها ومضمونا. فهي تبتم بالمهاجرين من
يش ومن اتصل بهم من العرب وغيرهم . . وهي تصنف الأنصار وقيز بين ب
وأفخاذهم؛ وكذلك تفعل بالنسبة لليهود. ولايتوقف أمر المعاهدة على حقوق
وواجبات المجموعات والأفراد الذين يقيمون في المدينة بل يتجاوز
الذي تقيم فيه هذه المجموعات والعلاقات الخارجية التي يتقيد بها سكان المديئة عند
تعاملهم مع الأجانب عنها وخاصة قريش .
وعلى كل فالذي يستنتج من هذه المعاهدة أنها عقدت بعد حوار وتشاور قادة
لقد طبقت البنود الخاصة بالمهاجرين والأنصار تطبيقا ليا لم يزد المجموعتين
إلا اييانا ووحدة وقوة. أما التي تعود الى اليهود فلم يكن لها أن تت أكلها ذلك أن
لما لم يقاوموا الاسلام منذ الحجرة .
‎)١(‏ انظر مثلا: محمد حميد الله : الوثائق السياسية ص لاه وما بعدهاء
د. ضياء الدين العمري : المجتمع النبوي في عهد النبوة ص ‎٠٠8‏
‏()تحمد حسين فضل الله: الحوار في القرآن ص ‎١18‏

لقد كانوا يمنون أنفسهم بكثرة اليد العاملة عند قدوم المسلمين المهاجرين»
وكانوا يتوقعون أن تصبح المجموعة الجديدة التي حلّت بالمدينة عنصرا من عناصر
التوتر الذي يعتمده يهود المدينة للسيطرة على الثروة ولتصريف انتاجهم ؛ ولتحقيق
السيولة المالية ولكنهم لما لاحظوا الوحدة التي تجمع بين المسلمين» ولا أدركوا أن
الاسلام يدعو إلى العمل والبذل والابتكار والمساهمة في استثمار نعم الله الظاهرة
والتشكيك واثارة الأحقاد. فقد ذكر ابن اسحاق أن شاس بن قيس وكان شيخا قد
نفر من أصحاب رسول الله فيه من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون
فيه . ففاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الاسلام بعد الذي
فقال: اعمد اليهم فاجلس معهم ثم اذكر يوم بعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض
لقد كان شاس بن قيس يمني النفس بأن يجد في الوافدين الجدد على المدينة
عنصرا من عناصر القوة بالنسبة إليه . لم ينظر إليهم على أنهم يشتركون معه في توحيد
الله ونبذ الأوثان والتوجه بالشكر والثناء والعبادة الى الواحد الأحد» الفرد الصمد
الذي لم يلد ولم يولد. لم ينظر اليهم بهذا المنظار ذلك أن نشر التوحيد لا يهمه وعبادة
الأوثان لا تقلقه. المهم بالنسبة إليه أن يجد من يعمل بثمن زهيد في حقوله ومن
يقترض بفائض مجحف أمواله ومن ينصره بدون قيد أو شرط في خصوماته.
قد وحد قلوب معتنقيه وأغلق الباب أمام تلاعب اليهود وأفسد عليهم سياستهم لجا

طريق التعنت وإلباس الحق بالباطل. فكانوا يتظاهرون بمحاورة الرسول قن
تشغل المسلمين عن عملهم اليومي الذي يسعون من ورائه الى أن يكونوا خير أمة
عن اليهود الذين تأكدوا من أنهم ارتكبوا خطأ بمهادنة الاسلام مهادنة مكنته
من أن يصبح قوة تهدد وجودهم بالمديئة ويصعب عليهم محاربته بطريقة
مكشوفة. قال ابن اسحاق: وكان أحبار يهود الذين يسألون رسول الله كَل
يسألون عنه إلا قليلا من مسائل الحرام والحلال كان المسلمون يسألون عنهال""
أدرك الرسول َي أن اليهود يريدون بعث الضغائن ونشر الحقد والجدل
ن المسلمين كما أدرك أنهم يستخدمون لبلوغ مآريهم رصيدهم المعرفي
المتمثل في التوراة التي ما أتى الاسلام ليشكك فيها وانيا ليخلص أحكامها من الزيغ
والتحريف ولذلك أمر الصحابة بأن يقفوا موقفا حذرا مما ينقله اليهم اليهود» وأن
يمسكوا عن التصديق والتكذيب. فقد عقد البخاري بابا في كتاب الاعتصام
بالكتاب والسنة عنون له : باب قول النبي يَية: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء؛
وخرج فيه حديث أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرية
واستنتج بعض العلماء من هذا الحديث ومن أحاديث أخرى تنفق معه في
‏خ: 43 الاعتصام بالكتاب والسنة/ باب قول النبي 8 لا تسألون أهل الكتاب شيء. انظر أيضا‎ )1(
‏تفسير سورة البقرة باب قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا‎ ©

