صاحب الروضة الندية » وكارت في ذلك إدعاءات الصوفية ؛ ذكرت
بابا فى أحكام الرؤيا ؛ وختمت هذه الرحلة الشريفة بالنوادر من تأويلات
الأكابر حتى يتدرب القارىء على التعبير ؛ ويكون مثالاً للتعبير بعد دراسة
الأصول » ولما كان الكتاب لا يترتب على حروف المعجم أو الأبواب
تضمنه الكتاب من أصول التعبير » بحيث أن الناظر فيه يسهل عليه أن
يقف على معنى ما يريد » وإن أراد المزيد رجع إلى موضعه فى الكتاب »
والله تعالى الهادى للصواب وعليه القبول والثواب ٠
تفجل السُفيَا في غير الرؤيَا » وأسأل الله العلى العظيم أن يكتب لى
وله القبول » وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم » مقربا إليه وإلى داره دار
السلام والنعم المقم » وأترك القارىء الكريم حتى يجني من ثاره وينتفع
١ - معنى الرؤيا وأقسامها
قال الألومى رحمه الله :
الرؤيا مصدر رأى - البصرية الدالة على إدراك خصوص ؛ وفرق
بين مصدر المعنيين بالتأنيئينل » ونظير ذلك القربة للتقرب المعنوى
بعبادة ونحوها ؛ والقرنى للتقرب النسبى ؛ وحقيقها عند أهل السنة كا
قال محى الدين التووى نقلا عن المازرى : إن الله سبحانه يخلق فى قلب
أمور أخر يخلقها فى ثانى الخال » » ثم إن ما يكون عَلَماً على ما يسر يخلقه
بغير حضرة الشيطان ؛ وما يكون عَلَماً على ما يضر يخلقه بحضرتة 6
ويسمى الأول رؤيا ويضاف إليه تعال | يف ؛ والثانى حلما
وتضاف إلى الشيطان ؛ كا هو الشائع من إضافة الشىء المكروه إليه » وإن
كان الكل منه تعالى » وعلى ذلك جاء قوله عه : « الرؤيا من الله تعالى
والحلم من الشيطان م
وقيل : هى أحاديث الملك الموكل بالأرواح إن كانت صادقة »
ووسوسة الشيطان والنفس إن كانت كاذبة ؛ ونسب هذا إلى المحدثين »
رواه البخارى ( 768/17 ) التعبير ؛ ومسلم ( 20/13 ) الرؤيا+ وأبو داود )3(
. الأدب » ومالك فى الموطأ ( 487/7 ) الرؤيا عن أى قنادة )20 <٠
وقد يجمع بين القولين بأن مقصود القائل بأنها اعتقادات يخلقها الله تعالى
فى قلب إلخ .. ؛ أنها اعتقادات تخلق كذلك بواسطة حديث الملك »
أو بواسطة وسوسة الشيطان مثلا!' .
وقال القرطبى رحمه الله :
الرؤيا مصدر رأى فى المنام رؤيا على وزن فعل كالسقيا
والبشرى ؛ وألفه للتأنيث ولذلك لم ينصرف وقد اختلف العلماء فى
حقيقة الرؤيا فقيل : هى إدراك فى أجزاء لم تحلها آفة كالنوم المستغرق
وغيره ؛ ولهذا أكثر ما تكون الرؤيا فى آخر اليل لقلة غلبة النوم » فيخلق
الجائزات المعتادات . وقيل : إن لله ملكا يعرض المرئيات على المحل المدرك
من النائم » فيمثل له صوراً محسوسةٌ ؛ فتارة تكون تلك الصور أمثلة
موافقة لما يقع فى الوجود ؛ وتارة تكون لمعانى معقولة غير محسوسة ؛ وف
الحالتين تكون مبشرة أو منذرة!" .
وقال القاسمى رحمه الله :
قال الإمام الراغب الأصفهانى فى كتابه ( الذريعة) فى بحث
الفراسة ) ما مثاله : والرؤيا هى فعل النفس الناطقة ؛ ولو لم يكن لا
)١( روح المعانى ( 181/17 ) باختصار . ط دار التراث +
() الجامع لأحكام القرآن ( 7354/4 ) باختصار . ط الشعب ء
حقيقة لم يكن لإيجاد هذه القوة فى الإنسان فائدة » والله تعالى يتعال عن
الباطل وهى ضبان : ضرب وهو الأكبر أضغاث أحلام وأحاديث
النفس بالخواطر الرديئة » لكون النفس فى تلك الحال كلماء المخموج +
لا يقبل صورة .