النبي عن الأخذ من اليهود"' ومن بعض الآيات القرآنية المطابقة له في المعنى”" أن
الحوار مع اليهود والأخذ عنهم غير مسموح به في الشريعة الاسلامية في القضايا التي
لم يتعرض لا القرآن الكريم والسنة النبوية . فقد يكون ما يخبرون به المسلمين صدقا
ألم هؤلاء إن هم كذبوهم» أو يكون كذبا فيرتكبون ذنبا انهم صدقوهم وآمنوا
بها أخبروهم به. ولكن تدبر ما جاء في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية في هذه
‎١‏ - أن النهي عن محاورة اليهود والأخذ عنهم مقيد. فلا يكون إلا في القضايا التي
سكت عنها القرآن الكريم والسنة النبوية . فا جاء عنهم مساير للقرآن والسنة يمكن
إلى محاورتهم لرد ما أولوه تأويلا فاسدا أو انتحلوه أو كتموه فقد ذكر ابن حجر أن
تحتاج موافقة اليهود أو تكذييهم الى أدلة وعقلية وهذه الأخبرة لا تقام أحيانا
أدلته وأحكامه وبراهينه. وإنما تتجاوز ذلك لتشمل التجربة الانسانية والشرائع
فالقرآن الكريم قد أشار في بعض الأحيان الى ضرورة الرجوع إلى الأمم
السابقة وسؤالها عن بعض القضايا ‏
(1) أخرج الامام أحمد بسنده عن جابر بن عبدالله ان عمر بن الخطاب أتى النبي 8 بكتاب أصابه من
يعض أهل الكتاب فقراه عليه فقضب فقال: امتهوكون فيها يا ابن الخطاب (الحديث) المسند
أخرج البخاري بسنده عن عبدالله بن عباس رضي الله عنبا أنه قال : يا معشر المسلمين كيف تسألون
أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه يذ أحدث الأخبار (الحديث؟ه الشهادات ب 14 : لا
يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها
(1) من هذه الآبات قول الله تعالى : في وَل
العنكبوت 476
(©) ابن حجر: فتح البارى 178/8

أن يسأل أممهم وعلماء دينهم وهو
قال الفراء مبينا وجه : هم إنما يخبرونه عن كتب الرسل
ورأى بعضهم أن في الآية تمثيلا لشهرة الخبر وتحققه فسؤال الرسول محمد َيه
الذين قبله متعذر عل الحقيقة والمعنى تف شرائع الرسل وكتبهم وأخبارهم هل
وسواء أخذنا بالتفسير الأول أو الثاني فيا ينتج عن العمل بالآية واحد؛
فالاستقراء يتطلب البحث عن النصوص والأخبار والدخول في حوار مع المكلفين
بتطبيقها والسهر عليها. وفي هذا السياق تندرج الأخبار التي تفيد أن الرسول فيه
قد استمع لبعض اليهود وهم يتلون التوراة. فقد روى الامام أحمد بسنده عن
عبدالله بن مسعود قال: «ان الله عز وجل ابتعث نبيه لادخال رجل الجنة فدخل
النبي كَل وأمته فقال: هذه صفتك وصفة أمتك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول
يبين هذا الحديث: (أ) ان المديئة في عصر الرسول في وقبل اجلاء اليهرد
() انظر: د. محمد السيد حسين الذهبي : الاسرائيليات في التفسير والحديث ص 88
(0) حم: مسند ‎16/١‏

عنها كان بها دور للعبادة والعلم خاصة باليهود. فقد جاءت لفظة كنيسة في هذا
الحديث كما وردت عبارة دبيت المدارس» في أحاديث أخرى!".
وتفيد هذه العبارة أن اليهود كانوا يتوجهون الى مكان خاص عند دراسة
التوراة؛ (ب) أن الرسول في كان يدخل أحيانا هذه الدور ويطلع على ما يدور فيها
ويسأل اذا ما استدعى الأمر ذلك.
الرسول قن على أخبار اليهود وأدرك طرق تعاملهم مع النصوص وتبين له أن
اخبارهم التي لا تناقض ما نزل عليه ولا تعارض الكليات التي قامت عليها أحكا.
الفهم أو التثبت. وفي هذا السياق يندرج الحديث النبوي المروي عن عبدالله بن
علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النارم".
كان الرسول 8 : يدرك مكانة الحوار في التأثير على النفوس وفي هداية أصحابها
إلى نبذ تقليد الضالين والضلين. لقد علمه ربه عن طريق الوحي الجلي أن بعض
الكافرين يتركون ملة آبائهم عندما يتبين لهم عن طريق الحوار صدق النبي المرسل
إليهم . . وجرب هو هذه الطريقة مع كفار مكة ومع يهود المدينة؛ فأثمرت خيرا مع
قضايا سكت عنها القرآن الكريم والسنة النبوية وهي مشتركة امكانية الصدق
والكذب فحري بالمسلم أن يوقف الحوار وأن يقول: ل امنا رأ زا
٠1خ‏ 84 الاكراه/ الباب الثاني في بيع المكره ونحوه في الحق وغيره.
(1)مخ: 60 أحاديث الانبياء/ باب 43 ما ذكر عن بني اسرائيل ح 4