وَضَرّبٌ وهو الأقل صحيح ؛ وذلك قسمان : قسم لا يحتاج إلى
تأويل ؛ ولذلك يحتاج المعبر إل مهارة يفرق بين الأضغاث وبين غيرها »
ولميز بين الكلمات الروحانية والجسمانية » ويفرق بين طبقات الناس »
يرشح أن تلقى إليه فى المنام الأشياء العظيمة الخطيرة ومنهم من لا يرشح
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
وقال القاضى أبو بكر بن العرنى : الرؤيا إدراكات علقها الله تعال
فى قلب العبد على يدى ملك أو شيطان ؛ إما بأسمائها أى حقيقتها » وإما
على نسق فى قصة ؛ وقد تأت منترسلة غير بحصلة ؛ وهذا حاصل قول
أى إسحاق » قال : وذهب القاضى أبو بكر بن الطيب إلى أنها
خلاف المعتقد" .
(1) محاسن التأويل ( 183/4 ) باختصار . دار الفكر +
() فتح البارى ( 287/17 387 ) باختصار , ط السلفية +
فهذه بعض أقوال العلماء فى معنى الرؤيا وحقيقتها » والذى يهم
الرؤيا التى لها معنى تفسر به » فإن ما يراه النائم أحد ثلاثة : إما أضغاث
وتخليط .من الشيطان كا فى قصة الرجل الذى قال للنبى عل : يا رسول
الشيطان بأحدكم فى منامه فلا يحدثن به الناس 06 . فهذا من لعب
الشيطان ومكائده ليحزن الذين آمنوا كا أخبر الله عز وجل أن للشيطان
مكائد يحزن بها المؤمنين فمن ذلك الحلم » ومن ذلك كذلك النجوى كا
[المجادلة : ٠١ ع ولا شك كذلك أن من تلاعب الشيطان الاحتلام
الذى يوجب الغسل » فلا يكون له تأويل ؛ والأنبياء معصومون من
ذلك » ورؤيا الأنبياء وحى . وسوف نذكر بعد ذلك إن شاء الله فى باب
آداب الرؤيا ما ينبغى على المسلم أن يعمله إذا تعرض لشىء من ذلك .
من الأضغاث أى الأخلاط » وليس لما معنى كسابقتها » وإن لم تكن من
الشيطان » لأن الغالب أنها لا يحصل معها ضيق فى الصدر وحزن
كالعاشق يرى معشوقه ؛ وحاصلها أنها ليست رؤيا صادقة فيها تبشير أو
( 1/1 ) الرؤيا ٠
تحذير » وليست كذلك من مكر الشيطان ووسوته فيكون معها تحزين
وتكدير .
والثالث : من ذلك الرؤيا الصالحة التى هى من الله عز وجل ؛
وهى بالنسبة للمؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة » ولا شك أن
من الرؤيا الصالحة رؤية النبى عل ؛ عن جابر أن رسول الله عل قال :
« من رآنى فى الوم فقد رآنى إنه لا يبغى للشيطان أن يتمثل فى
صورق 6 فلا يمكن أن يتمثل الشيطان بالنبى عَم فى صفاته الخِلقِيةٍ
التى كان عليها يِه وعمدة هذا التقسم ما رواه أبو هريرة رضى الله عنه
قال : قال رسول الله تل : إذا اقعرب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن
تكذب ؛ وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ؛ ورؤيا المؤمن جزء من ستة
وأربعين جزءا من البوة ؛ والرؤيا ثلاثة : فرؤيا صالحة بشرى من
الله . ورؤيا تحزين من الشيطان , ورؤيا مما يحدث المرءٌ نفسه ... 06
( الحديث ) .
ف كيف أفرق بين هذه الثلاثة ؟ وكيف أتأكد هل هى
من الله عز وجل أو من الشيطان أو حديث نفس ؟
+ رواه مسلم ( ك35/1 ) الرؤيا ؛ وابن ماجه (74:7) تعبير الرؤيا )١(
() رواه البخارى ( 404/17 ) التعيير ؛ ومسلم ( 70/15 ١ ) الرؤيا ؛ وأبو داود
(84) الأدب ء والترمذى ( 137/4 ) الرؤيا؛ والبغوى فى شرح السنة
70/1 ) الرؤيا ؛ وقوله : د الرؤيا ثلاث » رفعه بعض الرواة ووقفه بعضهم على
محمد بن سيرين +
من الله عز وجل كم فى الحديث ٠: أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا 06
وإن كان من الكفار أو المخلطين من أهل الإيمان فغالب ما يرونه من
التخليط وأضغاث الأحلام » وإن جاز أن يرى الكافر والفاسق الرؤيا
الصادقة » ولكن على وجه الندرة ا فى قصة رؤيا المَلِكِ فى سورة
يوسف عليه السلام .
كان جميع ما يرونه حق وصدق ؛ لذا قال إبراهيم عليه السلام لابنه
ا الصافات : 108 ]
وحديث النفس للمؤمن والفاسق والبر والفاجر لأنه ليس من الله
عز وجل ؛ وكذلك ليس بسبب وسوسة الشيطان وتخويقه .
أما الرؤيا : فالصادقة تكون واضحة المعالم ليس فيا تخا
رجاؤه وحسن ظنه بالله عز وجل كا قال تعالي: يا رك ءالَوارَكَانا
)١( السابق .
(1) رواه الترمذى (1780177/4 ) أبواب الرؤيا؛ وقال : هذا حديك حسنء؛
وابن ماجه (6448) تعيير الرؤيا ؛ ورواه مالك فى الموطأ ( 458/7 ) كتاب الرؤيا +
والحام 341/40 ) الرؤيا وصححه ووافقه الذهيى والأنباى .
وإما أن تكون تحذيراً من عدو أو خطر ينتظره حتى يأخذ لذلك
يصحبها من انشراح الصدر ؛ وزيادة الإممان » ما يميز به المؤمن أنها من
فضل الله ورحمته .
والحلم الذى هو من وساوس الشيطان يكون غير محدد المعالم +
وفيه من التخليط والتخويف وا
له محددا » وليس فيه تبشير ولا تحذير .
وبالنسبة لوقتها فالرؤيا الصالحة غلباً تكون فى نصف الليل
الآخر » قبل الفجر أو بعد الفجر » فإن هذا وقت انتشار الملائكة +
ونصف الليل الآخر وقت نزول الرب جل وَعَزّ نزولا يليق بجلاله .
والحلم غالبا يكون فى أول الليل ؛ لأنه وقت انتشار الشياطين .
وقال البغوى رحمه الله :
ن الذى يضيق له الصدر ؛ ولا معنى
المعبرون يقؤلون : أصدق الرؤيا فى وقت الربيع أو الخريف عند
خروج الخار » وعند إدراكها ؛ وهما وقتان يتقارب فيهما الزمان ويعتدل
الليل والنهار . وقالوا : ورؤيا الليل أقوى من رؤيا النهارء وأصدق
ساعات الرؤيا وقت السحر!» .
ومما تتميز به الرؤيا الصادقة عن غيرها كذلك الظروف
والملابسات ؛ فإن كان حال المؤمن فى زيادة » وقد نام على طهارة » وقرأ
» شرح السنة (110/17) - دار بدر . وهذا تأويل لقوله عَكثَهِ : « إذا تقارب الزمان )١[
+ وإن كان الراجح فى معناه ما سيأ قرب قيام الساعة
أذكار النوم » ونام على جنبه الأيمن فالغالب عند ذلك أن يكون ما يراه من
الله عز وجل ؛ لأنه تحرز من الشيطان بالأذكار والتعوذات المشروعة .
النفس .
وإن كان العبد فى فرةٍ عن الطاعة والعبادة » ونام على غير
ذلك فريسة للشياطين وتحزينهم وتكديرهم .
تكميل : قال التوريشتى : العلم عند العرب يستعمل استعمال
الرؤيا » والتفريق من الاصطلاحات التى سْنهَا الشارع للفصل بين الحق
والباطل » كأنه كره أن يسمى ما كان من الله » وما كان من الشيطان
باسم واحد » فجعل الرؤيا عبارة عن الصالح منها ؛ لما فى الرؤيا من
الدلالة على المشاهدة بالبصر أو البصيرة » وجعل الحلم عبارة عما كان من
الشيطان » لأن أصبل الكلمة لم يستعمل إلا فيما يخيل للحالم فى منامه من
قضاء الشهوة » مما لا حقيقة له( .
ِ تكميل آخر : قوله عز وجل : ل قَالوا أَضْخَتُ حكني وَمَاكَنٌ
() محاسن التأريل 17١/4 ) +